موقع النيلين:
2025-03-31@10:05:36 GMT

جرتق النيل ومحكات القيود ٣

تاريخ النشر: 3rd, October 2024 GMT

ساعة الرمل:
وساعة الرمل هنا تشبيه لحركة الجيش وهو يعبر الجسور الثلاث (الحلفايا وكبري السلاح الطبي وكبري الفتيحاب إلى الخرطوم وينفتح شرقها ليفتح نفاجا تتقدم منه القوات الرابضة في كرري والمهندسين إلى مدينتي بحري والخرطوم. كلما تقدم الزمن كلما زاد عدد القوات شرقا مثل حركة الرمل من الزجاجة الأعلى إلى الأدنى.

وساعة الرمل هنا غير قلعة الرمل التي انهارت في أغسطس 2023م وتكسرت فيها نصال المليشيا على أسوار المدرعات والمهندسين والقيادة وسلاح الإشارة والكدرو وحطاب وهي تحاول جاهدة السيطرة على الخرطوم الهدف الاستراتيجي للحرب نفسها. بعد انهيار قلعة الرمل يئست المليشيا من اسقاط الخرطوم من داخلها فخرجت مندفعة للانتشار في دارفور وجنوبا إلى ولاية الجزيرة وسنجة والدندر والسوكي بسرعة ظن الناس معها أن المليشيا ستجتاح ولايات الشرق ووقف قادة المليشيا منتشين بالنصر يهددون ولاية نهر النيل ويتوعدون بتناول التمر من نخيل الشمالية.

تأخر الجيش في التحرك الشامل كثيرا وبدا كأنه غير قادر على الحركة والمليشيا تنتشر انتشار الجراد (بعد الاستعواض الكبير في الأفراد الذي جاءها من النهابة والمرتزقة من خارج الحدود) لا يردعها رادع من نهب الامنين وترويعهم وقتلهم بدم بارد واغتصاب النساء واختطاف المئات منهن. لكن رغم الانتشار الواسع للمليشيا فان الجيش ظل محتفظا بقوته الصلبة وبدأ في الإعداد الجاد وبصبر حثيث في التدريب والتأهيل استعداد لعمليات شاملة قادرة على اجتثاث التمرد واحباط كل مؤامرات الدولة الراعية له. وكانت ذروة التدريب ليس فقط في الالاف المؤلفة من الجنود وجنود القوات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب والاحتياطي المركزي وقوات حركات الكفاح المسلح وقوات المستنفرين في المقاومة الشعبية وحدها بل ظهرت في تخريج الدفعات 68 من الكلية الحربية و20 و23 من التأهيلية والكلية الجوية والأكاديمية البحرية.
قبل أن ندلف إلى تحليل ما قام به الجيش السوداني في عبور الجسور سنعرج قليلا على حرب فيتنام تلك التي كانت الولايات المتحدة تظن أنها ستخوض فيها حربا سهلة. في العام 1975م وقف العقيد هاري سمرز رئيس الوفد التفاوضي الأميركي في “الفريق العسكري المشترك الرباعي المشكل من أطراف حرب فيتنام الطويلة الأربعة: فيتنام الشمالية، وفيتنام الجنوبية، والفيت كونغ، والولايات المتحدة الأمريكية” غير مصدق كيفية انتهاء العملية العسكرية الأميركية التي استمرت لأكثر من عقد، بمشاركة أكثر من مليونين ونصف من الجنود الأميركيين المسلحين بكل ما يمكن استخدامه من أسلحة، بتكلفة تقدر اليوم بترليون دولار تقريبا. لقد كان الأداء الأمريكي خلال الحرب لوجستيا وتكتيكيا بأفضل ما يمكن، وارتكبت كل الفظائع المرعبة التي كان المفترض ان تقذف الرعب في قلوب الجيش الفيتنامي. وقد انتصرت القوات الامريكية في كل معركة ميدانية خاضتها. وفي النهاية كانت هزيمتها مدوية وما زال مشهد الهليكوبتر الأمريكي في سايجون وسلمه المدلى والالاف من الفيتناميين الذين قاتلوا معه يحاولون الصعود والهروب من طوفان الجيش الفيتنامي القادم نحوهم أيقونة في أذهان من عاصروا تلك الحرب.

الجنرال جياب من الجيش الفيتنامي شرح الاستراتيجية الفيتنامية التي كسبوا بها الحرب رغم خسارة العديد من المعارك. يقول: (لقد اعتمدنا على إطالة أمد الحرب وتغلبنا على الهزائم وعلى ضعفنا المادي وعملنا على تحويل ضعفنا إلى قوة والمحافظة على قواتنا وزيادتها. لقد هاجمنا حيث لاحت بشائر النصر وتجنبنا الصدام كلما كانت الخسائر المحتملة كبيرة).
في مقال سابق ذكرنا أن معسكرات الجيش الرئيسية في كرري والمهندسين والذخيرة والمدرعات وفي الكدرو وحطاب وفي الإشارة والقيادة العام بالإضافة لبعض المعسكرات مثل المظلات في شمبات وغيرها من التي تسلمها الدعم السريع قبل الحرب. قلنا ان هذا التصميم يجعل شكل المعسكرات مثل النسر المنقض يحمي الخرطوم من أي خطر يمكن أن يداهمها. وبالرغم من أن المليشيا كانت في العمق الاستراتيجي للدولة ومن داخل الخرطوم إلا ان فشلها في احتلال المعسكرات المذكورة تركها عاجزة عن تحقيق تغيير استراتيجي في مجرى العمليات. وقد كان خروجها وانتشارها خارج الخرطوم سلوكا تعويضيا للفشل الذي تجرعته في الخرطوم كما كان خطا استراتيجي بسبب عجزها عن اجتياح كل السودان، وتحول انتشارها الذي لم تحقق معه أي سيطرة فعلية إلى نواة لهزيمتها المحققة حال التزم الجيش استراتيجية مدروسة ومتأنية.

أسهل طريقة لتعليم الأطفال الرسم هي بتحديد نقاط يقومون بعدها بتمرير القلم من نقطة إلى أخرى ليظهر شكل الرسمة النهائي. بمجرد عبور الجسور الثلاث شرقا اتضحت خطوط الرسم ليتحرك جيش كرري ويلتقي بجيش الكدرو ثم حطاب وينفتح نفاج ساعة الرمل ليتدفق الجنود نحو بحري. ورغم المقاومة بسبب تحول المليشيا الى سيناريو داعش في الموصل الا ان خطوط الرسم قد اقتربت من سلاح الإشارة ثم القيادة بينما حطاب تتجه خطوط رسمه شمالا نحو المصفاة وجنوبا نحو العيلفون بينما تمتد المدرعات كذلك جنوبا وشمالا مع قوات كبري الفتيحاب وكبري السلاح الطبي وكلها تلتقي بخطوط الرسم من القيادة العامة. المصفاة رغم أهميتها الاستراتيجية مع التصنيع الحربي إلى أن الجيش فعليا يحتاج أكثر أن تمتد خطوط رسمه لتتواصل الفرقة الثالثة شندي مع القيادة مرورا بسلاح الإشارة. الجيش الان لا يحتاج لوقود المصفاة في هذه المعركة ولا للتصنيع الحربي فقد اكتملت جاهزية التسليح تماما.
لك أن تتخيل شكل الرسم اذا اكتملت خطوطه وبعدها يمكن أن تكبر الصورة لتشمل مدني وسنجة وسنار وربك والأبيض والدلنج وكادقلي. أما الفاشر والجنينة ونيالا والضعين فتلك رسمة سنحكي خطوطها في المقال القادم.

د. أسامة عيدروس
2 أكتوبر 2024م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

بعض الأسئلة التي تخص قادة الجيش

قبل أن أطرح بعض الأسئلة التي تخص قادة الجيش- ربما ليست شاملة-، أود أن أضع استفساراً هنا في المقدمة -وضعته أيضاً كسؤال في هذه الحزمة للتأكيد عليه-، وذلك لأهميته في رأيي وحتى يكون مدخلاً إضافياً لتحفيز الذاكرة مع مرور ذكرى مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في أواخر أيام شهر رمضان (وافق 3 يونيو 2019)، وذلك لطرح أسئلة والبحث عن إجابات مرتبطة به وهو:
اختلف قادة الجيش والدعم السريع على العديد من القضايا حتى وصلت البلاد للحرب، وخرجا وتبادلا الاتهامات بعد ذلك حتى أن حميدتي لم يتوان في خطاباته العامة عن إفشاء أسرار جلسات الندامى الخاصة وكرر الحديث عن ممارسات شخصية لقادة الجيش!
الحدث الوحيد الذي تفادى الجميع الخوض فيه هو مجزرة فض الاعتصام، حيث لم يجرؤ أحد منهم على الحديث علناً عن دقائق الاجتماعات التي سبقته ومواقف أصدقاء الأمس أعداء اليوم في تلك الاجتماعات، وأدوارهم ومن رفض ومن أيّد الفض، من جاء أرض الاعتصام ومن لم يكن على علم، ومن كذب على قادة القوى المدنية وأنكر معرفته بالمجزرة، أو اعترف وقال حدث ما حدث، في المنصات الإعلامية للعامة أو الاجتماعات المغلقة، وما هو دور وتأثير قيادة الإسلاميين وغيرهم في ذلك الحدث الذي غير وأثّر كثيراً في مستقبل مشروع الانتقال والاتفاق السياسي بل ومستقبل البلاد بعده!
هناك جهات صحفية تؤكد أن لديها شواهد بأن حميدتي مثلاً زار أرض المجزرة في صبيحة فض الاعتصام ووقف على ما جرى بنفسه، فهل لدى قادة الجيش أي شواهد أو أقوال مماثلة؟ وإن وجدت لماذا يصمتون عنها حتى اليوم وهو الذي فضح كل شيئ وسيفعل في كل سانحة؟ ما الذي لا يزال بينهم حتى يخفون أسرار هذا الأمر الجلل ويتفادون كشفه علناً حتى بعد وقوع الحرب؟!
- ⁠ لماذا تساهل قادة الجيش مع الد.عم السريع وأصروا على أنه جزء لا يتجزأ منهم ومن مشروعيتهم الدستورية التي نالوها منذ الاستقلال كممثل وحيد للقوة الضاربة في البلاد؟
- لماذا أصر قادة الجيش على أن تكون قوات الدعم الس.ريع جزءاً أصيلاً من دور الجيش في التغيير، فأتوا بقائدها في المجلس العسكري ونصبوه نائباً لرئيسه، وأدخلوه كمفاوض رئيسي، بل ووقع عنهم في الاتفاق السياسي مع القوى المدنية، رغم أن الثوار اعتصموا أمام القيادة العامة للجيش لا أي مكان سواها؟
- ⁠ لماذا أذعن قادة الجيش لقائد الد.عم الس.ريع وضربوا له التعظيم والتحية العسكرية (التي لا يستحقها وفق الأشراط العسكرية)؟
- ⁠ لماذا شاركه هؤلاء القادة في مؤامرة الانقلاب على الانتقال وهم يعلمون نواياه مسبقاً وكثيراً ما تحدثوا عنه وعن نواياه وأطماعه في السلطة في غرفهم المغلقة وفق إفادة العطا؟
- ⁠ لماذا تساهل قادة الجيش مع المليشيا حين بدأت تبحث عن دور جديد عبر الاتفاق الإطاري، حسب وصفهم لاحقاً، وحين بدأت إعلان الحرب بالكلام والخطاب التهديدي من مثل ( العمارات دي إلا يسكنوها الكدايس)؟
- ⁠ لماذا سمح قادة الجيش بوصول قوات الد.عم الس.ريع إلى تخوم قاعدة مروي العسكرية ومحاصرتها دون أن يعترضها أحد، مع أنها انطلقت من معسكر الزرق نحو مساحة مفتوحة يسهل استهدافها فيها، بل على العكس، خرج قائد الجيش في المدرعات معية مدير الاستخبارات يوم 13 أبريل 2023 وتحدث عن محاولات تهدئة رغم تصريحهم بأن هذه القوات خرجت عن السيطرة؟
- ⁠ لماذا لم يرعو قادة الجيش وسمحوا بتفريخ مليشيات جديدة وتكبير كومها وتوفير الدعم العسكري لها خارج مظلة القوات المسلحة الرسمية، والإفساح لها في الإعلام الرسمي لتزويق وتزيين نفسها وتلميع قادتها وتحضيرهم لأدوار غير عسكرية عبر القيام بأدوار عسكرية؟ ولماذا حدث ذلك رغم التجربة المريرة التي دخلت فيها البلاد بسبب حدوث ذات الأمر مع مليشيات أخرى(الد.عم الس.ريع)
- ⁠ لماذا وافق قادة الجيش على الاتفاق الإطاري أول أمره ودافعوا عنه، ثم نكثوا بعهدهم في آخره؟
- كانت هناك حالة قطيعة أو شبهة كراهية متبادلة ومنذ وقت مبكر بين بعض قادة الجيش وقادة الد.عم الس.ريع، كيف تصرف قادة الجيش مع هذا الفتيل الذي كان قابلاً للاشتعال حينها؟ وهل لذلك صلة أو علاقة باشتعال الحرب؟
- ⁠ حين قدم رئيس الوزراء الانتقالي مبادرة الطريق إلى الأمام في منتصف العام 2021، لماذا امتنع القادة العسكريين عن دعمها رغم أنها كانت مبادرة- أهم أهدافها- من أجل نزع فتيل الصراع بينهم وبين الد.عم الس.ريع؟ وهل لرفضهم علاقة بغضب حميدتي من مشروع المبادرة التي تحدثت عن مستقبل الد.عم الس.ريع ورفضه لها على هذا الأساس؟
- ⁠ رغم الصراع الذي ظهرت بوادره منذ وقت باكر ذهب قادة الجيش نحو الانقلاب بالشراكة مع قادة الد.عم الس.ريع وتحالف الكتلة الديمقراطية. كيف كان الانقلاب نقطة تلاقي بين قادة الجيش وقادة الد.عم الس.ريع رغم اختلافهم وتزعزع الثقة بينهم والذي كان مشهوداً خلال الشهور التي سبقت الانقلاب؟ ما هي المغريات التي دفعت بهم للانقلاب- خلاف إزاحة المدنيين- وهل كانت هناك أيادٍ خارجية أو أي دواعٍ أخرى جعلتهم يختلفون في كل شيئ ويتفقون فقط على تنفيذ الانقلاب؟
- ⁠ اختلف قادة الجيش وقادة الد.عم الس.ريع على أشياء كثيرة حتى وصلوا للحرب، لكنهم وحتى يوم الناس هذا لم يخرجوا ببيان ومعلومات واضحة حول فض الاعتصام، دورهم فيه، دور الد.عم الس.ريع، فلول النظام البائد، أخرى؟
- ⁠ ما هي الإجراءات التي اتخذها قادة الجيش ضد من أعطوا الأوامر بإغلاق بوابات القيادة العامة في الخرطوم عندما لجأ إليها الفارون من قتلة المعتصمين؟! هل كانت هذه أوامر عليا، وممن، ولماذا صمت ويصمت الآخرون؟
في الفيديو المرفق جزء من المؤتمر الصحفي الذي تلى فض الاعتصام حيث كان كباشي يقدم إفادات عن ما جرى، ثم جاءته ورقة مطوية من العطا. أترك هذه الملاحظة العابرة هنا لفطنة القارئ!
#السودان_ماقد_كان_وسوف_يكون
#تفكيك_النص
#ذكرى_فض_اعتصام_القيادة

/  

مقالات مشابهة

  • إنسحاب جنود المليشيا من محيط مدينة الفاشر يتصاعد منذ أيام
  • والي النيل الأبيض ولجنة الأمن يقدمون التهاني للقوات التي شاركت في تطهير منطقة جبل اولياء من المليشيا المتمردة
  • البرهان: السبيل الى وقف الحرب هو أن تضع المليشيا المتمردة السلاح أو “على الباغي ستدور الدوائر”
  • بعض الأسئلة التي تخص قادة الجيش
  • الجيش السوداني يعلن السيطرة على سوق كبيرة في منطقة الخرطوم  
  • الجيش السوداني يوسع سيطرته على الخرطوم
  • المرور تصدر قرارا بشأن المركبات في بحري وشرق النيل
  • خيارات المليشيا بعد الهزيمة التي تلقتها من الدندر وحتى جبل اولياء ومهرجانات تحرير الخرطوم
  • السودان .. سيطرة الجيش على الخرطوم بداية لـ «الاستقرار» أم استمرار لـ «الحرب»
  • اتحاد اصحاب العمل يهنئ باستعادة الخرطوم و مواصلة سحق المليشيا الارهابية