بقلم عبد الاله حسن محمد

١/٢
لطالما حلمت بزيارة شرق إفريقيا، خاصة كينيا ورواندا، وأخيراً جاء الوقت المناسب لتحقيق هذا الحلم. بدأت رحلتي متعثرةً في مطار تورنتو بسبب خطأ من موظف شركة الطيران الأمريكية دالتا، حيث كان من المفترض أن أغادر في 4 سبتمبر 2024، بدلاً عنه وصلت إلى مطار كيغالي في 9 سبتمبر 2024 حيث تم ختم جواز سفري الكندي بتأشيرة سياحية مجانية لمدة شهر بكل سهولة وناولني له مع الامنيات الطيبة بإقامة سعيدة في رواندا.

في قسم استعادة الأمتعة، كان موظفو البيئة يتأكدون من عدم دخول أي مواد بلاستيكية إلى المدينة، تركت عندي انطباعاً "بأن هؤلاء الناس لديهم رؤية واضحة يطبقونها".

خارج المطار، كان في استقبالي صديق يقيم في رواندا منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولديه بعض الانطباعات السلبية عنها. أخذني إلى فندق اسمه "لبنان"، لا علاقة له بدولة لبنان، حيث أوضح لي موظف الفندق أن الاسم مأخوذ من الإنجيل. يقع الفندق في حي ريميرا، قريب جداً من مركزه، وهو فندق نظيف ومرتب ولكنه ضيق المساحات. كانت الغرفة صغيرة، تحتوي على سرير بحجم كوين وحمام ضيق مع دش ساخن وبارد، بالإضافة إلى منطقة جلوس وشرفة تطل على حديقة الفندق، وتكلفة الإقامة كانت 50 دولاراً في اليوم. في صباح اليوم التالي بعد تناول وجبة إفطار خفيفة في الفندق، خرجت لاستكشاف كيغالي. كان الصباح مشرقاً والنسيم لطيفاً، حيث تنبعث روائح التربة والأشجار في الهواء. كان الطريق المعبد والنظيف خارج الفندق يتناقض مع زرقة السماء الخالية من السحب، في مشهد رائع لصباح رواندي جميل.

أول ما لفت انتباهي هو هدوء المارة وهم يسيرون في نظام وصمت على الأرصفة النظيفة المخصصة للمشاة ومعظمهم من الشباب دون الخامسة والثلاثين، لم يشهدوا المجزرة او ربما كانوا اطفالاً. ايضاً لفت نظري أطفال المدارس وهم في طريقهم إلى المدرسة بزيهم المدرسي الجميل يسيرون في مجموعات صغيرة وهم يتحدثون بلغة الكينيارواندا.
كان لدي فضول ورغبة للتحدث مع بعض الروانديين وطرح العديد من الأسئلة التي كانت تدور في ذهني. وجدتهم لا يتحدثون الفرنسية، والقليل منهم يتحدث قليل من الإنجليزية. وسرعان ما أدركت الأسباب. حتى عام 2008، كانت المدارس الرواندية تُدار باللغة الفرنسية، ثم قررت الحكومة التدريس بالكينيارواندا مع اعتماد الإنجليزية كلغة ثانية للبلاد وإلغاء الفرنسية. كان هناك عدة أسباب لهذا التحول، منها أن الإنجليزية هي لغة الأعمال العالمية، ومعظم جيران رواندا يتحدثون بها، مما يسهل التبادل التجاري. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت العلاقة الاستعمارية السيئة مع بلجيكا وفرنسا وغيابهما أثناء الإبادة الجماعية، في إلغاء الفرنسية كلغة رسمية للبلاد، رغم أن رواندا لا تزال عضواً في مجموعة الدول الفرانكفونية. جعلني عدم القدرة على التواصل مع عامة الناس وعدم قدرة معظمهم الإجابة على أسئلة بسيطة اشعر بضعف في نظامهم التعليمي، وهكذا حال أي نظام ديكتاتوري، ربما أكون مخطأً ! استمر هذا الإحساس معي لعدة أيام وظل يبعث في نفسي بعض الانطباعات السالبة عن رواندا.

