نظم مجمع البحوث الإسلامية فعاليات "أسبوع الدعوة الإسلامي - رؤيةٌ إسلاميَّةٌ في قضايا إنسانيَّةٍ"، والذي أشرفت عليه الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية بالجامع الأزهر الشريف خلال الفترة من السبت الماضي وحتى أمس الأربعاء.

جامعة الأزهر تشارك في المؤتمر الأول للقيادات الطلابية الرياضية بجامعة قناة السويس رئيس جامعة الأزهر يتفقد العملية التعليمية للدفعة الأولى لطالبات شعبة القراءات وعلومها

جاء ذلك في إطار توجيهات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بتكثيف البرامج والفعاليات الدعوية والتوعوية بما يحقق دور ورسالة الأزهر الدعوية والتوعوية.

الأزهر حامل لواء الوسطية

وقال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد الجندي إن الندوة الأولى التي عقدت تحت عنوان الأزهر حامل لواء الوسطية، انتهت إلى أن الأزهر الشريف الذي جاوز عمره اليوم ألف وأربعة وثمانين عامًا من العطاء، تلقى المنهج الوسطي بسند متصل من سيدنا رسوله الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الغر الميامين، وحافظ شيوخه على هذا السند المتصل إلى يوم الناس هذا، وأن الأُمَّة الإسلاميَّة والعالم كلُّه تلقى المنهج الوسطي من أفواه ومؤلِّفات علماء الأزهر، وارتضوه منهجًا يواجهون به التطرف والتعصب، والانحلال الخلقي، حيث حول الأزهر الشريف آيات القرآن الكريم الداعية إلى الوسطيَّة والاعتدال إلى برامج عمل وتنفيذ على الواقع، مضيفا أن هذه الوسطيَّة سمة لازمة لهذه الأمَّة، لا تنفك عنها، وكلُّ تطرف أو انحلال يبعد هذه الأمَّة عن الوسطيَّة مصيره إلى زوال، فهي مرتكز أساس في تكوين الإنسان السوي، ومبادؤها تحافظ على الفطرة الإنسانيَّة، وهي مظهر من مظاهر تكريم الله لبني آدم، وأن الوسطيَّة داعم أساس لاستقرار الأمم والشعوب، وحافظة للمنجزات الحضاريَّة والمكتسبات الماديَّة.

“الإلحاد.. أسبابه و مخاطره وعلاجه”

أضاف الجندي أن الندوة الثانيَّة والتي عدت بعنوان: "الإلحاد.. أسبابه و مخاطره وعلاجه"، انتهت إلى أن الإلحاد قضية قديمة تتجدد بأشكال مختلفة، وتظهر بين الفينة والفينة وهي من عورات الفكر الإنساني، وهو خطر يهدد العالم كلَّه؛ لأنَّه كفر بكلِّ الثوابت البدهيَّة التي استقر عليها العقل البشري السوي، كما أن نوبات الإلحاد حركات طارئة في المجتمعات، لها أسبابها النفسيَّة والبرجماتيَّة، وعلاجها يعود على المجتمعات بالصحة النفسيَّة والعقليَّة والحضاريَّة، موضحًا أن من أهم أسباب الإلحاد تدخل العقل فيما لا طاقة له به، فالعقل محدود في التفكير، ولذلك جاء الوحي ليضيء للعقل الجوانب المظلمة بآيات الوحي الإلهي، وكذلك جدليَّة التضاد بين العلم والدين، وهي جدليَّة افتراضيَّة لا أساس لها من الصحة، فالإسلام حمل دعوة صريحة للعلم و التفكر والإبداع، والتدبر، وأن قانون الصدفة الذي بنى عليه الملاحدة فكرهم الإلحادي قانون باطل بإقرارهم، وقانون نظام هذا العالم يؤكِّد أنَّ هناك منظِّم حكيم خبير، ويكفي أن ينظر الإنسان إلى نفسه وأمعائه، وأجهزته ونظام عملها الدقيق المحكم ليستدل على وجود الخالق.

