ماذا قال مصطفى محمود عن الحياة بعد الموت؟.. أسرار من العلم والإيمان
تاريخ النشر: 3rd, October 2024 GMT
تعتبر أسئلة الحياة بعد الموت من أقدم وأعمق التساؤلات التي شغلت البشرية عبر العصور، فمنذ القدم والإنسان يتساءل عن مصيره بعد هذه الحياة، وماذا يحمله له المستقبل، هذه التساؤلات تطرح أسئلة وجودية عميقة، وتدفعنا إلى التفكير في معنى الحياة والموت، وهو ما قد يقود البعض إلى تزعزع الهوية الدينية، لذا أطلقت «الوطن» 3 حملات توعوية لتعزيز الهوية الوطنية والدينية والاجتماعية تحت شعار «مجتمع صحي آمن.
الدكتور مصطفى محمود في برنامجه «العلم والإيمان»، أجاب على السؤال الوجودي الذي يشغل البعض، وهو الحياة بعد الموت، وكشف بعض الأسرار من حياة البرزخ، مشيرًا إلى أنّ العلم أثار بعض الأسئلة عن تصوير الكيرليان فوتوغرافي، وهو اكتشاف هالة تحيط أي جسم حي (من بشر ونبات وحيوان) بغلاف غير مرئي يشع على هيئة موجات كهرومغناطيسية، إذ اعتاد البعض الخلط بين النفس والروح، وهو ما أثبت القرآن خطأه فالنفس غير الروح، إذ ينسب الله الروح لنفسه، فيقول في الآية الكريمة: «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»، أما النفس لا ينسبها الله سبحانه وتعالى، وإنما ينسبها لصاحبها، فيقول في الآية الكريمة: «حَسَدًا مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ».
الحياة بعد الموتوأظهر الله سبحانه وتعالى أفعاله وصفاته، ولكنه أخفى ذاته، والذات الإلهية هي في الخفاء المطلق، وليس لأحد مدخل عليها سواء من الإنس والجن، وفي الإنسان يكون سره الأعظم هي نفسه، ولكن تظهر صفاته وأفعاله، وعن الحياة بعد الموت، وصف الدكتور مصطفى محمود لحظة الموت بأنها لحظة حاسمة تحدد مصير الإنسان، فالمؤمن ينتقل إلى رحاب الرحمة، والعاصي إلى نار العذاب، فمجرد خروج الروح من الجسد يعرف الإنسان مصيره، فإن كان مؤمنا فمصيره الجنة وإن كان مشركا فمصيره النار لذا نرى كثيرون من الموت وجوههم بيضاء ضاحكة مستبشرة وهذه هي الروح المؤمنة، وأخرى تكون نادمة خائفة وهي روح المشرك.
واستشهد «محمود» بقوله سبحانه وتعاله القول في تأويل قوله: «ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم»، لافتًا إلى عذاب القبر الذي قد يراه الإنسان بعد وفاته، فهو يرى مقعده في الآخرة إما في الجنة أو النار، فلو رأى مقعده في نار جهنم فهذا عذاب عظيم فيعرض عليهم ذلك يوميًا مرتان مرة صباحًا ومرة مساءً فهو يرى مقعده منذ وفاته حتى يوم القيامة.
