مع أول بيانات حزب الله بشأن تصديه لقوات إسرائيلية خاصة حاولت التسلل إلى قرى الجنوب اللبناني واعتراف الجيش الإسرائيلي بمقتل عدد من جنوده في أول اشتباكات مباشرة مع مقاتلي الحزب، تتضح معالم الاتجاه الأولي "للعملية البرية المحددة" التي أعلنت عنها تل أبيب يوم الاثنين الماضي.

وقال جيش الاحتلال إن القوات البرية ستعمل على استهداف مقاتلي حزب الله والبنية التحتية في القرى الواقعة على طول الحدود، وفي حين أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أن المسؤولين العسكريين والسياسيين وافقوا رسميا على "الخطوات التالية" للعملية، تبرز تساؤلات عن السيناريوهات المتوقعة لمسار العمليات البرية للقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان.

استطلاع بالنيران

وافق القادة الإسرائيليون في وقت متأخر من مساء الاثنين على الخطط لإرسال قوات برية إلى لبنان، وقال الجيش الإسرائيلي إن قواته بدأت في عبور الحدود من أجل استهداف المواقع التي "تشكل تهديدا مباشرا للمجتمعات الإسرائيلية في شمال إسرائيل".

وجاءت التحركات الإسرائيلية البرية في أعقاب غارات مكثفة على لبنان على مدى الأسبوعين الماضيين، وأسفرت عن سقوط مئات الضحايا المدنيين، في محاولة للقوات الإسرائيلية فرض واقع جديد مع حزب الله من أجل تأمين عودة مستوطني الشمال إلى مستوطناتهم.

ورغم أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن أن قواته "بدأت غارات محدودة ومحددة وموجهة ضد أهداف لحزب الله"، فإن الخطة قد تتطور إلى عملية أوسع وأطول أمدا، خصوصا مع نشر آلاف من القوات الإضافية في الشمال في الأيام الأخيرة.

وتشير طبيعة القوات والمهام الموكلة إليها ومحاولات التسلل إلى بلدات مارون الراس وكفر كلا إلى أن قوات الاحتلال تسعى لعمليات استطلاع بالنيران الحية لفحص قدرات حزب الله القتالية وإمكانية توسيع العملية البرية أو الاقتصار على عمليات خاصة ومحدودة.

وقد شكل الاشتباك الأول بين مقاتلي حزب الله والقوات الخاصة الإسرائيلية درسا قاسيا للأخيرة التي تكبدت خسائر فادحة في الساعات الأولى لعملياتها البرية داخل الأراضي اللبنانية، وأقر الجيش الإسرائيلي بمقتل 8 من العسكريين من بينهم 3 ضباط جراء تعرضهم لكمين.

من جهته، قال مركز "زيف" الطبي الإسرائيلي إنه استقبل 39 جنديا مصابا، وصلوا بواسطة المروحيات ومركبات الإسعاف العسكرية.

الجيش الإسرائيلي أقر بمقتل 8 من العسكريين بينهم 3 ضباط جراء تعرضهم لكمين (رويترز) اجتياح متدرج

وعلى الرغم من النتائج الصعبة التي سجلتها المرحلة الأولى من العمليات البرية، فمن المتوقع أن يعمد الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ إستراتيجية توسيع متدرج لعملياته في جنوب لبنان، فقد سبق له أن أعلن أن الفرقة 98 في الجيش بما في ذلك لواء غولاني وقوات خاصة من مختلف القطاعات قد انضمت للقوات المحتشدة في الجبهة الشمالية للمشاركة في العمليات البرية جنوب لبنان.

واستبق جيش الاحتلال الإسرائيلي إعلانه عن نيته تنفيذ عملية برية، بحملة قصف واسع لقرى جنوب لبنان، وتعرضت بلدات مارون الراس وكفر كلا وعيتا الشعب لمئات الغارات الجوية استهدفت منازل المواطنين اللبنانيين والبنى التحتية من طرق وجسور ومرافق مدنية.

وبناء على نتائج هذه المرحلة، من المرجح أن ينتقل جيش الاحتلال إلى اجتياح محدود بعمق أقل من 10 كيلومترات على طول الحدود الجنوبية للبنان، وتهدف هذه العملية إلى التأثير على قدرات حزب الله في استخدام الصواريخ قصيرة المدى ومضادات الدروع التي تستهدف القوات المحتشدة على طول الحدود الشمالية، مما يتيح لقوات الاحتلال حرية أوسع في تنظيم عمليات التموضع والحركة لتعزيز حملة الاجتياح في مرحلتها الثانية.

وفي مرحلتها الثالثة، تهدف قوات الاحتلال الإسرائيلي للوصول لنهر الليطاني الذي بات يشكل حدا فاصلا فيما تعتقد إسرائيل أنه ضروري لتفكيك بينة حزب الله القتالية خاصة الصواريخ متوسطة المدى التي يمكن لها أن تستهدف العمق "الإسرائيلي".

ويرى الاحتلال أن المنطقة الواقعة جنوب الليطاني تشكل مسرح العمليات الرئيسي لقوات الرضوان التابعة لحزب الله، والتي تعتبرها إسرائيل تهديدا استثنائيا يحي في الوعي الإسرائيلي الهزيمة والفشل الذي مني به جيش الاحتلال صبيحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي في غلاف غزة.

وتعد هذه المرحلة في المنظور الإسرائيلي، مساحة الحرب الرئيسية والفاصلة في تحديد اتجاه الحملة البرية ضد لبنان، ومن المتوقع أن يحشد جيش الاحتلال فرقتين إضافيتين لهذه المرحلة.

وزير الدفاع غالانت يتفقد قوات الاحتياط التي استقدمت للحدود الشمالية مع لبنان (الصحافة الإسرائيلية) سيناريوهات مفتوحة

في تجاربه السابقة، أطلق الاحتلال الإسرائيلي عمليته البرية عام 1982 في جنوب لبنان بهدف التخلص من المقاومة الفلسطينية وتفكيك بنيتها التحتية، لكن تلك العملية تحولت مع الوقت إلى عملية احتلال للجنوب اللبناني، ووصلت للعاصمة بيروت، واستمر 18 عاما.

وكانت أهم نتائج هذه العملية نشأة حزب الله بوصفه حركة مقاومة استطاعت بعد سلسلة من عمليات الاستنزاف إخراج جيش الاحتلال من جنوب لبنان عام 2000 وتعزيز وجوده في الجنوب ليشكل بعد ذلك واحدا من أهم التحديات الإستراتيجية للاحتلال الإسرائيلي.

ووجدت إسرائيل نفسها تنتقل بحكم تعقيد الواقع الميداني إلى تحول حتمي في عملياتها البرية إلى عملية برية بلا سقف وبلا نهاية وبلا إجابات نهائية عن الواقع الذي سعت لفرضه في جنوب لبنان وباء بالفشل في نهاية المطاف.

وفي عام 2006، عبرت الدبابات والمدرعات الإسرائيلية لعدة كيلومترات داخل جنوب لبنان، وفي مشهد خالد في الذاكرة العسكرية بين حزب الله وجيش الاحتلال، تصدت مجموعات الحزب المتمركزة في قرى الجنوب اللبناني لدبابات الميركافا، ودمرت عددا منها، مما شكل صدمة لجيش الاحتلال الذي أوقف عملياته البرية وانسحب بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي استند للقرار 1701.

وقد شكلت تلك التجربة أحد أهم المحددات التي يحاول جيش الاحتلال عبر الأشهر الماضية لتفاديها عبر عمليات القصف الجوي المركز.

جنود إسرائيليون يقفون خلف سلك شائك في مزارع شبعا المحتلة في جنوب لبنان (الفرنسية)

وفي السياق الحالي، فإن الأهداف التي يكررها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وغيره من القادة السياسيين والعسكريين، والتي تشمل تفكيك بنية حزب الله العسكرية وخاصة الصاروخية منها أو ما يسميه نتنياهو "منع تكرار هجوم السابع من أكتوبر"، يعني بالضرورة أن العمليات المحدودة المعلن عنها لا تفي بالغرض.

فتحقيق هذه الأهداف يتطلب سيطرة دائمة أو طويلة الأمد لمنطقة واسعة تصل إلى العمق اللبناني وقد يشمل العاصمة بيروت، وهو الأمر الذي يشكك الكثير من المراقبين بقدرة جيش الاحتلال على تنفيذه في ظل مقاومة حزب الله الذي أثبت في الساعات الأخيرة أن ما يدعيه الاحتلال الإسرائيلي أن أضعف قدراته القتالية بعد حملات القصف الجوي المكثفة محل شك كبير.

ويشير رئيس شعبة المعلومات السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، تامير هايمن، إلى ضرورة "بحث الوضع النهائي المرغوب فيه من طرف إسرائيل، وشروط الانسحاب من الميدان". ويعلل هايمن ذلك "بالأثمان الكبيرة التي يمكن أن تدفع"، وهذه إشارة مباشرة من أحد أبرز المحللين العسكريين الإسرائيليين، لعدم التناسب بين الأهداف المعلنة وطبيعة العمليات الجارية حاليا.

ورغم تقديم هايمن لما سماه "بالنجاحات الكبيرة" التي حققها جيش الاحتلال في الأيام الماضية باغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وعدد من قيادات الحزب العسكرية، فإن مسار التشكيك في القدرة على صوغ عملية محدودة وناجحة يفرض نفسه على تقييمه، حيث دعا للتصرف "بتواضع" أمام جملة التحديات التي تجلبها عملية من هذا النوع.

مصير الاجتياح في الميدان

يتضح من تصريحات المسؤولين في إسرائيل أن خيار العملية البرية بات محسوما، وتثبت محاولات التسلل خلال الساعات الماضية أن خطط التوغل بدأت بالفعل، إلا أن تحديد مصير هذه العمليات سيحدده قدرة حزب الله على التصدي للعمليات في مراحلها المتصاعدة.

وكان الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله قد أكد أن "الخيارات مفتوحة، وسنواجه أي احتمال في حال دخل الإسرائيلي بريا"، مشددا على أن قوات المقاومة جاهزة للالتحام البري.

كما أن التصعيد الناشئ بعد تنفيذ إيران لردها بتوجيه ضربة صاروخية وصفتها بالناجحة استهدف العمق الإسرائيلي وما سينتج عن ذلك من خيارات لدى الاحتلال الإسرائيلي للرد، سيشكل محددا أساسيا لطبيعة وحدود العملية البرية التي انطلقت وفقا لمعطيات لم تشمل الرد الإيراني الأخير.

كما تبقى الحرب المستمرة في قطاع غزة وما تفرضه طبيعة العمليات -التي تنفذها المقاومة الفلسطينية ضد القوات المتمركز في محوري صلاح الدين (فيلادلفيا) ونتساريم- عاملا يفرض واقعا ميدانيا على قدرة جيش الاحتلال بخوض عمليات تتطلب قوات خاصة على أكثر من جبهة وما يبنى على ذلك بنقل للقوات بين الجبهات.

فالحرب التي تقترب من إكمال عامها الأول ما زلت تفرض تحديات ميدانية وسياسية واقتصادية من المتوقع أن تتعمق في حال تورطت دولة الاحتلال في حرب استنزاف برية في جنوب لبنان وأخرى مفتوحة مع إيران.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الاحتلال الإسرائیلی الجیش الإسرائیلی فی جنوب لبنان جیش الاحتلال لحزب الله حزب الله

إقرأ أيضاً:

خارجية فرنسا: على إسرائيل تجنب الاجتياح البري في لبنان

أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، أن باريس مستعدة للمساعدة في تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بشأن وقف الأعمال القتالية في جنوب لبنان، مضيفا: "سنسهم في تعزيز دعمنا للجيش اللبناني".

 

جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي في بيروت، اليوم الاثنين، قال فيه إنه يحث إسرائيل على الامتناع عن تنفيذ أي عملية عسكرية لاجتياح لبنان بريا.

 

مقترح وقف إطلاق النار

أكد وزير الخارجية الفرنسي أن مقترح وقف إطلاق النار هو الخيار الوحيد الذي يضمن هدنة فورية يعقبها وقف دائم للعدوان.

كما دعا جان نويل بارو، السياسيين اللبنانيين إلى العمل على انتخاب رئيس للبلاد في أقرب وقت.

يذكر أن قرار مجلس الأمن رقم 1701 صدر من مجلس الأمن بشأن إيقاف إطلاق النار وهو القرار الذي أنهى حرب عام 2006 بين إسرائيل و"حزب الله".

وفي وقت سابق، حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من تحوّل لبنان إلى غزة جديدة، في الوقت الذي تتواصل فيه عمليات القصف الإسرائيلي على لبنان مخلفة أعداد كبيرة من الضحايا.

 

وتصاعدة حدة المواجهات بين إسرائيل و"حزب الله"، وأعلن الجيش الإسرائيلي مقتل الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصر الله، في غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت، يوم الجمعة الماضي، وهو ما تم تأكيده لاحقا في بيان للحزب.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه قتل قائد جبهة الجنوب في "حزب الله" علي كركي، وعدد آخر من قادته، وهو ما أكده نائب الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم، اليوم الإثنين، في أول تصريحات بعد الضربة التي استهدفت نصر الله.

وتؤكد إسرائيل مواصلة الحرب حتى تتمكن من إعادة سكان الشمال إلى منازلهم التي فروا منها بسبب صواريخ "حزب الله"، رغم التحذيرات الدولية من الإنزلاق إلى حرب إقليمية واسعة.

 

مقالات مشابهة

  • بعد اجتياح الاحتلال الإسرائيلي البري لجنوب لبنان.. ماذا تعرف عن الفرقة 98؟
  • كيف أفشل حزب الله خديعة الغزو البري لجنوب لبنان؟
  • تعرف على تطورات الأوضاع في لبنان بعد الاجتياح البري لقوات الاحتلال الإسرائيلي.. إيران ترد على مقتل "هنية ونصر الله" بأكثر من 100 صاروخ.. بايدن يعلن استعداده لمساندة الصهاينة
  • بعد الاجتياح البري الإسرائيلي لجنوب لبنان.. ماذا حدث عام 2006؟
  • “أكسيوس” يكشف خطط وأهداف الاجتياح البري الإسرائيلي لجنوب لبنان
  • الاجتياح البري لجنوب لبنان.. التوغل الإسرائيلي تجاه جزب الله "القصة كاملة"
  • أكسيوس يكشف أهداف الاجتياح البري الإسرائيلي لجنوب لبنان
  • مسؤول أمريكي: الاجتياح البري الإسرائيلي للبنان سيبدأ خلال ساعات
  • خارجية فرنسا: على إسرائيل تجنب الاجتياح البري في لبنان