أشار الأمين العام أن الخطاب المتطرف، الذي يحرَّم زينة الحياة الدنيا، ويضيِّق على الناس في معاشهم، ويقنِّطهم من رحمة الله من أهم الأسباب الداعمة للإلحاد، فالإلحاد يكون مظهرًا من مظاهر التفلت من الأحكام الشرعيَّة، وانفلات النفس في تحقيق شهواتها، وملذاتها دون ضابط أو رقيب، مضيفا أن من أهم وسائل معالجة الإلحاد تعميم الدراسة الدينيَّة في المدارس والجامعات، وإفراد مقرارت لها، وتقديم القدوة الإسلاميَّة، وترغيب الناس في السير على مقتضاها، وكذلك بناء وجهات النظر الإسلاميَّة على أسس علميَّة موضوعيَّة تتناسب مع ما جدَّ في العالم من تطورات، وكذلك  ضرورة تغيير وضعنا فيما يتعلق بالدفاع عن الإسلام، فقد درجنا على أن نقوم بدور المدافع عن الإسلام الذي جعل مهمته منحصرة في ردِّ الهجوم، ولكن هذا لم يَعُد اليوم أمرًا كافيًا، فعلينا ألَّا نقنع بدور المدافع -وإن كان هذا مطلوبًا في حد ذاته أيضًا -وإنما ينبغي أن ننتقل إلى الموقف الأقوى وهو عرض الإسلام عرضًا جديدًا بأسلوب علمي يصل إلى عقل كلِّ ذي لب في عالمنا المعاصر، وبهذا لا نضيِّع وقتنا في انتظار وترقب الهجمات لنقوم بصدِّها، وإنما نقتحم الميدان بعرض الإسلام من جديد؛ ليس العرض الخطابي العاطفي الذي يكون له تأثير وقتي سرعان ما يزول، وإنما العرض المقنع الذي يستمر تأثيره ويدوم.

الإدمان أسبابه ومخاطره وعلاجه

أوضح الجندي أن الندوة الثالثة: الإدمان أسبابه ومخاطره وعلاجه
بينت أن الإدمان ناتج في المقام الأول عن البعد عن الله تعالى وضعف الإيمان، وذلك نظرًا لضغوط الحياة وابتلاءاتها، التي تحتاج قوة اليقين، وحسن الظن بالله، والتوكل عليه، وكذلك  نتاج التفكك الأسري، وضعف الروابط الاجتماعيَّة، وغياب التربية السليمة المبنية على أسس قرآنيَّة وتطبيقات نبويَّة، وتقديم قدوات مدمنة تظهر في وسائل الإعلام على أنها أبطال، وتغري الشباب بهذه السلوكيَّات الهابطة، وأن الإدمان الذي تقدمه بعض الإعمال الفنيَّة على أنَّه علاج لمشكلات الواقع، وأزمات الحياة، وهو خطر يقتل روح المثابرة، وعزيمة الشباب، الأمر الذي ينذر بخطر داهم على الأمم والشعوب، مشيرًا إلى أن الإدمان آفة خطيرة؛ تهدد بنيان الإنسان؛ عقلًا وجسمًا؛ الأمر الذي يهدد تقدم المجتمع واستقراره، وعلاجه واجب المؤسسات الثقافيَّة والدينيَّة والإعلاميَّة والأمنيِّة، فالشباب هم الثروة الحقيقيَّة للأُمَّة، والحرب الآن تعتمد على تغييب عقول الشباب وعزلها عن واقع أمتها، فالعقل هو مناط التكليف، ومن خلاله تتحقق المقاصد العامَّة في الحفاظ على الكليَّات الخمس، وتغييب هذا العقل يهدر الكليات الخمس، وهذا تهديد صريح لاستقرار الأوطان والمجتمعات.

