للمرء منا أكثر من ميلاد.
عادل عسوم
غدا بحول الله يوم ميلادي، إنه في الثاني من أكتوبر، ولا أدري أيصبح هذا عامي الأخير في هذه الدنيا أم أن الله تعالى مُقدِّرٌ لي حياةً جديدة بلطفه وكرمه، أسأله جل في علاه أن يكتب لي ولكم الخير إما وصلا بحياةٍ تُرضيه أو خواتيمَ نلقاهُ عليها راضين مرضيين بحولِهِ ومَنِّه وفيض خيره الذي حبانا به طوال حياتنا، وأسأله جل في علاه أن يجعل لنا جميعا لسان صدق في العالمين، يلهج بالشكر حَمْدا، وبالذكر والتسبيح إخباتا له وإسلاما وتسليما واستسلاما.
المولد كان في الشرق حيث تشرق الشمس، كسلا إحدى حسان هذا الوطن الجميل تأريخا وأمكنة وأُناسِيٍّ كثيرا، فاجتمت لي بذلك (شينات ثلاث)، شين الشمال وفيه الجذور، وشين لها وصل بأهلي الأحباب الذين اثقلت الحنية أعطاف لهجتهم فتجملت ب(إمالة) محببة، ثم شين الشرق الذي كان فيه المولد…
في إحدى صباحات الميرغنية الوديعة نادى المناد بقدوم مولود لآل عسوم، كانت الصرخة الأولى بعد أن امتلأت رئتا الوليد بنسيم كسلا الريان بزيفة المطر، فحبى وترعرع وتشكل وجدانه بخضرة المدينة وعنفوان القاش، كسلا التي حباها الله بمزية اذ تزهر أشجارها مرتان في العام، وأناس يحملون في دواخلهم (هينين) من مودة ومن منى كما غنى الجابري، ودون ذلك محبة (جينية) للآخرين، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، حتى المفرد تجدهم يجمعونه فيقولون ( 2 بيت، واتنين سرير)، ووصفهم للأشياء فيه سمو وارتقاء، (فلان تلقاه فوق البيت، وليس في البيت)…
ماأروع قبائل كسلا وهم (يلوون) الكلام و(يلينون) في رقصهم و(يلاوون) السيف، فتوقن بأنهم أحفادٌ للبطل عثمان دقنة طيب الله ثراه، وفي غرب القاش تجد أهلنا الهوسا، قومٌ فيهم جِدٌّ ونشاط، وهم كذلك في رقصهم، وفي رحابهم تجد الرِّقَّةَ والطيبة والترحاب، نزلوا يوما ضيوفا على أهل المنطقة من الحلنقة والهدندوة والبني عامر فأضحوا أهل ديار، والحلنقة والهدندوة أهل كرم، والبني عامر كذلك ويرجحون بتديّنٍ لهم جِبِلَّة، وهناك الرشايدة عرب أقحاح فيهم أصالة وجمال، تداعت اليهم بقية قبائل السودان من الشمال والشرق والوسط والجنوب فوجدوا بساطهم أحمدي وجبنتهم لاتخمد لها نار، أما السواقي شماليها وجنوبيها فقد أشرقت بها شمس وجد راحلنا توفيق صالح جبريل فكانت ومافتئت جنة للعشاق…
والمرء يا أحباب وإن وافق ميلاده البيولوجي يوما بعينه فإنه يولد مرات ومرات على مر سني حياته، إذ يولد مجددا كلما نابه قَدَرٌ من أقدارِ الله يحدث في مسار حياته انعطافا، وإني كذلك مرت بي أيامٌ ميلاد أُخَرْ أسهمت في تغيير مسار حياتي، وكلها أقدار لله…
يوم ميلادي الثاني كان يوم الختان (الطهورة)، والناس سنيها اعتادوا ختن صبيانهم في السادسة من اعمارهم قبيل الدخول إلى المدرسة الابتدائية، وعندما سعيت إلى ختن ابنائي في (يوم سمايتهم) تفاجأت بقول والدي بأن الختان بعد يكبر الطفل قليلا لأفضل منه في يومه السابع، واذا بي اجد تأكيدا لقوله -بعد ذلك بسنوات- والتبرير لذلك ان الطفل كلما كبر يعين ذلك على سلامة جراحة الختان…
ود الطهور منا -حينها- كان (عريسا) يحظى بغالب الطقوس من حنة وكحل وحريرة وهلال على المحيا ودوم احتفاء، يخرج إلى الناس بعراقيه الساكوبيس المربعات الأبيض، فاقع لونه يسر الناظرين، ولاعيب فيه إلا انتفاء مرافقة سروال، لكنني يومها اقسمت بأن لا أخرج إلى الناس امفكو، فاستجابت والدتي أطال الله عمرها وألبستني مايسترني إلى حين، ويوهب المرء منا سوط عنج بديع فلايداخله شك بأنه فارس القبيلة، ثم يفرد عنقريب منسوج عن قريب، عليه برش من سعف ملون جميل، والطهورة يومها كانت (طهورة القصبة)، ويقال لك عاين فوووق للطيارة، وما ان ترفع رأسك تجد (سكين) الطهار قد فعلت فيك الأفاعيل، لكنني قدر لي أن يكون الطهار والدي رحمه الله، فقد كان (مساعد طبي)، وحظيت بطهورة (افرنجية) بلا قصبة، لكن دونها حقنة بنج -موضعي- أقسم بأن ألم حقنته لايقل عن ألم سكين عم حسين الطهار إن لم يكن يزيد…
يومها امتلأت جيوب عراقي الساكوبيس بعدد مقدر من الطرادات ذات اللون الوردي/الأحمر، وكثير من الجنيهات، وبعض الأشلان (جمع شلن)، مما جعلني فاحش الثراء، ولاحظت تغير المعاملة في البيت، لا أوامر من أخوتي الكبار لشهر من الزمان، وازيحت عن كاهلي مراسيل الدكان ونعمت بالكثير من الدلال ولكن إلى حين.
ميلادي الثالث كان يوم انتقلتُ إلى الصف الرابع الإبتدائي، حيث سمح لنا أن نكتبَ بالحبرِ السَّائل عوضاً عن قلمِ الرّصاص، واحسب أن اقلام الحبر الجاف لم تعرف حينها، وما كان الانتقال الى الكتابة بالحبر السائل حدثا عاديا، كان يوما مشهودا في حياتي، ما أجمل ملمس انبوبة/بلونة قلم الحبر السائل حين تشرع في ملئها بالحبر من المحبرة المثبتة في فتحة دائرية بركن الكنبة/الدرج، واذكر ان والدي رحمه الله ابتاع لي قنينة/فتيل خبر (باركر) ذكي الرائحة، فتوقفت عم ملئ قلمي من محبرة المدرسة، وان نسيت فلن أنس كيف كنا نضع بعض نقاط الحِبْرٍ -عمدا- على قمصاننا، ثم نثبت قلم الحبر في الجيب جاعلينه باديا للعيان، حيث يجعل اولاد تانية واولاد تالتة ينظرون الينا باعجاب لايخلو من نظرة حسد.
رابع ميلاد لي كان يوم جئت إلى مكة المكرمة مقبولا في مرحلة البكالوريس بجامعة أم القرى، يومها ترجلت من البص الذي اقلَّنا من جدة وانزلنا قبيل الحرم بمسافة والدُنا موشكة على انبلاج فجرٍ جديد، فمشيت وبيدي حقيبة ملابسي أجرها بيساري ميمما صوب الحرم الشريف، وأودعتها لدى احد اصحاب محلات بيع الملابس بجوار الحرم مقابل خمس ريالات، وماكانت أكشاك الأمانات حينها موجودة، ودخلت الحرم من باب الملك عبدالعزيز فإذا بالكعبة المشرّفة تسبح في لُجّةٍ من نور عميم، أضواءٌ تزداد تكاثفا كلما اقتربت منها، فٱذا بي تغمرني لجّتها وهي تنعكس بابهار على جوانب الحرم صحنا وحوائط ومآذن، لكأن صدري شُقَّ يومها وغُسِلَ بذاك النور، ودلفت إلى صحن الحرم مغالبا دموع الفرح برؤية بيت الله الحرام، وكنت على وضوء فطفت بالكعبة سبع أشواط، ثم رفع أذان الفجر مع اكمالي للشوط السابع، صليت ركعتي الطواف خلف مقام ابراهيم، وما إن انقضت صلاة الفجر حتى جلستُ امتع نفسي بمشهد الكعبة البهي وقد اكتنفتها الخيوطُ الأُوَلُ البيض من الفجر، فإذا كمن ولد من جديد، وكأني بحياتي تفعم بالنور ووضاءات الصباحات، وكنت من قبلها أحب ليل الشعراء وأنجمه، وما ان أتممت العمرة وتضلعت من ماء زمزم انطلقت مُسَتَّفاً بمشاعرِ الذي وُلِدَ من جديد إلى رحاب جامعة أم القرى ليكتب الله لي في عوالمها وعرصاتها حياة جديدة ووضيئة، حيث قُدِّرَ لي أن امضي في رحابها سنوات من عمري كانت ولم تزل بمثابة الربيع من الزمان، بمعية زملاء أخيار من بني وطني لا أزكيهم على الله وهو حسيبهم، ولمكة المكرمة قدرها من قدسية التحاكم إلى نصوص الاقامة في الحرم دون الحِل، وقد دفع ذلك الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنه مبارحتها -تورعا- ليقيم خارجها في منطقة الطائف.
عيد ميلادي التالي كان يوم قدوم طفلتي الأولى وأنا الطالب حينها في جامعة أم القرى، أطلّت عليّ ابنتي الكبرى (أروى) وهي الطبيبة حاليا وما أسعدني بها من اطلالة، يومها أوصلت زوجي التي احست بآلام المخاض إلى مستشفى جياد العام الذي ازيل بمعية مبان أخرى قبل سنوات ايساعا للحرم المكي الشريف، كان اليوم خميس وشهر شعبان يؤذن مودعا ورمضان على الأبواب.
