جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-04@07:51:47 GMT

أسطورة "حزب الله"

تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT

أسطورة 'حزب الله'

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

بعد هزائم ونكسات عديدة للأنظمة الرسمية العربية عبر عدة عقود، وذلك بعد انكسار جيوشها مُجتمعة في مواجهة العصابات الصهيونية التي زرعها المستعمر في فلسطين قلب الوطن العربي، ومن بين الركام والتدمير الذي خلفه الجيش الإسرائيلي في لبنان؛ ووسط الضبابية والظلام الدامس في الساحة العربية، يظهر في الأفق نجم حزب الله اللبناني عام 1982 كتنظيم مُقاوِم والذي أبهر العالم بقوته وإرادته الأسطورية التي لا تنكسر في وجه القوى العظمى الحامية لإسرائيل؛ إذ كانت البداية بقتل أكثر من 300 من المارينز في بيروت من خلال تفجير المباني والثكنات العسكرية الأمريكية والفرنسية.

ثم توالت بعد ذلك نجاحات الحزب في جنوب لبنان واستطاع أن يهزم إسرائيل في كل المواجهات التي تمت بين الطرفين، ولكن الذي حدث في شهر الماضي من اختراقات إسرائيلية في هيكلية الحزب وقيادته العليا قد طرح علامات استفهام صادمة للجميع.     

وبالفعل كان يوم 28 سبتمبر الماضي يوماً أسود وحزيناً لكل المساندين لغزة وفلسطين من أبناء الأمة الإسلامية، لم لا، فقد فقدت المقاومة الإسلامية في لبنان كوكبة من القادة البواسل الذين كان لهم رصيد وبصمة واضحة المعالم في الوقوف مع الشعب الفلسطيني ومساندته في أحلك الظروف وأصعبها على الإطلاق في الوقت الذي تخلت فيها الحكومات العربية عن واجبها تجاه أطفال ونساء غزة بدون خجل، وأدارت تلك الأنظمة ظهرها للإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، وفي مقدمة هذه القافلة هؤلاء المجاهدين سماحة الشيخ حسن نصر الله.

لقد وقف العالم مذهولًا من تمكن الجيش الإسرائيلي طوال عدة أسابيع متتالية من اختراق منظومة القيادة والاتصالات في حزب الله؛ حيث استطاع الصهاينة اغتيال الصف الأول من القادة الميدانيين لهذا الحزب الذي يوصف بأنه واحدٌ من أفضل التنظيمات في العالم من حيث الانضباط والتخطيط السليم  فضلاً عن الإجراءات الاحترازية المتقدمة. ولكن الخطأ القاتل هو الاستمرارية في اتخاذ الضاحية الجنوبية مكاناً للاجتماعات على الرغم من خطورة ذلك المكان ووجود جواسيس ينقلون للكيان الصهيوني البغيض تحركات قادة الحزب أولاً بأول بدون تدخل أو قرار حاسم من الجهاز الأمني المكلف بمكافحة التجسس في حزب الله. كما إن الخطأ القاتل الثاني يتمثل في ردود الحزب على الهجمات التي استهدفت نائب رئيس حركة حماس المجاهد صالح العروري، وكذلك الاغتيالات التي طالت كل من فؤاد شكر وإبراهيم عقيل؛ إذ كانت تلك الردود الانتقامية هزيلة ودون المستوى، مما  شجع إسرائيل على استهداف القيادة العُليا بوزن سماحة الشيخ حسن نصر الله الأمين العام للحزب.   

أما الخطأ القاتل الثالث فيتمثل في نجاح الموساد في تفخيخ أجهزة النداء المعروفة بـ"البيجر" بهدف استهداف العديد من القادة وأفراد الحزب والأسوأ من ذلك كله فشل منظومة الحزب في عدم التعلم من درس البيجر؛ بل تمت عملية أخرى في اليوم التالي تتمثل في تفخيخ أجهزة الاتصالات اللاسلكية من طراز (آيكوم في 82)، وذلك خلال عملية التصنيع دون أن ينتبه أحدٌ من المسؤولين في الحزب لذلك أو على الأقل سحبها فورا من منظومة الاتصالات في الحزب عشية انفجار أجهزة البيجر. ومن الأخطاء الاستراتيجية للحزب أيضا اصطفاف الحزب مع الحكومة السورية في القتال الدامي ضد المُعارضة السورية التي كانت تطمح إلى إقامة نظام ديمقراطي في البلاد. 

لقد كانت طموحات الشعوب العربية منذ البداية أن يتجاوز دور المقاومة الإسلامية في لبنان الإسناد والقيام باستهداف القواعد العسكرية الإسرائيلية بل بالقيام باجتياح المستعمرات القريبة من الحدود على أقل تقدير، ولكن كان هناك تردد وخوف وضغوط من الحكومة اللبنانية وإيران من قيام إسرائيل بالانتقام واستهداف المدن اللبنانية وخاصة العاصمة بيروت ولكن في نهاية المطاف تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء باستهداف الضاحية الجنوبية ومختلف المدن اللبنانية وتدمير المباني على رؤوس المدنيين الأبرياء. 

وعلى الرغم من ذلك فقد كان لحزب الله السبق في هزيمة الجيش الإسرائيلي مرتين المرة الأولى في ربيع عام 2000؛ إذ نجح المجاهدون في المقاومة اللبنانية في إجبار الصهاينة على الهروب الجماعي في جنح الظلام، وذلك بعد مسيرة جهادية استمرت سنوات طويلة. وقد كنت من ضمن الإعلاميين الذين زاروا بوابة فاطمة المطلة على الجليل في شمال فلسطين المحتلة، حيث شاهدنا على الطبيعة الجنود المدحورين خلف الأسلاك وهم يهتزون من الخوف في الأبراج، بينما أبطال المقاومة الإسلامية المنتصرون يضحكون ويمرحون في الطرف اللبناني ويرتدون الزي الرياضي وليس العسكري.

لقد كانت رحلتي من بيروت عبر صيدا ومرورا بالجبال والأودية وصولا في البداية إلى سجن الخيام الذي تحول إلى متحف يُحاكي مرحلة الجهاد ومعاناة السجناء والتعذيب الذي استمر لسنوات طويلة، كما أخذنا إيجازا عن العمليات الاستشهادية لرجال المقاومة في قواعد وثكنات المحتلين الصهاينة في جنوب لبنان خلال الاحتلال للأراضي اللبنانية؛ مما عجل بالانسحاب الذي تكلل بالنصر الكبير للعرب لأول مرة في تاريخهم مع الجيش الإسرائيلي، بينما تحقق الانتصار الثاني لحزب الله في يونيو 2006، إذ تمكن الحزب من هزيمة الجيش الإسرائيلي وأسر جنوده وإجباره على الانسحاب إلى الحدود الدولية للمرة الثانية. يبدو لي أنَّه إذا حاول الجيش الإسرائيلي الإسرائيلي اجتياح جنوب لبنان والذي يُهدد منذ قررت المقاومة اللبنانية مساندة غزة في أكتوبر 2023 وحتى الآن، فسوف يُحقق حزب الله الانتصار الثالث بعون الله. فالذي يميز المقاتلين في حزب الله هو حبهم للشهادة في سبيل الله مثل حب الصهاينة للحياة.   

يجب تذكير الجميع بأنَّ الشعب اللبناني كان السبَّاق في فتح جبهة جنوب لبنان بالمشاركة مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي كان يقودها المناضل ياسر عرفات رئيس المنظمة في ذلك الوقت، فقد كان الإمام موسى الصدر أحد الرموز الإسلامية الشيعية قد دعا إلى الجهاد لتحرير القدس في مطلع سبعينيات القرن الماضي وذلك قبل ظهور حزب الله على الساحة اللبنانية وتصدره للمشهد السياسي والعسكري في المنطقة.