أكد الأمين العام أن التعسف في طرح مسألة الخمور والمخدرات، والتلاعب بنصوص الشرع المحرِّمة لكلِّ مسكر قلَّ أو كثر من بعض المتصدرين لوسائل الإعلام أمر في غاية الخطورة، ويخدم أعداء الوطن خدمة مباشرة، ويجب أن تلتزم الأعمال الفنيَّة بالقيم الأخلاقيَّة، والمواثيق الدوليَّة التي تمنع التدخين، وتمنع استخدام الخمور والمخدرات في الإعمال الفنيَّة، موضحًا أن الإدمان ليس قاصرًا على الخمور والمخدرات، فمع ظهور شبكة الإنترنت ظهرت أنواع أخرى من الإدمان، منها مشاهدة الأفلام الإباحيَّة التي تقتل الغيرة، وتئد المروءة، وتضعف القوة البدنيَّة، وكذلك  الصور العارية، وإضاعة الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن علاج الإدمان ليس مهمة مؤسسة بعينها، بل هو مهمة الأسرة، والمدرسة، والجامع، والكنيسة، والإعلام بكلِّ وسائله، وهو على العموم مهمة المجتمع بكلِّ طوائفه.

الأزهر تاريخ وحضارة

أضاف الجندي أن الندوة الرابعة التي عقدت تحت عنوان: "الأزهر تاريخ وحضارة"، أشارت إلى أن الأزهر الشريف منارة العلم في المشرق الإسلامي، والعالم كلِّه، فالأزهر الشريف منذ نشأته وحتى اليوم هو وارث أنوار النبوة، وحافظ الوحيين( الكتاب والسنة)، وكذلك حافظ على اللغة العربيَّة، رغم تعاقب المحتلين على مصر، فالأزهر الشريف مكوِّن أساس من مكونات الحضارة العالميَّة، وجامعه وجامعته رقم لا يمكن تجاوزه أو تجاهله في الحديث عن الحضارة، ومقوماتها، مشيرًا إلى أن الأزهر الشريف مبنى ومعنى حقق هيئة أمم متحدة من خلال ما يؤمه من طلاب العالم الإسلامي الذين يمثلون سكان المعمورة من شرقها إلى غربها، وأسماء أروقة الجامع الأزهر خير شاهد على ذلك، فالأزهر قد حمل هموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وآزر الثورات التحرريَّة في شتى بقاع العالم، فكان مع السودانيين الجزائريين، واللبيين، وغيرها من حركات التحرر، لذا أدرك المستعمورن خطر الأزهر على مشاريعهم الاستعماريَّة في الشرق الأوسط، فعملوا على اضطهاد علمائه، ووضعوا الخطط لاستنزاف الأزهر، وتشويه صورته، وتقديمه بصورة قميئة لينفروا الناس منه، ولا يزالون يمارسون ذلك بأشكال مختلفة، ولم يفلحوا ولن يفلحوا، فالأزهر بتاريخه وحضارته هو حامل لواء الوسطيَّة؛ وازدهاره يعود بالنفع على الإنسانيَّة في جميع بقاع الأرض، وتنبثق قدرة الأزهر على التأثير في شخصية الأُمَّة الإسلاميَّة من وراثته التاريخ الفكري للعالم الإسلامي بأسره، فتقرأ في صحنه وعلومه ونتاجه العلمي التنوع الذي لا يؤدي إلى فرقة، والوحدة التي لا تنقلب إلى شموليَّة متوحشة، والمعايير التي تضبط النتائج، والأصول التي تضمن سلامة الوصول، فالأزهر يمثل الأفق الفكري الواسع الذي استوعب حركة التاريخ الإسلامي على كلِّ الأصعدة دراسة وتحقيقًا وإنتاجًا لمزيد من المعطيات والدلالات التي تحتاجها الأُمَّة الإسلاميَّة لمواصلة بنائها الحضاري والحفاظ على مكانها بين الأمم ومن ثمَّ نظرت إليه  الأُمَّة الإسلاميَّة  على أنَّه الحارس اليقظ للدين وللهُوية والثقافة.



