حسمت حركة "النهضة" التونسية موقفها نهائيا من مسألة المشاركة في الانتخابات الرئاسية من عدمها، بالطعن رسميا في المسار الانتخابي برمته، والإعلان عن أن المشاركة في الانتخابات من عدمها يجب أن تكون على خلفية القناعة بمقاومة الانقلاب.

وأوضح عضو المكتب السياسي في حركة  "النهضة" رياض شعيبي في حديث خاص مع "عربي21"، أن موقف حركة النهضة من الانتخابات الرئاسية المزمع انعقادها يوم 6 من تشرين أول / أكتوبر الجاري يقوم أساسا على الاتجاه العام القائم على مقاومة الانقلاب.



وقال شعيبي: "موقف حركة النهضة ثابت لم يتغير وهو أن ما جرى يوم 25 من تموز / يوليو عام 2021 كان انقلابا مكتمل الأركان، وأن ما جرى بعده كان تعزيزا لهذا الانقلاب. وهي أيضا تطعن في مسار الانتخابات الحالية برمته وتراه غير شفاف وغير نزيه، حيث رافقته انتهاكات قانونية وسياسية خطيرة".

وأشار شعيبي إلى أن الموقف من المشاركة في الانتخابات الرئاسية يقوم على هذا الأساس، وقال: "هناك تباين في الآراء بين فريق يرى في أن المشاركة في الانتخابات الرئاسية يمكنهات أن تخدم فكر مقاومة الانقلاب، وهناك من يرى العكس، وبالتالي قضية المشاركة من عدمها مرتبطة بمبدأ مقاومة الانقلاب التي يقوم عليها موقف حركة النهضة برمته".

وأشار القيادي في حركة "النهضة" إلى تحولات ثلاث رئيسية جرت في المشهد السياسي التونسي، الأول هو ما وصفه بأنه "انقلاب على مستوى موزازين القوى على مستوى الرأي العام، حيث لم يعد بإمكان الانقلاب الحديث باسم الشعب.. فهناك أغلبية كبيرة ضد قيس سعيد وضد سياساته، لأسباب مختلفة.. وخلفيات متعددة".

والتحول الثاني، وفق شعيبي، وهو أن "الانقلاب الذي بدأ بأحزمة سياسية، الآن أصبح معزولا، وآخر من دعمه حركة الشعب أصبحت تنتقده، وإن كان ذلك من داخل الانقلاب"

أما التحول الثالث فهو أن قيس سعيد يدخل الانتخابات الرئاسية المرتقبة بشرعية العام 2019، وهي شرعية لم تعد موجودة الآن، وفق رأيه.

ةكانت حركة النهضة قد أصدرت اليوم الخميس بيانا أوضحت فيه موقفها من الانتخابات الرئاسية تجنبت فيه الإشاركة إلى المشاركة من عدمها.

وأكدت "النهضة" أنّ "محطة السادس من أكتوبر، وعلى خلاف المحطات السابقة، تمثل استحقاقا دستوريا كما نص عليه دستور 2014، والذي على أساسه تولدت شرعية السلطة الحالية قبل أن تبادر بالانحراف عنه في 25 تموز / يوليو 2021 ".

وقالت: "كان يمكن لهذا الاستحقاق الدستوري أن يمثل فرصة للشعب التونسي ليمارس سيادته ويعبّر عن إرادته، إلّا أنّ المؤشرات المبكرة أكّدت عدم نزاهة المسار الانتخابي وفقدانه الشفافية، حيث رافقته انتهاكات قانونية وسياسية خطيرة توشك أن تزجّ بالبلاد في أزمة شرعية لم تشهدها منذ ثورة الحرية والكرامة".

وأشارت إلى أنه و"إزاء هذا الوضع تبنت حركة النهضة سياسة النضال من أجل توفير كل الشروط الضامنة لنجاح الاستحقاق الانتخابي، وتمكين الشعب التونسي من التعبير عن إرادته وخياراته الحرة بكل شفافية".

وأكدت أن "مشاركة العديد من المواطنين والشخصيات السياسية الوطنية من خلال المبادرة بتقديم ملفات ترشحهم للانتخابات الرئاسية القادمة، كانت تعبيرا جديا عن التمسك بحقهم السياسي والطبيعي، في المساهمة في ادارة البلاد. كما عبرت مشاركة عشرات الآلاف من التونسيين في تزكية هؤلاء المترشحين عن رغبة جدية لدى الشعب التونسي في التغيير عبر الصندوق".

لكنها لفتت الانتباه إلى أن "الخروقات التي اكتنفت المسار الانتخابي تؤكد أنّ السلطة عملت على إفساد العملية الانتخابية بكاملها، في نزوع تسلطي واستبدادي مفضوح، عبر سيل من الإجراءات والمراسيم التي تم فرضها من أجل تأبيد بقاء الرئيس المنتهية ولايته."

وانتقدت "النهضة" آداء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وقالت: "لم تقم هيئة الانتخابات المعينة بدورها في ضمان شفافية ونزاهة المسار الانتخابي. بل انحازت بوضوح لصالح أحد المتنافسين وعملت على إقصاء أغلب المرشحين الجدّيين وحرمانهم من حقّهم في الترشح، وضربت بقرارات القضاء عرض الحائط في مخالفة صريحة للقانون الانتخابي. فلقد مثل تجاهل القرارات التي اتخذتها المحكمة الإدارية انحرافا خطيرا وطعنا جوهريا في نزاهة العملية الانتخابية، واعتداءً واضحا على دولة القانون".

وأضافت: "كما أنّ إصرار هذه الهيئة على رفض طلب الإذعان الذي وجهته لها المحكمة الإدارية والتجاء السلطة بعد ذلك إلى مجلس النواب لتمرير تغييرات ذات طابع سياسي في القانون الانتخابي أياما قليلة قبل يوم الانتخابات، ينهي أهمّ ضمانات شفافية العملية الانتخابية، ويضرب مبدأ الفصل بين السلط".

ورأت "النهضة" أن قيس سعيد سحب كل مصداقية  من المسار الانتخابي،  بإصدار أحكام ضد بعض منافسيه خلال الحملة الانتخابية، مما يؤكد غياب أي مناخ ملائم أو شروط لانتخابات ديمقراطية تعبر حقيقة عن إرادة الشعب.

وأكدت  "أنّ القمع والترهيب الذي يتعرض له المواطنون الذين عبروا عن آرائهم وارادتهم في التغيير، يمثّل أكبر دليل على خوف سلطة الانقلاب من فسح المجال للشعب كي يعبر عن إرادته واختياره الحر".

وأنهت "النهضة" موقفها بالقول: "إنّ المسار الانتخابي الذي عرف كل الخروقات وألمّت به كل الانتهاكات، قابل لكل المطاعن، ومحفوف بكل مخاطر الخروج عن القانون وانعدام الشرعية، وهو ما يزيد في تعقيد أوضاع بلادنا الغارقة في أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية."

ووجهت النهضة التحية لصمود من أسمتهم بـ "رموز النضال من أجل الحق الديمقراطي في سجون الظلم، ودفاعهم عن حقوق الشعب التونسي في الحرية والكرامة"، كما حيت الحراك الشعبي والديمقراطي، وثمنت اتجاه القوى السياسية إلى مساحات الالتقاء من أجل استعادة ديمقراطيتنا المغتصبة واسترجاع شعبنا حقّه في العيش الكريم، وحقّه في دولة تحترم مواطنيها.

واعتبر حزب آفاق تونس، أمس الأربعاء 2 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أنّ المسار الانتخابي الرئاسي لسنة 2024 غير مطابق للمعايير الدنيا في الحرية والنزاهة والشفافية والحياد، وفق تقديره.

وأضاف، في بيان صادر عن مجلسه الوطني، أنّ ذلك "يمسّ من سلامة المسار الانتخابي وشرعيته القانونية ومشروعيته الديمقراطية، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يمثّل الإرادة الحقيقية للشعب التونسي، وفق تصوره.

ودعا الحزب عموم التونسيين إلى "التعاطي مع هذا الاستحقاق وفق ما تمليه عليهم ضمائرهم ووجدانهم في التصدي لمنظومة التسلّط والشعوبية بالوسائل المدنية والديمقراطية المناسبة ومواصلة النضال السلمي لتأسيس دولة القانون والحرّية والرخاء".

وعبّر عن استنكاره لما يتعرض له المترشح العياشي زمال من "تنكيل وأحكام جائرة وغير متناهية وحرمانه من أبسط حقوقه كمترشح للانتخابات الرئاسية".

كما شجب "المضايقات التي يتعرض لها المترشح زهير المغزاوي"، مجددًا تضامنه المبدئي مع جميع الذين تم إقصاؤهم من السباق الانتخابي، ومع جميع سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين، وفق ما جاء في نص البيان.

وفي سياق متصل، ثمّن الجهود التي تبذلها الشبكة التونسية للحقوق والحريات في الدفاع عن الحقوق والحريات وفي الذود عن مكتسبات دولة القانون والقيم المدنية والديمقراطية ويدعو إلى المشاركة الواسعة في التظاهرة التي تنظّمها مساء الجمعة 4 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وفي 2 سبتمبر الجاري، أعلنت هيئة الانتخابات أن القائمة النهائية للمرشحين إلى الاستحقاق الرئاسي تقتصر على 3 فقط (من أصل 17) هم: الرئيس سعيد، وأمين عام حركة "عازمون" العياشي زمال (معارض)، وأمين عام حركة "الشعب" زهير المغزاوي (مؤيد لسعيد).

بينما رفضت الهيئة قبول 3 مرشحين معارضين رغم أن المحكمة الإدارية قضت بأحقيتهم في خوض الانتخابات بدعوى "عدم إبلاغها بالحكم خلال المهلة المحددة قانونا".

وهؤلاء الثلاثة هم أمين عام حزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي، والمنذر الزنايدي، وزير سابق بعهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وعماد الدايمي، مدير ديوان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي.

وتنطلق، غدا الجمعة 4 أكتوبر الجاري، عمليّة تصويت التونسيين بالخارج للانتخابات الرئاسية، والتي تتواصل إلى غاية بعد غد الأحد موعد إجراء الانتخابات بالداخل (6 أكتوبر 2024).

وتقدّم لهذا الاستحقاق الرئاسي ثلاثة مترشحين كانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أعلنت عن قبول ملفات ترشحهم، وهم العياشي زمال، وزهير المغزاوي، وقيس سعيد.

وتقدّر نسبة الناخبين المسجّلين بالخارج بـ 6.6 بالمائة من مجموع المسجلين، وفق معطيات نشرتها هيئة الانتخابات، أيّ 642 ألفا و810 ناخب من بين 9 ملايين و753 ألف و217 ناخبا .

وسيقترع هؤلاء الناخبون، الموجودون بـ48 بلدا، في 363 مركز اقتراع تشمل 439 مكتب اقتراع.

وكانت الحملة الانتخابية لهذه الانتخابات، قد انطلقت يوم 12 سبتمبر الجاري لتتواصل على مدى 21 يوما وانتهت أمس الأربعاء 2 أكتوبر وتنطلق فترة الصمت الانتخابي اليوم الخميس 3 أكتوبر 2024 الذي يتواصل بدوره إلى غاية غلق آخر مكتب اقتراع في مدينة "سان فرانسيسكو" بالولايات المتحدة.

إقرأ أيضا: حكم صادم بالسجن ضد المرشح للرئاسة التونسية العياشي الزمال

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية سياسة عربية التونسية الانتخابات موقف تونس انتخابات اسلاميون موقف المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المشارکة فی الانتخابات الانتخابات الرئاسیة المسار الانتخابی حرکة النهضة من عدمها من أجل

إقرأ أيضاً:

هل يُفقد سد النهضة مصر ثلث مساحتها الزراعية سنويا؟

بينما حذرت دراسة حديثة لباحثين بجامعة "تكساس إيه آند إم" الأميركية من أن سد النهضة قد يتسبب في فقدان مصر لثلث مساحتها الزراعية سنويا خلال سنوات الجفاف، يرى خبراء استطلعت "الجزيرة نت" آراءهم، أن هذه التقديرات مبالغ فيها إلى حد كبير، ولا تعكس الواقع بدقة.

وأشارت الدراسة التي قادها الأستاذ بمركز دراسات إمدادات المياه بقسم العلوم الفيزيائية والبيئية بجامعة "تكساس إيه آند إم" د.محمد أحمد، إلى أن مصر والسودان لم تشعرا حتى هذه اللحظة بتأثيرات كبيرة لسد النهضة الإثيوبي، وذلك نتيجة الهطول الغزير للأمطار الناجم عن التغيرات المناخية في منطقة حوض النيل، مما أسهم في تعويض كميات المياه التي حجزها السد حتى الآن.

ومع ذلك، أشارت الدراسة المنشورة في دورية "جورنال أوف هيدرولوجي"، إلى أن هذه الظروف الإيجابية قد لا تستمر على المدى الطويل، حيث قد تواجه الدولتان تأثيرات سلبية كبيرة خلال فترات الجفاف المستقبلية، مما سيؤدي إلى انخفاض حصتهما من مياه النيل ليظهر بشكل أكثر وضوحا الآثار السلبية للسد، وهو ما يتطلب ضرورة الاتفاق على إدارة للموارد المائية في حوض النيل بشكل فعال ومنصف.

واستخدم الباحثون 8 أنواع من البيانات المستندة إلى تقنيات الاستشعار عن بعد لتقييم تأثيرات عملية ملء خزان السد على الموارد المائية في إثيوبيا والسودان ومصر خلال الفترة ما بين 2013 و2022، وتم التركيز على تحليل التغيرات المكانية والزمنية في مساحة السطح وحجم المياه وكميات الأمطار والتخزين المائي لـ5 خزانات رئيسية تشمل سد النهضة في إثيوبيا، وسدود الروصيرص ومروي في السودان، وبحيرة ناصر وتوشكى في مصر.

صور أقمار صناعية من شركة "ماكسار" الأميركية تظهر عملية الإنشاءات والتعلية في سد النهضة أثناء تجهيزه للتعبئة الرابعة (وكالات) نتيجة مطمئنة وقتيا

ووفقا للدراسة، فقد بدأت 3 مراحل رئيسية لملء خزان سد النهضة في يوليو/تموز 2020، يوليو/تموز 2021، وأغسطس/آب 2022 على التوالي، وفي بداية هذه المراحل الثلاث، غطى خزان سد النهضة مساحات تقدر بنحو 110 و233 و544 كيلومترا مربعا على التوالي.

إعلان

وتقول الدراسة، إنه قد "لوحظ انخفاض في مساحة سطح خزان سد النهضة بنسبة 24 إلى 49% بعد المرحلتين الأولى والثانية، وذلك نتيجة لزيادة معدلات التسرب والتبخر في موقع السد"، وهي مشكلة يعاني منها سد النهضة بسبب طبيعة الأرض التي أُنشئ عليها، وكانت قد أشارت لها دراسة أخرى، سبق أن قدمت "الجزيرة نت" تقريرا عنها.

وفي الوقت نفسه، لم تظهر تغييرات كبيرة في مساحة سطح خزاني الروصيرص ومروي، في حين لوحظت زيادة طفيفة في مساحة سطحي بحيرة ناصر وتوشكى، وهو ما عزته الدراسة إلى زيادة معدلات الأمطار (6-10%) والفيضانات الكبيرة التي حدثت خلال فترة ملء سد النهضة.

بيد أن هذه النتيجة التي قد تبدو في ظاهرها مطمئنة، تحمل في طياتها بذور الخطر، إذ حذرت الدراسة، من أن استمرار عمليات ملء السد بالمعدلات الحالية خلال فترات الجفاف المستقبلية لعدة سنوات أخرى، وفي ظل ارتفاع معدلات التسرب والتبخر، فإن حصة مصر من مياه النيل قد تتراجع بنسبة تصل إلى 35.47%، مما قد يؤدي إلى فقدان نحو 33.14% من المساحات الزراعية سنويا، أي ثلث المساحة تقريبا.

وخلص الباحثون من ذلك، إلى أنه لضمان استدامة الموارد المائية للأجيال القادمة، يجب أن يكون هناك اتفاق فعال ومنصف لإدارة الموارد المائية.

تقديرات مبالغ فيها

ويؤيد أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، الرسالة التي أرادت الدراسة إيصالها في النهاية، وهي ضرورة التوصل إلى اتفاق فعال ومنصف لإدارة سد النهضة، إلا أنه يختلف بشكل كبير مع المقدمات التي تم صياغتها للوصول إلى هذه النتيجة، والمتمثلة في التقديرات المبالغ فيها لتأثير السد، والتي يراها منافية تماما للواقع.

ويقول شراقي للجزيرة نت: "لا شك أن للسد تأثيرات سلبية على مصر، حتى في فترات الأمطار والفيضانات، ويزداد هذا التأثير بالطبع خلال فترات الجفاف، ولكن وجود السد العالي في مصر يمنع السيناريو الكارثي الذي تشير إليه الدراسة".

إعلان

وأوضح أن "الزيادة الطفيفة التي لوحظت في مساحتي بحيرة ناصر وتوشكى بمصر، بالتزامن مع فترات ملء السد، لم تكن نتيجة لزيادة معدلات الأمطار والفيضانات الكبيرة كما ورد في الدراسة، بل حدثت بسبب سياسات ترشيد الاستهلاك التي تبنتها مصر".

ومن أبرز معالم هذه السياسات تقليص مساحات زراعة الأرز الذي يستهلك كميات ضخمة من المياه، إلى جانب تنفيذ مشروعات معالجة مياه الصرف الزراعي لإعادة استخدامها، ولولا هذه التوجهات، التي كلفت مصر نحو 500 مليار جنيه، لشعر المصريون بتأثيرات سد النهضة رغم زيادة معدلات الأمطار والفيضانات التي أشارت إليها الدراسة.

وأضاف شراقي أن "سياسة الترشيد والمشروعات التي تم تنفيذها ووجود السد العالي في مصر يمنع التأثيرات الكارثية التي أشارت إليها الدراسة في فترات الجفاف الممتد، لكن هذا لا يلغي الحاجة إلى اتفاق فعال ومنصف يضمن حقوق مصر المائية، لا سيما أن تلك الحقوق لا تتعارض مع أهداف التنمية التي بُني سد النهضة من أجلها".

وأشار أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة إلى أن سد النهضة بُني لأغراض توليد الكهرباء، وليس للزراعة، وبالتالي، فإن المياه المستخدمة في تشغيل التوربينات لتوليد الكهرباء ستصرف لتصل إلى مصر، حتى يتسنى للسد الممتلئ حاليا بـ60 مليار متر مكعب من المياه استيعاب الكميات الإضافية التي ستأتي في المواسم المقبلة.

واختتم بقوله: "ليس أمام إثيوبيا خيار سوى التصرف بهذه الطريقة، وإلا فما الذي ستفعله بكميات المياه الإضافية التي ستصلها حتى في مواسم الجفاف؟ وهذا يعني أن تأثيرات السد خلال تلك المواسم لن تكون بالدرجة الكارثية التي صورتها الدراسة".

ويشدد: "لكن لا يمكن ترك الأمر رهنا للإرادة الإثيوبية، ولابد من التوصل لاتفاق فعال ومنصف، يضمن لمصر حقوقها، ويحقق لإثيوبيا أهدافها التنموية".

لا شك أن للسد تأثيرات سلبية على مصر، حتى في فترات الأمطار والفيضانات (الفرنسية) إدارة أفضل للمياه الزائدة

ومثل شراقي، لا يبدي الباحث في جامعتي ميشيغان وأريزونا الأميركيتين د.كارم عبد المحسن، حماسا للتقديرات التي ذهبت إليها الدراسة، والتي وصفها بـ"السيناريو الأسوأ"، الذي يصعب تحققه.

إعلان

وقال عبد المحسن للجزيرة نت: "لا جدل على وجود تأثيرات لسد النهضة، لكن الحديث عن فقدان مصر ثلث مساحتها الزراعية سنويا بسبب تأثيرات مواسم الجفاف، هو تقدير أو تصور لأسوء السيناريوهات التي قد يمكن توقعها من خلال صور الأقمار الصناعية في ظل نقص البيانات الأرضية، إذ يعني أنه خلال 3 سنوات ستفقد مصر رقعتها الزراعية بالكامل، في حين أن دراسات أخرى قد قامت بعمل تقييم مماثل وتوقعت تأثيرات أقل على دول حوض النيل".

وأضاف أن فترة التأثيرات السلبية الكبيرة لسد النهضة قد تم تجاوزها بعد أن اكتمل ملء خزان السد خلال فترات الملء السابقة بأكثر من 60 مليار متر مكعب من المياه، ومن ثم فإن إثيوبيا ستضطر إلى تصريف كميات المياه التي ستأتي لاحقا إلى دول المصب، أي أننا تجاوزنا الفترة الأصعب (فترات الملء الكبيرة)، وأي تأثير سيأتي بعد ذلك لن يكون كبيرا بحيث يتسبب في السيناريو الكارثي الذي رصدته الدراسة.

ومن جهة أخرى، يختلف عبد المحسن مع ما ذهب إليه شراقي في التقليل من تأثير الزيادة التي أحدثتها مياه الأمطار والفيضانات على مساحتي بحيرة ناصر وتوشكى بمصر، وإرجاع التأثير الكبير لسياسات ترشيد استهلاك المياه، وقال: "رصدنا في دراسة نشرت بدورية (كومينيكيشنز إيرث & إينفيرومينت)، وصول المياه المخزنة في بحيرات توشكى إلى ما يقارب الـ(60 مليار متر مكعب) من المياه، وذلك بسبب مياه الفيضانات التي استقبلتها خلال مواسم الهطول المطري الشديد خلال فترتين هما (من 1998 إلى 2002)، ومن (2019 إلى 2022)".

ويعيد عبد المحسن المقترح الذي خلصت إليه دراستهم، والذي يعتبر أحد الحلول الممكنة من أجل إدارة أفضل للمياه، لتعويض ولو جزء من المياه التي يمكن أن تفقدها مصر خلال سنوات الجفاف الممتد.

ويقول: "رصدنا في الدراسة ضياع كميات كبيرة من المياه الزائدة خلال مواسم الأمطار، والتي تم تخزينها في منطقة بحيرات توشكى، بسبب التبخر، دون استغلالها في شحن الخزان الجوفي بتلك المنطقة، وذلك لأن الطبيعة الجيولوجية لهذه المنطقة، تتكون من صخور ليست عالية المسامية، مما لا يسمح بتسرب هذه الكمية الهائلة من المياه، ومن ثم لا يكون أمامها سوى التبخر، ولا يتم استغلال سوى كمية محدودة فقط في شحن الخزان الجوفي".

إعلان

والحل الذي اقترحته الدراسة هو مسار إضافي لمفيض توشكى، يضمن استغلال تلك المياه في شحن الخزان النوبي الجوفي، إذ أن الطبيعة الجيولوجية للمنطقة المقترحة لتخزين المياه، وصخورها ذات النفاذية العالية، ستساعد على تسريب أكثر من 70% من المياه إلى الأرض ليعاد شحن هذا الخزان، الذي أصبحت المياه التي تسحب منه سنويا، والمقدرة بنحو 980 مليون متر مكعب، أكبر بكثير من المياه الجديدة التي تشحن داخله.

وتقول الدراسة إن هذا المسار البديل يمكن تدشينه بشق قناة صغيرة تنقل المياه من بحيرة السد إلى المنطقة المنخفضة القريبة منها، والتي يقع أسفلها الخزان النوبي الجوفي.

تعريف الجفاف الممتد

وتميل دراسة قادها الأستاذ في كلية فيتربي للهندسة بجامعة جنوب كاليفورنيا د.عصام حجي، إلى ضرورة التوصل لحل جذري للمشكلة، ينطلق من حل للنقطة الخلافية التي تسببت في تعثر المفاوضات بشأن إدارة سد النهضة خلال مواسم الجفاف الممتد.

