في عالم يتسم بالتعقيد والتحديات المتزايدة، تبرز الدبلوماسية العلمية كأداة حيوية لتعزيز التعاون بين الدول. فهي ليست مجرد تبادل للمعرفة العلمية، بل تمثل إطارًا لتعزيز السلام والتنمية المستدامة. من خلال التعاون في مجالات مثل الصحة، والتغير المناخي، والطاقة المتجددة، يمكن للدول مواجهة التحديات العالمية بشكل أكثر فعالية.

 الدبلوماسية العلمية في الجامعة العربية

وفي هذا السياق أكد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، ، أهمية تطوير أدوات الدبلوماسية لتشمل المجالات العلمية والتكنولوجية لمواجهة التحديات العالمية المعقدة، لافتا إن الدبلوماسية في جوهرها تمثل أداة لحل المشكلات والتفاوض للوصول إلى تسويات تحقق الصالح العام. 

جاء ذلك خلال كلمته في المؤتمر الدولي رفيع المستوى حول الدبلوماسية العلمية، الذي يعقد في مقر الأمانة العامة للجامعة، بحضور وزراء ومسؤولين من مصر والاتحاد من أجل المتوسط والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى رؤساء جامعات ومنظمات عربية وإقليمية.والذي جاء في وقت حرج يتطلب تعزيز الابتكار والتعاون بين الدول لمواجهة التحديات العالمية.

 كما دعا المشاركون إلى إنشاء منصات للتواصل وتبادل المعرفة بين العلماء وصناع القرار.

مفهوم متجدد

تتجاوز الدبلوماسية العلمية الحدود التقليدية للدبلوماسية، حيث تجمع بين العلماء وصناع القرار. هذا التعاون يمكن أن يسفر عن حلول مبتكرة للمشكلات المعقدة، كما يساعد على بناء الثقة بين الدول.

وأكد السفير ناصر كامل، الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط، على أهمية التعاون بين العلم والدبلوماسية لبناء منطقة متوسطية مستدامة ومزدهرة. جاء ذلك خلال كلمته في الاجتماع الرفيع المستوى حول الدبلوماسية العلمية، الذي عُقد بجامعة الدول العربية.

وأشار إلى أن العلم، بلغة عالمية، يذكّرنا بإمكانية الحوار والتواصل عبر الحدود. وقد أظهر المؤتمر الوزاري الأول للاتحاد من أجل المتوسط حول البحث والابتكار الدور الإيجابي لدبلوماسية العلوم في تعزيز التعاون الإقليمي.

كما سلط السفير كامل الضوء على أهمية العلم في معالجة قضايا مثل تغير المناخ، مشيراً إلى أن منطقة البحر الأبيض المتوسط تعد من أسرع المناطق احترارًا في العالم. وأكد أن المعرفة المكتسبة من خلال مبادرات مثل MedECC تُعتبر دعوة للاستيقاظ لتوحيد الجهود في مواجهة التحديات المناخية.

وهناك أمثلة بارزة على الدبلوماسية العلمية ومنها

 

 مبادرة "اللقاح العالمي"

خلال جائحة كوفيد-19، برزت أهمية التعاون العلمي بين الدول. ساهمت مبادرة "كوفاكس" في ضمان توزيع اللقاحات بشكل عادل بين الدول النامية والمتقدمة، مما يعكس كيف أن العلوم يمكن أن تكون جسرًا للتعاون الدولي.

ولفت أبو الغيط إلى أهمية الدبلوماسية العلمية في مواجهة تحديات العصر، مثل الأوبئة العالمية، الأمن الغذائي، والحفاظ على التنوع البيولوجي، فضلاً عن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وما تثيره من قضايا شائكة. وأعطى مثالاً على نجاح الدبلوماسية العلمية في مواجهة جائحة كوفيد-19، من خلال تسهيل تبادل المعلومات والخبرات

 التعاون في مجال المناخ

تعتبر اتفاقية باريس للمناخ مثالاً آخر على الدبلوماسية العلمية. فقد اجتمعت الدول لمواجهة التغيرات المناخية من خلال تبادل البيانات والبحوث، مما أسفر عن التزامات جماعية للحد من الانبعاثات.

