«أصدقاء الكراسي»، وما أدراك ما «أصدقاء الكراسي»، إنهم مجموعة من الطفيليات البشرية تتكاثر في المؤسسات، وعند المسؤولين، تجمعهم المصلحة، وتنتهي علاقاتهم بنهاية وظيفة المسؤول، يتصنّعون الود، ويأنسون للقاء، ويدورون كيفما يدور الكرسي، وحيثما يريد صاحبه، رأيهم هو رأيه، وكلمتهم هي كلمته، وفعلهم هو فعله، يلبّون حاجاته قبل أن ينطق، ويتبعون مشورته دون أن يطلب، ويصدّقون كذبته، ويؤيدون رأيه ولو كان خطأ، ويغدقون عليه بالهدايا القيمة، ويسألون عنه إذا غاب، ويتبعونه إن سار، ويحضرون عزاءه ولو كان المتوفى من أبعد البعيدين لديه، ولكن لا بد لصديق الكرسي أن يسجل حضوره، ويظهر اهتمامه لصاحب المسؤولية.
ولكن ما إن تنتهي الوظيفة، ويحال المسؤول إلى التقاعد، أو ينقل إلى وظيفة غير مؤثرة، تبدأ الزيارات بالانحسار حتى تتلاشى، وتبدأ الاتصالات بالتباعد حتى تنتهي، ويبدأ «صديق المصلحة» بالابتعاد شيئا فشيئا، متعللا بكثرة المشاغل، ومتعذرا بزحمة الحياة، حتى يختفي، ويكتشف المسؤول بعد فوات الأوان، وبعد أن يصفو المشهد، كم كان مغفلا وساذجا، وكم كان ذلك «الصاحب المزيف» متلوّنا، ومنافقا، حين تبدأ الأحداث والمواقف والمناسبات بفرز صديق المصلحة، من الصديق الحقيقي، وحين يقل عدد الأصحاب إلى الحد الأدنى، وقد لا يبقى سوى واحد أو اثنين منهم، بينما يتلاشى الباقون، ويذوبون رويدا رويدا في كأس الحياة، ويبدأ «صديق الكرسي» بالبحث عن المسؤول الجديد، كي ينسج خيوطه حوله، وتتكرر دورة الأحداث دون تغيير.
يخبرني أحد الأصدقاء والذي كان مسؤولا كبيرا، وكان يشغل منصبا يتعلق بمصالح المواطنين، بأنه حين كان على رأس عمله ـ لم يكن مكتبه ومجلسه يخلو من الناس، ولم يكن بيته يخلو من الزيارات، وبعد فترة انتقل هذا المسؤول من وظيفته «المؤثرة» إلى وظيفة «ثانوية» فبدأ «الأصدقاء» بتقليل الزيارات، والتواصل، ثم تقاعد صاحبنا فانقطع عنه الكثيرون، يقول الرجل: «أضع دلة القهوة من الصباح في المجلس، وأعيدها إلى المطبخ على حالها أحيانا، لم يعد الأصدقاء يمرون إلا بعد حين، ولم يعد الناس يتوددون إليّ كما كانوا»، وأمثال هذا الشخص كثيرون، ممن صدمهم الواقع الحيّ، ورأوا المشهد على حقيقته، وعرفوا بعد أن تركوا الوظيفة «الأصدقاء» بوضوح أكبر.
مسؤول آخر يقول: «لم يكن هاتفي يصمت، كان الجميع يسأل عني، ويدعوني إلى مناسباته، ويحضر مناسباتي، وكان الجميع يخطبون ودي، وحين أتصل كان البعض يجيب على مكالمتي من أول رنّة، أما الآن، لم يعد الأمر كذلك، قلّت المناسبات، ولم يعد الكثير من أصدقاء الكرسي يردون على مكالماتي، وتغير كل شيء، اكتشفت في نهاية المطاف أن المخلصين، والأوفياء قليلون، وربما نادرون، لا يظهرون إلا حين تنتفي المصالح، وتذهب المناصب، ويزول الكرسي». وهناك الكثير من الأمثلة العملية والحياتية التي صدمها الواقع، فهؤلاء الطفيليون تفرزهم الحياة، ويظهرون وجوههم الحقيقية بعد زوال الكرسي، فتسقط حينها أقنعتهم المزيفة، ونكتشف عندها من هم الأصدقاء الحقيقيون، ونعرف أهميتهم، ومدى نقائهم، وقد نتأقلم مع الوضع الجديد، ونصالح أنفسنا، ونعلم أنه ليس كل من جالسنا، وخالطنا ذات يوم كان يستحق اهتمامنا، ومساحة ودّنا، بل كان أكثرهم مجرد أصدقاء عابرون زائفون، أصدقاء كرسي ومصلحة مؤقتة، وأنهم لم يكونوا أبدا أصدقاء حياة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: لم یعد
إقرأ أيضاً:
وكيل التعليم يطّلع على برنامج أصدقاء الطريق بتعليمية جنوب الباطنة
الرستاق - خالد بن سالم السيابي
اطلع سعادة الأستاذ الدكتور عبدالله بن خميس أمبوسعيدي وكيل وزارة التربية والتعليم للتعليم على برنامج (أصدقاء الطريق) والذي يأتي بالتعاون والشراكة بين وزارة التربية والتعليم وشرطة عمان السلطانية ممثلة في معاهد السلامة المرورية وشركة شل عُمان للتنمية ويُطبق في ثلاث مدارس بالمحافظة.
تأتي الزيارة لمتابعة تنفيذ البرنامج ودعم جهود المدارس المبذولة في هذا المجال، حيث يهدف البرنامج الإثرائي إلى رفع مستوى الثقافة المرورية لدى الطلبة للحد من الحوادث المرورية والعمل على تقليل المخاطر الناجمة عنها، وخلق جيل واعٍ بالسلامة. وقد رافق سعادته في الزيارة الدكتور ناصر بن سالم الغنبوصي مدير عام تعليمية المحافظة وممثلون من شرطة عمان السلطانية وشركة شل عمان للتنمية وعدد من المسؤولين والمعنيين بوزارة التربية والتعليم وتعليمية جنوب الباطنة.
هذا وشملت الزيارةُ مدارسَ عثمان بن مظعون للتعليم الأساسي (5-12) وأسماء بنت يزيد للتعليم الأساسي (1-8) واليقين للتعليم الأساسي (7-9)، وتضمن البرنامج عدة فعاليات ومناشط ذات صلة؛ كالفقرات الكشفية والموسيقية الترحيبية وأنشودة السلامة المرورية والعروض المرئية. إضافة للدروس التطبيقية ومسرحية ومعرض السلامة المرورية. كذلك ملف الإنجاز والذكاء الاصطناعي وغيرها. كما ناقش سعادته القائمين على تنفيذ البرنامج وعددا من المستهدفين.
وأكد سعادة الأستاذ الدكتور عبدالله بن خميس أمبوسعيدي وكيل وزارة التربية والتعليم للتعليم في ختام زيارته على أهمية برنامج أصدقاء الطريق الذي تتبناه الوزارة بالشراكة والتعاون مع عدة جهات؛ حيث يعمل البرنامج على غرس المبادئ المرورية وأساسيات السلامة لدى المستهدفين ورفع مستويات الثقافة والوعي بُغية تحقيق أهدافه السامية. كما أثنى سعادته على جهود المدارس المبذولة في المحاور ذات الصلة. واختتم بالشكر والتقدير لجميع القائمين والداعمين والمشاركين في نجاح البرنامج المُستدام.