الأخوة الإنسانيَّة ضرورة وجوديَّة

أوضح الأمين العام أن الندوة الخامسة: الأخوة الإنسانيَّة ضرورة وجوديَّة أكدت أن الأخوة الإنسانيَّة التي ينادي بها الأزهر هي امتداد لمعطيات القرآن الكريم وتطبيق عملي للسنة النبويَّة، فالأزهر الشريف قد نادي بالأخوة الإنسانيَّة منذ زمن بعيد وحاول وما زال يحاول جمع الناس على اختلاف عقائدهم وألوانهم وألسنتهم تحت مظلة الإخوة الإنسانيَّة، فالشيخ محمد مصطفى المراغي قدَّم للعالم وثيقة «الزمالة الإنسانيَّة»، والأستاذ الدكتور أحمد الطيب قدَّم للعالم وثيقة «الإخوة الإنسانيَّة»، مشيرا إلى أن الأزهر الشريف يرفض مصطلح «الأقليَّات» لما يشعر به من دونيَّة، ويقر مصطلح «المواطنة»؛ ليكون نطقة انطلاق نحو تحقيق الأخوة الإنسانيَّة، فالأزهر الشريف يدعوا إلى العيش المشترك على أسس قرانيَّة وتطبيقات نبويَّة، ويحذِّر المجتمع الدولي من إنتاج أسلحة الدمار الشامل، والاعتداء على حقوق الأمم والشعوب، والعالم يفقد إنسانيته وهو يقف موقف المشاهد لأحداث الإبادة الجماعيَّة لشعب فلسطين المحتلة، فالمجازر التي يمارسها الاحتلال الصهيوني على الأراضي الفلسطينيَّة تؤكِّد فقدان الإنسانيَّة، فأين الإنسانيَّة من جماجم الأطفال، وأشلاء الرجال والنساء، وتخريب المنشآت، وتفجير

المستشفيات؟!، فالعالم أحوج ما يكون للبحث عن إنسانيته المفقودة، وأخوته المهدرة، وإيجاد سبل التعايش المشترك واحترام حقوق الشعوب في بناء أوطانها، وجلاء الاحتلال عنها.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: البحوث الإسلامية أسبوع الدعوة الإسلامي رؤية إسلامي ة قضايا إنساني ة أحمد الطيب الأزهر إلى أن الأزهر الشریف البحوث الإسلامیة الأخوة الإنسانی الأمین العام ة الإسلامی أن الندوة ة التی على أن

إقرأ أيضاً:

العقيدة الإسلامية أساس الدين كله والمرجع الذي يوجّه الأحكام..

العقيدة الإسلامية هي حقيقة ثابتة وشاملة تُحدد علاقة الإنسان بربه، وبنفسه، وبالآخرين، وبالكون من حوله. فعاليتها تكمن في تحويل الإيمان إلى قوة دافعة للإصلاح والتنمية، مما يجعلها الأساس المتين لبناء الفرد والمجتمع.

الكاتب والمفكر التونسي الدكتور عبد المجيد النجار وهو أحد المفكرين والباحثين في مجال الفقه والفكر الإسلامي المعاصريقدم في هذه السلسلة من المقالات التي تنشرها "عربي21" بالتزامن مع نشرها على صفحته على منصة "فيسبوك"، مدلول العقيدة الإسلامية  ومفرداتها.

العقيدة هي الأساس الذي يُبنى عليه الدين كلّه، وهي المرجع الذي يوجّه كلّ الأحكام، ما كان منها منصوصا عليه، وما كان اجتهاديا؛ ولذلك فإنّ الصورة التي يتمّ عليها الاعتقاد صحّة أو فسادا، واستقامة أو انحرافا، هي التي تكون محدّدا أساسيا لمدى صحّة الأحكام واستقامتها، كما تكون المحدّد لجميع تصرّفات الأمّة من أجل بنائها الحضاري الشامل، فإذا ما أصابها خلل اختلّ به التديّن في جملته، وهو الأمر الذي دعا المسلمين إلى أن يؤسّسوا علما من أهمّ علومهم هو علم العقيدة، مهمّته شرح المعتقدات الإسلامية، وتقوية الإيمان بها، وحراستها من التحريف والتبديل.

وإذا كانت العقيدة الإسلامية خلاف أديان كثيرة أخرى بقيت محفوظة لم ينلها تحريف عند عموم الأمة، إلا أنّ ملابسات عديدة أحاطت بها في بعض الأزمان، وعند بعض المسلمين،  يتعلق بعضها بمفهوم العقيدة نفسه، ويتعلق بعضها الآخر بمفرداتها وبمنهجية عرضها، وهذه الملابسات تراكمت عبر التاريخ، وتفاعلت مع الأحداث، فآل الأمر بها إلى أن أصبحت المرجعية العقدية عند الكثير من المسلمين لا تقوم بدورها الكامل في توجيه الفكر والسلوك حتى وإن كان ما هو حاصل منها متصفا بالسلامة والصحة، وهو الأمر الذي يستدعي مراجعة لهذا الوضع العقدي من تلك الجهات التي غشيتها الملابسات.

1 ـ مدلول العقيدة
2 ـ  مفردات العقيدة

أولا ـ مراجعة ذات المفردات
ثانيا ـ مراجعة الترتيب

3 ـ تفعيل العقيدة

أولا ـ التأطير العقدي الشامل
أ ـ التأطير العقدي للفكر
ب ـ التأطير العقدي للعمل

ثانيا ـ التفعيل الإرادي للاعتقاد

أ ـ الجزم الاعتقادي
ب ـ الإحياء الروحي للاعتقاد

1 ـ مدلول العقيدة

 بما أنّ العقيدة هي أساس الدين، وهي الموجّه الأكبر للحياة في جملتها فردية وجماعية، فإنّ المدلول الذي ينطبع في أذهان الناس عنها فيما تشمله من المفردات، والذي يكون هو الموجّه لحركة التدين السلوكية بأكملها ستكون له أهمية بالغة في طبع تلك الحركة بطابعه، إذ هذا المدلول بما يشمله من مفردات سعة وضيقا، وبما يحلّ به في النفوس سطحية وعمقا هو الذي سيكون المحدّد الأصلي للهوية الإسلامية، والمحرك الأساسي لحركة الحياة، والطابع لها بطابعه المميز، فبحسب ما يكون تصوره في الأذهان سعة وضيقا، ووضوحا وغموضا، يكون عمل العقيدة في النفوس تحقيقا للهوية الإسلامية فيها، ودفعا لها إلى الفعل من أجل التعمير، وذلك بمقتضى كون العقيدة الإسلامية هي المنشئ لكلّ ذلك والدافع إليه.

العقيدة هي الأساس الذي يُبنى عليه الدين كلّه، وهي المرجع الذي يوجّه كلّ الأحكام، ما كان منها منصوصا عليه، وما كان اجتهاديا؛ ولذلك فإنّ الصورة التي يتمّ عليها الاعتقاد صحّة أو فسادا، واستقامة أو انحرافا، هي التي تكون محدّدا أساسيا لمدى صحّة الأحكام واستقامتها، كما تكون المحدّد لجميع تصرّفات الأمّة من أجل بنائها الحضاري الشامل، فإذا ما أصابها خلل اختلّ به التديّن في جملته، وهو الأمر الذي دعا المسلمين إلى أن يؤسّسوا علما من أهمّ علومهم هو علم العقيدة، مهمّته شرح المعتقدات الإسلامية، وتقوية الإيمان بها، وحراستها من التحريف والتبديل.وعلى سبيل التوضيح فإن عقيدة يمتدّ مدلولها ليشمل تحديد مهمّة للإنسان في حياته هي مهمّة التعمير في الأرض، فيكون أصلا من أصولها سيكون أثرها في النفوس طبعا لهويتها، وتحديدا لعلاقتها العملية بالكون أثرا مختلفا لا محالة عن الأثر الذي تحدثه تلك العقيدة لو انحسر مدلولها عن تحديد هذه المهمة للإنسان، فأهملت فيها، أو اندرجت ضمن تعاليم ثانوية في نطاق التشريعات العامّة، وإذن فإن مدلول العقيدة كما تتصوره الأذهان سعة وضيقا له بالغ الأثر في تحديد المسلك العملي الناشئ عنها.

وإذا كان مدلول العقيدة الإسلامية ظلّ في أذهان المسلمين مشتركا بين أجيال الأمّة في ثبوت امتداده على مساحة تمثّل الأسس الكبرى من المعاني العقدية مثل الوحدانية والنبوة والبعث وما تنطوي عليه من المعاني الجزئية، فإنه في مساحة أخرى من المعاني ظل عرضة للتمدّد والتقلص عبر تاريخ المسلمين، سواء كان ذلك عن شعور أو عن غير شعور، فإذا ببعض المعاني تعدّ من مدلولات العقيدة عند بعض الناس وفي بعض الأزمان وتعدّ خارجة عنها وإن تكن مندرجة ضمن التشريع العام عند بعض آخر وفي أزمنة أخرى.

وخذ في ذلك مثالا معنى الشمول الذي يقتضي تطبيق أحكام الشريعة في كافة مظاهر الحياة الاجتماعية، فقد ظل عند المسلمين أحد المدلولات الثابتة في العقيدة، ولكن شقًّا غير يسير من المسلمين في العصر الحاضر انسحب من أذهانهم هذا المدلول منذ بعض الزمن، فإذا تطبيق تلك الأحكام عندهم غير مندرج ضمن مدلول العقيدة، وهو بالتالي غير ملزم من الوجهة العقدية، فانحسر إذن مدلول العقيدة في تصوّرهم عن هذه المساحة من المعاني. ولا شك أن لهذا الاضطراب في مدلول العقيدة أثره السلبي في حياة الأمة، مما يستلزم مراجعة ينعدل بها هذا المدلول ليعود إلى ما كان عليه.

وحينما نبحث في الأصول النصية أو حتى في كتب التراث عن تعريف للعقيدة يضبط مدلولها بصفة محددة فإننا لا نظفر في ذلك بما يفي بالغرض، ولكن ظل متعارفا بين المسلمين مدلول جملي للعقيدة يتمثل في تلك الحقائق التي جاء بها الدين وطلب من المسلم أن يتحملها بالتصديق القلبي حتى إذا ما خرج بعض منها من نطاق التصديق انتفت بسبب ذلك صفة الإيمان، فانتقض الاعتقاد جملة، أو ضعف ضعفا شديدا إذا كانت المفردات المتخلفة من التصديق ذات طابع جزئي.

 وقد كان هذا المدلول الجملي المتعارف بين المسلمين متأسسا على حديث نبوي جاء يحدّد حقيقة الإيمان، فجعلت هذه الحقيقة مدلولا للعقيدة. وهذا الحديث هو قوله: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره".

والحقيقة أن مدلول العقيدة في هذا الحديث مدلول مجمل، وهو يحيل على مساحة أخرى واسعة من معاني العقيدة في الإيمان بالرسول، لأن الإيمان برسول الله المراد به "الإيمان بوجوده وبما جاء به عن ربه"  فالتصديق بكل ما جاء به النبي من أحكام ثبتت نسبتها إليه هو جزء من مدلول العقيدة حسب هذا التعريف.
والمتأمل في القرآن الكريم يجد في بيانه مصداقا لهذا المدلول العام للعقيدة بحيث يشمل هذا المدلول الإيمان بكل ما جاء من عند الله في القرآن والحديث من أوامر ونواه، فإنكار أي منها وتعطيل العمل به مع ثبوت نسبته إلى الوحي يعتبر ناقضا للعقيدة، أو ناقصا بها عن الحدّ المطلوب، وهو مدلول قوله تعالى: ﴿المائدة/44﴾، وقوله تعالى: ﴿ النساء/ 65﴾ ففي هاتين الآيتين نفي لصفة الإيمان عمّن أنكر حقّية التعاليم الإلهية بعد ثبوتها، أو عطّل العمل بها تعطيل جحود.

ففي هاتين الآيتين نفي لصفة الإيمان عمّن أنكر حقّية التعاليم الإلهية بعد ثبوتها، أو عطّل العمل بها تعطيل جحود، وبمفهوم المخالفة فإن مدلول العقيدة يمتدّ ليشمل الإيمان بكل هذه التعاليم تصديقا بحقيتها، وبوجوب العمل بها.

