رحلة إنتاج «كوب اللبن» لا تقتصر فقط على الفلاحين وأصحاب مزارع الأبقار ومراكز التجميع والتبريد، وإنما تمتد أيضاً إلى «المراكز البحثية» التى تقوم على التحسين الوراثى للماشية المنتجة للبن لضمان زيادة كمية وجودة إنتاجيتها بجانب تأقلمها مع الظروف الجوية المصرية، وللتعرّف على الدور المهم الذى تقوم به هذه المراكز، قطعت «الوطن» نحو 150 كيلومتراً، وصولاً إلى المحطات البحثية التابعة لـ«معهد بحوث الإنتاج الحيواني» بمحافظة كفر الشيخ، التى يتم إنتاج ألبان المعهد منها، وتحديداً محطة المعهد بـ«القرضا».

قطعان عالية الإنتاجية

فى جولة بين حظائر الماشية بالمحطة التى كانت سابقاً جزءاً من «الخاصة الملكية»، أخذ د. عبدالعزيز صقر، مدير المحطة، يستعرض قطعان أبقار المعهد عالية الإنتاجية من اللبن، ومنها «الفريزيان»، التى سبق واستقدمها المعهد إلى مصر في خمسينات القرن العشرين، والتي تأقلمت مع جو مصر، عبر سنين من انتخاب من لديه القدرة منها على التأقلم مع جوها، جنباً إلى جنب مع الاحتفاظ بميزة الإنتاج المرتفع من اللبن، لافتاً إلى أن متوسط إنتاجية البقرة «الفريزيان» 20 كيلو لبن يومياً.

حرص مدير المحطة البحثية كذلك، خلال جولته، على الإشارة إلى أبقار «الهولشتاين» التى تُنتج ما يصل إلى 35 كيلو لبن يومياً فى المتوسط، وغير بعيد عنها كانت بقرتان مميزتان من نوع «براون سويسرى» متوسط إنتاج البقرة الواحدة من هذا النوع 30 كيلو لبن يومياً، لافتاً إلى أن هذا النوع بدأ يتأقلم أيضاً مع جو مصر.

علف من المخلفات الزراعية

غير بعيد كانت «بالات قش الأرز» المضغوط مكدّسة تحت مظلات «استعداداً لاستخدامها بتقنيات ونسب معينة فى تغذية الحيوانات»، حسبما أشار د. محمد السيد، المشرف على التغذية فى المحطة، قائلاً: «الحيوانات المجترة مثل الأبقار والجاموس والأغنام والماعز، خلق الله لها معدة مركبة تتيح لها استغلال المخلفات الزراعية ومخلفات مصانع الأغذية».

ويضيف د. السيد: «نستخدم كل المخلفات الزراعية، مثل قش الأرز وعروش البطاطس والبطاطا والجزر والبنجر والفول السودانى، التى تكون ذات قيمة غذائية عالية، وطبعاً نستخدمها بمقنّنات مدروسة، وقبل استخدامها لا بد أن نُعاملها معاملات معينة، مثل التجفيف، أو بعض المعاملات البيولوجية أو الكيميائية الأخرى».

تتعاظم أهمية استخدام المخلفات الزراعية فى تغذية الحيوانات، بالنظر إلى أنها تسهم ولو جزئياً فى حل مشكلة ارتفاع أسعار الأعلاف وما تمثله من عقبة أمام زيادة عدد رؤوس الأبقار وتعظيم إنتاجيتها من الألبان. يضرب المشرف على التغذية بمحطة «القرضا» مثلاً على ذلك بسيلاج الذرة المكون أساساً من عيدان وكيزان الذرة بعد فرمها، مشيراً إلى أن الـ3 كيلو سيلاج ذرة بالكيزان البالغ سعرها 7.5 جنيه، تعادل كيلو علف مركز سعره 18 جنيهاً.

ولمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى تجارب قديمة رائدة فى استخدام المخلفات الزراعية كأعلاف للحيوانات، حيث كان المعهد أول من استعمل «سيلاج الذرة» كعلف، وحاول إقناع الفلاحين باستخدامه وتشجيعهم على ذلك، حتى أصبح «سيلاج الذرة» علفاً شائع الاستخدام بل ولا غنى عنه الآن، حسبما يضيف الدكتور محمد السيد، وهو ما يحدث الآن مع أنواع المخلفات الأخرى، مثل قش الأرز وعروش النباتات الخضرية، التى بعد أن كان الفلاحون يتركونها فى الغيطان لتختبئ فيها الفئران أو تشتعل فيها الحرائق وتلوث البيئة، أصبح الفلاحون يدركون قيمتها و«دلوقتى بيتخانقوا عليها».

