مسارات المنطقة بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل
تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT
أعاد الهجوم التاريخي الإيراني على إسرائيل مساء الثلاثاء بناء الروح المعنوية بين فصائل المقاومة، وبشكل أساسي داخل حزب الله الذي اعتقد الكثيرون وفي مقدمتهم إسرائيل، أنه بات ضعيفا في أعقاب الضربات الموجعة التي تلقاها خلال الأسبوعين الماضيين وبشكل خاص بعد تأثر أكثر من 4 آلاف من أعضائه بحادث تفجير «أجهزة الاتصال» واغتيال أمينه العام حسن نصر الله ومجموعة كبيرة من كبار القياديين العسكريين داخل الحزب.
ولا جدال على أن تلك الضربات كانت موجعة جدا للحزب باعتراف الأمين العام الراحل في آخر خطاب له، ولكن يبدو أن الهجوم الإيراني ساهم في ترميم حالة الانكسار التي عاشتها المقاومة خلال الأيام الماضية وأنعش آمالها كثيرا.
واليوم شهدت جبهة القتال في جنوب لبنان مقاومة شرسة جدا ضد توغلات جيش الاحتلال في الجنوب، ونفذت المقاومة كمينا محكما راح ضحيته 8 إسرائيليين بينهم ثلاثة ضباط إضافة إلى أكثر من 35 جريحا جراح بعضهم خطيرة.
والواضح أن إسرائيل المنتشية بانتصاراتها المؤقتة ستواجه مقاومة عنيفة جدا ونوعية في جنوب لبنان، الأمر الذي قد يجعلها تعيد التفكير ألف مرة في موضوع الاجتياح البري وكذلك استمرار حملتها العسكرية على لبنان.
لكن المقاومة اللبنانية ليست وحدها التي باتت تقلق إسرائيل، إنها إيران أيضا التي تحرم القادة العسكريين في إسرائيل من النوم، وتجعلها تفكر الآن كثيرا قبل أن تقدم على الرد عسكريا على الهجوم الإيراني الذي اعتبره الكثير من المحللين اليوم أنه أحرج إسرائيل وأحرج أمريكا نفسها وعقّد خياراتها كثيرا خاصة أنها بعد شهر واحد فقط على موعد مع انتخابات صعبة.
تحاول أمريكا تجنب التورط المباشر في المنطقة لكنها في الوقت نفسه ملتزمة بحماية إسرائيل من أي اعتداء، وقالت بشكل واضح أنها شاركت في ضد الهجوم على إيران.. لكن إسرائيل لا تفكر كثيرا في الموقف الأمريكي، إنها مهتمة بخياراتها وحدها أو بالتحديد بالخيارات التي يرسمها رئيس وزرائها المهتم فقط بمستقبله السياسي ولذلك يقحم إسرائيل وأمريكا في تحديات كبيرة وفي جبهات مواجهة كثيرة.
اعتقد نتنياهو أن توجيه ضربات قاتلة لحزب الله من شأنه أن ينهي النفوذ الإيراني ولكن الهجوم الذي حصل مساء الثلاثاء عزز النفوذ الإيراني في المنطقة إلى درجة قد لا تستطيع إسرائيل نفسها أن توقفه. وتعرف إيران جيدا كل التعقيدات التي تحيط بالقرار السياسي الدولي في هذه اللحظة، وتعرف أيضا الضغوطات الدولية التي تتعرض لها إسرائيل من أجل وقف حربها على لبنان بشكل خاص، ووظفت كل هذه القراءة السياسية لخدمة ردها الذي جاء أكبر بكثير مما توقعت إسرائيل ومما توقعت أمريكا أيضا، بل إنه جاء في لحظة اعتقد الجميع أنها لن تأتي.
لا شك أن إسرائيل تفكر جيدا الآن كيف يمكن أن ترد على إيران، وأين يمكن أن تكون نقطة الضعف التي يمكن أن تلحق بها خسائر كبيرة.. وتفكيرها كما يرى الكثير من المحللين الذين أكثروا الحديث اليوم يتجه إلى البرنامج النووي الإيراني.. وهذا بالنسبة لإيران خط أحمر قد يتسبب مجرد الاقتراب منه في هذه اللحظة من تاريخ المشروع إلى إشعال حرب كاملة الأركان بين البلدين، حتى لو كان تفكير إسرائيل ينحصر في مجرد إلحاق الأذى وليس التدمير الكامل للمشروع.
والواضح أن إسرائيل أدخلت نفسها في تعقيدات كبيرة جدا، وفي أوحال ستكبدها الكثير من الخسائر التي لا تستطيع تحملها بحكم وضعها وتركيبتها الداخلية وفلسفة وجودها.
إن مستقبل الشرق الأوسط يعتمد بشكل كبير على كيفية تعامل القوى الكبرى مع هذه التحديات المعقدة التي باتت أكثر وضوحا، وسيعتمد ذلك على مدى قدرة تلك الأنظمة على إيجاد حلول سلمية تعيد الطمأنينة إلى شعوب المنطقة المنكوبة بالحروب.. لكن هذا المسار يبدو صعب المنال فيما يبدو مسار المواجهة العسكرية الشاملة أكثر وضوحا مع الأسف الشديد.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
سوريا.. مسارات خادعة ومستقبل غامض
لم تستفق الأغلبية بعد من وقع الصدمة، وإن شئنا التخفيف سنكتبها "المفاجأة"، التي انتهى أحد أحد فصولها في 7 ديسمبر 2024، بسقوط النظام في دمشق، وسيطرة ما يسمى هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة سابقا"، بقيادة الإرهابي أبو محمد الجولاني "أحمد الشرع حديثا"، إلى جانب جميع الفصائل المسلحة الأخرى.
دون الخوض في تفاصيل ما قبل تاريخ 7 ديسمبر 2024، والذي سيحتاج للكثير من الوقت لكشف كواليسه بدقة بعيدا عن "التخمين"، وبعيدا عن دوامة الدوران في "الماضي"، وهو المستنقع الذي وقعت فيه معظم الدول ولم تخرج للآن، فإن الأهم للشارع السوري والمنطقة الآن يتمثل في المستقبل القريب وليس البعيد على الأقل.
كثيرون من المقيمين بالخارج هم في حيرة من أمرهم، بشأن حلم العودة للوطن، وما إن كان المستقبل هناك للجميع أم لتيار أو فصيل دون غيره، وهل حقا ستنتقل سوريا للديمقراطية سريعا، أم أنها ستنزلق أسرع للمسارات التي اعتدناها في العراق وليبيا والسودان واليمن.
بوجهة نظر آنية قد تتغير لاحقا طبقا للمجريات، فإن تعقيد الوضع السوري وكثرة التداخل فيه ربما يذهب بالدولة نحو سيناريوهات مفاجئة أيضا كما حدث في عملية سقوط النظام، وفي ظل سيناريوهات متعددة محتملة، أشير هنا إلى مسارين ربما هما الأهم في الوقت الراهن.
المسار الأول الذي يتفق عليه عليه وربما ترجحه الأغلبية من المراقبين، أن الدولة ذاهبة نحو الحرب الأهلية والتقسيم، للإبقاء عليها دويلات متنازعة تخضع كل منها لنفوذ دولة ما، من الدول المتداخلة هناك، تحقيقا للهدف الأسمى لواشنطن وهو إضعاف محيط إسرائيل بشكل كامل لتبقى هي يدها التي تضبط بها إيقاع الشرق الأوسط بشكل كامل "وفق رؤيتهم ومخطط الشرق الأوسط الجديد"، غير أن هذا المسعى يصطدم بجدار مصر الصلب، رغم كل الحصار الاقتصادي، كما يصطدم برفض معظم شعوب المنطقة له.
المسار الأول تعززه العديد من العوامل، منها ما قمت به قوات الاحتلال من قصف وتدمير للمطارات والقوة الصاروخية والبحرية، وبشكل عام نزع سلاح سوريا، وما تقوم به تركيا من تحشيد لقواتها على الحدود السورية، والدعم الأمريكي لميليشيا سوريا الديمقراطية، والسماح لهيئة مصنفة على قوائم الإرهاب بالتحكم في المشهد، لضمان عدم تفوق فصيل على آخر وعدم وجود أسلحة ومعدات تضمن تفوق فصيل على الأخر وقد تستخدم مستقبلا ضد إسرائيل، في إطار "تكافؤ القوة يضمن استمرار النزاع"، وهو المسار الأسوأ الذي قد يقضي على ما تبقى من أمل في سوريا، ويزهق أرواح الآلاف مجددا.
أما المسار الثاني، والمحتمل فإنه مغاير تماما لكل الاستراتيجيات التي اتبعتها واشنطن سابقا، وأرى أنه الأخطر إن كانت التحركات الدقيقة التي يتم العمل عليها تهدف إليه، ويتمثل في تقديم ما يسمى "جبهة النصرة "كفصيل قادر على إحداث النهضة الاقتصادية، بدعم مالي كبير من دول عربية وغربية، بحيث تتمكن الجبهة "وفق السيناريو المخطط لها" من تحويل سوريا إلى مركز اقتصادي موالي بشكل كامل للغرب وإسرائيل، وهو مسار لن يضمن لسوريا أيضا سيادتها أو وحدتها بأي شكل من الأشكال، لكنه قد يبقى على العاصمة في هذا الإطار على الأقل.
رغم ضعف الاحتمالية ووجود الكثير من العوائق، إلا أن العمل على هذا السيناريو يستهدف أولا بعث رسالة للجماعات العقائدية والفئوية بإمكانية دعمها كما حدث مع ما يسمى "هيئة تحرير الشام".
الرسالة الثانية للشعوب في بعض الدول المتماسكة حتى اللحظة بأن الجيوش الوطنية القوية ليست شرطا لبقاء وتقدم الدول، بل يمكن لجماعات حتى وإن كانت متطرفة أن تبني الاقتصاد، وبذلك تحاول السيطرة على الرأي العام وتوجيهه مرة أخرى للخروج ضد الدولة، بعد أن أصبحت سياسة الغرب القديمة مرفوضة من الأغلبية في الشرق الأوسط.
العوامل المعززة للمسار الثاني كثيرة أيضا، ويأتي في مقدمتها أن الغرب الذي أتى بالتيار الشيعي للمنطقة ومكنه منها منذ العام 2003، يأتي اليوم بتيار مناهض للتيار الشيعي وهو تيار "سني متشدد"، في إطار "إدارة الصراع" على جثة المنطقة وشعوبها.
عوامل أخرى اقتصادية تعيد الخط القديمة للواجهة، إذ بدأت الصراعات على الجيبوليتيك السورية وخطوط الطاقة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما سعت واشنطن ولندن في توسيع نفوذهما في الشرق الأوسط، وسعت واشنطن لوضع قاعدة أمريكية على الأراضي السورية، وهو ما تحقق بعد 2011.
فبعد استقلال سوريا عن الاحتلال الفرنسي عام 1946، تجلى الصراع على الجيبوليتيك السورية وخطوط الطاقة، حيث رفض الرئيس السوري آنذاك، شكري القوتلي، مشروع خط أنابيب التابلاين الذي كان يهدف إلى نقل النفط من السعودية والخليج إلى لبنان عبر سورية.
كما جاء رفض سوريا في عام 2000، خط أنابيب غاز طبيعي بقيمة 10 مليارات دولار بطول 1500 كيلومتر عبر المملكة العربية السعودية والأردن وسورية ومن سورية يتفرع الخط إلى ثلاثة فروع فرع إلى طرابلس لبنان وفرع إلى اللاذقية السورية والفرع الثالث إلى تركيا، كان الهدف من الخط هو ربط قطر مباشرة بأسواق الطاقة الأوروبية، وهو مشروع يحاول الغرب التعجيل به في ظل الأزمة المتفاقمة مع روسيا التي قربت عامها الثالث.
كما يعززه أيضا دور الجانب الأمريكي الذي تأكد تناقضه، رغم إعلانه أن المكافأة الأمريكية البالغة 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن الجولاني قائمة حتى الآن، في الوقت الذي ذهب وفد أمريكي رفيع المستوى ليلتقي بالجولاني في دمشق، وسبقه تنسيق المقابلة التلفزيونية معه لشبكة التلفزيون الأمريكي cnn.
في المجمل يمكن القول أن الشارع السوري في مفترق طرق الآن، وعليه أن يحدد مصيره برؤية وبصيرة مغايرة غير مبنية على انفعالات اللحظة، خاصة أنه من دفع الفاتورة الأكبر طوال السنوات الماضية في الداخل والخارج، وعليه الآن أن يحدد مستقبل أبناءه دون خوف أو مراهنة على احتمالات.. .مشاركة جميع التيارات السياسية والمكونات بشكل ديمقراطي دون أي إملاءات هو الذي يمكن أن ينقذ سوريا من المجهول.. .يجب أن تكون سوريا لكل السوريين غير تابعة لهذا أو ذاك.. .رغم صعوبة ذلك في الوقت الراهن.