مرينا كعرب بنكسات متتالية، وتحملنا أصعب الضربات من كل الأقطاب المتصارعة في هذا العالم المنافق، الذي لا يهتم للصداقات والتحالفات بقدر اهتمامه بمصالحه، نحن أمة لديها من المقومات ما تجمعها أكثر مما تفرقها، اللغة والعقيدة، أرضنا مباركة، مخزون من الثروة والموقع الجغرافي، أرضا تكفينا بكل خيراتها وتنوعها المناخي والتضاريس، وأكبر ثروة نتملكها هي الإنسان العربي المنتج، العامل الذي يكد صانع المنجزات مبدع ماهرا مهنيا وعالما ومبتكرا، هذا الإنسان الذي افتقد الفرصة في أرضه هو اليوم بين كبار المهرة في العالم الآخر، علماء ومبدعين وصناع، ومع الأسف صار جزءا من قوتهم، وما زلنا ضعفاء
أزمتنا أزمة وجودية، في ضعفنا وتمزيق الأواصر والشتات، والاختلاف في أتفه الأمور، نختلف في قشور الفكرة قبل أن نصل لجوهرها، وبهذا نفشل في التعمق الفكري في جواهر قضايانا المصيرية، لا ندرك أن من الطبيعي أن نختلف فكريا أو مذهبيا، ولكن من غير الطبيعي أن يتحول هذا الاختلاف لعداء.
الاختلاف والتنوع أساس الإثراء الفكري والثقافي، ولا تنهض الأمم إلى بوعي هذا الاختلاف وهذا التنوع، ونحن جعلنا من اختلافنا وتنوعنا نقمة تتفجر في وجوهنا بعصبية مناطقية أو طائفية أو قبلية، في حالة من الغباء استطاع الأعداء اللعب عليها بمكر ودهاء، تمكنوا من تعزيز الصراع السلبي الذي وصار طوق على أعناقنا، يديرونه كخطام يقودنا للمسالخ، يصدع علاقتنا ببعض ويهد جسور الثقة، ويحقن واقعنا بالحروب والإثارات والضغائن.
كل هذا يبعدنا عن أزمتنا الحقيقية ومعركتنا المصيرية، كأمة قادت العالم في مرحلة مهمة من التاريخ، ويهاب نهضتها كل العابثين والمنافقين بهذا العالم، من الغباء أن نعيب تنوعنا الفكري والسياسي، قوميين إسلاميين، فالقومية تعزز عروبتنا وتوحد كياننا، والإسلام عقيدتنا ومصدر فخرنا كعرب ورسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام منا وفينا، والمفترض أن يكون قدوة نستنير منه في أعمالنا ومواقفنا ليكن مصدر إلهامنا، نمثله أحسن تمثيل، والارتقاء بعروبتنا هي مسؤولية أخلاقية وإنسانية بكل ما يحمله الإسلام ورسولنا العربي من قيم وأخلاق…
القومية التي ترفع راية الدولة المدنية، والإسلام يرفع راية الدولة الإسلامية، وما يجمعهما أكثر مما يفرقهما، المواطنة والمساواة والحريات والعدالة والحقوق، والكل يسعى للاستقلال والسيادة على الأرض والإرادة للشعب والكرامة للإنسان، ألا يكفي ذلك ليجمع صفوفنا تحت دولة مدنية تعتنق الإسلام دينا حنيفا
مع الأسف الصراعات أنهكتنا فكريا وثقافيا، وغاب الوعي عنا، وطفح الفشل وفاحت رائحة التردي فيه لمستوى غير مسبوق، حتى ظن بعض من يقتحمون ميدان الكتابة دون فكر، على أنه ميدان للهو بالمصطلحات واللغة بلا قيد ولا شرط، في تعاطي للكتابة باستسهال دون رؤية وموقف حتى صاروا جزءا من دابر الفتنة التي يديرها أعداء الأمة، وغرقنا في وحل من الصراع والعداء، نسخر من بعضنا بعض، مستخدمين لغتنا الجميلة استخدام قبيح بسخرية تهدف لتضليل الذي يتطور للتوحش بمنطلق فكري وثقافي شديد الارتكاسي.
في الوقت الذي يتطلب أن نتسلح بقيم وأخلاقياتنا الإسلام والقومية، لنبني الدولة المدنية التي ينشدها الجميع، دولة المواطنة والنظام والقانون، دولة قوية بوحدتها وتوافقها، لنشكل رقما لا ينكسر في معركة النهضة والمصير.
