مجلّة “مجمع اللّغة العربيّة” في ملف خاص: سلطان القاسمي يخطّ أفقًا جديدًا للعربيّة
تاريخ النشر: 3rd, October 2024 GMT
أكّدت مجلّة مجمع اللّغة العربيّة في ملف خاصّ نشرته في عددها الجديد أنّ افتتاح صاحب السّموّ الشّيخ الدّكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشّارقة، للمعهد الثّقافيّ العربيّ في جامعة القلب المقدّس الكاثوليكيّة بميلانو، يمثّل خطوة رائدة في مشروع الشّارقة الثّقافيّ العالميّ، الّذي يترجم رؤية حكيمة تهدف إلى إعادة إحياء التّراث العربيّ وتقديمه في صورته الجليّة للعالم.
وتجوّلت المجلّة في عددها الـ12 في أروقة تعليم العربيّة بجامعة القلب المقدّس، مشيرة إلى أنّ تدريس اللّغة العربيّة في الجامعات الإيطاليّة يعود إلى القرن الرابع عشر. أمّا في الجامعة الكاثوليكيّة فبدأ في ثمانينيات القرن الماضي، ومع بداية الألفية الثّالثة وازدياد الاهتمام العالميّ بالعرب ولغتهم، ارتفع عدد الطّلّاب الرّاغبين في دراسة اللّغة العربيّة، وهو ما دعا إلى تطوير ملموس ومنهجيّ في المواد التعليميّة، أثمر تعزيز العلاقات الثّقافيّة والتّعليميّة مع إمارة الشّارقة.
من أعلام العربيّة
وفي دراسة بعنوان “البشير الإبراهيمي.. عَلَم الأعلام وإمام العربيّة” سلّط الدّكتور امحمد صافي المستغانمي، الأمين العامّ لمجمع اللّغة العربيّة بالشّارقة، الضّوء على أحد أعلام العربيّة الكبار، مشيرًا إلى أنّ البشير الإبراهيمي أبدع وبرز في العلوم العربيّة والعقليّة، وعُرف بالبلاغة والبيان في خطبه ومقالاته الّتي ملأت الآفاق، لدرجة أنّه حفظ كتاب “نفح الطّيب من غصن الأندلس الرّطيب” المكوّن ممّا يزيد على سبعة آلاف صفحة، من بديع الشّعر وبليغ النّثر والحكم، وروائع القصص والأمثال.
هل اللّغة العربيّة أعظم اللّغات؟
واستكشف العدد الثّاني عشر من المجلّة، في مقال بعنوان “هل اللّغة العربيّة أعظم اللّغات” معايير عظمة أيّ لغة، مؤكّدًا أنّ ذلك إنّما يكون بعظمة مبدعيها، وأنّ اللّغة العربيّة حاضنة للحضارة الإسلاميّة، وفيها من الأعلام من أمثال أبي الريحان البيرونيّ الّذي عاش في القرن الخامس الهجريّ، (العاشر الميلادي)، وشهد له العالم بإنجازاته في الفلسفة والفلك والفيزياء والجغرافية والمعادن والصّيدلة والتّاريخ والتّرجمة، حتى إنّه وصل إلى وسيلة لقياس محيط الشّمس، ووضع أوّل تصوّر لجهاز الإسطرلاب، وكرّمته الأمم المتّحدة بإطلاق اسمه على إحدى مكتباتها.
مستشرقون أنصفوا لغة “الضّاد”
أمّا مقال “أفراد من المستشرقين وإنصافهم للغة الضّاد”، للباحث وفيق صفوت مختار، فأشار إلى أنّ هناك جوانب مشرقة لعدد من المستشرقين، الّذين أسهموا في إحياء التّراث الإسلاميّ وإخراجه للنّاس بمنهج منظّم ودقيق، من أمثال المستشرق المجريّ عبد الكريم جرمانوس، الّذي قال: “إنّ في الإسلام سندًا مهمًّا للّغة العربيّة أبقى على روعتها وخلودها”، والمستشرقة الألمانيّة زيغريد هونكه، صاحبة المقولة الشهيرة: “كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللّغة ومنطقها السّليم وسحرها الفريد؟! فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى تحت سحر تلك اللّغة”.
الحكاية فيها “إنّ”
وحول قصة أحد الأمثال العربيّة، سلّطت المجلّة الضّوء على مثل يقول: “الحكاية فيها إنّ”، مشيرة إلى أنّ حاكمًا كان يريد إيذاء رجل ذكيّ، فأرسل رسالة إليه من خلال كاتبه. لكنّ الكاتب كان صديقًا للرّجل، فأراد تحذيره دون أن يكتشف الحاكم ذلك. فكتب في نهاية الرسالة “إنَّ شاء الله تعالى” وشدَّد على حرف النّون ليُفهم صديقه المعنى الحقيقيّ للرّسالة، وهو التّحذير من خطر داهم، وكأنّه يذكّره بقوله تعالى: (إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك). ويقال هذا المثل عندما يراود الإنسانَ شكّ في حكاية أو أمر ما.
من كنوز المعجم التّاريخي
ومن كنوز المعجم التّاريخي للّغة العربيّة، تابع الدّكتور بهاء الدّين دنديس، الباحث اللّغويّ في المجمع، تطوّر الجذر “س ب ح” ورحلة استخدامه عبر التاريخ، لافتًا إلى أنّه يتجاوز في معانيه ما هو متبادر إلى الذّهن من معنى العوم، إلى معاني السّعي، والتّعبد، والإسراع. وفي علم الأحياء يطلق على الأجسام الدّقيقة الّتي تسبح في سيتوبلازم الخليّة. أمّا “المَسْبَح” فاستخدم في القرن السّابع الميلاديّ بمعنى المتّسع، بينما استخدم بمعنى موضع السّباحة منذ القرن الثّاني الهجريّ- الثّامن الميلادي، حيث ورد في مقامات الحريريّ بهذا المعنى.
واستقت مجلّة المجمع في عددها الثّاني عشر عددًا من الفوائد اللّغويّة من كتاب “فقه اللّغة” للثّعالبي، كأن لا يقال “كأس” إلّا إذا كانت مملوءة، وإلّا فهي زجاجة، و”مائدة” إلّا إذا كانت محمّلة بالطعام، وإلّا فهي خوان. كما تناول العدد مجموعة من الدّراسات المتنوّعة، بدءًا من نظرات في البيان القرآنيّ وصولًا إلى وقفة مع الأعمال الفائزة في جائزة الشّارقة للدّراسات اللّغويّة والمعجميّة، مرورًا بدراسات حول أهمّيّة اللّغة العربيّة في العلوم الشّرعيّة والصّيغ الصّرفيّة في البناء اللّغويّ، وطرائف عن كتاب “العين”، وقراءات في كتابي “اللّغة هويّة ناطقة” و”المصباح المنير”.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
“شارع الأعشى”
د.سعود بن صالح المصيبيح
مرت عشر حلقات على مسلسل شارع الأعشى الذي يعكس فترة زمنية موغلة في التحولات الإنسانية والاجتماعية ونقلات التطور التي عاشتها الرياض والمملكة في تلك الفترة.
وكاتبة الرواية “غراميات شارع الأعشى “هي الدكتورة بدرية البشر التي عايشت متغيرات الزمن حيث البيوت الطينية والبيوت المسلحة؛ وشارع الأعشى موجود في حي منفوحه حيث كان شارعاً من أبرز شوارع الرياض؛ سمي على أسم صناجة العرب شاعر منفوحة “أعشى قيس” التي عاش بها في العصر الجاهلي وسمي بالأعشى لضعف بصره.
ومثل تلك الأحياء والأسواق والمسميات؛ سوق السدرة والثميري وسويقة وشارع الوزير ومحلات الملوحي وباصات بنات المدارس التي كتبت فيها أبيات الغزل وقصص الحب وتبادل الرسائل وعلاقات الجيران الجميلة؛ ودخول الهاتف الأرضي والتلفزيون الأسود والأبيض؛ ثم الملون وقبلها المذياع ثم المكيف؛ والانتقال من النوم في السطح بعد صلاة العشاء إلى النوم في المكيف الصحراوي ثم المكيف الفريون.
ومع النوم في السطح كان ذلك قبل التلفزيون؛ ويتزامن حينها مع الجح البارد “البطيخ ” والجراوة “الشمام” ورش المراقد “فرش النوم”بالماء لتبرد قليلاً قبل النوم؛ ثم أسرار البنات وحكاياتهن وتقليد المسلسلات وبرنامج ما يطلبه المستمعون ومسرحيات فيروز وما يبثه التلفزيون آنذاك وسينما أفلام حي المربع وغير ذلك.