ووفقا لهذه الدراسة التي سبق أن قدمت الجزيرة نت عرضا لها، فإن سد النهضة يمكنه توليد كميات من الطاقة المثلى دون تأثير سلبي ملحوظ على تدفق المياه إلى دول المصب خلال الفترات الرطبة، والمتوسطة، وحتى خلال فترات الجفاف المؤقت، غير أن المشكلة الكبيرة التي تسببت في تعثر المفاوضات وعلى مدار عقد من الزمن ، وسعت الدراسة لحلها، تكمن في فترات الجفاف الممتدة.

وحددت الدراسة سياسة تشغيل مثلى للسد تُمكنه من توليد نحو 87% من الطاقة الكهرومائية خلال فترات الجفاف الممتد دون التأثير على تدفق المياه إلى دول المصب، واعتمدت هذه السياسة على تقديم تعريف جديد للجفاف الممتد.

وتريد مصر أن يكون تعريف "الجفاف الممتد" هو "4 سنوات متتالية يكون فيها محصلة التدفق السنوي أقل من أو يساوي 39 مليار متر مكعب من المياه"، بينما تقترح إثيوبيا أن يكون "4 سنوات متتالية يكون فيها محصلة التدفق السنوي أقل من أو يساوي 35 مليار متر مكعب"، وتقترح دراسة د.حجي، اعتماد تعرف الجفاف الممتد على مستوى المياه في السد العالي بأسوان، حيث يُعتبر السد، وفقا للتعريف الجديد، في حالة "جفاف ممتد" إذا انخفض منسوبه عن 165 مترا، وهو ما يُتيح، وفقا لهذه الدراسة، دمجا للتدفق من كل من النيل الأزرق والنيل الأبيض، مما يعكس الحالة الهيدرولوجية الكاملة لحوض النيل، التي تشير إلى التفاعل بين جميع العناصر المرتبطة بحركة المياه داخل حوض نهر النيل.

إعلان

وقدمت الدراسة، استنادا لهذا التعريف الجديد، مجموعة من السياسات التشغيلية المقترحة لإدارة السدود الضخمة على النيل خلال فترات الجفاف الممتد، وتشمل هذه السياسات 7 نماذج تشغيلية جرى تقييمها باستخدام بيانات تاريخية تمتد لأكثر من 100 عام.

وفي النهاية، يظل التوصل إلى اتفاق فعال وعادل بشأن إدارة سد النهضة ضرورة ملحة لضمان استدامة الموارد المائية في منطقة حوض النيل.

فبالرغم من أن التقديرات حول تأثير السد قد تبدو متباينة بين الخبراء، فإن التأكيد على الحاجة إلى تنسيق مشترك وإدارة متكاملة لمياه النيل يعد السبيل الأمثل لتجنب التأثيرات السلبية المحتملة على الأمن الغذائي والزراعي لمصر والسودان، مع مراعاة متطلبات التنمية المشروعة لإثيوبيا.

مقالات مشابهة

  • خبيرة علاقات دولية: رفض الرئيس السيسي تهجير الفلسطينيين يعكس موقف مصر الثابت
  • خلال مؤتمر صحافي.. مرتضى منصور يكشف كواليس الانقلاب عليه
  • هل يُفقد سد النهضة مصر ثلث مساحتها الزراعية سنويا؟
  • قانون الحافز الانتخابي ضمير الاغلبية الصامتة المقاطعة للانتخاب سخطاً على الفاسدين والجهلة والعملاء
  • تنسيقية الأحزاب تلتقي برلمان الشباب البيلاروسي لتبادل الخبرات حول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية
  • مُقوِّم أساسي للنهضة
  • بعد الاستفزازات في لبنان..حركة أمل تحظر المشاركة في مسيرات حزب الله
  • الأردن ترفض مخططات التهجير وتؤكد أن أمنها مرتبط بثبات الفلسطينيين على أرضهم
  • عرقاب يتحادث مع وزير الطاقة الجنوب إفريقي ووزيرة الطاقة والمناجم التونسية
  • لوكاشينكو يكتسح الانتخابات الرئاسية في بيلاروس والغرب يندد