صحيفة التغيير السودانية:
2025-01-17@06:45:20 GMT

المستقبل الحضاري في السودان (1-3)

تاريخ النشر: 3rd, October 2024 GMT

المستقبل الحضاري في السودان (1-3)

 

المستقبل الحضاري في السودان (1-3)

الورقة التذكارية لمؤتمر اتحاد الكتاب السودانيين العام السادس: نسبنا الحضاري، قاعة الشارقة، معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية، جامعة الخرطوم، (24- 25 مارس 2013)، بمناسبة مرور نصف قرن على نشرها أول مرة للشاعر الكبير محمد المكي إبراهيم

تعريف بالورقة التذكارية وإضاءة على دورها في الحراك الفكري والثقافي

بقلم عبد الله الفكي البشير

“فلا فضل لأسود على أسود، وليس لسوداني أن يعتبر نفسه أفضل أو أذكى أو أهم من بقية إخوته في السودان، فكلهم منسوبون إلى نفس العرق ونفس الثقافة ونفس التقاليد ونفس المنجزات الحضارية” .

الشاعر محمد المكي إبراهيم

عن تاريخ فكرة إعداد الورقة

جاء إعدادي لهذه الورقة بموجب طلب من الأستاذ كمال الجزولي (1947- 2023)، الأمين العام لاتحاد الكتاب السودانيين، بعد أن قرأ مقال لي، مثَّل نواة هذه الورقة، وهو مقال تناولت فيه سلسلة مقالات الشاعر الكبير محمد المكي إبراهيم، التي نشرها أول مرة في صحيفة الرأي العام (ديسمبر 1963). جاءت سلسلة المكي في أربع حلقات بعنوان: “المستقبل الحضاري في السودان”. اقترح كمال، وهو الذي انتبه إلى مناسبة مرور نصف قرن على نشر المكي لسلسلة مقالاته أول مرة، أن تكون سلسلة المكي هي الورقة التذكارية للمؤتمر العام السادس لاتحاد الكتاب السودانيين (24- 25 مارس 2013)، فوافقت اللجنة المنظمة للمؤتمر على فكرة كمال. ثم تم تكليفي بإعداد ورقة للتعريف بالورقة التذكارية وتقديم إضاءة على دورها في الحراك الفكري والثقافي في السودان، واليوم نعيد نشر الورقة، كما هي، من دون إضافة أو حذف أو تعديل، تحية لروح شاعرنا الكبير محمد المكي إبراهيم في عليائها، الذي انتقل يوم 29 سبتمبر 2024، وذلك من خلال القراءة في بعض عطائه وإسهاماته الفكرية والثقافية، وتحية كذلك لروح صديقه الأستاذ كمال الجزولي، ونسأل الله أن يتقبلهما ويظلهما بسحائب الغفران والرضوان.

قدمت الورقة في المؤتمر، إلى جانب ورقة أخرى كانت بعنوان: “النسب الحضاري: قراءة في عوامل الانبتات والتكييف وتغذية الخيال الجمعي”. كانت شخصية المؤتمر المرحوم عبد الهادي صديق دار صليح (1947- 2000)، وكان رئيس المؤتمر الأستاذ ميرغني ديشاب، كما تم تشريفي بأن كنت المنسق العام للمؤتمر Resource Person. تولت اللجنة العلمية للمؤتمر التخطيط والتنفيذ بكل علمية ومهنية، وكان البروفيسور عبد الله علي إبراهيم، على رئاسة اتحاد الكُتاب، والأستاذ كمال الجزولي، الأمين العام للاتحاد.

مدخـــل

قلدت اللجنة العلمية للمؤتمر العام السادس لاتحاد الكتاب السودانيين (الخرطوم 24- 25 مارس 2013م) ورقة الشاعر الكبير محمد المكي إبراهيم الموسومة بـ: المستقبل الحضاري في السودان، قلادة “الورقة التذكارية”، وأعادت نشرها ضمن أوراق المؤتمر، بمناسبة مرور نصف قرن على نشرها لأول مرة بصحيفة الرأي العام السودانية، في أربع حلقات، بتواريخ: 6، 8، 13، 15 ديسمبر عام 1963م. لقد أحسنت اللجنة العلمية صُنعًا حين بعثت هذه الورقة من غياهب عقد الستينيات من القرن الماضي، فقد اتَّكأ عليها حراكٌ كبير، وسجالٌ واسع، وانتهى عندها النسب الفكري للعديد من الكتب، والأوراق العلمية، والمقالات الصحفية، ومداخلات المنابر الحوارية على شبكة المعلومات الدولية International Network. كذلك فإن في بعث الورقة بعث لأحداث عقد الستينيات، وتذكير بضرورة إعادة قراءتها، وتأمل مدى تأثيرها على مسار السودان، فعقد الستينيات في السودان هو عقد المفارقات الفكرية، والتناقضات السياسية، والكبوات الكبرى بامتياز، وسيأتي تبيين ذلك لاحقاً. ولكي ما تحقق هذه الورقة غرضها الأساس، وهو التعريف بالورقة التذكارية للمؤتمر، تهيكلت في المحاور التالية:

 مدخل

 وصف الورقة التذكارية

 خطوة غيرت تاريخ حياة المكي وجاءت بنعماء تغذية السوح الثقافية والفكرية

 عقد الستينيات في السودان: عقد المفارقات الفكرية والتناقضات السياسية والكبوات الكبرى

 كتابات وسجالات ينتهي نسبها الفكري إلى ورقة الشاعر المكي

 خاتمة

 قائمة المصادر والمراجع

 نص الورقة التذكارية: “المستقبل الحضاري في السودان”، للشاعر محمد المكي إبراهيم

وصف الورقة التذكارية

تكونت الورقة التذكارية من حوالي ثمانية آلاف كلمة، وناقش المكي باكرًا -من خلال حلقاتها الأربع- قضايا متنوعة ما تزال كبيرة، وطازجة، وحاسمة في تاريخ السودان. تقاطع في الورقة الثقافي مع الاجتماعي، والفكري، والاقتصادي، والسياسي، وقدمت قراءات وتحليلات بمناهج متداخلة منها التاريخي، والتحليلي، والوصفي التحليلي، ومنهج مقارنة القرائن. غير أن الورقة تعد بمثابة رؤية، ومجموعة أفكار، وتحليلات لشاعر ومفكر شاب – آنئذٍ – تمتع بمنظار ثاقب، وبُعد نظر مدهش، وخيال خصب، أكثر من كونها ورقة أكاديمية تلتزم المنهج التوثيقي والأسس العلمية المتبعة؛ فأفكارها لم تتقيد بقيود أكاديمية، وكاتبها شاعر خارج عن السائد والمألوف، ومشغول بالتجديد، والتغيير، والتحرير، وينشد صلاح الوطن، وأَنْسَنة الحياة فيه، وكرامة الإنسان.

وقف المكي، في المدخل، عند الأيام المُوغلة في القدم حيث القبيلة، والدويلة، والتجمع البشري على أرض السودان. ثم تناول الاستعمار، والثورة المهدية باعتبارها فاتحة فريدة لتاريخنا الحديث؛ وتحدث عن الثائر محمد أحمد المهدي (1844م-1885م). ثم تناول بتوسع موضوع “العرب والزنوج”، وانتماء السودان الأوثق إلى الحضارة العربية، كما تناول ما أسماه “الطبقة السيدة”، و”اقتصاد الطبقة السيدة”، و”الاستعمار”، و”الوطن الذي لا يعطي”. ثم قدم معالجة ضافية لموضوع الطبقة المتعلمة وبداية ظهورها والاضطلاع بدورها. ثم ناقش أزمة الطبقة المتعلمة فوقف عند السياج من المحرمات، والسجن المفروض، وتحالف الهاربين. وتناول جُبن المتعلمين الذي تجلَّى في السلوك الخاص فيما بينهم، والسلوك المغاير في بيت المأتم. وصف المكي جيله بالجبان، والمحافظ بشكل مريع. (هنا لابد من الإشارة إلى أن المكي، لاحقاً، وفي أناشيده الستة لأكتوبر وصف جيله بوصف مغاير عن الجبن). وتناول المكي في ورقته تأخر جيله في الدفاع عن ذاته وقضاياه، وأشار إلى التطلع للحياة الجديدة. ثم عرض لما اسماه “لقاح حضارتين”، ووقف عند الحضارة الإسلامية والخلاص الروحي، وأشار إلى الفنون، وغياب مخاطبة الروح عن طريق الجسد أو التجسيد. كما تحدث المكي عن المؤثرات في المزاج السودان، وأشار إلى الإنسان السوداني الجديد وقدم بعض ملامحه الرئيسية، وأشار إلى السودان الجديد وقدم توقعات بعطاءات السودان الجديد في المحيطين العربي والإفريقي. وتناول المكي، كذلك، النتاج الحضاري في السودان، والمركز الحضاري لسودان المستقبل. ثم طرح أسئلةً كُبرى، ولأجل الإجابة قدم إضَاءاتٍ وأفكارًا، منها: ماذا يعطي سودان المستقبل للُّغة العربية؟، وماذا عن الدين؟ وغير ذلك من المحاور والأفكار. ثم ختم بتلخيص نهائي قال فيه:

1. السودان نتيجة التقاء العرب – ومن ثم الثقافة العربية – بالزنوج والحضارة الإفريقية.

2. ولهذا لا يمكن تحليله إلى عناصره المكونة لأن هذا مستحيل واقعيًا.

3. بل يجب نفض الرماد عن هذه العناصر بإعادة اكتشافها.

4. وبذلك نستطيع أن نعطي العالم قسماتنا المتميزة.

5. وقسماتنا متميزةٌ بالضرورة إذ نحن في النهاية الشعب الوحيد الذي يتكون من دماء زنجية وعربية.

كانت آخر جملة كتبها المكي في ورقته، وهو ينشد السجال الرفيع والحوار الجاد بشأن القضايا، مُحددًا الغاية من ورقته، كتب المكي قائلاً: “آمل أن أكون بهذا قد أثرت الموضوع للنقاش”. وبالفعل صدق حدس الشاعر المكي، فقد أثارت الورقة النقاش، ولا تزال، حتى تاريخ اليوم تثير النقاش والجدل والحوار. لقد احتشدت الورقة بالأفكار بصورة مدهشة، فغذت الفضاء الفكري والثقافي في السودان بمعاني كثيرة وكبيرة. وقبل تقديم إضاءة عن دور الورقة بوصفها “سلة للأفكار” في إثراء الحوار والحراك في السوح الفكرية والثقافية، أقف عند قصة كتابة الورقة، متى كتبت؟ وكيف كتبت؟ وما المناخ الذي كتبت فيه؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، ينبغي التبيين بأنه لا يمكن قراءة ورقة الشاعر محمد المكي هذه، وتمعن ما جاء فيها من أفكار وأسئلة، بمعزل عن الخطوة التي غيرت تاريخ حياة الشاعر المكي، وعدلت مجال عمله وحولته من ما كان يمكن أن يكون إلى مشتغل بالثقافة والفكر. وكانت تلك الخطوة التي غيرت تاريخ المكي سابقة لورقته وتاريخ نشرها بعام، أي كانت الخطوة في عام 1962م.

من المهم الإشارة إلى أنني، حينما وقفت على الحلقات الأربع لهذه الورقة في صحيفة الرأي العام، وقمت بتصويرها ثم إعادة طباعتها، وجدت صعوبة في قراءة بعض الكلمات، خاصة تلك التي تقع في مواضع ثني الصحيفة، وكانت أحيانًا كلمة واحدة، وأحيانًا أخرى كلمتان ووصلت في أحايين قليلة إلى أربع وخمس وست كلمات. لهذا فقد وضعت معكوفتين مع ثلاث نقاط، على هذا النحو […] للتدليل على أن ثمة كلمة أو أكثر ناقصة، حسب أُسس التحقيق، وذلك في مواضع عديدة.

خطوة غيرت تاريخ حياة المكي وجاءت بنعماء تغذية السوح الثقافية والفكرية

بعد نحو نصف قرن من نشر ورقته: “المستقبل الحضاري في السودان”، استرجع الشاعر المكي الأحداث، واستدعى الوقائع الكبرى في حياته، خاصة تلك التي غيرت مسار حياته، فكتب في مدخل تأريخه لـ “التاريخ الشخصي للغابة والصحراء” ، كتب المكي قائلاً: “أقدمت في عام 1962م (وهو العام السابق لكتابة ورقته) على خطوة غيرت تاريخ حياتي فقد حولتني من دارس قانون إلى مشتغل بالثقافة، ومن قاضٍ أو محامٍ إلى دبلوماسي يقضى معظم أيام عمره في الغربة والاتصال بالعوالم الأجنبية”. كيف تحول المكي إلى مشتغلٍ بالثقافة؟ وما الخطوة التي غيرت تاريخ حياته؟ كتب المكي قائلاً: “ففي ذلك العام صارحت عائلتي برغبتي في قضاء العطلة الصيفية في ألمانيا، فتكرموا مشكورين وأمدوني بأربعين جنيهًا سودانيًّا من جنيهات تلك الأيام؛ اشتريت منها تذكرة الباخرة من وادي حلفا إلى أُسوان في مصر، ثم تذكرة العبور من الإسكندرية إلى أثينا. أما السفر من الخرطوم إلى حلفا فقد تكفلت به جامعة الخرطوم، باعتبار أنه من حق الطالب أن ينال منها تصريحًا بالسفر على نفقتها في عطلته الصيفية إلى أيما جهة بالسودان”. قام المكي بوضع الترتيبات اللازمة لرحلته إلى ألمانيا بعد أن اجتاز امتحان السنة الثالثة بكلية الحقوق، يقول المكي: “في أبريل من ذلك العام بدأت العطلة الصيفية بعد أداء الامتحانات في مارس وظهور نتائجها التي نقلتني بنجاح إلى السنة الرابعة بكلية الحقوق، وهى السنة قبل النهائية في كلية ذلك الزمان. وكان معنا في الرحلة خلق كثير على رأسهم الشاعر عبد المجيد عبد الرحمن (القاضي فالمحامي فيما بعد) الذي كان قائد فرقتنا، فقد قام بنفس الرحلة في العام الماضي”.

بعد القاهرة وأثينا، وصل الشاعر المكي آخر محطات رحلته إذ يقول: “في محطة ميونخ وهى نهاية مطافنا كان قد بقى معي سبعة وعشرون من الجنيهات السودانية صرفت بعضها في بنك الصرافة، كل جنيه بأحد عشر ماركا وأكثر. وربما كان ذلك هو الشيء الوحيد الذي أحسست أننا نتفوق فيه على الألمان”. ففي ألمانيا حيث المناخ الودود استمر طرح سؤال الهوية، كتب المكي قائلاً: “في ذلك المناخ الودود كان سؤال الهوية مطروحًا على الدوام”. وكانت أسئلة الهوية تُطرح في الشوارع وفي المقاهي على رائحة القبور وبقايا الحرب، يقول المكي: “وكان ثمة أناس لطيفون خرجوا من تحت أنقاض الحرب يريدون أن يعرفوا إذا كنت زنجيًّا من إفريقيا أم عربيًّا من الشرق الأوسط، وإذا كنت تستطيع أن تعلمهم رقصة أفريقية أو أغنية عربية. وحين تقول إنك عربي كان نفس الأشخاص الطيبون يصارحونك بأن فكرتهم عن أشكال العرب كانت مغايرة تمامًاً”. ثم استعصى الفهم للبعض بسبب اللسان واللون، يقول المكي: “وبالمقابل لم يكن يسيرًا عليهم أن يفهموا أن أشخاصًا يتفاهمون في ما بينهم بالعربية يمكن أن يكونوا زنوجًا إفريقيين، أو أن أناسًا سودًا يمكن أن يكونوا عربًا تمامًا مثل عبد الناصر وملك الأردن الشاب المحبوب”.

امتلأ المناخ الداخلي والمحيط بأسئلة الهوية، وبدأ النظر يغوص عميقًا سعيًا للالتصاق بالذات عبر الإجابة عن الأسئلة، يقول الشاعر المكي: “وكان كل ذلك جديرًا بأن يفتح أذهاننا على غرابتنا وضعف انتماءاتنا العربية والأفريقية بذات الوقت. واقتضانا ذلك كثيرًا من الحيرة والتفكير لنهتدي إلى حقيقة كوننا سودانيين، وكوننا خلطة جميلة ومتفردة من أعراق عربية وإفريقية، وأن تلك الخلطة ربما كانت هي المسئولة عن تفرد الشعب السوداني وذكائه وقدرته الفائقة على التعلق بالمثل العُليا”. وبتعبير قوي، وبرغبة جامحة في ضرورة التحرير من المعرفة الاستعمارية وإرثها، يؤكد المكي بإصرار وبقسم غليظ دفع فيه برأس أبيه، قائلاً: “إنني مُصرٌّ على أن ذلك الاكتشاف أمر ممعن في البساطة، ولم يكن بحاجة لعبقرية أو تحليل متعمق أو قراءات في أدب المستشرقين أو تأثر بهم. وبين هلالين أقسم برأس أبى أنني لم أقرأ حتى اليوم لا ترمنجهام ولا ذلك الآخر الذي روجت ألسنة السوء أننا قرأناه وتأثرنا به! وأنا أعرف تمامًا أن تلك الفرية مقحمة إقحامًا ليذكرنا مروجها أنه مُتمكّن عظيم الباع، وأنه ليس أقل من إدوارد سعيد مقدرة على نقد الاستشراق والمستشرقين وإظهار ما هم عليه من التفاهة وحقارة الشأن. وكل ذلك إثباتاً لعبقرية كنت أنا نفسي، ذات يوم، ممن يتوسمونها في مروج تلك الافتراءات!”. وتحدث المكي عن حواراته مع النور عثمان أبكر في ألمانيا، وأشار إلى أنه لم يتطرق إلى تكوين مدرسة شعرية وأضاف قائلاً: “بل ولم يدر شيء من ذلك ببالي قط إلا بعد عودتي من ألمانيا بزمان. فقد تركت الأستاذ النور هنالك، وعدت في يوليو 1963م لألتحق بالجامعة من جديد، وألتقي فيها بمحمد عبد الحي ويوسف عيدابى، فنؤسِّس معًا لاتجاه في الشعر السوداني ينطلق من تلك الأسس”.

عاد المكي في شهر يوليو عام 1963م من ألمانيا، وترك ألمانيا في عقد الستينيات تسري فيها روح الندم والتكفير عن خطايا الحرب، كتب المكي قائلاً: “تميزت ألمانيا الستينيات بروح الندم والتكفير عن خطاياها في الحرب الأخيرة، وانسياقها وراء الدعاية العنصرية التي جعلتها تحارب العالم أجمع، وتتصرف باحتقار نحو كل الأعراق والأجناس”. وبعد خمسة أشهر من عودته من ألمانيا نشر المكي ورقته: “المستقبل الحضاري في السودان”. كان السودان وقتئذ لا يعيش ندمًا ولا يكفر عن خطايا كما هو حال ألمانيا، بيد أنه كان مقبلاً على ندم وحاجة للتكفير. فقد كان السودان في عقد الستينيات يعيش في بدايات التناقض الفكري والمفارقات السياسية.

الهوامش

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

عبد المحمود أبو إلى مؤتمر “حوار ومصالحات في نواكشوط

محمد المكي أحمد

في إطار حراك فكري، وتلبية دعوات يتلقاها للمشاركة في مؤتمرات عربية وأفريقية، يشارك المفكر والمؤلف السوداني، الدكتور عبد المحمود أبو إبراهيم في ملتقى بعنوان ” القارة الإفريقية .. واجب الحوار وراهنية المصالحات” بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، في الفترة من 21 يناير إلى 23 يناير 2025.
وأوضح رئيس “منتدى أبوظبي للسلم” ورئيس “المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم” عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه أن المؤتمر يُعقد بالتعاون مع الحكومة الموريتانية، تحت رعاية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
وقال “إن دعوة دكتور أبو للمشاركة في المؤتمر تأتي “تقديرا لمكانته العلمية السامية،ومساعيه الدؤوبة في نشر ثقافة التسامح والتعايش في إفريقيا”.
وأفاد رئيس المنتدى بأن اختيار عنوان “القارة الإفريقية: واجب الحوار وراهنية المصالحات” يجيء انسجاما مع “توصيات إعلان نواكشوط التاريخي في العام 2020 ” و دعا إلى “اعتماد آلية الحوار واعتباره الوسيلة المثلى في تسوية النزاعات، وتشجيع أساليب الوساطات والتحكيم وتفعيل أدوات الصلح، وإنشاء هيئات وأجهزة ووزارات للمصالحة والسلم في الدول.”
واضاف أن المؤتمر الإفريقي يهدف بطرحه لهذا الموضوع الهام إلى دعم جهود الحكومات والقادة الدينيين والفاعلين الاجتماعيين في تعزيز الحوار والتواصل الإيجابي، كما يهدف إلى تشجيع ثقافة المصالحات والابتعاد عن حسم الخلاف بالعنف والصراع المسلح من أجل مستقبل أفضل لقارتنا، مستقبل يجد الجميع فيه مكانا ومكانة، ويتعايش الناس فيه في أمن وسلام.
نشاط فكري مكثف في مؤتمرات عربية وإفريقية
يُشار إلى أن دكتور عبد المحمود وهو أمين عام “هيئة شؤون الأنصار” في السودان، ورئيس المنتدى العالمي للوسطية – فرع السودان- قد سجل حضورا فاعلا في عدد من المؤتمرات التي شهدتها دول عربية وأفريقية ، وكًثف نشاطه الفكري خلال عامي الحرب في السودان ( 2023- 2024) ويواصل نشاطه في العام
مع السفير السعودي في السودان علي بن حسن جعفر
وكان شارك في المنتدى الأفريقي لتعزيز السلم؛ تحت شعار “ادخلوا في السلم كافة” في يونيو 2023 في نواكشوط بموريتانيا، والمؤتمر الدولي للسيرة النبوية، سبتمبر 2023، في نواكشوط، والتعليم العتيق في أفريقيا ، و “العلم والسلم” في نواكشوط يناير 2024، وملتقى القيادات الدينية في أفريقيا -نيروبي- يناير 2024 .
وفي المغرب، شارك في “الدروس الحسنية” بالدار البيضاء في يونيو 2024، ومؤتمر التعايش السلمي في ظل الإسلام بالسنغال في سبتمبر 2024 ، ومؤتمر القوى المدنية لوقف الحرب في السودان بالقاهرة في يوليو 2024، وورشة القيادات الدينية من أجل السلام في السودان في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان في يناير 2024.
رمز لتيار ديني وسطي
و شدد في مؤتمر شهدته الهند على أن المجتمع السوداني يتوزع على ثلاثة تيارات رئيسة في فهم الدين، وفيما أوضح أن التيار الأول الصوفي يشكل الأغلبية، قال إن التيار المتشدد تأثيره ضعيف.
ورأى لدى مخاطبته المؤتمر الذي عقدته “جامعة مركز كاليكوت” بكيرلا في الهند في إطار الاحتفال بـ ” اليوم العالمي للغة العربية” أن التيار الثالث هو التيار المعتدل الذي يميل إلى التيسير في الدين والوسطية في المنهج، وعلى رأسه “هيئة شؤون الأنصار”.
وأضاف أن الحركة السلفية تأثرت بثقافة المجتمع السوداني القائمة على التسامح.
و رأى أن ” المجتمع السوداني خال من التطرف الديني”، وكان ساهم بمشاركة بعنوان ” في ذكرى ميلاد رسول السماحة والرحمة الإنسانية” ، ودعا إلى الإحتكام إلى منهج رسول الإسلام، المصطفى، محمد صلى الله عليه وسلم “بفض النزاع بالحكمة” و ” تأسيس دولة المواطنة”.
وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وضع صحيفة المدينة كأول دستور مكتوب في التاريخ الإنساني، ونص على حقوق جميع المواطنين باختلاف أديانهم، وثقافاتهم، وأعراقهم، وانهم جميعا متساوون في الحقوق والواجبات، تطبيقا لقوله تعالى” إن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون”.
تشريد السودانيين بأيدي من إئتمنوهم
لوحظ أن أزمة السودان الحالية تتصدر أولويات مساهماته في مؤتمرات مهمة، وكان وجه رسالة بعنوان” أما أن لنا أن نتعظ” في ذكرى إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان في العام 1955 الذي يصادف 19 ديسمبر من كل عام.
وقال في هذا الشأن “في عام 1955م توحد السودانيون وأعلنوا استقلال بلادهم، متناسين كل الخلافات التي بينهم، جعلوا هدفهم الوطن فحققوا أعظم إنجاز في تلك المرحلة من تاريخ السودان، وهاهي الذكرى تمر وبلادنا تمزقها الحرب ويتشرد شعبها على غير هدى وتسيل دماء أبنائها بأيدي أبناء جلدتهم وبالسلاح الذي اقتطعوا من معاشهم ووفروه لمن ائتمنونهم على حياتهم ليحموهم به، فوجهوه لقتل شعبهم ولتدمير وطنهم”.
الحرب أظهرت فظاعة السلطة المُطلقة
وقال: إن ” هذه الحرب اللعينة أظهرت فظاعة القوة غير المرشدة، والسلطة المطلقة، والجهل بعظم المسئولية، ونذكر كل مسئول بأنها أمانة وأنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها، ونرسل في بريد كل عاقل لديه مثقال ذرة من المسئولية عسكريا كان أو مدنيا، ينتمي لهذا الوطن إن حرمة النفس الإنسانية تفوق حرمة الكعبة” مشيرا الى أن ” رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر مما يحدث الآن وسماه ” الهرج والمرج”.
وأضاف ” لا يدري القاتل فيم قتل ، ولا المقتول فيم قُتل “، وأكد أن ” عظمة الإنسان تقاس بما يقدمه من عمل صالح” ودعا إلى أن ” نحاسب أنفسنا ونراجع موقفنا”.
دعوة للتجرد من الانتماءات الضيقة والجهوية
وفيما أكد دكتور أبو أهمية وقف نزيف الدم في السودان، وجه ” نداء لكل وطني غيور” ورأى أنه ” آن الأوان للتجرد من الانتماءات الضيقة، الجهوية، والقبلية، والحزبية، والطائفية، والأنانية، والانتماء للوطن الكبير، أرض جدودنا، ومنبت رزقنا”.
وحذر في هذا السياق من أن ” الوطن على حافة الإنهيار، فلنعمل جميعا بكل طاقاتنا على وضع حد لهذه الحرب( الحرب في السودان التي اندلعت في العام 2023) وإعلاء راية السلام”.
رسالة دكتوراة عن فقه التنوع والتأصيل والتطبيق
يُشار إلى أن عبد المحمود أبو حصل على درجة الدكتوراة في جامعة أم درمان الإسلامية ” كلية الشريعة والقانون” في مارس العام 2020 ، وتخصصه في ” الفقه المقارن” ، وكان عنوان رسالة الدكتوراة ” فقه التنوع في الشريعة .. التأصيل والتطبيق.. دراسة فقهية مقارنة” .
وحصل على الماجستير في ” الشريعة والقانون” في العام 2014، والتخصص الدقيق ” الفقه المقارن” وعنوان رسالة الماجستير” التنوع في المجتمعات الإسلامية المعاصرة ودور الشورى في إدارته- دراسة مقارنة”، وكان حصل على درجة بكالوريوس “الشريعة والقانون” في جامعة أم درمان الإسلامية ” في العام 1993 .
دورات تناولت مكافحة التطرف والتعايش
لم يكن الحصول على درجة الدكتوراة هي نهاية مشوار التأهيل المستمربل شكلت الدورات التأهيلية التي شارك فيها دليلا من أدلة الحرص على التميز، وقد شارك في عدد من الدورات وعناوينها:
-القيادة الدينية في مكافحة التطرف العنيف – بكينيا 2021م
– التعايش الديني في السودان – تنظيم معهد الدين والدبلوماسية بواشنطن
– دور المنظمات الأهلية في المجتمع – مصر
– دورة مضامين رسالة عمان – الأردن
-ملتقى الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي – القاهرة
– ملتقى الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي – القاهرة
رئيس المنتدى العالمي للوسطية بالسودان
تولى دكتور ابو المسؤولية في مواقع مهمة، وهي: أمين الدعوة والإرشاد – هيئة شؤون الأنصار- 1993 – 1995، أمين عام هيئة شؤون الأنصار بالسودان 1995- حتى الآن (أكثر من دورة)، رئيس المنتدى العالمي للوسطية – فرع السودان من 2012 حتى الآن، رئيس مجلس إدارة مركز المقاصد للتأهيل، خطيب بالمساجد السودانية من 1983 – 2020
وهو عضو في مجمع الفقه الإسلامي بالسودان، وعضو المكتب التنفيذي لمجلس التعايش الديني، و عضو مجلس إدارة جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان،وعضو مجلس إدارة جامعة القرآن الكريم
مؤلفات شملت الدولة المدنية والشورى وفكر المهدي
أما مؤلفاته فهي:
– منهج الشورى في إدارة التنوع.
-الحوار في الإسلام- حقائق ونتائج.
– قراءات في مناهج الدعوة المعاصرة.
– الإسلام والدولة المدنية ‏- جدل الدين والدولة
– الوسطية في فكر الإمام الصادق المهدي
-يسألونك عن الأنصارية.
لماذ هذا التوثيق؟
في هذا الزمن الذي تعلو فيه أصوات متطرفين وتكفيرين ودعاة حرب وأعداء للسلام والحرية والعدالة حرصت على هذا التوثيق لالقاء بعض الضوء على بعض سمات شخصية الدكتور عبد المحمود أبو.
من أبرز صفاته أنه صاحب رؤى تُعبًر عن نبض الاعتدال، الذي ينسجم مع تعاليم الاسلام، التي تحترم حقوق الإنسان، باختلاف ديانات البشر، وثقافاتهم، وأعراقهم .
الشيخ عبد المحمود صاحب فكر وقناعات مبدئية ترفض التطرف الديني والانتماءات الضيقة، وتدعو إلى التمسك بقيم الحوار والحلول السلمية، لحل المشكلات والأزمات في السودان، والعالم، ولهذا يتلقى دعوات من دول ومؤسسات عربية وافريقية وغيرها للمساهمة في إثراء الحوار بشأن كيفيات تعميق الحوار والمصالحات في مجتمعات موبوءة بأمراض الصراع المسلح، والعنصرية، وسموم الكراهية، والسودان في صدارتها.
ما أحوجنا في السودان، وفي كل دول العالم إلى أصحاب الفكر المعتدل.. رموز الوسطية.. حملة مشاعل التنوير ، ودعاة الاحترام لحقوق الإنسان في أي مكان وزمان.

mohamedelmaki.com

   

مقالات مشابهة

  • خبراء يؤكدون أهمية تطوير حلول مبتكرة للنقل العام في مدن المستقبل
  • وفاة الشاعر مسفر الدوسري بعد معاناة مع المرض
  • رئيسة القمة العالمية لطاقة المستقبل: نسخة 2025 فاقت التوقعات
  • الصفدي من قصر بعبدا: كلّ الدعم للبنان ليستعيد دوره الحضاري والثقافي والريادي
  • اقتصاد ألمانيا ينكمش للعام الثاني على التوالي وسط أزمة سياسية
  • ألمانيا تتهم قيادياً داعشياً بارتكاب جرائم حرب في سوريا
  • تبادلا الهدايا التذكارية.. جلالة السلطان يقيم مأدبة عشاء رسمية تكريمًَا لملك البحرين (صور)
  • شهادتي للتاريخ وإطلالة على المستقبل: هيكلة وتحديث القوات المسلحة (وضعته لجنة مفصولي القوات المسلحة) (7)
  • النسق الراسمالي في حرب السودان
  • عبد المحمود أبو إلى مؤتمر “حوار ومصالحات في نواكشوط