يجب التأكيد أن الانتصار الساحق لحركة حماس في 7 من أكتوبر كان اسثنائياً بكل المقاييس فقد هزَّ أركان الدولة الصهيونية مما ترتب على تلك الصدمة، هجرة عكسية لأكثر من أربعمائة ألف إسرائيلي للخارج وقبل ذلك كله نهاية أسطورة ما يُسمى بالجيش الذي لا يُقهر.   

وفي الختام، حزب الله تنظيم عقائدي قائم على أرضية صلبة ومنهجية واضحة المعالم فلا يتأثر بغياب القيادات السياسية ولا حتى الميدانية، فكانت كلمة الشيخ نعيم قاسم الأمين العام الحالي مُعبرة عن مستقبل الحزب في المرحلة القادمة وبالفعل فقد بدأ الحزب يستعيد الروح المعنوية هذه الأيام من خلال استهداف تل أبيب بالصواريخ البالسيتة التي جعلت أكثر من مليون إسرائيلي يلزم الملاجئ تحت الأرض وكذلك نجاح الحزب في صد التوغل الإسرائيلي وقتل وجرح عدد كبير من جنود الاحتلال، وذلك خلال كتابة هذه السطور.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

معنى تصفيد الشياطين في شهر رمضان.. ومن الذي يوسوس لنا ؟

أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما معنى تصفيد الشياطين في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ»، وكيف نفسر حصول المعاصي من بعض الناس في شهر رمضان مع كون الشياطين مُصفَّدة؟".

لترد دار الإفتاء المصرية، موضحة: أن معنى عبارة "تصفيد الشياطين" الواردة في الحديث الشريف المسؤول عنه قد تفاوت العلماء في تفسيره على مداركَ متعددةٍ، وإن كانت في جملتها متكاملة متعاضدة، فقد يُرَاد به أنَّ الشياطين مغلولون ومقيدون حقيقةً في هذا الشهر، وقد يكون المراد أنهم ممنوعون من إيذاء المؤمنين وإغوائهم والتزيين لهم، ويحتمل أن المراد أن الله تعالى يحفظ فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي، أو يقصد به نوعٌ مخصوصٌ من الشياطين، وهم: مُسْتَرِقُو السَّمْع منهم، أو مَنْ صُفِّدوا هم غالب الشياطين والمَرَدةُ منهم، وأما غيرهم فغير مُصَفَّد.

وأما حصول المعاصي من بعض الناس في شهر رمضان مع كون الشياطين مُصَفَّدة: فإما أن يكون تصفيدُهم إنما هو في حقِّ الصائم المراعي لشروط الصوم وما ينبغي أن يتحلَّى به من آدابه، أو أنَّ سبب اقتراف الذنوب آتٍ من النفس وخَطراتها.

تفضيل شهر رمضان على غيره من الشهور

مما امتاز به شهر رمضان المعظم عن غيره من الشهور الأخرى ما أكدته السُّنَّة النبوية المطهرة من أنه إذا دخل هذا الشهر المُعظم صُفِّدَتِ الشياطين، وقد تواردت نصوص السُّنَّة المشرفة على ذلك، وأهمها:

ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» رواه مسلم.

وما ثبت أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.

وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» رواه الترمذي، وابن ماجه في "السنن"، والحاكم في "المستدرك".

معنى تصفيد الشياطين في شهر رمضان

لفظ «صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» الوارد في كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إما أن يكون معناه التصفيد حقيقة، فتكون الشياطين في هذا الشهر مغلولةً مُصَفَّدَةً ممنوعة من التصرف وبعض الأفعال التي لا تُطِيقُهَا إلا مع الانطلاق، والأغلال تكون بالحديد، وإن الشياطين مع ذلك ليست ممتنعةً مِن التصرف جملة؛ لأن الْمُصَفَّدَ المغلول اليد إلى العنق يتصرف بالكلام والرأي وغيرهما، كما ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (1/ 144، ط. دار المعرفة)، والإمام الباجي في "المنتقى" (2/ 75، ط. مطبعة السعادة).

وإما أن يكون تصفيد الشياطين معناه: أنه مِن شدةِ بركات هذا الشهر فكأنها كالْـمُصفَّدة، وإما أن يكون المراد: أنهم ممنوعون من إيذاء المؤمنين وإغوائهم وتزيين الشهوات لهم في هذا الشهر.

قال القاضي عياض في "شرح صحيح مسلم" (4/ 5-6، ط. دار الوفاء): [«وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ»: قيل: يحتمل الحقيقة... وكذلك تصفيد الشياطين ليمتنعوا من أذى المؤمنين وإغوائهم فيه، وقيل: يحتمل المجاز لكثرة الثواب والعفو، والاستعارة لذلك بفتح أبواب الجنة، وإغلاق أبواب النار، وقد جاء في الحديث الآخر: «وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ» وبأن الشياطين كالمصفدة لما لم يتم إغواؤهم بعصمة الله عباده فيه... ويكون معنى "تصفيد الشياطين" هنا خصوصًا عن أشياء دون أشياء، ولبعض دون بعضٍ، أو على الغالب، وجاء في حديث آخر: «صُفِّدَتْ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ»... ومعنى "صُفِّدَتْ": أي: غُلِّلَتْ، والصَّفَد، بفتح الفاء، الغُلُّ، وقد روى في الحديث الآخر: "سُلسِلت"] اهـ.

وقال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (16/ 153، ط. أوقاف المغرب): [وأما قوله: «وَصُفِّدَتْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ» أو «سُلْسِلَتْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ» فمعناه عندي -والله أعلم-: أن الله يعصم فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي، فلا يخلص إليهم فيه الشياطين كما كانوا يخلصون إليه منهم في سائر السَّنَة] اهـ.

ومن المعاني المحتملَة في "تصفيد الشياطين": أن يكون المراد نوعًا من الشياطين، وهم: مُسْتَرِقُو السمع منهم، والذين يقع تسلسلهم في ليالي رمضان دون أيامه؛ لأن القرآن كان ينزل فيها، وهم قد مُنِعُوا في زمن نزول القرآن مَن استراق السمع، فزيدوا في التصفيد والتسلسل مبالغة في الحفظ. يُنظر: "فتح الباري" للحافظ ابن حجر العسقلاني (4/ 114).

ويحتمل أيضًا أن يكون المراد: أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره؛ لاشتغالهم بالصيام والطاعات ومما فيه قَمْعٌ للشهوات، فكأنَّ الله تعالى يَعْصم في هذ الشهر المُعَظَّم المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي.

قال الإمام المُنَاوي في "فيض القدير" (1/ 340، ط. المكتبة التجارية): [لفظ رواية مسلم: "صُفِّدت" (الشياطين)، شُدَّت بالأغلال؛ لئلا يوسوسوا للصائم، وآية ذلك تنزه أكثر المنهمكين في الطغيان عن الذنوب فيه وإنابتهم إليه تعالى] اهـ.

وقال العلامة الطيبي في "شرح الطيبي على مشكاة المصابيح" (5/ 1576، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز): [والتصفيد في شهر رمضان مبالغة للحفظ، ويحتمل أن يكون المراد به أَيَّامَهُ وبعده، والمعنى: أن الشياطين لا يخلصون فيه من إفساد الناس ما يخلصون إليه في غيره؛ لاشتغال أكثر المسلمين بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن وسائر العبادات، والله أعلم] اهـ.

تفسير وقوع المعاصي في رمضان مع كون الشياطين مصفدة


أما وقوع المعاصي والذنوب مِن بعض الناس في شهر رمضان مع أن الشياطين مُصَفَّدة، فهذا له تأويلات: فإما أن تصفيدهم إنما هو في حقِّ مَن صام محافظًا على شروط الصوم وما ينبغي أن يتحلَّى به الصائم من آداب، وإما أن هناك أسبابًا أخرى لاقتراف الذنوب والمعاصي، كالنفوس الخبيثة، والعادات الركيكة، والشياطين الإنسية، وإما أن يكون المراد بمن صُفِّدوا هم غالب الشياطين والمردة منهم، وأما غيرهم فقد لا يُصَفَّد، ويكون المعنى المراد حينئذٍ هو: تقليل الشرور، وذلك موجود في رمضان؛ فإن وقوع الشرور والفواحش فيه قليلٌ بالنسبة إلى غيره من الشهور الأخرى.

قال الإمام أبو العباس القرطبي في "المفهم" (3/ 136، ط. دار ابن كثير): [فإن قيل: فنرى الشرور والمعاصي تقع في رمضان كثيرًا؛ فلو كانت الشياطين مُصَفَّدة لما وقع شرٌ؟ فالجواب من أوجه:

أحدها: إنما تُغَلُّ عن الصائمين الصوم الذي حُوفظ على شروطه، ورُوعيت آدابه، أما ما لم يحافظ عليه فلا يُغَل عن فاعله الشيطان.

والثاني: أنا لو سلمنا أنها صُفِّدت عن كل صائم، لكن لا يلزم من تصفيد جميع الشياطين، ألا يقع شرٌ؛ لأن لوقوع الشر أسبابًا أُخَر غير الشياطين، وهي: النفوس الخبيثة، والعادات الرَّكيكة، والشياطين الإنسية.

والثالث: أن يكون هذا الإخبار عن غالب الشياطين، والمردة منهم، وأما من ليس من المردة فقد لا يُصَفَّد. والمقصود: تقليل الشرور. وهذا موجود في شهر رمضان؛ لأن وقوع الشرور والفواحش فيه قليل بالنسبة إلى غيره من الشهور] اهـ.

وقال الإمام المُنَاوي في "فيض القدير" (1/ 340): [وأما ما يوجد فيه من خلاف ذلك في بعض الأفراد فتأثيرات من تسويلات المردة أغرقت في عُمْق تلك النفوس الشريرة وباضت في رؤوسها، وقيل: خُصَّ من عُمومٍ.. تنبيه: عُلم مما تقرر أن تصفيد الشياطين مجازٌ عن امتناع التسويل عليهم واستعصاء النفوس عن قبول وساوسهم وحسم أطماعهم عن الإغواء؛ وذلك لأنه إذا دخل رمضان واشتغل الناس بالصوم وانكسرت فيهم القوة الحيوانية التي هي مبدأ الشهوة والغضب الداعيَيْن إلى أنواع الفسوق وفنون المعاصي وصَفَتْ أذهانهم واشتغلت قرائحهم وصارت نفوسهم كالمرائي المتقابلة المتحاكية وتنبعث من قُواهم العقلية داعية إلى الطاعات ناهية عن المعاصي فتجعلهم مُجمِعين على وظائف العبادات عاكفين عليها مُعرِضين عن صنوف المعاصي عائقين عنها، فتفتح لهم أبواب الجنان وتغلق دونهم أبواب النيران ولا يبقى للشيطان عليهم سلطان فإذا دنوا منهم للوسوسة يكاد يحرقهم نور الطاعة والإيمان] اهـ.

مقالات مشابهة

  • سر الاستقواء الأمريكي – الإسرائيلي
  • الرئيس اللبناني: أتطلع إلى المحادثات التي سأجريها مع الأمير محمد بن سلمان
  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • الرئيس عون من الرياض: فرصة للتأكيد على عمق العلاقات اللبنانية
  • الطبق الذي كان يفضله الرسول عليه الصلاة والسلام
  • نائب من حزب الله يهاجم الدولة اللبنانية: لم تتعب من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة
  • عبد الله: ودعنا اليوم رفيقنا علي عويدات الذي تشهد له الساحات والمواقف
  • إيران تحسم الخيار.. هل بقيَ حزب الله قائد وحدة الساحات؟
  • معنى تصفيد الشياطين في شهر رمضان.. ومن الذي يوسوس لنا ؟
  • إذا قصفت إسرائيل إيران... هكذا سيكون ردّ حزب الله