ثم لماذا عاد شارع الأعشى بعد ستين سنه لينبض بالحركة والدموع والذكريات ومعه حي سكيرينه؛ وتجمعات المساجد في الخلوات من قبل عصابات التشدد والتطرف استعداداً لاقتحام الحرم وحي دخنه “حي الكتاتيب “ومجالس العلماء وحي البرقية ومسجد الأمير منصور ومسجد السعدون ومسجد بن سنبل ومسجد بن قباع وحي جبرة ومصلى العيد ومطبخ البوري ومطبخ العجراء ومطبخ حميد ودويرة أم سليم وحي الشميسي وحي الوشام ومسجد الأخوان عند بن سنان والحبونية وحلة بن بكر والطويلعه ومنفوحة والوسيطا والعود وشارع طريق الحجاز وعمارة النمر ومحلات آل طالب والنداف والخطاط الشويعر والخطاط الصميت؛ وقصص الأمطار حيث نزول المطر الشديد في طرق السد الصغيرة واقفال المدارس وتحويل الدراسة إلى مسائية في مدرسة أخرى؛ ووضع قطعة حديد صغيرة في باب المدرسة حتى لا يفتح؛ وقصة الكلب “لعبان ” مع طلبة المدرسة.
وبيوت آل الشيخ وآل سالم وآل داود وآل دوس وآل كليبي والسكيني وآل هديان وآل سليمان وآل شلهوب وآل عشيوي وآل العبيد والنفيسة والحوطي والكنعان وآل ريس والعساكر وآل نوح والعكيل وآل غيث وآل غانم وآل عثمان والخميس والمفيريج وآل رشود والعنقري وآل أبوحيمد والحسين والنصار والمديميغ والتخيفي والحكير والباز والعتيق والعامري وآل أبوعبيد والمرشد والمروان والنصبان والعقيل والماجد والونيس والمضحي والشريهي وآل بن سعيد والشهيوين وآل سبعان والرويتع والمطيويع والجريد والصرامي والغنام والمزروع والعشيوان والشرهان وآل فارس وآل كريديس وآل يوسف وآل محيا والبريكان والباعود وغيرهم كثير؛ والأسماء هنا للمثال وليس الحصر.
ثم المدارس وأشهرها مدرسة جبرة “سعيد بن جبير ” والأحنف بن قيس وعلي بن أبي طالب والمحمدية ومدرسة الجزائر ومتوسطة بن خلدون ومعهد إمام الدعوة العلمي وشارع آل فريان ودويرة سلام ومعكال وشارع الغنم “شارع الحب أو شارع بورسعيد أو شارع عثمان بن عفان “…
كل هذه الأسماء والمواقع عايشناها في تلك الحقبة التاريخية وقد نجح المسلسل في تجسيدها وهي عودة للتراث والتاريخ وتأكيد الأصول؛ ويوم بدينا وهي ما نشاهده من اهتمام بالتراث وأن يكون مصدر دخل للترفيه والسياحة ويحدث ذلك في أنشطة ومباني حي الطريف والبجيري والدحو وسوق الزل وجدة التاريخية ومدينة الدرعية ومشاريعها الضخمة؛ والاهتمام بالأحياء القديمة في مختلف مدن المملكة.
إن مسلسل “الأعشى” كتب من باحثة في علم الاجتماع ساعدها علمها في استرجاع الذكريات ووصف تلك الفترة وهي ليست سرد ترفيهي للتسلية؛ ولكنه رصد للتاريخ لنتعلم منه تحولات المجتمع ومعالجة الأخطاء والإعداد للمستقبل؛ وكم من قصة حب دُفنت؛ كما دفنت قصة سعد وعواطف؛ وتزوج راشد بواحدة لا ترغبه؛ وكذلك حدث ذلك للجازي لتغيير مصير الحياة وتحمل الألم والظلم لاعتبارات معينة منعت اختيار الحب البريء؛ وحكم على هذه الأطراف بالحسرة والعذاب والعيش كيفما اتفق؛ حسب ما تفرضه العائلة والمجتمع وليس ما يختاره القلب المرهف الصادق الطيب التلقائي الحنون.
وفي بعض الأحيان تكون اختيارات الأهل هي عين العقل والأصلح للبنت أو الإبن بعيداً عن تسرع العاطفة واندفاعها؛ وهو مافعله أبو إبراهيم المثقف نسبياً حينما رفض زواج سعد بإبنته لعدم إكماله التعليم وعدم وجود وظيفه لديه رغم قصة الحب الملتهبة في السطح ومواعيد السجادة على سطح الجدار الفاصل بين المنزلين؛ وانتهى به الحال إلى الانضمام بالمتشددين والإرهابيين.
*كاتب وإعلامي سعودي
رئيس مركز تعاوفوا للإرشاد الأسري