انتظرت في باحة استقبال المستشفى أدعو الله بأن يسلم زوجي ومولودي الأول، والعينان مني مصوبتان إلى المدخل انتظارا لمقدم من يأتيني بالخبر السعيد، وكم لخبر المولود الأول من وقع جميل في النفس ياأحباب، جلست على أحد المقاعد ومشاعري تقف على قدمين،
وما أن أدار منتصف الليل ظهره إلا واذيع بأن غَدٍ الجمعة أول أيام رمضان، كم سعدت بالخبر لكون مولودتي الأولى ستنالها بركتان، بركة مقدم أول يوم من رمضان وبركة الليلة المفضية ليوم الجمعة، نظرت إلى الحائط فإذا بالساعة تعلن الواحدة والنصف من صباح الجمعة، وأخبرتني احدى الممرضات بأن الولادة ستتأخر لساعات، وأنهم شرعوا في عمل طلق صناعي، ونصحتني ومن معي بأن نذهب إلى دورنا ونتواصل معهم بالهاتف، وألح عليّ من كان معي بالانصراف فصحبتهم مكرها إلى شقتي في حي الملايو، وحينها ما كان للناس عهدٌ بالهواتف النقالة، جلست إلى الهاتف الثابت ادير قرصه على رأس كل ساعة حتى ملّ مسؤل الإتصالات في المستشفى وطلب مني أن أملي عليه رقمي وسيبلغني بالولادة حين حدوثها،
كنت أعلم أن الجنين انثى من خلال المتابعة السابقة مع الطبيبة، والحق اقول بأنني كنت أرغب بأن يكون مولودي الأول بنتا لسببين، الأول لكوني الأوسط ضمن سبعة أشقاء ذكور لم نحظ سوى بأخت واحدة، والثاني كنت أسير مقولةٍ سمعتها من جدي محمدالحسن حاجنور رحمه الله بأن (الببكر بالبت زولا مبروك)!…
نظرت إلى ساعة معصمي فإذا بها لم تبارح الثانية صباحا، وانتبهت إلى عدم شرائي مستلزمات رمضان، فنهضت أنوي الخروج لشراء مايلزم، إلا أن إلتفاتة مني إلى الهاتف القابع أمامي على المنضدة أعادتني إلى مقعدي، كيف لي أن ابارحه وهو المصدر الأوحد للخبر السعيد؟!.
ما كان مني إلا أن حررت أزرار قميصي واسندت رأسي بكفي متكأ بظهري ومميلا المقعد إلى الحائط، والعينان مني لاتبارحان الهاتف انتظارا لرنين جرسه لأسمع الخبر السعيد…
واذا بارهاق اليوم يسلمني إلى غفوة، وانبري إلى خاطري سؤال:
لماذا ياترى إختار النصارى الجرس ليكون نداءً لصلاتهم، بينما اليهود البوق، ونحن الأذان؟!
شغلني السؤال فجعلت أدير فكري باحثا عن إجابة، وشرعت أستعرض قصة أنبياء الله موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام وعلى نبينا اتم الصلاة والسلام، وإذا بي أركن إلى اجابة:
البشرية في عهد موسى وعيسى عليهما السلام كانت في ابتدارت مدنيتها، لذلك كانت جل -إن لم تكن كل- معجزاتهم حسية، بينما كانت معجزات نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه -جلها- معنوية، لذلك فإن الأذان بالصوت البشري أكثر اتساقا مع سَمتِ الإسلام عن اليهودية والمسيحية…
واتصل مَدُّ الفكر بي، فإذا بي أرى أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام ينادي في الناس بالحج، ورد أنه سأل الله كيف للناس أن يسمعوا ندائي؟! فأوحي إليه الله بأن يصعد على تلة من تلال مكة وينادي وسيوصل الله نداءه إلى كل الناس في أرجاء الأرض وإلى أن يرث الارض ومن عليها، ففعل عليه السلام، ها نحن اليوم يا أحباب يمكننا النداء برسالة في الواتساب ليقرأها الملايين في ذات الثانية، قلت لنفسي: لعل التواصل يصبح يوما بيولوجيا فيرتهن بال
D N A و ال R N A
لتصل رسائلنا للناس تماما كما وصلت رسالة أبينا إبراهيم عليه السلام وقد جاء الناس للحج ومافتئوا رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق.
ولم أزل أدير بصري في الآفاق، فإذا بالفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقف شامخا طويل النجاد يهتف بأن يااااسارية الجبل!
وإذا بصوته رضي الله عنه ترتجُّ له السوحُ والفضاءات،
فأصحو فجأة على صوت أذان الفجر ينطلق من المسجد المجاور مختلطا به رنين جرس الهاتف، وإذا بالممرضة تبشرني بأن: مبروك جاتلك بنت…
تلك كانت لحظات ميلاد كتبها الله لي من بعد ميلادي البايولوجي الأول، لكنني لم أحتفل يوما بعيد ميلادي حتى عهد قريب، ولم يكن السبب موانع فقهية تسندها النصوص بقدر ماهي ملامات ممن هم حولي لم تكن لي القدرة على مجابهتها، أولاها كوني خريج لجامعة كائنة في مكة المكرمة، فظللت على ذلك لعقود إلى أن قُدِّرَ لأسرتي الانتقال والاستقرار في السودان، فتكالب علينا بنات وأبناء الإخوة والأهل وهم كثر بحمد الله، فكان الابتدارُ احتفالٌ بعيد ميلاد ابنتي الصُّغرى (رنا)، الطالبة حينها في الصف الرابع الابتدائي، وهي الآن بحمد الله تدرس الطب البشري، ولعل أمها واخوتها لم يروا بأسا في الاحتفال بعيد ميلادها لاعتبارات عديدة، منها صغر سن البنية، ثم الحرص على جبر خاطر بنات الأهل، المهم في الأمر ان رنا -كَتَّر خيرها- هي التي كسرت الحاجز وأسهمت مشكورة في إدخال (أدبيات جديدة) إلى حياة اسرتي الصغيرة، وتواصل الأمر من بعد ذلك ليجسر الهوة إلى المآل الذي أود، فقد احتفلنا بيوم ميلاد أم رنا ومحمد بعد أن اقنعت أسرتي برأي الشيخ القرضاوي الذي يرى جواز ذلك، لأن الأمر لا يتعلق بعمل تعبدي، ولا يتعارض مع ثابت ديني ولا عقدي، فهو عمل يدخل في باب العادات، ولا يوجد ما يمنع منه شرعا، ولا يوجد دليل يقيني يمنعه، ولذا كان من أول من أجاز الاحتفال به من دون أن يسمى عيدا، بل يسمى يوم الميلاد.
ومضت الأشهر وبزغت شمس أول يوم من أكتوبر الأخضر الجميل، فإذا بي أشرع بالدندنة صباحا:
لما الليل الداجي الطوّل
فجر النور من عينا إتحول.
فيوم ميلادي بحمد الله ستشرق شمسه غدا بحول الله، وجاء اليوم وتم الاحتفال، وتبين لي بأن في الأمر ايجاب كثيف واسعاد للأسرة، وأيقنت بأن رهن الأمر باقتصار احتفال المسلمين بعيدين لاثالث لهما تضييق لواسع، اذ هو شأن عام لجمهرة المسلمين وله وصل بشرائع الدول،
اللهم يا حنّان يامنان إن كنت قد كتبت لي حياة جديدة فاجعلها ياربي سعيدة، وإن كان قدرك بأنه الختام، فاقبضني اليك راضيا مرضيا، واخلفني يا إلهي في أهلي وذريتي بالخير، إنك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.
adilassoom@gmail.comإنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
النائب اللبناني عن كتلة حزب الله الدكتور علي فياض: انتقلنا أكثر نحو قيادة مؤسسية جماعية تتخذ القرارات
أجرى الحوار: علي رزق – ترجمة مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان -
يواجه حزب الله اللبناني أوقاتاً صعبة غير مسبوقة، بعد أن فقد الكثير من قياداته العليا في حرب "جبهة إسناد غزة" مع الكيان الإسرائيلي. وقد أدت الأحداث في سوريا المجاورة إلى تفاقم خسائر التنظيم. فلم يخسر حزب الله طريق العبور الرئيسي لتسليم الأسلحة مع سقوط أسرة الأسد فحسب، بل إنه أصبح عليه الآن أن يعيش مع حقيقة وجود قيادة جديدة في دمشق تابعة لنفس الجماعات المتطرفة التي حاربها حزب الله دعماً للقيادة السورية السابقة.
ومع ذلك، كان موكب التشييع الأخير للأمين العام السابق للحزب الشهيد السيد حسن نصر الله بمثابة تذكير صارخ بأن الحزب لا يزال يتمتع بدعم شعبي واسع النطاق. وكان التشييع أحد أكبر الأحداث في تاريخ لبنان، حيث خرج مئات الآلاف من المعزين إلى الشوارع.
"ريسبونسبل ستيت كرافت" هي مجلة إلكترونية تابعة لمعهد كوينسي الأميركي، وتنشر تحليلات لخبراء يناقشون التطورات العالمية وعلاقتها بالمصالح الأميركية.
أجرت "ريسبونسبل ستيت كرافت"، حواراً مع النائب اللبناني عن كتلة حزب الله الدكتور علي فياض لمناقشة مستقبل الحزب في أعقاب التطورات الأخيرة. وكان فياض عضواً فعالاً في حزب الله منذ تأسيسه، وكان يرأس سابقاً مركز الحزب البحثي، "المركز الاستشاري للتوثيق والدراسات".
وأكد فياض أن نهج الحزب في ظل الظروف الحالية هو أن تتعامل الدولة اللبنانية مع الوضع مع إسرائيل التي لا تزال تحتل أجزاء من الأراضي اللبنانية. ومع ذلك، سارع إلى التأكيد على أن لبنان يحتفظ بحق استخدام القوة، إذا لزم الأمر، من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. ويقول فياض إن أي حديث عن دمج حزب الله عسكرياً في مؤسسات الدولة اللبنانية سابق لأوانه، ويتوقف على عوامل مثل بناء الدولة لقدراتها الدفاعية.
وفيما يتعلق بسياسات إدارة ترامب تجاه لبنان، يزعم النائب عن حزب الله أن محاولات تهميش حزب الله لن تؤدي إلى استقرار لبنان. كما أثار احتمال أن تكون واشنطن تحاول إثارة مواجهة بين الجيش اللبناني والحزب المقاوم، محذراً من العواقب الوخيمة المترتبة على مثل هذا السيناريو. ولكن فياض أوضح أن القضايا التي تواجه حزب الله مع الولايات المتحدة ليست ثنائية في طبيعتها، بل تنبع من دعم الولايات المتحدة لإسرائيل وما أسماه "الهيمنة غير العادلة" على الشؤون العالمية.
وفيما يتعلق بالوضع في سوريا، لم يتردد فياض في الاعتراف بأن سقوط الرئيس السابق بشار الأسد كان انتكاسة كبيرة للحزب، متسائلاً عن موقف القيادة السورية الجديدة تجاه إسرائيل.
فيما يلي النص الكامل للمقابلة:
ريسبونسبل ستيت كرافت: ما هو مستقبل حزب الله بعد السيد حسن نصر الله؟
علي فياض: حزب الله ملتزم بخطى السيد حسن نصر الله ومبادئه ودوره المقاوم ورؤيته تجاه الوضع في لبنان والمنطقة. ولكن هناك أيضاً تحولات كبيرة حدثت في لبنان والمنطقة يجب أخذها في الاعتبار، وحزب الله يركز بشكل كبير على فهم هذه التحولات والتفكير في كيفية التعامل معها. لقد لعبت الزعامة الكاريزمية للسيد حسن دوراً أساسياً في قيادة الحزب وإدارة التنظيم سياسياً وعسكرياً. والآن تحت قيادة الأمين العام الجديد الشيخ نعيم قاسم، من المتوقع أن نتحرك أكثر نحو حزب مؤسسة وليس حزب زعيم. وهذا يتفق مع قناعات الأمين العام الجديد.
ريسبونسبل ستيت كرافت: عندما نتحدث عن حزب مؤسسي، هل ينعكس هذا في مزيد من التركيز على الساحة الداخلية وتخفيف التركيز على المنطقة؟
فياض: إن مسألة الحزب الذي يقوده زعيم والحزب الذي يركز أكثر على البعد المؤسسي في صنع القرار لا علاقة لها بالتحولات التي حدثت في المنطقة وفي لبنان. عندما نتحدث عن التحولات، لدينا ما يتعلق بلبنان بعد صدور وثيقة تنفيذ القرار الدولي 1701 (آخر اتفاق لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل)، والمحاولات الأميركية المتفشية لإعادة تشكيل المنطقة. وفيما يتعلق بلبنان، أكدنا التزامنا بالقرار 1701 ووثيقة التدابير التنفيذية، والتزمنا بشكل كامل بالالتزامات المتعلقة بجنوب نهر الليطاني، ولأن وثيقة التدابير التنفيذية تعنى بتفسير وتنفيذ القرار 1701 فإن مرجعيتها ونطاقها الجغرافي يخضعان للقرار الدولي 1701.
ريسبونسبل ستيت كرافت: ماذا يمكن أن نتوقع من حزب الله عندما يكون له طابع مؤسساتي أكثر؟
فياض: كان حضور السيد حسن نصر الله طاغياً. عندما يقرر أي شيء، كان الجميع يرحب بهذا القرار نظراً لدوره القيادي التاريخي. الآن، أصبح الأمين العام الجديد الشيخ نعيم قاسم أكثر ميلاً إلى أن تلعب المؤسسات دورها في صنع القرار؛ الآن، انتقلنا أكثر نحو قيادة مؤسسية جماعية تتخذ القرارات على أساس البيروقراطية الداخلية، المؤسسات الداخلية.
ريسبونسبل ستيت كرافت: هل حزب الله في طور التحول إلى حزب سياسي فقط؟
فياض: لا، حزب الله، على الرغم من التحولات التي حدثت، لا يزال حزب مقاومة من جهة وحزب سياسي من جهة أخرى. لكن كل مرحلة تتطلب نهجاً مختلفاً عندما يتعلق الأمر بالمقاومة. حزب الله لا يزال ملتزماً بالمقاومة ويعتبر أن من حق لبنان مواجهة أي عدوان إسرائيلي. لكن هذه المرحلة الحالية، نظراً لطبيعتها الفريدة والتحولات التي حدثت، ربما تتطلب نهجاً مختلفاً.