وعن الحياة بعد الموت، يقول «محمود» إنّه لا أحد يعود بعد الموت الحقيقي وبعد توقف المخ والدماغ تمامًا، أما الموت الظاهري الذي يتوقف فيه قلب الإنسان بشكل مؤقت، فقد يعود بعده الإنسان إلى الحياة لأنّه يكون موتًا مؤقتًا، ولكن مع تقدم الطب وتطور الأطباء فقد يعود الإنسان مرة أخرى بعد إنعاش القلب أو الرئة مثلا.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: مصطفى محمود الدكتور مصطفى محمود الحياة بعد الموت الموت أسرار البرزخ البرزخ الموت الحقيقي الحیاة بعد الموت
إقرأ أيضاً:
الحياة الانعزالية للحيوانات تبوح بأسرارٍ عن طبيعة الإنسان الاجتماعية
حين نفق «جورج الوحيد» عام 2012، كان آخر أفراد سلاحف جزيرة بينتا، دون أن يترك خلفه أي نسل. لقد فُرضت عليه وحدته بفعل البشر، الذين قضوا على بقية سلاحف نوعه، وجلبوا الماعز إلى جزيرته في جزر غالاباغوس، مما أدى إلى تدمير بيئتها الطبيعية. لكن على الأرجح، لم يكن جورج يشعر بالكثير من الضيق من عزلته؛ فالسلاحف بطبيعتها كائنات انعزالية، لا تجتمع إلا من أجل التزاوج. وهذا ينطبق أيضًا على معظم الزواحف، بل وحتى على العديد من الثدييات، مثل الدببة، والموظ، والنمور، والكسالى، وخلد الماء، ووحيد القرن، وآكل النمل الحرشفي.
ونظرًا لأننا كائنات اجتماعية بطبيعتنا، فمن الطبيعي أن تشدنا أنماط الحياة الاجتماعية لدى الحيوانات، من قُطعان الذئاب إلى مستعمرات النمل. لكن لفهم الطبيعة «الاجتماعية» على نحو أعمق، لا بد من النظر إلى الوجه الآخر من العملة: لماذا تفضل بعض الحيوانات العيش بمفردها؟ ومن اللافت أن هذا السؤال نادرًا ما حظي باهتمام العلماء. كما يقول كارستن شرادين، من معهد هوبرت كوريان متعدّد التخصصات في ستراسبورغ، فرنسا: «الناس لا يهتمون إلا بالكائنات التي تعيش ضمن جماعات وتملك مجتمعات معقّدة. لكن إن لم نفهم لماذا تكون الحياة الانفرادية الخيار الأفضل في كثير من الحالات، فإننا لن نصل إلى فهم شامل للحياة الاجتماعية الجماعية أيضًا».
ومؤخرًا، بدأ شرادين مع عدد من علماء الأحياء الرائدين في سدّ هذه الفجوة البحثية. وقد بدأت أبحاثهم تكشف أن الحياة الانعزالية ليست مجرّد سلوك بدائي متوارث لدى الثدييات، بل هي نمط تطوّري متخصص له مزاياه وتحدياته. والأهم من ذلك، أن الحيوانات الانفرادية ليست بالضرورة كائنات «معادية للمجتمع»، إذ تبيّن أن العديد منها يحتفظ بشبكات اجتماعية منظمة، رغم قضائها لمعظم الوقت بمفردها. هذه الكائنات تمنحنا زاوية جديدة لفهم مفهوم الحياة الاجتماعية، وتساعدنا في استيعاب الأسباب التي دفعت بالكائنات الأخرى، بما في ذلك الإنسان، إلى العيش في جماعات.
تُعرفُ إحدى النظريات التي طُرحت لتفسير سبب تجمّع الحيوانات في مجموعات باسم «فرضية تشتّت الموارد». وتنص هذه الفرضية على أنه إذا كان الغذاء وفيرًا في مناطق معينة ومحدودة بينما يندر وجوده في أماكن أخرى، فإن تلك البقع الغنية بالغذاء يمكن أن تُعيل عددًا كبيرًا من الحيوانات، مما يدفعها إلى التجمّع سويًّا للدفاع عن مواردها. وإذا قلبنا هذه الفكرة، فإننا نجد أن توزيع الغذاء بشكل متساوٍ في البيئة، وعدم قابليته للمشاركة، قد يُفضي إلى تفضيل العيش الفردي.
وقد أظهرت دراسة أُجريت عام 2024 دعمًا لهذه الفرضية لدى حيوانات «المارتن» وما يرتبط بها من الكائنات الآكلة للحوم، وهي مجموعة تُعد من أكثر الحيوانات انعزالًا في الطبيعة. حيث قام جوشوا تويننغ، الذي كان آنذاك يعمل في جامعة كورنيل بنيويورك، مع فريقه البحثي، بتحليل بيانات مصائد الكاميرات التي رصدت سبعة أنواع مختلفة حول العالم، مستخدمين مدى ظهور الحيوانات ضمن مجموعات في الصور كمؤشر على سلوكها الاجتماعي.
وأظهرت النتائج تباينًا ملحوظًا بين الأنواع، وكان أكثرها ميلًا للتواصل الاجتماعي هو «مارتن الحنجرة الصفراء» المنتشر في شرق وجنوب شرق آسيا. لكن الأهم من ذلك أن مدى اجتماعية كل نوع كان مرتبطًا بشكل وثيق بتوزيع الغذاء في بيئته؛ إذ كانت الحيوانات أكثر ميلًا للعيش في مجموعات عندما كانت تعتمد على موارد غذائية متفرقة مثل الفاكهة، أو أعشاش الحشرات، أو الفرائس الكبيرة.
لماذا تختار بعض الكائنات العيش بمفردها؟
مع ذلك، فإن فرضية تشتّت الموارد لا تفسّر كل هذا التنوّع في الأنظمة الاجتماعية بين الأنواع المتقاربة، كما يشير بيتر كابلر من جامعة غوتنغن في ألمانيا. فقد أمضى ثلاثين عامًا يدرس ثمانية أنواع من الليمور في مدغشقر، ويقول: «كلها تعيش في الغابة نفسها، بل تجلس حرفيًّا على الأشجار نفسها. نوعان يعيشان في جماعات، وثلاثة يعيشون في أزواج، وثلاثة أخرى تعيش منفردة». ويضيف: «ربما تتغذى على أشياء مختلفة قليلًا، لكن لا يوجد سبب واضح يخطر بالبال يفسّر اختلاف أنظمتها الاجتماعية».
خطر الافتراس غالبًا ما يُشار إليه أيضًا كسبب يدفع الحيوانات للعيش في جماعات؛ فالقوة في العدد قد تحمي الحيوان من أن يُؤكل. لكن هذا الأمر لا ينطبق فعليًّا إلا على الحيوانات الكبيرة، كما يوضح شرادين: «حتى لو اجتمعت مائة فأرة صغيرة، فإنها لا تستطيع فعل شيء أمام ابن آوى أو طائر جارح». فبالنسبة للحيوانات الصغيرة، قد يكون العيش منفردًا خيارًا أكثر أمانًا؛ لأنها تصبح أصعب في الرصد. كما أن الحيوانات الاجتماعية تضطر إلى قطع مسافات طويلة بحثًا عن الطعام، في حين أن الانفراديين يمكنهم العثور على غذائهم ضمن نطاق محدود، مما يقلل من خطر التعرّض للافتراس أثناء التنقل.
لكن هذا التفسير أيضًا لا يغطي الصورة كاملة، إذ إن العيش المنفرد قد يكون ناجحًا حتى لدى الحيوانات المفترسة. ويُقدّر أن أكثر من 80 في المائة من أنواع فصيلة اللواحم، التي تضم القطط والكلاب والدببة، تعيش حياة انفرادية، ولا تتواصل اجتماعيًا إلا من أجل التزاوج أو تربية الصغار.
وإلى جانب خطر الافتراس وتوزيع الموارد، يطرح الباحثون احتمالًا ثالثًا وهو أن الحياة الانفرادية قد تنطوي على فوائد خفية ومفاجئة. فمثلًا، البحث عن الطعام في نطاق صغير يعني أن الحيوان لا يضطر لبذل الكثير من الطاقة في التنقل. ويرى شرادين وماكويا أن هذه إحدى المزايا الثلاث الكبرى للحياة الانفرادية. أما الميزة الثانية، فهي تقليل فرص الإصابة بالطفيليات أو العدوى، نتيجة قلة الاختلاط. أما الثالثة، فهي تجنّب الضغوط النفسية الناجمة عن التفاعلات الاجتماعية، بما في ذلك الصراع على التزاوج.
ويضيف الباحثان أن الحيوانات المنفردة تملك في كثير من الأحيان فرصة أكبر للتكاثر، لا سيما مقارنة بالحيوانات الاجتماعية مثل حيوانات الميركات، حيث يهيمن عدد قليل من الأفراد على فرص التزاوج، ويمنع الآخرين من الإنجاب.
«تمتلك كثير من هذه الحيوانات الانفرادية شبكات اجتماعية لا نعلم عنها شيئًا».
وبالإضافة إلى الأسباب المتنوعة التي قد تدفع الحيوان إلى اختيار العزلة، يتبيّن أن هناك أيضًا أشكالًا مختلفة من الحياة الانفرادية. فهناك تفاوت كبير في درجة عدوانية الكائنات الانفرادية تجاه بعضها البعض. على سبيل المثال، تقوم إناث الهامستر بمهاجمة صغارها عندما يصلون إلى مرحلة النضج، وتطردهم من محيطها، في حين أن جرذان «كارو الأدغالية»، تُظهر سلوكًا أكثر تسامحًا. تعيش هذه الجرذان في مناطق شبه صحراوية بجنوب أفريقيا، وتُعد منفردة في معظم الوقت، لكنها تشكّل مجموعات عائلية صغيرة بعد موسم التزاوج. وتبني هذه الجرذان مساكن من الأغصان، يرثها الأبناء عن أمهاتهم، مما يجعل الجيران في كثير من الأحيان من الأقارب، كما أنهم يتشاركون في مناطق التغذية.
تقول ليندلاني ماكويا، التي تدرس هذا النوع من الجرذان: «إنهم يتسمون بقدر كبير من التسامح تجاه بعضهم البعض، وهذا يتناقض مع الاعتقاد السائد بأن الحيوانات الانفرادية تتصرف بعدوانية، وأن هذه العدوانية هي ما يدفعها للعيش وحدها».
والواقع أن العديد من الكائنات التي تبدو وكأنها تعيش في عزلة تامة، يتبين عند الفحص الدقيق أنها تملك حياة اجتماعية خفية. ومن أكثر الأمثلة المفاجئة في هذا السياق ما كشفت عنه دراسة على حيوانات البوما، إذ أظهرت بيانات مصائد الكاميرات ونظام تحديد المواقع (جي. بي. إس) أنها كثيرًا ما تتقاسم فرائسها مع أفراد غير مرتبطين بها، وغالبًا ما يردّ هؤلاء الجميل لاحقًا.
وحتى الدببة البنية، التي تُعد مثالا نموذجيا للانعزالية، أظهرت سلوكًا اجتماعيًا مدهشًا. ففي دراسة قادها ريك هيريس من جامعة جنوب شرق النرويج، تم تحليل بيانات تعقب لنحو 153 دبًا في السويد، وكشفت النتائج أن معظم التفاعلات الاجتماعية كانت لقاءات بين ذكور وإناث خلال موسم التزاوج. غير أن الباحثين رصدوا أيضًا تفاعلات اجتماعية بين الذكور والإناث، وكذلك داخل المجموعات العائلية، على مدار العام.
يقول هيريس: «عندما لا يكونون في فترة السبات، يبدو أنهم يتواصلون مع عدة أفراد آخرين»، لكنه يضيف: «لا نعرف تحديدًا سبب هذه العلاقات التي تحدث خارج موسم التزاوج». وربما يكون الذكور يراقبون منافسيهم أو يتفقدون الإناث القريبات من الدخول في مرحلة التزاوج. وهناك احتمال آخر، وهو أنهم يتجمّعون حول مصادر الطعام. ففي أمريكا الشمالية، يحدث ذلك عند مجاري السلمون أو في أماكن تجمّع النفايات، بحسب ما يشير هيريس، وإن كانت هذه العوامل غير متوفرة في منطقة دراسته.
يقول ريك هيريس: «أعتقد أننا، بسبب صعوبة رصد الحيوانات الانفرادية في معظم الأوقات، قد قللنا من تقدير طبيعتها الاجتماعية عمومًا». فربما تتواصل هذه الكائنات بطرق غير مباشرة يصعب ملاحظتها، مثل استخدام الروائح أو الأصوات. ويضيف: «أظن أن هذه من أكبر الثغرات التي تحول دون معرفتنا الكاملة بها. ولو أمعنّا النظر، لاكتشفنا أمثلة مدهشة، إذ يبدو أن هذه الحيوانات الانفرادية تمتلك نوعًا كاملًا من الشبكات الاجتماعية التي لا نعلم عنها شيئًا».
ويطرح بيتر كابلر وجهة نظر مشابهة، إذ يقول: «لا أعتقد أننا نملك فهمًا شاملًا لكل هذا التنوع الموجود في أنماط الحياة». ويضيف: «من المؤكد أن عدد الأنواع التي تعيش حياة انفرادية بالفعل لا يشكّل سوى أقلية ضئيلة للغاية».
وبناءً على ما أصبح معروفًا اليوم، يرى كابلر أن تصنيفات مثل «انفرادي» و«اجتماعي» قد تكون تبسيطًا مخلًا لا يعكس الواقع المعقد لأنماط التواصل لدى الكائنات الحية.
الدماغ الاجتماعي
إن فهمنا الأعمق لطبيعة حياة الحيوانات الأخرى لا يكشف فقط عن تنوّع مفاجئ في سلوكها، ويوضّح الأصول التطورية لحياتها الاجتماعية، بل قد يسهم أيضًا في تسليط الضوء على الآليات العصبية التي تتحكم في السلوك الاجتماعي وغير الاجتماعي. تقول (تالي كيمتشي)، من معهد وايزمان للعلوم في إسرائيل: «أحد الدوافع لدراسة السلوك الانفرادي هو أن الكائنات الاجتماعية، مثلنا نحن البشر، لا يتساوى جميع أفرادها في درجة اجتماعيتهم. فهناك طيف واسع من السلوكيات».
فبينما يعاني بعض الأشخاص من الوحدة والانفصال عن الآخرين، كما حدث خلال فترات الإغلاق في جائحة كوفيد-19، نجد أن آخرين يشعرون براحة أكبر عندما يكونون بمفردهم. ومنذ زمن طويل، تُستخدم الفئران والجرذان كنماذج مخبرية لدراسة الآليات التي تتحكم في السلوك الاجتماعي البشري، نظرًا لتقاربها الجيني والعصبي والفيزيولوجي مع الإنسان. غير أن كلا الحيوانين يتمتعان بطبيعة اجتماعية في الأصل، مما يحدّ من قدرتهما على تمثيل النطاق الكامل للسلوكيات الاجتماعية.
وتشير كيمتشي إلى أننا نحتاج إلى دراسة طيف أوسع من الكائنات التي تختلف في درجات اجتماعيتها للحصول على صورة أشمل. وتقول: «أعتقد أنه إذا فهمنا هذا الأمر لدى الحيوانات، فسنتمكن من فهم الحالات النفسية العصبية المرتبطة بالحياة الاجتماعية، مثل التوحّد، بشكل أفضل». وتضيف: «قد تساعدنا هذه الدراسات في تحديد الاتجاهات المناسبة للبحث واكتشاف أدقّ الخيوط التي يجب أن نتابعها».
الخلد.. بداية واعدة لفهم الاختلافات الاجتماعية بين الكائنات
تُعدّ فئران الخلد نقطة انطلاق مثيرة للاهتمام، نظرًا لتشابه بعض أنواعها من حيث الشكل ونمط الحياة، رغم اختلافها الكبير في طبيعة علاقاتها الاجتماعية. فمثلًا، تُعرف فئران الخلد العمياء في الشرق الأوسط بانعزالها التام. تعيش هذه الكائنات بمفردها في أنفاق تحت الأرض، وتُظهر عدوانية مفرطة تجاه غيرها. تقول تالي كيمتشي: «إذا صادف أن تقابل فردان منها عن طريق الخطأ، فإنهما يتعاركان وينتج عند ذلك أن أحدهما سيُصاب أو حتى يُقتل».
ويختلف هذا المشهد تمامًا عند النظر إلى فئران الخلد العارية، والتي تعيش نمطًا مشابهًا تحت الأرض، لكنها تؤسس مستعمرات تضم عشرات، بل مئات من الأفراد. وتشبه هذه المستعمرات في تنظيمها مستعمرات بعض النمل والنحل؛ إذ يوجد ملكة وعدد محدود من الذكور القادرين على التزاوج، بينما يتفرّغ الباقون لأداء مهام «العمال».
والسؤال المحيّر هو: كيف ولماذا اختلفت هاتان الفصيلتان في أنماط حياتهما الاجتماعية إلى هذا الحد؟ لا تزال الإجابة غامضة، لكن كيمتشي تقترح زاوية نظر جديدة: «يمكن أن نعتبر المستعمرة ككائن واحد ضخم، كائن فائق التنظيم، وهذا الكائن يملك نمط حياة انفرادي. ورغم أن أفراد المستعمرة يتعايشون مع بعضهم، إلا أنهم يُبدون عدوانية شديدة تجاه الدخلاء من مستعمرات أخرى، تشبه في حدّتها سلوك فئران الخلد العمياء تجاه غيرها». وهذا يفتح الباب لتساؤلات عميقة حول مدى قوة الروابط الاجتماعية وحدودها، وربما يمتد هذا الفهم إلى تفسير بعض جوانب علاقاتنا نحن البشر.
ولا يزال عالم الحيوانات الانفرادية مليئًا بالمجهول، لكن ما يمكن أن تجود به هذه الدراسات من اكتشافات يبدو واعدًا. وللاقتراب أكثر من هذا الفهم، أطلق كل من ماكويا وشرادين مؤخرًا مجتمعًا علميًا افتراضيًا يتيح للباحثين تبادل نتائجهم وأفكارهم حول الحيوانات الانفرادية. يقول شرادين: «عدد الباحثين المهتمين بهذه الأنواع يتزايد، وهم يطرحون الأسئلة الصحيحة، لكنهم ما زالوا غير مترابطين». ويؤمن بأن توسيع معارفنا حول هذه الكائنات سيمكننا من حمايتها بشكل أفضل. وكما ترى كيمتشي، فإن دراسة هذه الكائنات قد تعيننا أيضًا على فهم أنفسنا بشكل أعمق.
ويختم شرادين بقوله: «الدرس الأكبر الذي نستخلصه هو أنك لا تحتاج لأن تكون غير اجتماعي كي تعيش منفردًا». ويضيف: «يمكنك أن تعيش بمفردك، ومع ذلك تبني علاقات اجتماعية ذات معنى مع من حولك». فالعزلة الاجتماعية عند البشر ترتبط غالبًا بمشاكل صحية، لكن تخصيص وقت للعزلة قد يحمل فوائد لا يُستهان بها، وهي فوائد يمكن أن تكشفها لنا دراسة الكائنات التي اختارت أن تسلك هذا الطريق. ويقول: «ربما ينبغي لنا أن نتقبّل فكرة أن الانعزال، بالنسبة لبعض الناس أو في مراحل معينة من حياتهم، قد يكون خيارًا طبيعيًا وصحيًا للهروب من صراعات لا داعيَ لها».
خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»