أطياف
صباح محمد الحسن
إفصاح!!
تكثّفت بها أحلامنا الصاعدة
التي لن تستلم
نعلم أن الامنيات أيضاً تُقتل
ولكن أنفاس العشم لن تحتضر كلما زفرت أمنية شهقت بحلم جديد
وتحدثنا فبل ثلاثة أيام عن أن هناك عدة مسارات وتحركات ستظهر في الاسبوع الأول من اكتوبر لتكشف ملامح وقف اطلاق النار وحل الأزمة السودانية ومن بين هذه المسارات خطوة امريكا لإرسال قوات دولية الى السودان
وعندما ذكرنا هنا قبل عام وثلاثة أشهر، أن الحل ربما يحسمه تدخل قوات دولية للفصل بين القوتين كان الكثيرون يرون أن ما ذهبنا اليه هو ضرب من ضروب الخيال لا علاقة له بالواقع
لكن أحيانا تكون القراءة للحروف التي لا تشكل السطور إنما تلك التي تكّون الجملة المفيدة فيها تقبع بين السطور او خلفها، فقد كان سبب ذلك واضحا وجليا، تنطلق منه التوقعات وتسهل من خلاله سرقة النظر خلسة الى خارج الصندوق وهو، إن المؤسسة العسكرية لا تملك قرار التفاوض مثلما لم تكن تملك قرار الحرب، ولأن القرار بيد فلول وقيادات النظام لذلك لن تقبل بهذا الخيار، فالتوقيع على إتفاق جدة هو بمثابة قراءة الفاتحة على روحها وإرسالها الى مقبرة النسيان الى الأبد لذلك ان إصرارها للاستمرار في الحرب نابع من حرصها على البقاء في الحكم، حتى لو قتلت جميع الشعب السوداني وشردته
وبالأمس و(أخيرا) قرر المبعوث الأميركي توم بيرييلو ان يكشف صراحة عن نية امريكا في المرحلة المقبلة
وذكر عبارة قطعت قول كل مشكك، جاءت واضحة لا تحتاج الى تفسيراتنا التي قد تخضع للرفض او القبول كأمر طبيعي، وقال توم (إننا نرتب لإرسال قوات أفريقية لحماية المدنيين في السودان) وجميع دول العالم تدعم وقف الحرب واستعادة الحكم المدني في السودان
وكشف بيريلو أن الخطوة الجديدة في المرحلة المقبلة تتعلق بوقف النزاع في السودان، بعد تعثر محادثات جنيف في التوصل إلى وقف إطلاق النار والعدائيات، بسبب رفض الجيش السوداني المشاركة فيها
جاء ذلك من خلال لقاء مجموعة من ممثلين عن المجتمع المدني في العاصمة الكينية نيروبي (فتحنا قنوات إتصال مع الاتحاد الأفريقي بخصوص تهيئته لإعداد وتجهيز قوات للتدخل، بهدف حماية المدنيين في السودان، لكنه أحجم عن الكشف عن الوقت المحدد لذلك).