كانت تدور في ذهني أسئلة مثل هل شهدوا المجزرة؟ هل أحد هؤلاء الشباب شاهد والديه يقتلون؟ هل بقي لهم أي عائلة؟ من منهم توتسي ومن منهم هوتو؟ مثل هذه الأسئلة كانت تدور في ذهني ولا اجد إجابة لها، بل كادت أن تفسد هدوء الصباح الجميل بل زيارتي بأكملها. كنت اريد ان اعرف مدى الضرر الذي لحق بالجيل الحالي لكني لم اسمعهم طوال اقامتي يتحدثون عن تلك المجزرة البشعة التي حدثت في العام ١٩٩٤، ولا أعرف افضل طريقة لجعلهم يتحدثون. تغلبت على هذه الهواجس وقررت عدم ربطهم بالماضي او محاولة العثور على كل شيء عن المجزرة او ربطهم بالقبيلة التي لم أسمعهم ينطقون بها طوال فترة زيارتي وممنوع رسمياً ذكرها في أي مكان. هم يريدون نسيان ما حدث لهم من مآسي وفظائع. تركت تلك الهواجس وقررت التعمق أكثر لمعرفتهم بوسائل أخرى و أستمتع بتلك البلاد الجميلة وما أتيت من اجله.
بعد حوالي الساعتين من التجوال في كيغالي، أذهلني حقيقة أن المدينة نظيفة ولا توجد ارصفة متربة على جانبي الشارع وفي وسط الطرق المزدوجة توجد أرصفة خضراء من النجيلة وبعض أشجار الزينة، جميع الشوارع بها مسارات للمشاة، اذا كنت من هواة التجوال سيراً على الاقدام يمكنك السير لمسافات طويلة طالما لديك طاقة للسير، فقط هناك صعود وهبوط كثيرة نسبة لطبيعة المدينة الجبلية، لذا ارتدِي حذاءً مريحا واشرب الماء، فالطقس معتدل ولطيف للغاية. لا توجد الباعة المتجولين أو المتسولين في الطرقات العامة. طوال فترة اقامتي شاهدت متسول واحد فقط. هنالك بعض الزحام المروري وخاصة من الدرجات النارية (الموتوسيكل) وهي أرخص وسيلة مواصلات للتنقل في المدينة. يرتدي سائقو الدراجات النارية خوذات برتقالية وسترة عاكسة تحمل علامة إحدى شركات الاتصالات في المدينة، السترات البرتقالية لشركة Tigo والخضراء لشركة MTN، ويناولك السائق خوذة بمجرد الركوب معه لارتدائها، لأنها ملزمة قانونياً.
كيغالي مدينة منظمة مبنية على التلال ومنتشرة على نطاق واسع. تتكون من ثلاث مناطق هي غاسابو، كيكوكيرو، ونياروجينجي. غاسابو هي أكبر منطقة من حيث المساحة الجغرافية ويقيم فيها معظم السودانيين الذين تعرفت عليهم في كيغالي. وكل قسم من هذه الأقسام يقسم إلى احياء وله مركزه المالي والتجاري الخاص. أخذنا أحد السودانيين المقيمين في المدينة اكثر من ستة سنوات في جولة تعريفية حول المدينة، كل الاحياء المبنية فوق الجبال والوديان رائعة ومنظمة، حتى الأجزاء الفقيرة والقديمة من المدينة ذات الطرق الضيقة المتعرجة حول التلال كل شوارعها مرصوفة وبعضاً منها مرصوفة بالحصى، لا توجد بها مساكن عشوائية كما في معظم المدن الافريقية الكبرى. في المساء تمتد الأضواء إلى ما لا نهاية، أضواء ترقص على قمم التلال والوديان، تتلألأ مثل النجوم في ليلة ظلماء، إنه منظر ساحر. بطريقة ما حول الليل هذه المدينة ذات التلال العديدة إلى أرض خيالية، لم أرى مشهدًا مثله من قبل.
رواندا معروفة بوجودها الأمني المكثف وسلطاتها الأمنية النشطة نسبة لتجربتها الصعبة خلال فترة الإبادة الجماعية في ١٩٩٤. كما أن رواندا استثمرت بشكل كبير في تحسين بنيتها التحتية الأمنية والتكنولوجية مما جعلها واحدة من أكثر الدول أماناً واستقراراً في افريقيا.
اخيراً بغض الطرف عن الجدل المثير حول وجود نظام ديكتاتوري في رواندا، حتى وإن كان خيراً إلى حد ما، وعن الاتهامات الموجهة لبول كيغامي، الرئيس الرواندي بأنه فاسد مثله مثل إي ديكتاتور مستبد في افريقيا او كيغالي مليئة بجواسيسه الذين يتعقبون أي مشتبه به محتمل، إلا أن رواندا تركت عندي انطباعاً بأن افريقيا قادرة على أن تنهض من كبوتها وتخطو نحو المستقبل بخطوات ثابتة واضحة وعملية.

a_bdulelah@hotmail.com

   

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

موقع “إندبندنت”: سانت ريجيس دبي –النخلة يجمع بين فخامة نيويورك وسحر نخلة جميرا

 