تسعى العديد من الدول إلى التعاون في تطوير تقنيات الطاقة المتجددة. على سبيل المثال، مشروع "ديزرتيك" في شمال أفريقيا يهدف إلى استغلال الطاقة الشمسية، ويعزز التعاون بين الدول الأوروبية والدول الإفريقية.

يُعتبر مشروع بنبان للطاقة الشمسية أحد أكبر مشروعات الطاقة المتجددة في العالم، ويُظهر كيف يمكن لمصر أن تتعاون مع دول أخرى في مجال الطاقة. هذا المشروع يتيح لمصر أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة.

واقامت مصر مركز الأبحاث العلمية والتكنولوجيا، لتعزيز البحث العلمي والابتكار و تطوير تقنيات جديدة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، والصحة العامة، مما يعزز التعاون مع مؤسسات علمية دولية.

 

 المبادرات المستقبلية

تسعى العديد من الدول والمنظمات الدولية إلى تعزيز الدبلوماسية العلمية من خلال مجموعة من المبادرات المستقبلية، ومنها: الشراكات البحثية الدولية بين الجامعات ومراكز البحث في مختلف الدول لتعزيز التعاون في مجالات البحث العلمي، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الصحة العامة والطاقة المتجددة.

بالإضافة إلى تنظيم مؤتمرات دولية تجمع العلماء وصناع القرار لمناقشة القضايا العالمية مثل التغير المناخي، الأمن الغذائي، والصحة العامة، بهدف تبادل الأفكار والخبرات، وإنشاء منصات تتيح الوصول المفتوح إلى البيانات العلمية، مما يسهل التعاون بين العلماء من مختلف الدول ويعزز من إمكانية إجراء أبحاث مشتركة.

تطوير برامج تعليمية وتدريبية مشتركة تهدف إلى تعزيز المهارات العلمية والتقنية في الدول النامية، مما يسهم في بناء قدرات محلية قوية.

تشجيع التعاون في مجالات الابتكار التكنولوجي من خلال إنشاء حاضنات أعمال مشتركة، مما يساعد على تطوير حلول مبتكرة للتحديات العالمية. تعمل مصر على تنفيذ مبادرة "العلوم من أجل التنمية المستدامة" التي تهدف إلى استخدام البحث العلمي في تطوير حلول للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

 وتفعيل دور المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني في عملية الدبلوماسية العلمية، لضمان مشاركة أكبر للمعرفة والدراسات العلمية في اتخاذ القرارات.

تأسيس مبادرات جديدة لمواجهة الأوبئة والأمراض من خلال تعزيز التعاون بين الدول في مجالات البحث والتطوير، وتبادل اللقاحات والتقنيات الطبية.

 التحديات المستقبلية

رغم النجاحات التي حققتها الدبلوماسية العلمية، تواجه بعض التحديات. تشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية، وعدم المساواة في الوصول إلى الموارد العلمية، والاختلافات الثقافية.

في خضم التحديات العالمية، تبقى الدبلوماسية العلمية أداة حيوية لتعزيز التعاون والتفاهم بين الدول. من خلال تعزيز الحوار بين العلماء وصناع القرار، يمكن للعالم أن يتجاوز الأزمات ويحقق التنمية المستدامة.

 ويعد الاستثمار في الدبلوماسية العلمية ليس مجرد خيار، بل ضرورة ملحة لمواجهة المستقبل، كما أكد المؤتمر اليوم على هذه الأهمية من خلال تعزيز الرؤى المشتركة بين الدول العربية.

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الدبلوماسية العلمية السلام والتنمية أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية السلام والتنمية المستدامة الدبلوماسیة العلمیة التحدیات العالمیة التعاون بین الدول مواجهة التحدیات الطاقة المتجددة تعزیز التعاون بین العلماء التعاون فی العلمیة فی بین العلم فی مجالات من خلال من أجل

إقرأ أيضاً:

الدبلوماسية الثقافية.. فرح الديباني صوت مصري يحمل رسالة الفن والإنسانية من طوكيو إلى نوتو

بصوتها الآسر وحضورها الإنساني النبيل، جسّدت مغنية الأوبرا المصرية العالمية فرح الديباني معنى الدبلوماسية الثقافية في أبهى صورها، خلال جولة مؤثرة امتدت لأسبوعين في اليابان، مزجت خلالها الفن بالخدمة المجتمعية، والرسالة الإنسانية بالتقارب الثقافي بين الشعوب.

انطلقت الرحلة من العاصمة اليابانية طوكيو، حيث أحيت الديباني حفلًا خيريًا دعمًا لضحايا زلزال نوتو، بحضور دبلوماسي وثقافي رفيع المستوى. وقدّمت خلال الحفل أغنيتها الجديدة "أحبوا الأرض، أحبوا الأطفال"، التي أعدّتها بثلاث لغات، في دعوة للتعاطف وحماية الإنسان والبيئة على حد سواء.

من طوكيو إلى نوتو، حملت الديباني رسالتها الإنسانية إلى المناطق الأكثر تأثرًا بالكارثة، وزارت المدارس والملاجئ ودار أيتام محلي، حيث غنّت للأطفال، وواستهم بكلمات وألحان تمسّ القلب. ولم تكن الزيارة عابرة، بل تفاعلت مع المجتمع المحلي، وشاركت في حفلات تخرج طلابية، قدمت فيها الأوبرا والموسيقى المصرية، لأول مرة، لطلاب يابانيين لم يعرفوا هذا اللون من الفن.

وفي محطة رمزية مؤثرة، انتقلت إلى منطقة توهوكو في ذكرى تسونامي مارس 2011، وزارت المدرسة الوحيدة التي صمدت في وجه الكارثة. وقدّمت خلال حفل الذكرى أداءً خاصًا لأغنيتها، وسط حضور رسمي يتقدمه عمدة المدينة، مؤكدة أن "الموسيقى قد لا تُرمّم الجدران، لكنها قادرة على ترميم الأرواح".

واحتفالًا بخاتمة الجولة، شاركت الديباني في حفل خاص بطوكيو حضره نخبة من ممثلي الدبلوماسية والفنون، حيث تم تسجيل أغنيتها كرسالة خالدة للوحدة والرحمة والتضامن العالمي.

وبعد عودتها إلى أوروبا، ألقت الديباني كلمة مؤثرة في السفارة اليابانية في باريس خلال إطلاق مشروع "أكبر لوحة في العالم"، والذي سيُقام في 17 أبريل الجاري في مصر، بالتعاون مع مؤسسة المبادرة هيروكو كاواهارا، وسفير اليابان بالقاهرة. ويهدف المشروع إلى إطلاق طاقات الأطفال في المدارس المصرية من خلال الفن، وتوطيد جسور التفاهم الثقافي عبر الألوان.

وفي إطار هذا التعاون الثقافي، تستعد الديباني لتقديم حفلها المرتقب بعنوان "صحارى ساكورا: لم يُرَ من قبل"، والذي سيُقام في موقع الصوت والضوء بالأهرامات يوم 11 أبريل، بمشاركة فنانين يابانيين وقيادة المايسترو ناير ناجي، وبرعاية الأثري العالمي الدكتور زاهي حواس، في أمسية تحتفي بالتاريخ، والموسيقى، والتعاون المصري الياباني في صيانة التراث الإنساني.

مقالات مشابهة

  • الدبلوماسية الثقافية.. فرح الديباني صوت مصري يحمل رسالة الفن والإنسانية من طوكيو إلى نوتو
  • «الشؤون الإسلامية» تعزز التعاون مع «الإدارة الدينية لمسلمي روسيا»
  • البرلمان الإسباني: مصر تلعب دوراً رئيسياً في تعزيز الاستقرار بالشرق المتوسط
  • البلدان الفقيرة والناشئة.. الخاسر الأكبر من ارتفاع الرسوم الجمركية.. واشنطن تسعى لابتزاز الدول.. وتستخدم الكثير من وسائل الضغط الدبلوماسية والاقتصادية
  • ضجة في سوريا بسبب لاعبتين.. مسحتا العلم عن القميص
  • لماذا تمد إيران جسور التعاون مع دول الخليج الآن؟
  • ليبيا تعزز التعاون الدولي لدعم حقوق الأشخاص «ذوي الإعاقة»
  • ولي العهد السعودي والرئيس الإيراني يبحثان تطورات الأحداث في المنطقة
  • روان أبو العينين: مصر جذبت استثمارات تتجاوز 12.3 مليار دولار رغم التحديات
  • سلامة : أهمية التعاون والتآزر في مواجهة التحديات