ارتفاع منسوب النيلين.. هل نشهد انفراجة قريبة في مفاوضات سد النهضة؟
تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT
سعت مصر للتوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة، حيث قدمت مقترحات فنية كثيرة تراعي المتطلبات الإثيوبية، وواجهت مصر تعنتاً من الجانب الإثيوبي في ملف سد النهضة، بينما سعت إثيوبيا إلى مشاورات طويلة دون التوصل إلى نتيجة.
وكشف الدكتور عباس شراقي، استاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، آخر التطورات بشان سد النهضة ونهر النيل، حيث كشف عن ارتفاع منسوب النيلين فى السودان مع استمرار فتح بوابات مفيض سد النهضة.
وقال الدكتور عباس شراقي عبر الفيسبوك: “مع استمرار فتح بوابات المفيض العلوية فى سد النهضة لتمرير كامل الفيضان بمعدل حوالى 300 مليون م3/يوم تنخفض تدريجيا بنهاية الشهر إلى 120 مليون م3/يوم، يواصل النيل الأزرق ارتفاعه عند الخرطوم مع زيادة فيضان النيل الأبيض بعد فتح بوابات مفيض سد النهضة فى 5 سبتمبر بأيام قليلة نظرا لارتفاع منسوب النيل الرئيسى عند الخرطوم، مع استمرار ضخ المياه من السدود السودانية فى اتجاه السد العالى”.
وأضاف، أن مخزون سد النهضة ثابت حتى 30 سبتمبر 2024 منذ فتح بوابات المفيض 5 سبتمبر عند حوالى 60 مليار م3، ومنسوب حوالى 638 متر فوق سطح البحر.
من جانبه، أشار الدكتور أحمد سيد أحمد، المحلل السياسي، إلى أن مفاوضات سد النهضة تواجه تحديات متزايدة بسبب الموقف المتشدد الذي تتبناه إثيوبيا، و إثيوبيا تتعامل مع نهر النيل وكأنه ملك خاص بها، مما يزيد من تعقيد المفاوضات مع مصر والسودان، خاصة مع استمرار إثيوبيا في ملء السد من طرف واحد دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم.
وأكد سيد أحمد لـ صدى البلد، أن مصر مستمرة في مطالبتها بالتوصل إلى اتفاق قانوني يضمن عدم تأثر حصتها من مياه النيل، مشيرًا إلى أن المياه تمثل موردًا حيويًا للبلاد،موضحا أن مصر تعتمد في مطالبها على حقوق مائية دولية معترف بها بموجب اتفاقيات تاريخية، مثل اتفاقيتي 1929 و1950، التي تحفظ مصالحها المائية.
وأضاف أن هناك تقصيرًا دوليًا في التعامل مع أزمة سد النهضة، مما سمح لإثيوبيا باستغلال الوضع السياسي المتوتر في السودان لصالحها، وتعزيز موقفها في المفاوضات.
وأوضح المحلل السياسي، أن الخارجية المصرية أكدت التزامها باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية الأمن المائي المصري، والتصدي لأي محاولات للمساس بالأمن القومي، في ظل استمرار تعثر المفاوضات نتيجة للموقف الإثيوبي الرافض للتسوية.
أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي، ردًا على سؤال بشأن سد النهضة، أننا نحاول قدر الإمكان المشاركة في جلسات مختلفة ونقاشات لاستخدام أدوات السياسية والدبلوماسية لمنع الشر المحتمل.
وأضاف السيسي، في فيديو من المشاركة في مائدة الإفطار بعد تخرج دفعة جديدة من أكاديمية الشرطة، أنه خلال السنوات الـ 10 الماضية تم إنفاق أرقام مالية ضخمة جدًا في تحسين ومعالجة المياه على مستوى الجمهورية بالكامل، معقبًا: بنتكلم عن 400 مليار جنيه وأكثر في محطات معالجة ثلاثية متطورة”.
وأكد الرئيس السيسي، أن مصر ستكون من أوائل الدول التي تعالج المياه بأحدث وسائل التكنولوجيا.
وفي مطلع سبتمبر 2024 وجه وزير الخارجية بدر عبد العاطي خطابا إلى مجلس الأمن أعلن من خلاله رفض التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد حول المرحلة الخامسة من ملء سد النهضة، ورفض القاهرة القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي والتي تشكل خرقا صريحا لاتفاق إعلان المبادئ والبيان الرئاسي لمجلس الأمن في 15 سبتمبر 2021.
في هذا الصدد قال أحمد التايب الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، إن موقف مصر ثابت وواضح من قضية سد النهضة، وتتخذ من التفاوض مسارا أساسيا لحل الأزمة لذلك فهى مستمرة في التعامل مع المفاوضات بغرض التوصل لاتفاق عادل يراعي مصالحها الوطنية ويحمي أمنها المائي ، ويحفظ حقوق الشعب المصري، وفى نفس الوقت تراعى مصالح أثيوبيا من حقوقها في التنمية لكن ليس على حساب مصر وحقوقها التي يكفلها القانون الدولى، وبالتالي مصر دائما ما تتحدث عن أنها تؤيد تحقيق التنمية والرخاء لمصر واثيوبيا والسودان في إطار ما تمليه قواعد القانون الدولي المنظم لاستخدام مياه الأنهار المشتركة والعابرة للحدود بين الدول.
وأضاف خلال تصريحات لــ”صدى البلد” أما موقف أثيوبيا دائما متعنت وفى مراوغة مستمرة وظهر بشدة عندما تم الاتفاق في واشنطن 2020 برعاية أمريكية ورفضت أثيوبيا التوقيع عليه بعد الاتفاق والوصول لمرحلة التوقيع لذلك فإن الجانب الأثيوبي دائما ما يكون رفضه لأسباب مجهولة.
واستكمل : أعتقد أن استمرار أثيوبيا فى تعنتها وفى تصرفاتها الأحادية المخالفة للقانون الدولي مؤكد أنه سيلقي بظلال غير إيجابية على أي عملية تفاوضية فى المستقبل لذلك – ظنى – إن لم تتخلى أثيوبيا على هذه التصرفات فمن المؤكد أنه سيتم تقويض أي مسار تفاوضى.
وتابع: وايا كان الأمر فمن المؤكد أن مصر لم ولن تتهاون في أمنها المائى لأن الأمر مسألة وجودية بالنسبة لها وهو ما يجب أن تدركه اثيوبيا بأن المراوغة والتصرفات الأحادية ليس هي الحل لن مصر مصممة على حقها المائى .. وما نتمناه أن يكون ضغط من المجتمع الدولى وأن تتحلى اثيوبيا بالإيجابية.
صدى البلد
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فتح بوابات مع استمرار سد النهضة أن مصر
إقرأ أيضاً:
المُعلِّم العُماني.. صانع الأجيال وركيزة النهضة
د. حامد بن عبدالله البلوشي
shinas2020@yahoo.com
منذ فجر التاريخ، كان المُعلِّم شُعلة مُتقدة تنير دروب الإنسانية، وحاملًا لمشاعل الحكمة والمعرفة في أروقة الحياة. لم يكن المُعلِّم مجرد ناقل للعلوم، أو شارحًا للدروس، بل كان بانيًا للعقول، وصانعًا للأجيال، ومرشدًا للإنسان في رحلة البحث عن الحقيقة.
وعلى مر العصور، تواترت الثقافات والحضارات على تعظيم شأن المُعلِّم؛ إذ أدركت الأمم المتعاقبة أن التقدُّم لا يبنى إلّا على أساس متين من العلم والمعرفة، وركائز راسخة من الثقافة والفكر، وأن المُعلِّم هو الأساس الذي تستند إليه دعائم التقدم والرقي.
في مختلف بقاع الأرض، وعلى مدار التاريخ، كان المُعلِّم موضع إجلال وتقدير، فاليونانيون القدماء رأوا فيه فيلسوفًا يُنير العقول، والصينيون وضعوه في مصاف الحكماء، أما العرب، فقد جعلوه حامل راية العلم، وسفير الفضيلة، ولا تزال الدول المُتقدِّمة تكرم المُعلِّم، وتقيم له أيامًا تُخلِّد فيها إنجازاته، وترفع مكانته بين أفراد المجتمع.
لقد أتى الإسلام مُعليًا شأن العلم، ومُجلًّا لمكانة المُعلِّم؛ إذ كان أول ما نزل من الوحي قول الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق: 1)، إعلانًا صريحًا بأن المعرفة هي المدخل الأول لنور الهداية. وقال سبحانه وتعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: 11). وقد كان الرسول ﷺ نفسه مُعلِّما للبشرية، هاديا ودليلا، يخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ حيث قال ﷺ: "إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا ولكن بعثني مُعلِّما وميسرًا". وهو القائل: "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على مُعلِّم الناس الخير".
لقد حفلت صفحات التاريخ بأعلام كانوا منارات علم تهدي الحائرين، ومُعلِّمين صنعوا أجيالًا من العلماء، وأصحاب فكر بنوا عقولًا وشيدوا حضارات، ومن أمثال هؤلاء ابن سينا الذي مزج الطب بالحكمة، ولم يكتف بأن يكون طبيبًا حاذقًا، وعالمًا نابغًا، بل أضاف إلى ذلك كونه مُعلِّمًا رائدًا، ينقل علمه لطلابه ومريديه، ويترك بصمات خالدة ظلَّ أثرها على مدار التاريخ، والخليل بن أحمد الفراهيدي المولود في أرض عُمان المباركة، والذي وضع أُسس علم العَروض. كما وضع أسس التفكير المنهجي لطلابه الذين كان على رأسهم سِيبَوِيه إمام النحو، وباني أصوله، وأحد أعظم النُحاة المسلمين. كما لا ننسى العديد من الأئمة العُمانيين الذين حملوا لواء التعليم، وأثروا الحضارة الإسلامية بفكرهم النير، ونقلوا العلم إلى أجيال متتابعة، فكانوا مثالًا للمُعلِّم الذي يُسخِّر علمه لخدمة البشرية؛ كالإمام الفقيه جابر بن زيد، والإمام العلّامة والشاعر والمؤرخ الموسوعي نور الدين السالمي، والأصولي المحقق الإمام سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي، وغيرهم الكثير.
ولقد أدركت سلطنة عُمان، منذ انطلاقة نهضتها الحديثة، أن بناء الإنسان هو اللبنة الأساسية في بناء الوطن، وكان التعليم هو المحور الأول لهذا البناء، والمُعلِّم هو حجر الأساس. ولذا، لم تبخل السلطنة في دعم المُعلِّم، تأهيلا، وتدريبا، وتمكينا، ليكون على قدر المسؤولية في صناعة الأجيال الواعدة.
وكان السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- قائدًا مُستنيرًا، أدرك أن نهضة عُمان لن تتحقق إلا بالعِلم، فوجَّه جهوده لبناء منظومة تعليمية متكاملة، وأولى المُعلِّم اهتمامًا خاصًا. ومن أقواله التي خلدها التاريخ: "إننا نعيش عصر العلم ونشهد تقدمه المتلاحق في جميع المجالات، وإن ذلك ليزيدنا يقينا بأنَّ العلم والعمل الجادَ هما معا وسيلتنا لمواجهة تحديات هذا العصر وبناء نهضة قوية ومزدهرة على أساس من قيمنا الإسلامية والحضارية"، وهذا تأكيد على أن العلم هو أساس النهضة، والمُعلِّم هو الركن المتين لها.
وعلى خطى السلطان قابوس -رحمه الله- جاء حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- ليؤكد أن التعليم سيظل الركيزة الأولى للنهوض بالوطن. وقد أولى جلالته -أبقاه الله- التعليم اهتمامًا كبيرًا، إيمانًا منه بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الحقيقي. ومن أقواله: "وإن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية، وسنمده بكافة أسباب التمكين باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن أبناؤنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة".
إنَّ المُعلِّم ليس مجرد ناقل للمعرفة؛ بل هو مهندس العقول، ومؤسس القيم، وصانع الحضارات. فبكلماته تتفتح الأذهان، وبحكمته تتغير المسارات، وبصبره يبني جيلا قادرا على النهوض بالمجتمع، وهو الذي يزرع بذور الطموح في نفوس طلابه، ويرويها بحب العلم، ويصقلها بالتجربة، حتى تثمر علماء ومفكرين يرفعون راية أوطانهم عاليا.
وأقل ما يمكن أن نقدمه للمُعلِّم هو الاحترام والتقدير، وأن نُوَفِّر له بيئة تمكنه من أداء رسالته السامية. ومن الواجب علينا أن نكرم المُعلِّم معنويا وماديّا، وأن نمنحه المكانة التي يستحقها في المجتمع، حتى يؤدي رسالته النبيلة بكل حب وإخلاص.
وعلى الرغم من مكانته الرفيعة، إلّا أن المُعلِّم يواجه العديد من التحديات، منها التطور السريع في أساليب التعليم، وضغوط العمل، ومتطلبات العصر الرقمي. والتي تحاول وزارة التربية والتعليم جاهدة وفق إمكانياتها المتاحة، وعبر مؤسساتها التعليمية، إلى دعمه بالتدريب والتطوير المستمر، واللحاق بركب التقدم، وتوفير بيئة تعليمية تحفّزه على الإبداع، وتضمن له حياة كريمة.
إنَّ المُعلِّم هو النبراس الذي يُضيء لنا دروب المعرفة، وهو الباني الذي يُشيّد صروح الأمل، وهو الجسر الذي نعبُر عليه إلى المستقبل.
وفي يوم المُعلِّم العُماني، نقف جميعًا إجلالًا وتقديرًا له، شاكرين جهوده، سائلين الله -عز وجل- له التوفيق والسداد ليواصل رسالته السامية في بناء الأجيال والمساهمة في بناء نهضة عُمان المتجددة نحو غدٍ أكثر إشراقًا.
** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية المجتمعية