هذا العالم يعجُّ بالظلم حتى لتكاد تلمسه بيدك على الجدران والأبنية وتستنشقه مع أنفاسك!
هذا البؤس تستشعره وحدك، فيلُفّك الخزي وتحتويك الهزيمة!
نزوح ومقتلة وجوع، لجوء ومهانة لك ولغيرك ممن تحب، مهانة تصلك حتى ولو كنت في كامل الحرص على كرامتك، مهانة أن تكون حبيس الظنون باستحقار من حولك لك، أو استحقارك لواقعهم، وشناعة الأحداث من حولك، وقدرتك الضئيلة على التأثير فيها.
تتحسس رأس ولدك البريئ، ويدك تجوس عليه خوفاً من غدرٍ ما، أو خوفاً عليك، من أن يراك كسيراً في لحظة مهينة، حيث قد تأخذك الأقدار نحو ما يكسرك.
وحضن لابنتك الحانية، تعتصر معه كل ما فقدته من سنوات عمرك بين يدي السراب، وفرقاً من أن يصير عليها ما صار عليك، فأنت مثل من تاه في الصحراء، حيث قد لا تموت من الظمأ، بل من فقدان الأمل وابتعاد أسباب الحياة الحقة عن ناظريك، وابنتك مثل حبيبات الرمل المتشوِّقة لسحابة تسير في السماء، والسحابة متشوِّقة كذلك لملامسة هذه الحبيبات، وليس بيدكما، حبيبات الرمل والسحابة، تحديد مكان الهطول ولا زمانه، لكنه الأمل، هو ما يصنع هذا التناظر، وهو ما يجعل حضنك لابنتك وكأنه توسّل لتحقق ذلك الأمل، فما بينك وبينها، كما هو ما بين حبيبات الرمل والسحابة.
نظرة على والدتك، تعيدك لأيام بعيدة، حين كانت هناك، تغسل ملابسك وغيرك، على طست من الألمونيوم، أو تعد الطعام وهي تجلس شامخة باعتداد، على موقد مصنوع من بقايا صفيح، والنار تلفح وجهها المتعرِّق، بهجة بوجودك وإخوتك حولها، لتسأل في شكل إجابة: تتغدوا؟!
وهناك على مقربة في الحوش الوسيع، أمام زير نظيف عتيق حيموري، مثل جبين والدك وهو عائد من نهار عمل شاق، يقبع كلبك الذي ينتظر ما تجود به بقايا المائدة!
تلك هي حياة أغلب أهل السودان، قلوب منذ نشوءها تعشق ما عاشته، لا ما تنتظر أن تعيشه، وفي المثل الدارج، الحاري ولا المتعشي؛ يتجلى ذلك الشعور، حيث أن الحاري ينظر للمستقبل بحذاقة، كمن خبره، جرَّبه، ويلعب بمهارة المقامر المحترف على توقعه، يريد فقط أن يتكرر؛ والمتعشي، يعيش على ماضٍ قريب، امتلأت معدته منه، أو قل، ما عاد يؤمِّل في أي مستقبل إلا بعد عشاء هنيئ، والتبقى بعد ذلك تبقى يا زول، والحساب قدّام.
#خميس_مفتّحين
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
وائل الدحدوح: مشاهد الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين مسكنة للآلام (شاهد)
علق الصحفي ومدير مكتب قناة الجزيرة في قطاع غزة، وائل الدحدوح٬ على مشاهد إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرائيلي٬ قائلا "هذه المشاهد بالتأكيد تسكن الألم بالنسبة لكثير من الناس، وأنا أتحدث هنا باسم الضحايا، باعتباري واحدًا من هؤلاء الذين ذاقوا مرارة هذه الحرب، حرب الإبادة. هذه المشاهد تحمل الكثير من الأوجاع والآلام لكثيرين، وبالتأكيد لا يمكن وصفها بالكلمات."
أنا أتحدث هنا باسم أهالي الضحايا، باعتباري أحد هؤلاء الضحايا الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي pic.twitter.com/qdLm3CkWf2 — وائل الدحدوح Wael Al dahdouh (@WaelDahdouh) January 25, 2025
وأضاف الدحدوح: "هذه الصور تعبر لي عن أن كثيرًا من الأحلام التي كانت بعيدة المنال أصبحت حقيقة الآن. وهذا ليس مبالغة، فقد عانينا من آلام وأوجاع ربما لا تستطيع الكلمات وصفها، ولا الكاميرات تصويرها".
وتابع "عندما ترى الأسرى الذين كانوا محكومين بالمؤبد، أي بالسجن مدى الحياة، بعضهم فقد الأمل بالخروج، لكني كنت واحدًا من الأسرى، وكنا نردد دائمًا: طالما أن باب السجن يفتح ويغلق، فإن الأمل بالخروج وباحتضان الأهل يبقى قائمًا، مهما بلغت قسوة الاحتلال، وسماكة جدران الزنازين وقضبان الحديد، ومهما بلغت حالات التعذيب والمعاناة."
وتابع: "الأمل دائمًا موجود، وهذا ما نشترك فيه مع هؤلاء الأسرى الذين تم الإفراج عنهم اليوم، ووجدوا أنفسهم أخيرًا في أحضان ذويهم وأسرهم. نحن نستقبلهم بفرحة كبيرة، وهذا شيء كان يبدو للكثيرين ضربًا من الخيال."
ويذكر أن الصحفي وائل الدحدوح نجا من قصف للاحتلال الإسرائيلي استهدفه وزميله المصور سامر أبو دقة أثناء تغطيتهما الدمار الذي خلفه قصف إسرائيلي على مدرسة في خانيونس. وقد أدى الهجوم إلى إصابة وائل بجروح متفرقة، بينما استشهد زميله المصور سامر أبو دقة.
كما استشهد نجله الصحفي حمزة الدحدوح يوم 7 كانون الثاني/ يناير 2024، إثر استهدافه بصاروخ أطلقته طائرة مسيرة إسرائيلية، قصفت السيارة التي كان يستقلها مع صحفي آخر في منطقة المواصي جنوب غرب قطاع غزة.