وحسبما يشير د. السيد فإن «المعهد يحاول نشر الأفكار الحديثة، ومن بينها ما يتعلق باستغلال المخلفات الزراعية كأعلاف أو ما يُعرف بالأعلاف البديلة، وغيرها، من خلال دورات تدريبية للمربين وأصحاب المزارع الصغار والكبار، وشباب الخريجين من كل التخصّصات»، وهى الأفكار التى يبدو أنها بحاجة إلى مزيد من الانتشار بين صغار الفلاحين الذين يجاهدون لتوفير الأعلاف لمواشيهم.

«الماعز الدمشقى»

فى نهاية عنبر آخر طويل مُخصّص للأغنام والماعز، كان «الماعز الدمشقى» يقف بهيئته الوديعة، فيما كان د. أحمد يوسف، رئيس فرع الأغنام والماعز بمحطة بحوث القرضا، يتحدّث عن الطاقات الإنتاجية الكبيرة لهذه الكائنات الصغيرة، لافتاً إلى أن الماعز الدمشقى تعطى 2 كيلو لبن يومياً كحد أدنى على مدار موسم الحليب الخاص بها والذى يمتد إلى 5 أشهر بإجمالى 300 كيلو، كما أن بعض أفراد الماعز الدمشقى تنتج ما يصل إلى 500 كيلو فى لبن الموسم.

تتميز الماعز مقارنة بالأبقار على سبيل المثال، حسبما يشرح د. أحمد يوسف، بأنها تساوى خُمس بقرة من حيث كمية ما تأكله من أعلاف، أما من حيث «الكيف» فهى تأكل أعلافاً قيمتها الغذائية أقل تشمل على سبيل المثال «قش وعروش فول سودانى»، وهى أشياء كان الفلاحون يرمونها أو يحرقونها. وفى المحصلة النهائية فإن كل خمس معزات يمكن أن تنتج لنا 2500 كيلو لبن، وهو ما قد يتفوق على بقرة فى الإنتاجية.

ويزيد على ما سبق أن لبن الماعز يُعتبر من أغلى الألبان، ويصل سعر الكيلو منه فى المزرعة إلى 50 جنيهاً، أى أكبر بـ3 أضعاف من سعر لبن الأبقار، مع ملاحظة أنه يمكن أن تُصنع منه أنواع فاخرة من الجُبن، فى مقدمتها طبعاً «الجبنة الريكفورت».

وتتميز الماعز كذلك، حسبما يضيف رئيس فرع الأغنام والماعز بمحطة بحوث القرضا، بقدرتها على مقاومة الأمراض والتأقلم مع الظروف المناخية، أكبر من الأبقار والجاموس، وتأتى بعد الإبل مباشرة من حيث قدرتها فى هذا الصدد، ولكل ذلك، ولانخفاض أسعارها مقارنة بالأبقار والجاموس، حيث يصل سعر الماعز الواحدة إلى 8 آلاف جنيه، فإنه غالباً ما يتم استخدامها، سواء من جانب الوزارة أو الجمعيات الأهلية، فى المشروعات الخيرية، لمنحها للنساء المُعيلات، ويركز المعهد الآن على إنتاج مواليد من هذه السلالة لعمل إكثار لها فى مصر.

احتياج لزيادة الدعم

رغم أهمية الدور الذى تقوم به مثل هذه المحطات البحثية، فى أقلمة السلالات المستوردة عالية الإنتاجية وخلطها مع السلالات المحلية، ومحاولة نشرها، سواء من خلال التلقيح الاصطناعي أو بيع ما يزيد على حاجتهم منها، ناهيك عما تحاول القيام به من ندوات إرشادية ودورات تدريبية، إلا أنها، وحسبما أفاد بعض الباحثين والعاملين بها «تحتاج أيضاً إلى مزيد من الدعم، سواء فى شكل ميزانيات أكبر أو عمالة، لاسيما بعد خروج معظم العمالة على المعاش وعدم وجود تعيينات جديدة، واحتياج الحيوانات إلى رعاية دائمة، مع ملاحظة أن هذا الدعم سيعود بخير وعوائد مضاعفة على البلد ككل، حال نشر السلالات والتقنيات التى يتم اختبارها بهذه المحطات».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الألبان السلع الاستراتيجية المخلفات الزراعیة إلى أن

إقرأ أيضاً:

من التدخين إلى الطب.. هكذا تحوّل التبغ المعدل وراثيا إلى منقذ للأرواح بالأرض والفضاء

اقترح باحثون بريطانيون من جامعة "وستمنستر" استخدام التبغ المعدّل وراثيًا لإنتاج الأدوية، وهو ما قد يشكل نقلة نوعية في مجال الرعاية الصحية، خاصة في البلدان النامية. 

وفي تطور علمي مثير، كشف موقع "The Conversation"، أنّ التبغ، الذي كان يُستخدم لقرون كعلاج تقليدي للصداع ونزلات البرد والقرحة، قد يعود إلى الواجهة الطبية بشكل حديث ومبتكر.

وأوضح أنه "في القرن السادس عشر، كان التبغ يُعتبر "الدواء الشافي" في أوروبا، وكان يُوصف لعلاج مجموعة واسعة من الأمراض. لكن بحلول القرن الثامن عشر، أصبحت آثاره الضارة معروفة، ما أدى إلى تراجع استخدامه الطبي".

وأبرز الموقع أنه "اليوم، ومع تقدم تكنولوجيا الهندسة الوراثية، يمكن إعادة تصنيف التبغ كمحصول طبي قيّم. وذلك عبر استخدام تقنيات الهندسة الوراثية، حيث يمكن تعديل التبغ لإنتاج البروتينات اللازمة لتصنيع الأدوية المعقدة مثل اللقاحات والأنسولين والعلاجات المناعية". 

"هذه الطريقة أرخص بكثير من الطرق التقليدية التي تعتمد على مفاعلات حيوية باهظة الثمن. وفي عام 2012، أظهرت شركة "ميديكاغو" الكندية إمكانات التبغ الهائلة بإنتاج أكثر من 10 ملايين جرعة من لقاح الإنفلونزا في شهر واحد فقط" وفقا للموقع نفسه.

وأكد أنه "ليس ذلك فحسب، بل يمكن استخدام التبغ من أجل إنتاج علاجات مناعية ضد أمراض خطيرة مثل فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والإيبولا وحتى السرطان. وفي عام 2014، تم منح أحد هذه الأدوية حالة الاستخدام الطارئ في الولايات المتحدة أثناء تفشي الإيبولا".


إلى ذلك، أكد الموقع أنه "لا تقتصر فوائد التبغ المعدل وراثيًا على الأرض فقط، بل يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في استكشاف الفضاء؛ إذ إنّ بذور التبغ صغيرة الحجم ويمكن زراعتها على سطح المريخ أو الكواكب الأخرى، ما يجعلها خيارا مثاليًا لرواد الفضاء".

وختم بالقول: "بالإضافة إلى استخداماته الطبية، يمكن للتبغ أن يُستخدم في إنتاج توابل باهظة الثمن مثل الزعفران أو المنكهات، ما يجعله محصولًا متعدد الاستخدامات في الزراعة".

واستطرد بأن "هذا الابتكار العلمي يفتح آفاقًا جديدة لاستخدام التبغ بشكل إيجابي، بعيدًا عن آثاره الضارة المعروفة، ما يعيد تعريف دوره في عالم الطب والزراعة وحتى استكشاف الفضاء".

مقالات مشابهة

  • ضبط طن و187 كيلو لحوم فاسدة بمنفذ الإدارة الزراعية بالشهداء في المنوفية
  • محافظ دمياط يرسل إنذارات أخيرة للمتعدين على الأراضي الزراعية
  • تبون يأمر باستيراد مليون رأس ماشية استعداداً لعيد الأضحى
  • تناولا الكوكايين.. كلبان يُقطعان جسد سبعينية حتى الموت
  • من التدخين إلى الطب.. هكذا تحوّل التبغ المعدل وراثيا إلى منقذ للأرواح بالأرض والفضاء
  • من التدخين إلى الطب.. هكذا تحوّل التبغ المعدل وراثيا لمنقذ للأرواح بالأرض والفضاء
  • وزير التعليم العالي يعلن إقامة شراكات بين المؤسسات البحثية ومجتمع الصناعة
  • البيئة والزراعة تبحثان الاستفادة من المخلفات الزراعية لتصنيع الأعلاف والأسمدة
  • وزيرا الزراعة والبيئة يبحثان الاستفادة من المخلفات الزراعية والحيوانية في تصنيع الأعلاف والأسمدة العضوية
  • 45 مليون طن.. الزراعة: المخلفات الزراعية تقلل فاتورة استيراد الأعلاف من الخارج