الثورة نت:
2024-12-25@19:04:07 GMT

السيد وثقافة المقاومة

تاريخ النشر: 3rd, October 2024 GMT

 

 

هذا الخريف الذي يظنه الأعداء نهاية المطاف سيثمر عزاً ونصراً واستمراراً.
نعيش في عصر يهلّل به مسؤولون غربيون لعمليات قتل واغتيال القامات، كلّ مشروعها هو العيش بكرامة ورفع الظلم عن المظلومين وإسناد شعب أصيل يرزح تحت احتلال غاشم لا يعرف سوى الإبادة والإهانة والإذلال لأعرق شعب وأقدس مقدّسات. ويقف الإرهابيون على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة ليتفاخروا بإرهابهم وأدوات قتلهم وجرائمهم التي يجب أن يندى لها جبين البشرية، معتقدين أنهم يحقّقون انتصارات في الوقت الذي ينحدرون فيه إلى الدرك الأسفل من أيّ مستوى إنساني أو أخلاقي.


على مدى أربعين عاماً أسس سيد المقاومة حزباً وحركة مقاوِمة تعيد للمستضعفين شعورهم بالعزة والكرامة وبأسهم في حماية بلدانهم، بعد أن اجتاح الكيان الغاصب بيروت والجنوب في عام 1982 وارتكب أبشع المجازر بحقّ المدنيين، وحرق المكتبات والمراكز الثقافية واغتال الكتاب والشعراء والمناضلين، فأخذ سيد المقاومة على عاتقه بناء حركة مقاوِمة لبنة في إثر لبنة بناءً أخلاقياً ومجتمعياً وسياسياً يشكّل النقيض الأبرز لكلّ إرهاب وهمجية الصهاينة. وعمل السيد حسن نصر الله ومنذ اليوم الأول على نشر ثقافة المقاومة وتنشئة أجيالها على الخلق الرفيع الملتزم بروح القرآن الكريم وأخلاق الرسل والصدّيقين والصالحين، وأصبح من خلال عمله وتربيته لكوادره هو القدوة والمثل وهو أيقونة ثقافة المقاومة الملتزمة والمسؤولة.
ونتيجة لهذا العمل الاستراتيجي العظيم تمكّن حزب الله من تحرير الجنوب من دنس العدو الإسرائيلي عام 2000، فكانت هذه هي المرة الأولى التي يدحر بها هذا الكيان الغاصب من أرض احتلها رغم عدم التكافؤ في ميزان القوى، ولكن إيمان المقاومين البواسل بحقّهم وأرضهم وإيثارهم تراب الأرض على أنفسهم قاد إلى النصر والتحرير. وعاد الكيان الغاصب لشنّ عدوان على لبنان عام 2006 غير مرتدع بما شهده عام 2000 فقط ليتم دحره مرة أخرى وتحقيق نصر تموز المؤزّر. واستمرّت المسيرة للحزب وقائده دفاعاً عن المُعتدى عليهم في سوريا وفلسطين، وفق منظومة قيمية أخلاقية إنسانية وتحررية لا تخشى في الله لومة لائم، إلى أن بدأ العدوان الغاصب والسافر على الـشعب الفلسطيني في غزة والضفة في تشرين الأول/أكتوبر 2023م فشكّل الحزب وقائده جبهة إسناد دفاعاً عن المظلومين والمُعتدى عليهم.
إذا كان هذا العدوّ يظنّ كما يدّعي أنه حقّق نصراً في المنطقة وأنه استباح الإقليم بعد اغتيال سيد المقاومة، السيد حسن نصر الله، ورفاقه فهو واهم لأنّ ثقافة المقاومة التي أرساها السيد حسين نصر الله والنهج والمدرسة التي أسسها لها أتباع في المنطقة وفي كلّ بقاع الأرض ولن تهدأ ولن تهادن ولن تساوم على حقوق، ولن تستكين لاحتلال أو استيطان أو إذلال ومهانة.
هؤلاء الصهاينة والمتصهينون لا يعلمون معنى الانتماء للأرض ولثقافة المقاومة، ولا يدركون ما هو معنى الإيثار والتضحية لأنهم أقلّ بكثير من أن يدركوا هذه المعاني السامية. وكما أنّ القتلة اندثروا ولم يبقَ لهم أثر في كل تاريخ ديني أو سياسي، وبقيت أسماء ومراقد المدافعين عن الحقّ شواهد يؤمّها المؤمنون من كلّ أصقاع الأرض ويستلهمون تجربتها وصبرها وتضحياتها وفداءها، فإن روح السيد حسن نصر الله ودماءه الطاهرة ستُزكي مسار المقاومة وستشدّ من عضد المقاوِمين المخلصين، وستقلب الموازين ضدّ القتلة والطغاة والمعتدين. وهذا هو مسار التاريخ كما أنه وعد الله عزّ وجل: “إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد”.
أمّا دعم الغرب لآلة الإرهاب الصهيوني واعتزاز جريد كوشنر وأمثاله بجرائم هذا الكيان فهي البرهان الساطع القاطع على سقوط الغرب الأخلاقي والقيمي، وعلى أنه لا مستقبل لهذا الغرب مهما عتت قوته العسكرية والمادية، ومهما طغى اليوم وتجبّر فإنّ نهايته محسومة، إذ لا يمكن لهكذا منظومة مجرّدة من الأخلاق والقيم والإنسانية أن تستمرّ في مكان مرموق على السلّم السياسي والبشري والإنساني. إنّ هؤلاء الذين يهلّلون للقتل الغادر الخسيس لا يدركون أنّ ما يقترفونه سيرتدّ وبالاً عليهم وسيعلم الظالمون أيّ منقلبٍ سينقلبون.
مصائر الشعوب لا تقاس بالأيام ولا بالأشهر ولا بالسنوات؛ فهي أحياناً نتاج حقب من تراكم العمل الدؤوب واستمراريته، ولذلك فإن النشوة التي عبّر عنها الإعلام الصهيوني والغربي باغتيال سيد المقاومة ورفاقه دليل على أنهم طارئون على هذه الأرض لا يعرفون للتاريخ معنى ولا لمساره ذاكرة يتعلّمون منها أو يقتدون بها. أمّا سيد المقاومة فهو سليل حضارة وعراقة أبطال قضوا منذ قرون في سبيل إعلاء كلمة الحقّ وما زالت سيرهم تحرّك الملايين لوجهتهم من كلّ أصقاع الأرض، بينما لا يعلم أحد لقتلتهم قبراً أو مكاناً أو شاهداً على أنه مرّ يوماً من هنا أو كان على هذه الأرض في حين من الزمن.
هذا الخريف الذي يظنه الأعداء نهاية المطاف سيثمر عزاً ونصراً واستمراراً مؤزّراً لمقاومة تحرّر المقدّسات وتحرّر الأرض والإنسان وتنشر ضياءها وإنسانيتها ليس على المنطقة فحسب وإنما على كلّ الشعوب المستضعفة والطامحة للحرية والكرامة. وهذا بالذات أخشى ما يخشاه الإرهابيون والدائرون في فلكهم، والعاملون على تدمير الأخلاق والأسرة وكلّ الروابط والقيم الإنسانية والتي هي مصدر القوّة والأمان لكلّ إنسان. ومن هنا فإنّ رسالة المقاومة وثقافة المقاومة لا تعمل من أجل نصر عسكري وتحرير الأرض فقط، وإنما من أجل نصر على كلّ أنواع التشويه الذي يحاولون فرضه على الأسرة الإنسانية، ولا شكّ أن العاقبة للمدافعين عن القيم الإنسانية التحريرية البنّاءة.
خلال أشهر من إسناد حزب الله لشعب فلسطين لم يكن العدوّ الإسرائيلي يخشى صواريخ حزب الله التي تتساقط على شمال فلسطين فقط، وإنما يخشى أيضاً ثقافة الحياة والتحرير والبناء ويخشى حتى من وجود العرب على هذه الأرض، لأنّ مجرّد وجودهم يعدّه تهديداً لكيانه الغاصب الطارئ على الأرض والمنطقة. إلا أنّ أبناء هذه الأرض التي سقوها بدمائهم على مدى قرون ضدّ كلّ الغزاة والمعتدين وأنتجوا فيها حضارات وعلوماً وقيماً وإنجازات تشكّل معيناً ثرّاً للبشرية لن يهنأوا ولن يستكينوا إلا بتحقيق وجودهم كما يرتضونه ويعشقونه عزّاً وكرامة وكبرياء.
مفكرة عربية

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

صمود المقاومة الأسطوري ونصرها الاستراتيجي

لا شك في أنّ صمود المقاومة اللبنانية في وجه “إسرائيل” ومن خلفها الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية (ألمانيا، إيطاليا، فرنسا) يؤكد مرة أخرى أنّ حركات التحرر ليس لديها سوى خيار واحد هو المقاومة والصمود في وجه العدو.
بعد التحديات الصعبة التي واجهتها المقاومة الإسلامية في لبنان، تمكنت من النهوض من تحت الرماد وفرضت على العدو حرب استنزاف استمرّت أربعة وستين يوماً. وقد شكلت هذه الفترة صدمة للعدو، إذ كيف يمكن لمنظمة أن تتلقى كل هذه الضربات وتستعيد قدرتها على العمل مع مرور الوقت، لتوجه ضربات مؤلمة “لإسرائيل” سواء في القرى الحدودية والمستوطنات أو من خلال استهداف أهداف نوعية غير مسبوقة في العمق الصهيوني.
ما إن وضعت الحرب أوزارها، حتّى كثرت التحليلات المغرضة والنقاشات الموجّهة ضد المقاومة حول الأكلاف التي تكبّدها لبنان من جرّاء العدوان الإسرائيلي المتوحّش، في إشارة إلى أنّ لبنان قد تلقّى هزيمة على يد العدو الإسرائيلي، بيد أنّ الواقع لا يعكس حقيقة هذا الأمر على الإطلاق، فقد استطاعت المقاومة أن تصمد بوجه أقوى جيش في المنطقة وأن تُرغم العدو على وقف الحرب بموجب القرار 1701 نفسه الذي صدر في عام 2006 بعد الانتصار الكبير الذي حققه لبنان آنذاك على “إسرائيل”. ويعود فشل العدوان الإسرائيلي على لبنان للأسباب الآتية:
أولاً: توقّعت “إسرائيل” أن القضاء على المقاومة في لبنان بات وشيكاً، وخصوصاً بعد سلسلة من الاغتيالات، بدءاً من الأمين العام، السيد حسن نصر الله، مروراً برئيس المجلس التنفيذي، السيد هاشم صفي الدين، وصولاً إلى القادة المجاهدين، وقد سبق ذلك مجزرتا البايجر واللا سلكي مما أدّى إلى استشهاد العشرات وجرح المئات. اعتقدت “إسرائيل” أنّ هذه الضربات كفيلة بأن تحقق “النصر المطلق” على المقاومة الإسلامية، وهذا ما أعرب عنه رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بشكل واضح وصريح، لا بل، وعد بتغيير “الشرق الأوسط”، ولم يقتصر الأمر على نتنياهو، فقد سارع وزير الحرب الإسرائيلي الحالي إلى تبني هدف جديد وهو نزع سلاح حزب الله. يمكن القول، إنّ الأهداف الكبرى التي تبناها العدو أُسقطت بفعل صمود المقاومة وضرباتها، على الرغم من الإنجازات النوعية التي حققها العدو في البداية والتي وصلت إلى ذروتها.
ثانياً: إنّ الحرب غير المتناظرة (Asymmetric Warfare) أو ما يُعرف بحروب الجيل الرابع (fourth-generation warfare) التي خاضتها المقاومة أدّت إلى تقويض قوة “إسرائيل”، وقد تم ذلك من خلال استدراج العدو إلى معركة استنزاف طويلة الأمد، بدءًا من الناقورة في القطاع الغربي وصولًا إلى الخيام في القطاع الشرقي الذي كان حصناً منيعاً في وجه العدوان البري الإسرائيلي، حيث سطّر فيه المقاومون ملاحم بطولية. تشير الحرب غير المتناظرة إلى الصراعات التي تحدث بين طرفين مختلفين في مستوى القوة، حيث يعتمد أحد الطرفين على استراتيجيات غير تقليدية لتعويض الفارق في القوة العسكرية مع الطرف الآخر. ويدلّ مصطلح “عدم التكافؤ” (ِAsymmetry) على اختلال التوازن في القدرات العسكرية والموارد والاستراتيجيات. ويسعى الطرف الأضعف إلى تحقيق النصر من خلال تنفيذ استراتيجيات تهدف إلى قضم إنجازات العدو وإرهاق قواته على المدى الطويل. ومن الأمثلة البارزة على ذلك الحروب الفاشلة التي خاضتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.
والأمر ذاته ينطبق على طبيعة الحرب بين حزب الله “وإسرائيل”، إذ تمكّن حزب الله من إحباط أهداف العدو الكبرى بشكل تدريجي. وفي هذا السياق، قال سيد شهداء الأمة، السيد حسن نصر الله، بأن المعركة مع “إسرائيل” ليست بالضربة القاضية، بل بكسب النقاط عند كل معركة. لذلك، وفي سياق الحروب غير المتناظرة، تتباين الأمور، حيث نادراً ما يتمكن الطرفان المتقاتلان من تحقيق نصر إستراتيجي واضح نتيجة لعدم التماثل بينهما. ففي هذه الحالة، يتم تقييم النصر والهزيمة بناءً على مبدأ كسب النقاط.
ولنأخذ كمثال المّسيّرات والمحلّقات الانقضاضين التي أطلقتها المقاومة طيلة معركة “أولي البأس”، إذ مثّلت تحدياً خطيراً “لإسرائيل” غير مسبوق، وخاصة بعد استهداف المقاومة لأهداف نوعية في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلّة. إنّ اعتماد هذا الأسلوب غير المتماثل عوّض إلى حدّ ما ضُعف السلاح الجوي للمقاومة أمام التفوق الجوي الإسرائيلي. وفي هذا المضمار، يقول القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية كينيث ماكنزي: “ إنّ العلاقة بين الهجوم والدفاع في الوقت الراهن تصبّ في صالح المهاجم. ويرجع ذلك إلى التكلفة المنخفضة جدًا للطائرات بدون طيار، وسهولة تصنيعها، وإمكانية إطلاقها من بيئات وعرة جدًا وقاسية لوجستيًا”.
وإذا افترضنا أنّ العدو الإسرائيلي أكمل حربه ودمّر لبنان بأكمله وقتل وجرح مئات الآلاف، فهل يستطيع أن يدّعي أنه انتصر؟ قطعاً لا، لأن النصر في الحرب يُقاس بتحقيق الأهداف الأساسية للحرب، وليس بعدد الشهداء أو بحجم الدمار. لذا، يمكن القول إن الحرب ليست هدفًا بحد ذاتها، بل هي وسيلة لاستمرار السياسة بطرق مختلفة، إذ تهدف إلى إجبار العدو على فعل لا يريده، كما يقول المنظّر الجنرال العسكري البروسي كلاوزفيتز.
يتضح من ذلك أن تراكم الإنجازات في الحروب وما بينها سيساهم لاحقًا في تغيير ميزان القوى (Balance of Power) لصالح المقاومة، وهو ما تجسد سابقًا في تحرير جنوب لبنان في أيار عام 2000 والانتصار الكبير في عام 2006. واليوم ما حققته المقاومة في معركة “أولي البأس” سيضاف إلى الإنجازات السابقة، وسيكون أساسًا للبناء عليه في المستقبل للوصول إلى المقصود الأكبر، وهو تحرير كامل فلسطين. صحيح أنّ الضربات التي تعرّضت لها المقاومة هي بمثابة ضربات قاضية وفق التصور الإسرائيلي، إلا أنّ إرادة وصمود المقاومين في الميدان قد أحبطا هذا الهدف. ويمكن القول هنا أيضًا، إنّ الأسلوب غير المتماثل الذي تتبعه المقاومة يفقد “إسرائيل” ميزة تسديد ضربات قاضية وحاسمة لمصلحتها. وقد رأينا، في الأيام الأخيرة من القتال، كيف أنّ حزب الله استعاد زمام المبادرة بوتيرة تصاعدية، حيث نجح في استهداف كل المنشآت العسكرية والمرافق الحيوية بوابل من الصواريخ القصيرة والبعيدة المدى، فضلاً عن المسيّرات النوعية التي هاجمت واستنزفت قدرات العدو حتّى اللحظات الأخيرة من العدوان.
ثالثاً: إنّ الروح الكربلائية التي حملها المقاومون في الجبهات هي التي أثمرت وأتت بنتائج تعاكس تصورات وأهداف العدو. في العقيدة الإسلامية لا يمكن أن تكون الهزيمة خيارًا، فجوهر النصر لدى المسلمين يكمن في الالتزام بأداء الواجب بغض النظر عن النتائج، إذ إنّ النصر يأتي من عند الله بعد القيام بالواجبات. ويعتمد المسلمون عمومًا على الآيات القرآنية في هذا الشأن، ولهذا كان الإمام الخميني، قائد الثورة الإسلامية في إيران، يقول: “نحن مُكلّفون بأداء الواجب، وليس بتحقيق النتائج”. كما يتفق المسلمون على أن الانتصار يتحقق بمجرد الثبات والتمسك بالمبادئ والأهداف المشروعة، حتى وإن أدّى ذلك إلى الفناء.
رابعاً: إنّ تصريحات المسؤولين الإسرائيليين على المستوى السياسي والعسكري بعد وقف إطلاق النار تعكس خيبة أمل كبيرة من نتائج العدوان على لبنان، فالطموحات الاستراتيجية كانت كبيرة والأفعال قليلة. فقد وُجّهت انتقادات واتهامات لاذعة لحكومة العدو، لأنّها وافقت على وقف إطلاق النار. وفي مقال نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية، أشار اللواء المتقاعد إسحاق بريك إلى أنّ “إسرائيل” إذا قررت تدمير لبنان بالكامل وتحويله إلى أنقاض كما حدث في قطاع غزة، فإن “حزب الله” سيستمر في إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار علينا”. وانتقد رؤساء البلديات والقادة المحليون في شمال فلسطين المحتلّة اتفاق وقف إطلاق النار، معلنين صراحةً أن الاتفاق لا يُشعر المستوطنين بالأمن، لأنّ حزب الله لا يزال لديه القدرة على إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه المستوطنات. والجدير بالذكر هنا، أنّ مسألة تحقيق الأمن لدى المستوطنين لا تحمل أن تكون مسألة إشكالية بالنسبة لهم، وخاصة بعد أحداث 7 أكتوبر. من هنا نفهم لماذا رفضوا أن يعودوا إلى الشمال، بينما شهدنا في الجهة المقابلة عودة النازحين اللبنانيين إلى قراهم وهم يحتفلون بالنصر، وهذه علامة فارقة في هذه الحرب بين المقاومة “وإسرائيل”، لقد فقد المستوطنون ثقتهم بالحكومة والجيش الإسرائيلي بالرغم من اتفاقية وقف إطلاق النار. وتعقيباً على ذلك، يشير المُنظّر في العلاقات الدولية في جامعة شيكاغو، جون ميرشايمر، إلى أنّ الجيش الإسرائيلي لم يكن قريبًا أبدا من هزيمة حزب الله. فقد قام الإسرائيليون بتطوير جيشهم على مرّ السنين ليكون قادرًا على خوض حروب قصيرة، مثل حرب الأيام الستة. ومع ذلك، نحن الآن في الشهر الرابع عشر تقريبًا من الصراع، وما زالوا متورطين بعمق في غزة دون أن يحققوا أي انتصار. كما أنّ وجودهم في مستنقع مثل لبنان دفعهم إلى درجة أنه أصبح من المنطقي بالنسبة لهم أن يكون هناك وقف لإطلاق النار على الأقل في الوقت الحالي”.
ختاماً، اعتقدت “إسرائيل” بأنّها قادرة على التحكم في ديناميكيات الصراع، إلا أنّ الضربات الأخيرة التي تلقتها في آخر أسبوع من الحرب أرغمتها على قبول وقف إطلاق النار. إنّ “إسرائيل” ليست قدراً محتوماً، وقد أظهرت هذه الحرب مرة أخرى أن وجودها في المنطقة يعتمد على الدعم الأميركي والأوروبي، ولا يمكن أن تستمر في المستقبل القريب من دون هذا الدعم.
ويبقى أنّ نشير إلى أنّ ما هو أهم من النصر نفسه هو المحافظة عليه، والالتزام بوصايا الشهداء، وبتوجيهات سيد شهداء الأمة، السيد حسن نصر الله، كما يجب أن نستلهم الصبر والحكمة من الجرحى الذين فقدوا بصرهم ولم يفقدوا بصيرتهم في الدفاع عن الحق والمظلومين في هذا العالم.

مقالات مشابهة

  • من هي الطالبة رحيق السيد؟.. رحلت في حادث أليم وأهدى شيخ الأزهر عمرة لوالديها
  • في ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام.. تعرف على مكانته في الإسلام
  • تنفيذ حُكم حد الحرابة بجانِيين في منطقة جازان
  • دبلوماسي لبناني: حزب الله تلقى ضربات قوية لكنه مازال على الأرض
  • سوريا في حسابات المقاومة والاحتلال
  • مستقبل المقاومة  …!؟ بين التسليم والعقيدة والتعقيد
  • وزير الخارجية اللبناني الأسبق: حزب الله تلقى ضربات قوية ولا يزال موجودا على الأرض
  • السيد ذي يزن: رياضة الهوكي تحظى بالعناية السامية من أجل الوصول بها إلى المستويات العليا في الساحة الرياضية
  • صمود المقاومة الأسطوري ونصرها الاستراتيجي
  • على خطى ابن بطوطة.. رحلة تفاعلية لاستكشاف تاريخ وثقافة العُلا