لأن الحياة تتشكل من مجموعة أحداث ومواقف نود الاحتفاظ ببعضها والبعض الآخر نسعى للتهرب منه بل ومحوه من الذاكرة متكئين على حيلة (النسيان) العتيقة.. تتواصل مفاجآت هذه الحياة ونستمر نحن في محاولاتنا لتجاوز ما علِق بأذهاننا من خيبات الماضي وقد ننجح في ذلك، وقد لا يُكتب لنا النجاح؛ نظرًا للثقلِ الذي ما زال يُلقيه على كاهلنا.
ورغم يقيننا بأن تعقب الماضي لا يعني أكثر من إرهاق ذهني وعبثي لا طائل من ورائه لكننا نظل مُتعلقين به نبحث في قعرهِ بدأب عن كل ما يُفسد صفاء لحظتنا، ويوقد داخل نفوسنا جذوة الأكدار والتعاسة.. نستمر في ذلك حتى يدركنا الموت!!.
عما نبحث؟ ولماذا نبحث ؟ لا نملك أي إجابة لهذا نواصل لعبة الإنهاك لأرواحنا حتى نفقد حلاوة اللحظة ومتعتها مع إيماننا المُطلق بأن المستقبل محجوب عنا وأنه يدخل في دائرة الغيب.
إنَّ تعلق الإنسان برواسب الماضي واحتفاظه بكل ما هو آسنٌ ودارسٌ ومُحبط في حياته وعدم قدرته على تخطي ما يجب تخطيه والذي لم يكن هو بأي حال من الأحوال ضالعًا في تأسيس كثير من قواعده ، جدير بإحالته إلى شخص مأزوم غير قادر على التصالح مع نفسه ومع الحياة.
نتعلق تعلقًا غير مفهوم بكل ما هو سيئ وقاتم من صنيعة الماضي، نُفتش بين الرُكام عن أي منغص يُفسد يومنا، نأتي على سيرة أشخاص لا نحتفظ لهم داخلنا بقليل ودِ، نفرد مساحات واسعة من التفكير للقباحات التي مررنا بها ذات سنين خالية مضت.
نتناسى عن سبق إصرار أن الحياة قصيرة جدًا لن نعيشها إلا مرة واحدة، نتجاهل أن الماضي ما هو إلا مرحلة ولّت إلى غير رجعة لا تستحق سوى النسيان والطمس والاستفادة من تجاربها الحسنة والسيئة.
من يكون المسؤول الفلاني الذي «كان» لا يروقك وتمقت جبره وسوء خُلقه حتى يكدر حاضرك الذي تعيشه وأنت بعيد عنه ؟ من فرعون هذا الذي يستحق كل هذا العناء وهو لا يملك أي حيلة تضمن عدم أُفول شمسه وفقدان منصبه وانهيار صحته وتزلزل مكانته ؟
أي تذكر تنشده في شخص أحسنت إليه ولم يتردد في اغتنام الفرصة الأولى للإساءة إليك؟ ماذا يُشكل أي شخص قريبا كان أم بعيدا إذا انسحب من حياتك وقرر أخذ مسار آخر ليحبسك في دائرة فارغة من مرارة الفقد وعذاباته؟
عن أي رجل أعمى ما زلت تبحث عنه داخلك أضاع سنوات طويلة وهو يتحرى حقيقة نفسه ؟ عن أي مُخلصِ بسط يديه لمن يحب معولًا على صفاء سريرته وماضٍ غاب ضوؤه ولم يجن في يديه سوى الريح؟ من ذا الذي يستحق كل هذا العناء؟
النسيان.. وحده النسيان والتجاهل هو الطريق المؤدي إليك.. أنت الذي تستحق حياة أجمل متخففًا من ذكريات ماض محبط لم تصنعه بيدك.. من أشخاص لا يستحقون معرفتك.. من تاريخ بائد سلة المهملات مكانه.. فقط قل إنني أرغب في أن أكون سعيدًا وستكون.
آخر نقطة..
بينما كان الجميع ميممًا وجههُ شطر بوابة السعادة كنت أنتَ تبحث بين الأنقاض عن كل ما هو أسحمُ وقاتم.. يا لك من شقي.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً: