يمن مونيتور/اندبندنت عربية

ما زالت مهنة صناعة القوارب الصغيرة بطرقها التقليدية قائمة في بعض المناطق الساحلية اليمنية على البحرين الأحمر والعربي، على رغم التحديات من الكبيرة التي تهدد استمرارها.

وتُعتبر هذه الحرفة مصدر رزق لآلاف الأسر، لكن الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد، لا سيما الحرب المستمرة، والتوترات في البحر الأحمر، وانهيار العملة المحلية، تعرض مستقبل هذه الصناعة للخطر.

وتُعد هذه الصناعات التقليدية، التي لطالما كانت مصدر فخر للصياد اليمني منذ العصور القديمة وحتى اليوم، تقليداً متوارثاً من الأجداد. وتستعيد في الأذهان قصة كفاح إنساني ارتبط بالبحر، حينما بدأت صناعة القوارب والأطواق البحرية على شكل قطع خشبية بسيطة مربوطة بحبال أو سيور جلدية.

واستُخدمت هذه القوارب منذ القدم، مع انتقال الإنسان الأول من أفريقيا إلى آسيا عبر مضيق باب المندب.

لكن تتبع صناعة “القوارب” تاريخياً في اليمن ليس بالأمر الهيّن، كون الخامات المستخدمة تدخل ضمن ما يسمى بالمواد الهشة التي عادةً ما تتأثر بعوادي الدهر فضلاً عن أنه لا يوجد متحف خاص بالصناعات البحرية أو عينات مختلفة للقوارب من عصور مختلفة.

ورصدت “اندبندنت عربية” الطرق التقليدية لصناعة القوارب من خلال تسجيل المعلومات من الذاكرة الشعبية. ففي منطقة الخوخة التابعة لمحافظة الحُديدة الساحلية (غرب اليمن ) يقضي كليب أمان (43 سنة) وهو صانع تقليدي ومدرّس أيضاً، تسع ساعات يومياً يعمل في مصنع بدائي لإنتاج القوارب ذات الأشكال والأحجام المختلفة.

بيع القوارب

يذكر كليب أمان أن الإقبال على شراء القوارب والأفلاك البحرية انخفض بشكل كبير في الفترة الأخيرة، نتيجة الحرب وارتفاع سعر الدولار مقابل العملة المحلية. هذا التراجع أدى إلى تخوف الصناع التقليديين من إنتاج قوارب جديدة، حيث أن الصيادين، بسبب الظروف المعيشية الصعبة، أصبحوا غير قادرين على شراء حتى القوارب الصغيرة.

كما يشير المتحدث ذاته إلى أن الصيادين يواجهون أخطاراً كبيرة نتيجة استمرار العمليات العسكرية في البحر الأحمر، وعسكرة المياه اليمنية والدولية، إضافة إلى وجود ما يعرف بقوى “تحالف الازدهار الدولي” في المنطقة.

وأشار إلى أن القوارب كانت تُصنع في الماضي من الخشب المستخلص من الأشجار الكبيرة، مثل المريمرة والصنوبر. ولكن مع مرور الوقت، تغيرت الأمور بشكل كبير، حيث اتجه الناس إلى استخدام مواد حديثة مثل الـ”فيبر غلاس” في صناعة القوارب. إلا أن الصناعة بالـ “فيبر غلاس” معقدة، وتتطلب العديد من المواد والموارد.

مراحل صناعة القوارب

وفقاً لكليب أمان، تبدأ عملية صناعة القارب بتجهيز “الفرمة” وهو القالب الذي يُبنى داخله القارب. يتم أولاً إعداد الخشب كقاعدة، ثم توضع داخل القالب مادة مقوسة على شكل القارب مصنوعة من الـ “فيبر غلاس”. بعد ذلك، يتم صب مادتي الغراء والقطرة وهي المادة التي تساعد على تماسك الغراء والـ “فيبر غلاس”، داخل القالب. يلي ذلك إلصاق قطع قماشية على السطح، حيث يقوم العمال بدلكها أو طلائها للحصول على القارب النهائي.

تتفاوت أحجام القوارب وأشكالها وفقاً لاستخداماتها، بدءاً بالأصغر ووصولاً إلى الأكبر، ومنها “نفري” ويُقصد به القارب الصغير الذي يتسع لشخصين. وهناك أيضاً، “الفيبر” وهو القارب الذي يتسع لخمسة إلى ستة أشخاص، إضافة إلى أنواع أخرى مثل “جلبة” و”الهوري”، و”الصنبوق” الذي يُعتبر أكبر أنواع القوارب المستخدمة حتى اليوم.

رياح التاريخ

وفقاً للباحث في الآثار اليمنية الدكتور سامي شرف الشهاب، “بدأ اليمنيون باستخدام القوارب منذ عصور ما قبل الإسلام، نظراً لسيطرتهم على طرق التجارة العالمية التي كانت تعتمد على السلع الثمينة مثل اللبان والمر الآتية من المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية. وكانت هذه السلع تُنقل عبر البحر إلى الموانئ اليمنية مثل عدن وقنا، ثم تُوزع عن طريق البر”. وأضاف أن “اليمنيين كانوا على علاقة وثيقة بشرق أفريقيا منذ عصور ما قبل التاريخ، وكانت الطرق البحرية عبر مضيق باب المندب الوسيلة الوحيدة للوصول إلى تلك المناطق، مما يعكس براعتهم في فنون الملاحة واستخدام السفن الصغيرة والشراعية كوسائل مواصلات بين البرين الأفريقي والعربي”.

وأوضح الشهاب أن “الأوضاع تغيرت في القرن الثاني قبل الميلاد عندما اكتشف البطالمة سر الرياح الموسمية، مما سمح لهم بالاستغناء عن اليمنيين كوسطاء في التجارة العالمية والوصول مباشرة إلى مصادر الثروات الطبيعية، وكان هذا أحد أسباب تراجع الحضارة اليمنية”.

تشير بعض الدراسات الإثنوغرافية والمصادر التاريخية إلى معرفة اليمنيين بصناعة القوارب والسفن الشراعية خلال العصور الوسطى. ووفقاً لما ذكره الباحث اليمني، يُستنتج من هذه الدراسات أن سكان المناطق الغربية، بخاصة تلك المطلة على البحر الأحمر، كانوا أكثر مهارة في صناعة السفن بفضل ارتباطهم الوثيق بشرق أفريقيا. هذا الارتباط البحري كان يتطلب مهارات عالية في الملاحة وصناعة السفن المناسبة لقطع المسافات البحرية. ومع ذلك، لا يعني ذلك أن سكان المناطق الجنوبية والشرقية في اليمن لم يعرفوا كيفية صناعة القوارب، بل قد تكون التقنيات والمهارات المستخدمة مختلفة.

توترات تعيق حركة الصيادين

الناشط في مجال الاصطياد السمكي، محمود سعيد، أوضح في حديث مع “اندبندنت عربية”، أن “الصيادين هم الأكثر تضرراً من تصاعد الصراع في البحر الأحمر، حيث تقيدت حركتهم بشكل كبير وازدادت الأخطار التي يواجهونها”. وأضاف أنه “منذ بداية الصراع، لا يزال هناك صيادون مفقودون لم يُعثر لهم على أي أثر حتى اليوم”.

وأشار سعيد إلى أن “معاناة الصيادين تتفاقم يوماً بعد يوم بسبب النزاع المستمر. أما الأطراف المتصارعة في اليمن، فلا تدرك حجم معاناة الصيادين بقدر ما يدركها المواطنون الذين يعيشون في بيئة الصيد، ويشهدون تلك المعاناة عن قرب”.

وأوضح الناشط أنه” كان للحرب تأثير سلبي مباشر على صناعة القوارب، حيث ارتفعت أسعار المواد المستخدمة في صناعتها، التي تُشترى بالعملات الأجنبية مثل الدولار الأميركي أو الريال السعودي. إضافة إلى ذلك، زادت تكاليف الماكينات المشغلة للقوارب، وارتفعت أسعار المشتقات النفطية، مما أدى إلى تقليص قدرة الصيادين على شراء أو امتلاك القوارب”.

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: القوارب اليمن البحر الأحمر فی الیمن التی ت الذی ی إلى أن

إقرأ أيضاً:

مخاطر تهدد حياة الصيادين.. إليكم الأسباب

تعدّ رحلة الصيد من الأنشطة المفضلة لدى الكثيرين، إلا أنّ هناك عدة تحديات قد تواجه الصيادين، من أبرزها اختيار الوقت المناسب للصيد. ويختلف الوقت المناسب مع تغيّر حالة الطقس، والذي يؤثر على حركة الأسماك ونشاطها. وفي أشهر الشتاء، تكون المياه شديدة البرودة خاصة في فترة الصباح الباكر، لذا من الصعب رؤية الأسماك في هذا الوقت.
إن نزول الصيادين للبحر والمخاطرة بحياتهم من أجل صيد الأسماك خلال اضطراب البحر قد يعرّضهم لمخاطر حقيقية نتيجة الأمواج العالية والعواصف الرعدية الماطرة. وبكل همة ونشاط، يحزوهم الأمل فى تعويض ما فاتهم فى أيام "الحرب"، يحملون مُعداتهم على المراكب، التى تتراوح أحجامها ما بين صغيرة ومتوسطة، بعد أن قاموا بإجراء بعض التعديلات الخاصة بفصل الشتاء عليها، لتعزيز قدرتها على مواجهة الأمواج والأمطار، ولحمايتها من الغرق.
وخلال موسم الشتاء تكثر الأسماك وهناك أسباب لذلك التواجد الكبير، ولكن إلى أي مدى يتعرض الصياد للمخاطر؟ وماهي الظروف التي يعيشها من أجل تحقيق قوت يومه وتأمين أنواع الأسماك للسوق المحلي؟
"الصيد في الشتا تعب"، بهذه الكلمات بدأ محمد الجوزو، أقدم الصيادين فى منطقة "اقليم الخروب"، حديثه عن معاناة الصيادين، مؤكداً أن المشكلة الكبرى فى الشتاء تكمن فى كثرة منع الصيد، بسبب سوء الأحوال الجوية وأوضح أن مهنة الصيد أكثر من يعانى فيها هم الصيادون و"المراكبية" الصغار، الذين يتعرضون لأضرار وخسائر كبيرة بسبب وقف الصيد.
وأكد الجوزو أن "الصعوبات لا تقتصر على تقلب الطقس، بل يواجه الصيادون صعوبات تتعلق بشح المعدات والأدوات في الأسواق وارتفاع أسعارها بشكل كبير، ما يزيد من معاناتهم. ولكن ليس لنا سوى البحر لنحصل منه على دخل مادي، ونخشى الصعوبات التي تحرمنا من الصيد بسبب الوضع الأمني، أو بسبب التلوث الذي قد يصيب الأحياء البحرية".
وتابع أن جهات عدة تحذر الصيادين بشكل مستمر بعدم نزول البحر بمفردهم، وبضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة والاطلاع على النشرة الجوية لمعرفة الحالة الجوية للبحر لتفادي التعرض لأي مخاطر.
وأشار الجوزو الى أن "الأسماك كائنات كثيرة الخوف وسريعة الهرب، وبالتالي بمجرد نزول المواطنين إلى البحر ستهرب الأسماك ولن يصبح بالإمكان صيد الأسماك في ذات المكان".
وقال إن أفضل أوقات لصيد في فصل الشتاء هو قبل غروب الشمس بربع ساعة تقريباً لأن الماء يكون قد تشبع قدر المستطاع من حرارة الشمس وأصبح دافئ قدر المستطاع، وافضل وقت لصيد السمك ايضا في وقت دخول العصر علي الساعة 2 او 3 ظهرا.
 
وأضاف الجوزو بأن معاناة الصيادين الحقيقية تبدأ خلال فصل الشتاء بسبب تقلباته المستمرة توقف حركة الصيد ويضطر الصيادين الى التوقف عن الخروج لرحلات الصيد لحين تحسن الأحوال الجوية وقد يستمر الحال الى عدة اشهر والتوقف المستمر للصيد ساعد على ارتفاع سعر السمك. لذلك لم تعد كمية الأسماك التي يتم صيدها كافية لتغطية السوق.
وقال أنه لا يمكن السيطرة على أسعار الأسماك خلال التقلبات الجوية، لأن أسعارها يكون حسب العرض والطلب، وأن سوء الحالة الجوية وانخفاض كمية الأسماك في السوق يرفعان أسعار الأسماك.
وأفاد بأن تأثير الأمطار على الصيد، يعتمد على شدتها، فالأمطار الخفيفة قد تساعد على تجمّع الأسماك بالقرب من الشاطئ، نتيجة انجراف طعامها من الحشرات والأسماك الصغيرة نحو الشاطئ، بينما يُفضّل تجنّب الصيد خلال الأمطار الغزيرة، نظراً لصعوبة حركة الأسماك داخل الماء، ولعدم أمان ظروف الصيد.
وأشار الى أنه اعتاد ركوب المخاطر ومكابدة الصعاب من أجل مواصلة مسيرة الأجداد، فهو وارث لهذه المهنة. وفي المقابل يجاهد في سبيل البقاء في المهنة بسبب زيادة الأعباء المعيشية وزيادة أسعار احتياجات الصيد، ولا بد أن يتواصل كل يوم من أجل تأمين حياتهم المعيشية ومن أجل توفير السمك للمستهلك، إلا أن هناك مواسم يتعرض فيها الصياد للخطر من أجل تحقيق تلك الاحتياجات.
  المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • مخاطر تهدد حياة الصيادين.. إليكم الأسباب
  • نقيب الصيادين: الاحتلال لا زال يمنع دخول الصيادين إلى بحر القطاع
  • مأساة قبالة سواحل اليمن: غرق 20 مهاجراً إثيوبياً في حادث مروّع
  • شركات الأمن البحري: خروقات وقف إطلاق النار قد تُشعل هجمات من اليمن
  • غرق 20 مهاجر اثيوبي قبالة سواحل اليمن
  • عيدروس الزبيدي: "ترامب وصل ويعرف ماذا يريد" لكبح جماح الحوثيين في اليمن
  • شركات أمن بحري تحذر أي خروقات سيؤدي لتجدد الهجمات من اليمن
  • العكاري: المحافظ يصارع الزمن على أكثر من جبهة
  • تفسير حلم ركوب قارب في البحر.. هل هو هروب أم بحث عن التوازن؟
  • حذرت من مغبة أي عدوان على اليمن خلال فترة وقف إطلاق النار في غزة