وبالأمس القريب ذكرنا أن زيارة وفد من مجلس الامن والسلمي الافريقي الى بورتسودان هي ليست زيارة لبحث ونقاش كيفية وقف الحرب سياسيا، لأن المجلس ايضا تتلخص مهامه في تنفيذ قرارات الاتحاد الافريقي او ما شابهها من قرارات لمجلس الأمن الدولي والامم المتحدة
لذلك ومن خلال تصريح بيرييلو فإن كل التحركات الدولية للمبعوث الامريكي وزيارة مديرة الوكالة الدولية الى بورتسودان ومجيئ وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي كلها لا تبحث سبل وقف الحرب وإنما تناقش كيفية دخول قوات دولية
ورئيس المجلس الانقلابي في زيارته القصيرة لأمريكا حسب المصادر أخبرته الإدارة هناك وعدد من المسؤولين في البنتاغون والإستخبارات الأمريكية واحاطته علما بالخطوة
لذلك تحدثنا أن البرهان قد لا يكون له مانع في دخول (القوة الأكبر) التي تفصل بينه ايضا وبين القوات المتفلتة التي ترتكب ابشع الجرائم باسم القوات المسلحة
ودخول قوات دولية هو السبب الذي جعل الكتائب تخوض عدة معارك طائشة دون ان يكون التخطيط لها جيدا حتى تجد القيادات الإسلامية سببا تسوّق به رفضها للتدخل بحجة انها تتقدم في عدة جبهات ولكن وبالرغم من تحركاتها إلا أن تقدمها سيظل خصما على الجيش دوليا لطالما ان قواته ترتكب اكبر المجازر في حق المدنيين العزل، وتثبت أن لا فرق بينها وما تقوم به الدعم السريع في طريقة إرتكاب الجرائم ضد الإنسانية
إذن أن حصيلة أي تقدم ميداني لهذه القوات تكون صفرا لطالما أن المتفلتين لا يجيدون المشي إلا على اثنين جثث المواطنين و(كبري الحديد) فكلاهما لا يحسب تقدم عسكري فالأول جلب لها السخرية، والثاني يجلب لها الإدانة الدولية
ومثلما تحدثنا ان الميادين الكيزانية لا تكشف اسوأ ما فيها من إنتقام إلا تزامنا مع التحركات الدولية التي تغضب الفلول
فقرار التدخل وضروته الذي وصلت اليه امريكا، الفلول تعلم به مسبقا، لأن امريكا تخطر به القيادات العسكرية قبل ان يكشفه بيرييلو في لقاء صحفى، ولكنه يفصح به فقط بغرض الإشهار حتى يكون الشعب السوداني على علم بالخطوة ولا يتفاجأ بها، وعلمها المسبق هو الذي دفعها للتهور الميداني الذي يخلف جرائم مباشرة ضد الشعب
وما كنا نشير اليه بالأمس ان امريكا ستدخل الانتخابات حتى بالإعلان عن إتجاهاتها وقراراتها القادمة قبل بتنفيذها الفوري، لذلك لم يحدد بيرييلو تاريخا لدخول القوات الدولية فما اعلنه في مؤتمره عن عزمهم بذلك فقط يكفي أمريكا في حملتها الإنتخابية وفي ذات الوقت إن قرار دخول قوات الى السودان سيكون قريبا لأن ترتيبه لم يأت بعد الإعلان عنه، كان قبله وأخطرت به امريكا عدة دول مجاورة، وهو ليس قرار لحكومة بايدن التي قد يرى البعض ربما يتأثر القرار بفوز الحزب الديمقراطي او، بخسارته فوقف الحرب في السودان ليس قرار البيت الأبيض تم تمريره ومباركته من مجلس الشيوخ والكونغرس وكذلك الجمهوريين والديمقراطين والرأي العام الأمريكي، أي انه قرار دولة حتى إن وضعت مصالحها قبل أولا المهم أنها لن تترك الأمر على ماهو عليه!!
لكن وبالرغم من تصريحات بيرييلو بانتقالهم الى خيار التدخل الخطة (ب) التي تحدث عنها في القاهرة من قبل والتي قال عنها لعدد من الحقوقيين: (لو رفض الجيش التفاوض فإننا سننتقل للخطة ب) فما ذكره بيرييلو من تصريحات لشخصيات محدودة أفصح عنه أمس وأخرجه للعلن
ولكن رغم ذلك هل يستثمر الجيش فرصة عدم وضع سقف محدد لدخول القوات الدولية ويتلافاها بقبول التفاوض أم أنه سيواصل القتال حتى إذن دخولها فالمؤشرات تقول إن الحل سيكون ثنائيا يشمل التفاوض والتدخل فكلاهما يكمل عملية تنفيذ الآخر!!
طيف أخير:#لا_للحرب
المبعوث الأمريكي: (ستتم مساءلة حميدتي عن كل الإنتهاكات).
مساءلته أم محاسبته!!
الجريدة
الوسومالبرهان التفاوض الجيش الدعم السريع السودان المبعوث الأمريكي بورتسودان توم بيرييلو حميدتي صباح محمد الحسن قوات أفريقية مجلس السلم والأمن الأفريقيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: البرهان التفاوض الجيش الدعم السريع السودان المبعوث الأمريكي بورتسودان توم بيرييلو حميدتي صباح محمد الحسن قوات أفريقية مجلس السلم والأمن الأفريقي قوات دولیة فی السودان وقف الحرب
إقرأ أيضاً:
حرب السودان والأسئلة الصعبة
د. الشفيع خضر سعيد
لم تنجح المبادرات المختلفة في إيقاف الحرب بين حكومة الإنقاذ والحركة الشعبية لتحرير السودان إلا بعد أن انتظمت المفاوضات بين الطرفين على أساس إعلان مبادئ الإيقاد الصادر في 20 مايو/أيار 1994 والذي وافق عليه الطرفان.
صحيح أن إعلان المبادئ ذاك صاغته دول الإيقاد وقدمته جاهزا إلى الطرفين ليوقعا عليها، لكن لابد من التنبيه إلى أن محتوى بنوده لم تكن من وحي بنات أفكار علماء السياسة الدوليين والإقليميين بقدر ما كان إعادة صياغة وترتيب للأطروحات المتناثرة في أدبيات الحركة السياسية السودانية، وخاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان. واليوم، تظل قناعتي الراسخة أن القوى المدنية والسياسية السودانية هي وحدها المؤهلة لإجتراح إعلان المبادئ الذي يشكل المدخل أو التمهيد لإطلاق العملية التفاوضية، وكذلك إجتراح الرؤية التي تشكل محتوى وتفاصيل هذه العملية للسير بها في اتجاه وقف الحرب ووضع أسس عدم تجددها أو إعادة إنتاج الأزمة في البلاد. وفي هذا السياق، هنالك نقطتان متعلقتان بإعلان المبادئ، أولها ضرورة موافقة كل الأطراف عليه، بما في ذلك الأطراف المتحاربة، حتى يكون مدخلا أساسيا لعملية التفاوض، ولذلك، وهذه هي النقطة الثانية، فإن بنوده تتناول العموميات التي يسهل الإجماع حولها مثل التمسك بمبادئ ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، وبوحدة السودان، وبالحكم المدني الديمقراطي، وبالنظام الفدرالي الذي يراعي التعدد والتنوع، وبالجيش الواحد وبنائه كل القوات النظامية على أساس مهني وقومي، وبإصلاح الخدمة المدنية والنظام العدلي، وبالحوار السوداني سوداني… إلى غير ذلك من المبادئ التي سيتقبلها الجميع، وإن ليس مستبعدا أن بعضهم سيتقبلها تقية! ومن الواضح أن إعلان المبادئ وحده ليس كافيا لوقف الاقتتال، لكنه يشكل معيارا لدرجة التنازلات الممكنة في العملية التفاوضية، بمعنى أن التنازلات لإنجاح العملية التفاوضية لصالح الهدف الرئيسي، أي وقف الحرب والانتقال المدني الديمقراطي، يجب ألا تصل إلى درجة التصادم بين محتوى إعلان المبادئ ومحتوى ما سيتم الاتفاق حوله في طاولة التفاوض.
وفي المقابل، فإن الرؤية التي تشكل محتوى وتفاصيل العملية التفاوضية للسير بها في اتجاه وقف الحرب، تتكون من الإجابات المحتملة على الأسئلة المتعلقة بكيفية وقف الحرب وتداعيات ما بعد ذلك، آخذين في الاعتبار أن هذه الأسئلة ليست مجرد تهويمات نظرية بقدر ما هي نابعة من واقع البلاد الراهن المأزوم.
وبداهة، بينما تظل أسئلة الرؤية واحدة وثابتة، فإن الإجابات عليها تختلف عند هذا الطرف أو ذاك. ولكن من البديهي أيضا أن تتوافق القوى المدنية والسياسية الرافضة للحرب على إجابات موحدة على هذه الأسئلة، وتنتج رؤيتها التي يجب أن تطرحها في أي منبر تفاوضي يسعى لوقف الحرب. ولعل من الضروري الإشارة إلى أن تسهيل توصل القوى المدنية والسياسية إلى الرؤية المنشودة، يقتضي التوافق قبلا على مجموعة من الحقائق، منها أن الحرب الراهنة خلقت واقعا جديدا يجب أن يغير في طريقة تفكير القوى المدنية في التعاطي مع تفاصيل الأحداث الراهنة وتداعياتها، وأن هذا الواقع الجديد لابد أن تكون له مستحقاته العملية التي يجب أن تبحث وتتمعن في الأسباب الجذرية للحرب، بدءا من أن الدولة السودانية فشلت منذ استقلالها في التعبير عن كافة مكوناتها الوطنية الأمر الذي أدى إلى تمكن الحلقة الشريرة والأزمة العامة في البلاد بتجلياتها العديدة والتي من بينها الانقلابات العسكرية والنزاعات واشتعال الحروب التي كانت حتى وقت قريب تستوطن الأطراف قبل أن تأخذ منحىً جديدا وصادما باندلاعها في عاصمة البلاد في 15 أبريل/نيسان الماضي، وأن من النتائج المباشرة لهذه الوضعية إضعاف الدولة السودانية وعدم قدرتها على توظيف كل مكوناتها السياسية والاجتماعية والثقافية للتوافق على مشروع وطني نهضوي ينتشل البلاد من وهدتها المتمكنة منها منذ فجر الاستقلال قبل ثمانية وستين عاما، وهو مشروع لايزال السودانيون يتمسكون به حتى في أتون هذه الحرب المجرمة، وأن هذه الحرب لا يمكن حسمها عسكريا، ولن ينتصر فيها طرف، وإن هُزم الطرف الآخر، ولكن قطعا الخاسر الوحيد فيها هو الشعب السوداني والوطن، وكل يوم جديد في الحرب يحمل معه مزيدا من الجراح والآلام لشعبنا ومزيدا من التدمير لبنية الوطن، وأن جوهر هذه الحرب يحمل عداء سافرا لثورة ديسمبر المجيدة.
ونحن نؤسس وجهة نظرنا حول ماهية الرؤية لإنهاء الحرب، على رفض أن تكون الحرب بديلا للحوار والتفاوض لحل الخلافات والأزمات السياسية والاجتماعية مهما بلغت من الحدة والتعقيد، وأن مسألة وقف الحرب يجب أن يتم التعامل معها كحزمة واحدة مكونة من ثلاث حزم فرعية تتكامل مع بعضها البعض، تشمل وقف الاقتتال، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة وحماية المدنيين، وإطلاق عملية سياسية جديدة.
وإذا كان للمجتمع الدولي والإقليمي دور رئيسي في الحزمتين الأولى والثانية، فإن الحزمة الثالثة، العملية السياسية، حصريا من مهام القوى المدنية والسياسية السودانية، وأن دور المجتمع الدولي والإقليمي في الحزمتين الأولى والثانية لن يأتي أكله إلا من خلال الرؤية التي ستجترحها القوى المدنية والسياسية الرافضة للحرب.
أما جوهر هذه الرؤية فهو، من وجة نظرنا، مجموع الإجابات على ما أسميناه بالأسئلة الصعبة المتعلقة بحرب السودان، نوردها هنا باختصار على أن نتوسع حولها في مقالاتنا القادمة، وتشمل:
1 ـ ماهي الخيارات المتاحة حول مستقبل ودور قيادة القوات المسلحة في السودان بعد انتهاء الصراع؟
2 ـ ما هي الخيارات حول مستقبل قوات الدعم السريع ومستقبل الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى على أساس مبدأ بناء الجيش المهني الواحد في البلاد؟
3 ـ كيف نطور إطارا للعدالة والعدالة الانتقالية يضمن إنصاف الضحايا وعدم الإفلات من العقاب؟
4 ـ كيف نتعامل مع البعدين الدولي والإقليمي في الحرب؟
5 ـ ما هي تفاصيل العملية السياسية من حيث أجندتها وأطرافها؟
سنتناول هذه الأسئلة وإجاباتها بالتفصيل بدءا من مقالاتنا القادمة.
نقلا عن القدس العربي