وقد ظل هذا المدلول العام للعقيدة هو المدلول السائد في أذهان المسلمين طيلة العهد الأول، حيث لم يظهر تخصيص لهذا المدلول بمعان دون غيرها مما هو مطلوب من الدين على وجه القطع، سواء كان طلبه تصديقا بالقلب، أو تصديقا بالقلب وعملا بالسلوك، وقد بدا ذلك بيّنا في أقوال الصحابة والتابعين، كما بدا في بواكير المؤلفات العلمية على يد أوائل العلماء من الأئمة وهم المعبّرون عن ضمير الأمّة، والممثلون لتوجّهها العام في التديّن، فالكتب المروية عن هؤلاء الأئمة كانت تمتزج فيها من حيث التصديق أحكام الدين المتعلقة بوجود الله وتوحيده، وبالنبوة واليوم الآخر مع أحكام الدين المتعلقة بالصلاة والزكاة والحج في سياق أنها جميعا تمثّل مدلولا للاعتقاد باعتبارها مطلوبات دينية يتوجّب الإيمان بحقيتها وبالعمل بها.

وبتقدّم الحركة العلمية نشأ في القرن الثاني علم خاص بالعقيدة هو علم الكلام أو علم التوحيد أو الفقه الأكبر، وبرزت في هذا العلم قضايا من الدين دون أخرى، وذلك بسبب ما كانت تتعرض له تلك القضايا من تحدّيات من قبل أهل الأديان والثقافات القديمة، مثل التوحيد والبعث ونبوة محمد ، أو ما كانت تتعرض له من تحدّيات من قبل تفاعلات الحياة الاجتماعية مثل قضية الإيمان والقدر .ثم ظلت تلك القضايا تزداد في هذا العلم بتزايد الطوارئ المتحدّية عبر الزمن حتى استقر علم العقيدة على المواضيع التي استقرّ عليها عندما كمل نضجه وتوقّف نموه في القرن الخامس للهجرة.

والمتأمل في المواضيع التي تناولها علم العقيدة بالبحث كما انتهت إليه في كبرى المدونات الجامعة لهذا العلم مثل كتاب المواقف لعضد الدين الإيجي ﴿ت 756 هـ﴾ بشرح السيد الشريف الجرجاني ﴿ت  816 هـ﴾ يجد أنها لم تغطّ كل مساحة مدلول العقيدة، بل هي تناولت قضايا أساسية كبرى تتركز على وجود الله تعالى وصفاته، والنبوة والبعث، والقضاء والقدر والإيمان، وما يتعلق بها من مسائل فرعية، وما يمهّد لإثباتها من مقدّمات هي من خارج العقيدة أصلا مثل مسائل طبيعية وأخرى نظرية عقلية.

مقالات مشابهة

  • «البحوث الإسلامية» يعقد الاختبارات التحريرية للترقيات الأدبية لوعاظ الأزهر
  • البحوث الإسلامية ينظم ورشة عمل لواعظات الأزهر للتدريب العملي على مناسك الحج
  • البحوث الإسلامية ينظم ورشة لتدريب الواعظات على مناسك الحج والعمرة
  • البحوث الإسلامية يعقد الاختبارات التحريرية للترقيات الأدبية لوعاظ الأزهر
  • «البحوث الإسلامية» يعقد الاختبارات التحريرية للترقيات الأدبية لوعاظ الأزهر
  • من خلال مجسمات تحاكي المناسك.. البحوث الإسلامية ينظم ورشة عمل لواعظات الأزهر
  • نشاط الأزهر الشريف فى الإسكندرية
  • العقيدة الإسلامية أساس الدين كله والمرجع الذي يوجّه الأحكام..
  • البحوث الإسلامية: قرون البعوضة محطة أرصاد يمكنها قياس الحرارة وسرعة الرياح
  • جهود صندوق مكافحة وعلاج الإدمان في أسبوع | فيديو جراف