البطولة الهادئة في رواية «اللعب بالجنود » لطارق عسراوي
تاريخ النشر: 3rd, October 2024 GMT
ما قصة (النوفـيلا) الفلسطينية المنتشرة هذه الأيام ؟ ما سر ميل الفلسطيني إلى كتابة رواية قصيرة ؟ وذهابه إلى مناطق محظورة، وغريبة عن المضمون الروائي الفلسطيني؟.
هل هناك تفسير آخر غير أن الفلسطيني الكاتب يكتب روايته وهو ينظر بين الصفحة والأخرى من النافذة، مستعجلًا خوفًا من موت سريع؟ يلاحق الموت الإنسان الفلسطيني فـي كل مكان فـي منامه وفـي ذاكرته وحتى فـي مستقبله، قالت لي ابنة عمي الخمسينية أمس مذعورة: (هل سمعت الأخبار؟ اليهود يريدون ترحيلنا إلى منطقة الأزرق فـي عمّان، وهي منطقة صحراوية وهناك سوف نموت من الحشرات والعطش) وهكذا يعيش احتمال الموت فـي بيوت الفلسطينيين كأحد الأبناء تمامًا.
بين يديّ رواية قصيرة (نوفـيلا) للقاص طارق عسراوي (اللعب بالجنود) من إصدار دار طباق للنشر والتوزيع برام الله كنسخة فلسطينية وفـي طبعة عربية عن دار تكوين الكويتية، وهي من الروايات التي ستبقى تحفر داخلي حفرياتها الخاصة، الزمان: الانتفاضة الأولى، من 1987 حتى 1993 ويمتد إلى ما بعد أوسلو، حيث يكبر الأولاد، المكان: حارات جنين، المدينة التي عذبت وحيرت الاحتلال وما زالت تفعل، الشخوص: (زياد وتميم وجميل وأيمن وأبو زياد وأبو تميم وابتهال والمفـيد) تبدأ الرواية بشقاوة صبيان، وحياة يحاول الصبيان أن تكون طبيعية، لكن دوريات الاحتلال وحواجزهم، تأبى إلا أن تكسرها، تمتد الشقاوة الطفلية لتصبح طريقةً للانتقام من كسر الاحتلال لحياة الفلسطينيين، وقد رأيت هذه الطريقة السهلة والطريفة فـي المقاومة فـي باب العامود بالقدس، حيث يتصنع الأطفال حين يغادرون الدرجات نسيان أكياس سوداء محشوة بغائط البشر والحيوانات، فـيدب الذعر فـي جنود المكان، يطردون الناس ويبدأون ورشة فحص لهذا الكيس، الذي يفجرونه عبر (روبوت)، فـيتناثر الغائط على الجنود، وتشع من فوق سور القدس ابتسامات الأولاد.
وهذا ما يفعله صبيان جنين، يمدون أسلاكًا، فـي الطرقات، ويهربون، فـيخاف الجنود، يتسلى صبيان حارات جنين باللعب بالجنود، ليس ملئًا لفراغ فقط، ولكن انتقامًا لسنوات طويلة من التعذيب والقتل والهدم. اللغة فـي الرواية ذكية وهادئة، وتعرف كيف تسبب لنا الانفعال الجمالي، وكأنها نهر طبيعي ينبع من نفسه ويصب فـي نفسه، لا أحد يصرخ فـي هذه الرواية، هنا لا بلاغة فلسطينية معهودة ولا شعر مجانيا يدخله الفلسطيني الكاتب كعادته ليلعب باللغة، أو ليستعرض بها، ويستجدي الدهشة اللغوية، فـي هذه الرواية رأيت طارق عسراوي وهو (يقتل أحباءه) وقتل الأحباء مصطلح لغوي أدبي اخترعته ناقدة بريطانية، وهي تقصد به الجمل الشعرية المدهشة التي تحشر نفسها فـي سياق غير سياقها، فـيضطر الكاتب الذكي إلى قتلها – حذفها.
أجمل ما قدمته لنا الرواية هو صورة اختلاط وتداخل حركة الأولاد الطبيعية فـي الحارات بسياق الاحتلال وتداعياته، ربما هذا يحدث فقط فـي فلسطين.
فـي رواية (اللعب بالجنود) يتلصص الأولاد الأشقياء على نافذة امرأة فاتنة سكنت حديثًا فـي الحارة مع ابنتها الصغيرة بمساعدة غامضة من والد أحد هؤلاء الأشقياء، لكنهم يشاهدون هناك ما يخجلهم من أنفسهم ويربك مشاعرهم، ثمة مقاتل مطارد يبدو أنه زوج هذه المرأة يزورها خفـية، يتعرض الأولاد للتعنيف من قبل الآباء الذين هم رفاق هذا المقاتل المطارد من قبل الاحتلال، لكنهم يحفظون السر، فـي عادة بطولية مبكرة يتمتع بها صبيان جنين.