على سبيل المثال، من أهم التطورات في المرحلة الحالية أن الدولة اللبنانية تقدمت لإدارة الوضع ضد العدو الإسرائيلي، وحزب الله قبل هذا الدور وأعطى الدولة الفرصة لتولي إدارة الوضع مع العدو الإسرائيلي. هذا لا يعني أن حزب الله لم يعد ملتزماً بدوره كمقاومة.
ريسبونسبل ستيت كرافت: السؤال الأكثر وضوحاً والذي يريد الناس معرفة إجابته هو سلاح حزب الله، لأن هناك هذا الفهم بأن اتفاق وقف إطلاق النار يتضمن ضمناً التخلص في نهاية المطاف من سلاح الحزب.
فياض: كنت أقول إن القرار 1701 يشير جغرافياً إلى جنوب نهر الليطاني. الآن، فيما يتعلق بشمال نهر الليطاني، فإن وثيقة التنفيذ قالت إنه لا يمكن استيراد وتطوير أي سلاح. ونحن نطالب الدولة اللبنانية بممارسة دورها بشكل كامل فيما يتعلق بضبط الوضع على الحدود. لا مشكلة لدينا في هذا الصدد، ولكن كل ما يتعلق بالمقاومة في شمال الليطاني نعتبره قضية سيادية تخص الحكومة اللبنانية، وحزب الله يدعو الحكومة إلى التفاهم بشأن الوضع في شمال الليطاني.
ريسبونسبل ستيت كرافت: إذن أنت تنظر إلى دعوة الرئيس جوزيف عون إلى معالجة قضية سلاح حزب الله عبر الحوار بإيجابية؟
فياض: هذا يتوافق مع ما يريده حزب الله.
ريسبونسبل ستيت كرافت: إذا تم التفاهم بشأن السلاح، هل حزب الله جاهز للاندماج في الدولة عسكرياً؟
فياض: من المبكر الحديث عن هذه القضايا. هناك عدد من القضايا المتشابكة. هذه القضية لا يمكن معالجتها بمفردها، بل يجب التعامل معها بشكل شمولي. وعندما أقول هذا، فهذا يعني أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بضمان قدرة الدولة على ممارسة دورها في الدفاع عن الأرض والشعب في لبنان.
ريسبونسبل ستيت كرافت: هناك خمسة مواقع لا تزال إسرائيل تحتلها في لبنان. كيف سيتعامل حزب الله مع هذا الأمر إذا فشلت الدولة في معالجة هذه القضية؟
فياض: نحن نعتبر أن هذه المرحلة ـ مرحلة تطبيق إجراءات القرار 1701 ـ هي مسؤولية الدولة ونحن نتابع الوضع عن كثب. وعندما تصل الدولة إلى طريق مسدود ندعوها إلى تقييم الوضع وتحديد الفرص والنظر في الخيارات التي ستحرر الأرض. ولكن في كل الأحوال فإن وجود الإسرائيليين في النقاط الخمس هو أمر نعتبره احتلالاً وهذا يعطي لبنان الحق في استخدام كل الوسائل الممكنة لتحرير هذه الأراضي المحتلة. وهذا هو نفس الموقف الرسمي اللبناني تماماً لأن اجتماع الزعماء الثلاثة (الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب) في بعبدا (القصر الرئاسي اللبناني)... عندما أعلن الإسرائيليون أنهم سيبقون في الأراضي اللبنانية اجتمع الزعماء الثلاثة وأصدروا بياناً مهماً جداً أعلنوا فيه أن الوجود الإسرائيلي في هذه المنطقة هو احتلال وأن للبنان الحق في استخدام كل الوسائل الممكنة لتحرير هذه الأراضي.
ريسبونسبل ستيت كرافت: كل الوسائل الممكنة، هل هذا يشمل المقاومة المسلحة؟
فياض: إن عبارة "كل الوسائل الممكنة" التي وردت في اتفاق الطائف وفي برامج الحكومة لسنوات طويلة، وأعيد إدخالها في البيان الرئاسي، تعني الوسائل الدبلوماسية وغير الدبلوماسية.
ريسبونسبل ستيت كرافت: أشعر أن هناك نوعاً من التفاؤل تجاه هذه الحكومة، خاصة وأننا نعلم ما حدث مع الطائرات الإيرانية (قرر كبار المسؤولين في لبنان وقف الرحلات الجوية المباشرة بين طهران وبيروت إلى أجل غير مسمى بعد التهديدات الإسرائيلية). هل أنت متفائل في ضوء ما حدث؟
فياض: نحن نرى أن هذه الحكومة اللبنانية تستحق أن تعطى فرصة لإثبات نفسها وإظهار أنها قادرة على الوفاء بالوعد الذي قطعته في البيان الوزاري. فقد قالت إن الأولوية هي تحرير الأرض والدفاع عن الشعب. وقالت أيضاً إن هذا هو الدور الرئيسي للدولة، وصحيح أنه لا معنى لسيادة الدولة من دون القدرة على حماية الشعب والأرض. ثانياً، وعدت هذه الحكومة بإنقاذ الدولة وإصلاحها وإعادة بنائها، ونحن مستعدون تماماً للتعاون في كلا الأمرين.