دبي – الوطن:
يُجسّد فندق سانت ريجيس دبي – النخلة قمّة الفخامة في قلب جزيرة النخلة، حيث وصفه موقع “إندبندنت” الاخباري البريطاني بأنه “قطعة من نيويورك في قلب نخلة جميرا”، مستوحياً تصميمه الأنيق من فندق “سانت ريجيس نيويورك” الشهير.
يقول موقع “إندبندنت” الاخباري البريطاني: من اللحظة الأولى، ينعم الضيوف بتجربة استثنائية تجمع بين الخدمة الشخصية الفريدة التي تُميّز العلامة، والتفاصيل الفاخرة التي تمنح كل إقامة طابعاً خاصاً، بدءاً من خدمة المساعد الشخصي في كل غرفة، إلى “جليتزي ماري”، النسخة المحلية من مشروب “بلودي ماري” الكلاسيكي.
ويصف الموقع الاخباري المعروف الفندق بانه يعكس توليفة فريدة من الأناقة والدفء، حيث تُجسّد التصاميم الداخلية مزيجاً متناغماً بين الفخامة العصرية والتفاصيل الكلاسيكية الراقية. يزدان بهو الفندق بثريات كريستالية متألقة، وأعمال فنية راقية، وأثاث فاخر يُضفي أجواءً ملكية مميزة. أما الغرف والأجنحة، فتجمع بين الألوان الهادئة والخامات الفاخرة، مع نوافذ تمتد من الأرض إلى السقف، لتوفر إطلالات بانورامية تأسر القلوب.
يشغل الفندق الطوابق الثمانية عشرة الأولى من “ذا بالم تاور”، ويمتاز بموقع استثنائي يتيح للضيوف وصولاً مباشراً إلى “نخيل مول”، مما يوفر تجربة تسوّق راقية لعشاق الفخامة. كما يضم شاطئاً خاصاً مُخصّصاً للكبار فقط، ليمنح الزوار ملاذاً هادئاً بعيداً عن صخب الحياة اليومية، حيث تمتزج الراحة مع الإطلالات الخلابة على مياه الخليج العربي المتلألئة.
وحسب موقع ” اندبندنت ” فان تجربة الضيافة في سانت ريجيس دبي – النخلة تكتمل مع مجموعة من المرافق الفريدة التي تُلبّي تطلعات الضيوف الباحثين عن أعلى مستويات الراحة والترف. يضمّ الفندق مسبحين فاخرين يوفران أجواءً مثالية للاسترخاء، إلى جانب مركز للياقة البدنية مُجهّز بأحدث التقنيات، ومنتجع صحي راقٍ يقدم علاجات مُصمّمة خصيصاً لتعزيز الشعور بالراحة والتجدّد.
كما يقدّم الفندق تجربة طهي لا تُضاهى، مع مجموعة من المطاعم التي تأخذ الضيوف في رحلة ذوقية عالمية، بدءاً من الأطباق المستوحاة من المطبخ الفرنسي الراقي، وصولاً إلى النكهات الأصيلة للمطبخ الشرق أوسطي. كل ذلك في أجواء ساحرة تعكس الرقي والذوق الرفيع.
وأعرب مروان فاضل المدير العام لفندق سانت ريجيس دبي – النخلة، عن سعادته بهذا الوصف المذهل من قبل مؤسسة اعلامية بريطانية عريقة مثل ” اندبندنت ” وقال ” لا تقتصر الفخامة على التصميم والمرافق، بل تمتد إلى الخدمة التي تتميز بالدقة والاهتمام بأدق التفاصيل، حيث يحرص فريق العمل على تقديم تجربة استثنائية ترتقي إلى أعلى معايير الضيافة الفاخرة، ليحظى كل ضيف بإقامة لا تُنسى وسط أجواء من الفخامة والتميز” .


مقالات مشابهة

  • موقع “إندبندنت”: سانت ريجيس دبي –النخلة يجمع بين فخامة نيويورك وسحر نخلة جميرا
  • ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يتحدثون لـ "اليوم".. رسائل فرحة وشكر بكل اللغات
  • وزير سابق يحذر من استغلال صندوق تمويل الجهاد
  • باستئناف استخدام سلاح التجويع.. العدو الإسرائيلي يستمرأ جريمة الإبادة الجماعية في غزة
  • أحمد علي سليمان: المرأة المسلمة كانت دائمًا ركيزة أساسية في نهضة الأمة
  • أحمد الفيشاوي يكشف علاقته بعادل إمام وأكبر كارثة في حياته
  • أحمد الفيشاوي يكشف عن أكبر مصيبة ارتكبها وماذا فعل والده
  • فندق "الجداف روتانا" يحتفل بالمرأة وروح شهر رمضان المبارك
  • يوم المرأة العالمي.. 260 ألف فلسطينية تعرضن لعنف الإبادة الجماعية
  • رمضان في موسكو.. شعوب وعادات مختلفة على موائد إفطار موحدة