ماذا نتعلم من هذه التجربة ؟ إن الروائي الذكي هو الذي يكتب رواية غير منفعلة لكنها تسبب للقارئ الانفعال، وهذا ما فعله العسراوي الذي بدأ حياته قاصًا، وقد سألناه عن هذه الانتقالة:
(لم أقصد هذه الانعطافة، أو بصورة أدق لم تكن الرواية ناجمة عن قرار مسبق، فـي بادئ الأمر عزمت على كتابة هذا العمل بصورة القصّة القصيرة، وفـي الأثناء سارت بي شخوص الحكاية إلى مسار درامي رئيسي ثان ومن ثم ولدت شخصيات ضرورية أثناء الكتابة، وهذا جعل الأمر يمتد إلى ما لا تحتمله القصّة القصيرة وتتسع له الرواية برحابة حبكتها، وما يمايزها عن القصّة من مساحات أوسع لحركة الشخصيات وتعددها، وهذا العمل لكونه رواية صغيرة «نوفـيلا» لم أتخلص به من القاصّ وأدواته تمامًا، وأستطيع القول إنّ القاص لا يحتاج فـي «النوفـيلا» إلى جهد كبير وأدوات كثيرة؛ كي يضيفها إلى ما يملكه أساسًا بوصفه قاصًّا).
شكرًا طارق لهذه المتعة وهذا الفضاء الروائي الجديد..
الكاتب فـي سطور
كاتب وحقوقي، صدرت مجموعته القصصية الأولى بعنوان (رذاذ خفـيف) ونالت جائزة سميرة عزّام للقصة القصيرة، تم تلحين وغناء عدد من نصوصه الشعرية من قبل عدّة فنانين فلسطينيين، عضو ومؤسس فـي عدد من الجمعيات الثقافـية والاجتماعية الفلسطينية، مؤسس فـي مشروع طباق الثقافـي، يحمل درجة الماجستير فـي القانون الخاص، ويعدّ الدكتوراة فـي قانون الإثبات، يشغل فـي السلطة القضائية الفلسطينية منصب وكيل النيابة العامة منذ عام ٢٠٠٧، عمل قبلها مذيعًا ومقدّم برامج فـي إذاعات محليّة فلسطينية، يعيش فـي رام الله.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
خبير عن عدم دخول المساعدات غزة: الاحتلال يتبع سياسات تجويع الشعب الفلسطيني لزيادة معاناتهم
تستهدف سياسة الاحتلال الإسرائيلي تجاه قطاع غزة إلى تجويع الفلسطينيين وزيادة معاناتهم مما يؤدي إلى تهجير أكبر عدد من السكان، وكان موقف مصر مشرفا بشأن رفض إغلاق معبر رفح والحرص على السماح بمرور المساعدات الإنسانية والغذائية لأهالي القطاع.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور عبدالله نعمة، الخبير بالعلاقات الدولية والاستراتيجية، إنه من الواضح أن التعنت من قبل جيش الاحتلال في عدم السماح لدخول المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية لقطاع غزة سوى القليل القليل هي سياسة تجويع للشعب الفلسطيني لزيادة المعاناة لدرجة أن الناس لم تعد تملك رغيف خبز.
وأضاف نعمة- خلال تصريحات لـ "صدى البلد "، أن جيش الاحتلال والقيادة السياسية في إسرائيل يعلمون جيدا ماذا يفعلون بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأكد أن الغرض من هذه السياسة التي يتبعها الاحتلال هو لموت أكبر عدد منهم من الجوع والمرض ولتهجير أكبر عدد منهم، ولولا موقف مصر المشرف بعدم سماح تهجير الفلسطنيين من قطاع غزة لسيناء عبر معبر رفح لكانت القضية الفلسطنية قد انتهت.
وأشار نعمة، إلى أن أهم إنجاز منذ بداية الحرب على غزة هو أن مصر وقفت لأمريكا وإسرائيل وقفة مشرفة وأغلقت معبر رفح رغم كل الضغوطات عليها، كما أننا نعلم أن جيش الاحتلال يريد ضم الضفة وهذا ما سيسمح به دونالد ترامب ضمن مشروع حل متفق عليه بينه وبين نتنياهو بعد تسلمه السلطة، ومن الواضح أن دونالد ترامب متفق على حل لأزم منطقة الشرق الأوسط مع نتنياهو.
وتابع: "وخاصة بموضوع الحرب بين إسرائيل ولبنان والصراع مع إيران، ووضع سوريا أيضا عبر روسيا والتي سيبدأ الحل أيضا معها في حرب أوكرانيا، كل هذا ممكن أن يبدأ ضمن سلة كاملة متكاملة لحل أزمات الشرق الأوسط، وأهمها قطاع غزة وإتمام صفقة الرهائن".
صحة غزة: ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي إلى 43,846 شهيدا رئيس جامعة الأزهر: غزة تشهد إبادة جماعية على مرأى ومسمع من العالمواختتم: "كما أن هناك حديثا أن مصر ستتولى القيادة على غزة مع السلطة الفلسطينية، وهناك حديث أيضا أن يكون هناك في لبنان قوات مصرية عربية من ضمن قوات الأمم المتحدة اليونيفل لتقوم بالمراقبة والانتشار من ضمن لحظة تطبيق القرار 1701 لإنهاء الحرب بين لبنان وإسرائيل".
جيش الاحتلال: مقتل 794 ضابطا وجنديا في غزة والضفة ولبنان منذ 7 أكتوبر بسبب أحداث غزة.. الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات تجارية على إسرائيل