ريسبونسبل ستيت كرافت: كيف ينظر الحزب إلى الدور الأميركي، وتحديداً إدارة ترامب؟ قالت المبعوثة الأميركية (نائب المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس) إن حزب الله هُزم ويجب إبعاده عن الحكومة. ما هو موقفكم من هذه التصريحات ومن إدارة ترامب على نطاق أوسع؟
فياض: هذه المواقف غير مسؤولة، وهي تدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، بالإضافة إلى أنها لا تأخذ في الاعتبار الحساسيات والأسس الدقيقة التي يقوم عليها الاستقرار السياسي اللبناني. إن هذه المواقف الأميركية تتجاهل إرادة شريحة كبيرة من الشعب اللبناني وكتلة نيابية تمثل حزب الله منتخبة ديمقراطياً، كما تبدو هذه المواقف أقرب إلى الدعاية الإعلامية منها إلى التوجه السياسي المسؤول تجاه الوضع في لبنان، لأن أورتاغوس اشترطت عدم تمثيل حزب الله في الحكومة، ولكن بينما كانت هذه المبعوثة الأميركيةتصدر هذا البيان في بعبدا كانت الحكومة تتشكل وكان حزب الله جزءاً منها، وبالتالي فإن حزب الله ممثل بوزيرين في الحكومة.
إن المواقف التي تصدر عن الإدارة الأميركية والطريقة التي يتعامل بها الأميركيون مع لبنان، تتناقض مع الهدف الأميركي المعلن الذي يعبّر عن التزام راسخ بالاستقرار وإعادة بناء دولة قوية في لبنان، ويدعو حزب الله الحكومة والفصائل الأخرى إلى مناقشة القضايا العالقة داخلياً عبر الحوار. غير أن المواقف الأميركية لا تسير في هذا الاتجاه، بل إن نتيجتها النهائية ستكون الاقتتال الداخلي اللبناني. ونحن نخشى أن يكون الهدف الأميركي هو أن تكون هناك مواجهة بين الجيش اللبناني وحزب الله ومناصريه. وهذا أمر خطير جداً على لبنان ونحن لا نريده، ونريد أن نتجنبه. بل نريد أفضل العلاقات الممكنة مع الجيش اللبناني ونحن ندعم الجيش.
ريسبونسبل ستيت كرافت: بما أنك ذكرت هذه النقطة، كيف تنظر إلى الدعم الأميركي للجيش اللبناني؟
فياض: لم نعلن يوماً عن موقف رافض للهبات (المقدمة للجيش اللبناني)، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. لكننا كنا نؤكد دائماً على استقلال المؤسسة العسكرية وعدم ارتهانها لأي قوة خارجية، وعدم ربط المساعدات الخارجية بالظروف السياسية.
ريسبونسبل ستيت كرافت: قال وفيق صفا (رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله) مؤخراً إن الأميركيين يحاولون دائماً الاتصال بالحزب ولقاء حزب الله بشكل مباشر وأن هذا لا يزال قائماً. ما هو موقف الحزب من أي محاولات لإقامة اتصال مباشر مع الولايات المتحدة؟
فياض: على الصعيد الدولي، لدينا علاقات جيدة جداً مع عدد كبير من دول العالم بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي. ولكن عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة، وبسبب انحيازها الكامل لإسرائيل التي تحتل أراضينا وترتكب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، لدينا موقف سياسي يرفض إقامة أي شكل من أشكال الاتصال مع الإدارة الأميركية. ولكننا نفرق أيضاً بين الإدارة الأميركية والمجتمع الأميركي، سواء مؤسسات إعلامية أو مؤسسات أكاديمية أو ناشطين أو مثقفين. ولا توجد أي مشكلة على الإطلاق في إقامة مثل هذه اللقاءات غير الرسمية بين حزب الله وهذه الجهات.
ريسبونسبل ستيت كرافت: كثيرون يقولون إن حزب الله يشكل خطراً مشتركاً على إسرائيل والولايات المتحدة، ويعودون إلى الهجمات على ثكنات المارينز في لبنان (1983)، ويتهمون حزب الله بالتورط في أنشطة إرهابية واستهداف الأميركيين. ولكن استناداً إلى ما أفهمه منك، فإن المشكلة الوحيدة بين الحزب والولايات المتحدة هي الدعم الأميركي لإسرائيل. هل هذا هو الحال؟
فياض: ليس لدينا مشاكل ثنائية مع الأميركيين. إن الموقف تجاه الأميركيين مرتبط في المقام الأول بالقضية الفلسطينية وهذا الانحياز لإسرائيل الذي يتجاهل حقوق الإنسان وقوانين الأمم المتحدة وحق الفلسطينيين في تقرير المصير. وفي متابعة لهذه النقطة، هذا الدعم الأميركي العسكري لإسرائيل التي استخدمت أسلحتها لتدمير 200 ألف منزل (لبناني) في الحرب الأخيرة، وقتلت الأمين العام (السيد حسن نصر الله) بأسلحة لا تمتلكها إلا أميركا ـ القنابل التي تزن 2000 رطل، وقد اعترف الإسرائيليون بذلك. لقد أعاد الإسرائيليون تسليح أنفسهم مؤخراً بقنابل تزن 9000 رطل. وهذه القنابل هي أثقل القنابل غير النووية في التاريخ. إذن المشكلة مع الإدارة الأميركية هي هذه القضية أولاً وثانياً هذا التدخل في شؤون المجتمعات والدول الأخرى وممارسة الهيمنة غير العادلة على العلاقات الدولية. إذن لدينا مشكلتان، واحدة تتعلق بالصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي والتدخل في شؤوننا الداخلية، والأخرى تتعلق بالنهج الأميركي تجاه النظام العالمي. وهذا يتناقض تماماً مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونقاط وودرو ويلسون الأربعة عشر. كما يتناقض مع كل المثل الدستورية والإنسانية التي أسسها الآباء المؤسسون في الولايات المتحدة.
ريسبونسبل ستيت كرافت: كيف تردون على اتهام حزب الله بمواصلة أنشطة وخطط إرهابية في أماكن مثل قبرص وتايلاند وأماكن أخرى بعيدة؟
فياض: حزب الله لا يمارس أي نشاط إرهابي سواء في لبنان أو في الخارج. حزب الله يعمل علناً في لبنان لتحرير الأراضي المحتلة من قبل العدو الإسرائيلي. - حق الدفاع عن النفس: هذا الحق منصوص عليه في قوانين الأمم المتحدة وهو أحد المبادئ الأساسية المتعلقة بحقوق الأمم والمجتمعات الإنسانية. وثانياً، لدينا الحق في الدفاع عن أنفسنا ضد الاعتداءات الإسرائيلية. وهذه المجتمعات تدفع ثمناً باهظاً وتقتل بالآلاف وتدمر مؤسساتها ومنازلها. كما أنها ضحية لأسلحة محرمة دولياً مثل استخدام الفوسفور الأبيض في جنوب لبنان. وإذا قارنت خسائر إسرائيل بتلك التي لحقت بنا، فإن هذه الخسائر تكاد لا تذكر.
ريسبونسبل ستيت كرافت: ما مدى ثقل الضربة التي وجهتها الأحداث في سوريا لحزب الله، وكيف تقيّمون تداعياتها على لبنان داخلياً وعلى أنصار حزب الله، لأننا شهدنا مواجهات على الحدود بين لبنان وسوريا؟
فياض: لا شك أن التحول السياسي الذي حدث في سوريا كان خسارة استراتيجية كبرى، ولا نستطيع أن ننكر ذلك. ولم نكن نؤيد النهج الذي تم اتباعه فيما يتعلق بالعلاقات المعقدة بين النظام السوري السابق والشعب السوري. نحن لا ندعم أي نوع من أنواع القمع والفساد أو الممارسات الطائفية.
ريسبونسبل ستيت كرافت: إذاً لماذا دعمتم النظام؟
فياض: علاقاتنا السابقة مع النظام مرتبطة بقضية محددة تتعلق بضرورة إيجاد التوازن مع إسرائيل في صراع إقليمي معقد، حيث تتلقى إسرائيل كل أشكال الدعم الدولي ومن أجل الحصول على عمق إقليمي. وكانت علاقاتنا مع النظام مرتبطة بشكل صارم بهذه الاعتبارات.
ريسبونسبل ستيت كرافت: وفيما يتعلق بالمواجهات على الحدود مع سوريا؟
فياض: فيما يتعلق بالقيادة الجديدة في سوريا، فنحن لا نبحث عن المشاكل ونتبع موقف الدولة اللبنانية الذي دعا إلى علاقات متوازنة بين البلدين. ولكننا نؤكد على أهمية حماية الأقليات واحترام الحريات وعدم وجود قيادة قمعية جديدة في سوريا. كما نراقب موقف القيادة الجديدة في سوريا تجاه إسرائيل. وهذا الموقف مربك ويطرح الكثير من الأسئلة، حيث تسللت إسرائيل واحتلت الأراضي السورية من دون صدور أي موقف من القيادة الجديدة. وهذا أمر غريب من كل النواحي القانونية والسياسية، ولا تجده في أي بلد آخر.
أما المواجهات (على الحدود اللبنانية السورية) فهي مرتبطة بالتهريب وعصابات التهريب، لكننا نعتقد أنها أكثر من ذلك، فهي تهدف إلى الضغط السياسي على لبنان، وما نريده هو استقرار الحدود الشرقية الشمالية.