وللأسف صرنا مجرد رعاع تقودنا التبعية والارتهان لمشاريع استعمارية، ونمارس السخرية مع بعضنا البعض، حتى أصبح المشروع القومي والإسلامي مثار سخرية ممن تطفلوا على حياتنا وصاروا كتابا يرددون ما يشير لهم إعلام الأعداء، وما نسمعه من ألفاظ (الاخونجية) أو (القومجية)، تردد بهدف القدح لمعنى الهمجية، بما يوحون أن من سكن الأرض العربية هم مجموعة من الهمج… هل يعلم هؤلاء ان تلك المصطلحات ترمز لفكر اسلامي وفكر مدني وعربي، وحتى وان كان فكران مختلفان، لكنهما يعبران عن شريحة كبيرة من المجتمع العربي، قد يلتقيان في بعض الاهداف، ويختلفان في بعضها، لكنهما يمثلان التنوع الفكري والثقافي الذي يفترض ان يساهم بالارتقاء بالأمة.
والارتقاء لن يأتي ممن يفتقدون للنظرة العميقة للمعاني والمصطلحات السياسية، في خطاب غير عقلاني، بل سياتي من عقول تنظر للفكرة بعمق ودراسة وعلمية.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصةنور سبتمبر يطل علينا رغم العتمة، أَلقاً وضياءً، متفوقاً على...
تم مشاهدة طائر اللقلق مغرب يوم الاحد 8 سبتمبر 2024 في محافظة...
يا هلا و سهلا ب رئيسنا الشرعي ان شاء الله تعود هذه الزيارة ب...
نرحو ايصال هذا الخبر...... أمين عام اللجنة الوطنية للطاقة ال...
عندما كانت الدول العربية تصارع الإستعمار كان هذا الأخير يمرر...
المصدر: يمن مونيتور
إقرأ أيضاً:
لماذا اُختير الشرع ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم؟
شهد الشرق الأوسط، منذ مطلع الألفية الثالثة، سلسلة من الأحداث الكبرى التي أعادت تشكيل معالمه الجيوسياسية، وأنظمة الحكم في بعض دوله، والسياسات الدولية في المنطقة.
يبرز سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كأحد أهم هذه الأحداث. هذا الحدث لم يُنهِ فقط أكثر من خمسة عقود من حكم عائلة الأسد وحزب البعث، ولم يُحدث هزة جيوسياسية إقليمية فحسب، بل جلب إلى السلطة شخصية استثنائية، هي أحمد الشرع، الذي غيّر سوريا وتغير معها.
لذا، لم يكن مفاجئًا أن تختار مجلة "تايم" الأميركية الشرع ضمن قائمة أكثر مئة شخصية سياسية عالمية تأثيرًا لهذا العام.
تستند معايير "تايم" في تصنيفاتها السنوية إلى التأثير القيادي، والتغييرات الملموسة التي يُحدثها الأفراد على بلدانهم والمنطقة والسياسات الدولية. تنطبق هذه المعايير على أحمد الشرع، لكن اختياره هذا العام يحمل دلالات تتجاوز المعايير التقليدية.
فهذه هي المرة الأولى التي تُدرج فيها المجلة شخصية ذات خلفية إسلامية سابقة ضمن قائمة الزعماء المؤثرين عالميًا. على سبيل المثال، أدرجت "تايم" بشار الأسد في عام 2013 ضمن الشخصيات المؤثرة لقيادته بلدًا في خضم صراع جيوسياسي كبير عليه، لكنه لم يمتلك خلفية مشابهة للشرع.
إعلانمن ناحية أخرى، يُسلط اختيار الشرع الضوء على اهتمام العالم بمساعيه لتجاوز الماضي وإثبات قدرته على إدارة سوريا وتوحيدها وبناء دولة جديدة، وعلى التعامل مع التحديات الجيوسياسية التي تجذب العديد من الفاعلين الإقليميين والدوليين.
تعتمد "تايم" في تصنيفها على معايير التأثير العالمي والإنجازات التي تغيّر الأحداث أو السياسات أو المجتمعات، سواء كان هذا التأثير إيجابيًا أو سلبيًا.
يُبرز تصنيف الشرع جهوده الدعائية لتقديم صورة جديدة عنه للعالم. منصات مثل "تايم" لا تكتسب أهميتها من مصداقيتها فحسب، بل من تأثيرها على نظرة صانعي القرار في العالم للتحول السوري.
وفي معرض تفسير اختيارها، وصفت "تايم" الشرع بأنه يوازن بين المتشددين الذين قادهم سابقًا، والليبراليين السوريين الذين رحبوا بسقوط الأسد، مشيدةً بتجربته في حكم شمال غرب سوريا وتواصله مع الأقليات الدينية في المنطقة.
هذا التصنيف يروّج للشرع كزعيم سوري يطمح لقيادة بلاده مع مراعاة تنوعها الديني والعرقي والثقافي، وتأثيرها الإقليمي الكبير. وعلى الرغم من أن معايير "تايم" لا تسعى بالضرورة لإضفاء طابع إيجابي أو سلبي على الشخصيات العالمية، فإن تصنيف الشرع يميل إلى الإيجابية، بالنظر إلى التحول الكبير في شخصيته منذ توليه السلطة في سوريا.
كانت صورته مثيرة للجدل في الأوساط الدولية حين تولّى قيادة هيئة تحرير الشام، إذ ارتبط اسمه آنذاك بمشاريع عابرة للحدود أثارت كثيراً من التحفظات. لكن مع مرور الوقت، أعاد تموضع رؤيته لينخرط في مشروع سوري الطابع، يركّز على الأهداف المحلية للثورة، وعلى رأسها إسقاط النظام القائم، الذي ترسّخ عبر القمع والاستبداد والبنية الطائفية.
كونه الشخصية العربية الوحيدة في فئة القادة ضمن قائمة "تايم"، إلى جانب شخصيات عالمية مثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك، يعزز التصنيف مكانة الشرع كرمز للقيادة العربية المؤثرة عالميًا.
إعلانويعكس التصنيف أهمية التغيير الذي قاده في سوريا على محيطَيها العربي والإقليمي، وعلى المصالح الدولية في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، يشير التصنيف إلى تحول في السردية الدولية تجاه الثورة السورية، من تصويرها كصراع أهلي طائفي أدى إلى عودة خطر الإرهاب، إلى الاعتراف بها كحركة أحدثت تغييرًا جذريًا، وخلقت فرصة تاريخية لتحويل سوريا من معضلة مزمنة إلى قيمة جيوسياسية تدعم استقرار المنطقة وتتماشى مع المصالح الغربية.
وفي ضوء ذلك، يُمكن النظر إلى تصنيف "تايم" على أنه مؤشر إضافي على التقبل العالمي المتزايد لحقيقة أن الشرع لديه طموحات تستحق الاعتراف بها وبحاجة إلى فرصة لإثبات نواياه وحقيقة اعتداله.
أسهم الصراع في سوريا في تشويه النظرة الدولية إلى الواقع السوري بشكل كبير. فقد قامت هذه النظرة، في الغالب، على مجموعة من التصورات التي أضرت بالثورة السورية وبسياسات المجتمع الدولي تجاه سوريا.
من ذلك، على سبيل المثال، التركيز المبالغ فيه على البعد الطائفي للثورة على حساب الأبعاد الاجتماعية العميقة التي دفعت الشعب السوري للانتفاض ضد نظام بشار الأسد، فضلًا عن إغفال الأبعاد المحلية للصراع لصالح الاعتبارات الجيوسياسية.
بعد الإطاحة بنظام الأسد، تسعى العديد من الدول الغربية إلى تجاوز هذه التصورات، أو على الأقل الحد من تأثيرها كمحدد رئيسي لسياساتها تجاه سوريا. وتعمل هذه الدول على إعادة توجيه جهودها نحو دعم سوريا في انتقالها نحو بناء دولة جديدة، مع ضمان عدم عودتها إلى دوامة الصراع.
غير أن الاعتبارات والتحفظات السائدة تجاه الشرع ما تزال تُسهم في تقييد توجه عدد من الدول الغربية نحو اعتماد سياسة أكثر انفتاحًا ومرونة حيال الواقع السياسي الجديد.
في هذا السياق، يمكن أن يسهم تصنيف مجلة "تايم" بشكل جزئي في تبديد هذه النظرة الحذرة، وتشجيع المجتمع الدولي على التركيز على الفرص التي توفرها قيادة الشرع لسوريا، بدلًا من التركيز على المخاوف.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline