لقد احتل جهاز الاستدعاء المتواضع "البيجر" مكانة في سجلات العمليات السرية الإسرائيلية، عندما استخدمت آلاف الأجهزة التي لا يتجاوز حجمها حجم بطاقات الائتمان لاستهداف عناصر حزب الله. وقد أعقب تفجير أجهزة النداء في لبنان وسوريا في السابع عشر من أيلول انفجار أجهزة اتصال لاسلكية، بعد نحو 24 ساعة، يستخدمها حزب الله كشبكة اتصالات بعد اختراق أجهزة النداء الخاصة به.



وقال مصدر لشبكة إيه بي سي نيوز إن الهجمات التي أسفرت عن مقتل 37 شخصا وإصابة 2931 آخرين، وفقا للسلطات اللبنانية، استغرقت عدة سنوات.

وأكدت مصادر لشبكة "إيه بي سي" الإخبارية أن إسرائيل مسؤولة عن الانفجارات التي حدثت عبر أجهزة النداء.

ولم تقدم إسرائيل، التي نادراً ما تؤكد أو تنفي مسؤوليتها عن العمليات السرية أو الهجمات على الأراضي الأجنبية، مسؤوليتها عن الهجمات. بل إن الرئيس إسحاق هيرتسوغ صرح لقناة سكاي نيوز بأنه "ينفي تماماً أي صلة بهذا المصدر أو ذاك من مصادر العملية".
 
تاريخ دموي
وبعد سنوات من الحرب في عام 1948، بدأت الأجهزة السرية الإسرائيلية تشن حملات اغتيال ضد العديد من القوى والدول المحيطة التي اعتبرتها تهديداً لبقاء الكيان.

وكان يعمل في أجهزتها العسكرية والاستخباراتية العديد من الأشخاص الذين شاركوا في التمرد اليهودي ضد فلسطين.

في عام 1956، على سبيل المثال، استُخدمت الطرود المفخخة لقتل المسؤولين العسكريين المصريين العقيد مصطفى حافظ والمقدم صلاح مصطفى في مصر والأردن على التوالي، وكلاهما نظم غارات فلسطينية مسلحة على إسرائيل.

وحازت العمليات السرية للبلاد قدراً أعظم من الإبداع والتعقيد، رغم أن أساليب القتل المباشرة ظلت قيد الاستخدام المنتظم على مدى 76 عاماً، والتي امتدت عبر الطيف التكنولوجي من إطلاق النار إلى الغارات الجوية.

إن انفجارات أيلول في لبنان سوف تُسجل باعتبارها واحدة من أكثر الهجمات غرابة في تاريخ إسرائيل، أو في العمليات السرية الدولية الأوسع نطاقاً، نظراً لطريقة توصيل المتفجرات، وعدد القتلى والجرحى، والوصول إلى حزب الله. ولكن هذه لم تكن المرة الأولى التي تسعى فيها إسرائيل إلى تحويل أشياء من الحياة اليومية إلى أسلحة. ففي عام 1972 على سبيل المثال، فقد أحد كوادر منظمة التحرير الفلسطينية بسام أبو شريف، وهو مستشار كبير سابق لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، أربعة أصابع بالإضافة إلى أذن واحدة وعين واحدة عندما انفجر بين يديه في بيروت كتاب أرسلته إليه وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد. ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها رسمياً عن الحادث.

وقد أدى مقتل 11 رياضياً إسرائيلياً في أولمبياد ميونيخ عام 1972 على يد جماعة أيلول الأسود الفلسطينية المسلحة إلى إطلاق حملة انتقام وحشية وواسعة النطاق، المعروفة باسم عملية غضب الله،  والتي شهدت قيام عملاء الموساد بتحويل أشياء بسيطة إلى أسلحة.   ومن العمليات الأخرى، توفي محمود الهمشري، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في باريس، متأثراً بجراحه التي أصيب بها في شقته في باريس في كانون الأول 1972، عندما فجّر عملاء الموساد متفجرات معبأة في هاتفه.

وفي الشهر التالي، قُتل حسين البشير، ممثل حركة فتح الفلسطينية، في قبرص نتيجة انفجار قنبلة مخبأة في سريره في الفندق.

وكان الموت بسبب أجهزة الاتصال موضوعًا شائعًا في السنوات التي أعقبت مقتل همشري.   في عام 1996، على سبيل المثال، خدع جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "شين بيت" يحيى عياش، صانع القنابل الشهير في حماس والمتهم بقتل العشرات من الإسرائيليين، ليقبل مكالمة هاتفية باستخدام هاتف محمول أعطاه إياه أحد المتعاونين الفلسطينيين. وانفجر الهاتف وهو يحمله على رأسه، مما أدى إلى مقتله على الفور.

كما قُتل سامح ملابي، أحد أعضاء الجناح العسكري لحركة فتح، نتيجة انفجار هاتف محمول في عام 2000.

كما قُتل ثلاثة فلسطينيين آخرين ونشطاء مزعومون، أسامة فاتح الجوابرة، وإياد محمد حردان، ومحمد اشتيوي عبايات، في انفجارات في أكشاك الهاتف في عامي 2001 و2002.

ومن بين أبرز عمليات الاغتيال تلك العملية المشتركة بين الموساد ووكالة المخابرات المركزية الأميركية والتي استهدفت عماد مغنية، في إحدى ضواحي دمشق في عام 2008. ولم ينسب الموساد ولا وكالة المخابرات المركزية الأميركية أي مسؤولية علنية عن هذه العملية.

وحسب ما يقال، انفجرت قنبلة مخبأة في إطار احتياطي لسيارة أثناء مرور مغنية. وقد تم تفجيرها عن بعد من قبل عملاء في تل أبيب، باستخدام عملاء على الأرض في العاصمة السورية لتوجيه التنفيذ النهائي للمؤامرة، وفقًا لتقرير صحيفة واشنطن بوست نقلاً عن خمسة مسؤولين سابقين في الاستخبارات الأميركية.

وفي إيران أيضاً، يُنسب إلى الاستخبارات الإسرائيلية اغتيال عدد من الشخصيات البارزة. فقد كانت إسرائيل وراء سلسلة من اغتيالات العلماء النوويين بين عامي 2007 و2012، وغالباً باستخدام سيارات مفخخة مغناطيسية أو من خلال إطلاق النار من سيارات مسرعة، وفقاً لإيران.

وكان الحرس الثوري الإيراني مسؤولاً أيضاً عن مقتل رئيس برنامج الأسلحة النووية الإيراني المزعوم محسن فخري زاده، الذي ورد أنه اغتيل على طريق سريع خارج طهران بمدفع رشاش يتم التحكم فيه عن بعد في عام 2020.

وتشير التقارير إلى أن عملية الاغتيال الأهم التي نفذتها إسرائيل في الآونة الأخيرة، اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في تموز، لم تعتمد على عنصر غير ضار، بل على اختراق عميق لشبكات الامن.

وتجاوزت العملية حماية الحرس الثوري الإسلامي للمبنى، حيث تم زرع الجهاز قبل شهرين من زيارة هنية، وفقًا لتقرير في صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن خمسة مسؤولين مجهولين من الشرق الأوسط. (abc news)

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: العملیات السریة فی عام

إقرأ أيضاً:

كيف تستغل إسرائيل اللغة العربية من أجل طمس الهوية الفلسطينية؟

اعترفت قوانين الانتداب البريطاني على فلسطين المحتلة، باللغة العربية إلى جانب العبرية والانجليزية كلغات رسمية منذ عام 1922، وهو ما استمر لدى الاحتلال الإسرائيلي من بعدها لفترة طويلة.

ورغم أن دولة الاحتلال أقرت في تموز/ يوليو 2018 قانون أساس: "إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي"، الذي أحدث تغييرات واسعة ومنها اعتبار اللغة العبرية الرسمية والوحيدة، بينما تراجعت العبرية من رسمية إلى "لغة بمكانة خاصة".

ولم يأتِ تبني "إسرائيل" للقوانين البريطانية المتعلقة باستخدام اللغة العربية "احتراما" للسكان الفلسطينيين الأصليين المتبقين داخل الأراضي المحتلة عام 1948 جراء أحداث النكبة، إنما على ما يبدو من أجل استكمال مهمة التهجير وطمس آثارها، بحسب ما جاء في دراسة لمركز "أركان للدراسات والأبحاث".

جاءت قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية بالاعتراف باللغة العربية كلغة رسمية إلى جانب العبرية والإنجليزية لتعمل على ترسيخ استخدام العربية وضرورة وجودها في الحيز العام، وظهر ذلك بشكل واضع عام 2012، عندما جرى إلزام بلدية تل أبيب بوضع أسماء الشوارع والمناطق والمرافق العامة باللغة العربية إلى جانب العبرية والإنجليزية.

 وبات قرار المحكمة العليا ملزما لجميع مؤسسات "إسرائيل" الرسمية والبلديات وكل ما يتبع لها، وذلك بنشر اللفتات العامة مثلا باللغات الثلاثة.



ومع حلول عام 2018 وإقرار قانون القومية، لم يعد إلزاميا وضع اللغة العربية في الأماكن العامة على اللافتات، إلا أن "إسرائيل" واصلت وضعها لأهداف أخرى، لعل أهمها هو "عبرنة" الأسماء العربية، من خلال كتابة لفظها واسمعا العبري بحروف عربية.

الفظ العبري 
تغيرت لافتات الشوارع التي تشير إلى الاتجاهات إلى مدينة عكا التاريخية إلى اسم "عكو أو "أكو"، وهو اللفظ والاسم الذي أقرته "إسرائيل" للمدينة بعد احتلالها وتهجير غالبية سكانها عام 1948.


ووضعت على اللافتات اسم "يافو"، مكان اسم يافا، و"لود" مكان اسم مدينة اللد، وذلك بهدف طبع هذه الأسماء في أذهان الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، الذين يمرون يوميًا على العشرات منها، وكذلك أمام السياح الأجانب وكل من يرى هذه اللافتات، بحسب ما ذكرت الدراسة.

وفي القدس، تقوم لجنة التسميات التابعة لبلدية الاحتلال في القدس بوضع الأسماء العبرية والتوراتية للمناطق، مثل "شمعون هتسديك" مكان الشيخ جراح، و"هجفورا" مكان طريق الواد التاريخي، كما حولت اللافتات الإرشادية لمدينة القدس من القدس إلى "أورشليم".

View this post on Instagram A post shared by Kharita ™ | خــــريـــــطة (@mykharita)
ورغم ذلك، بقيت مثلا قرية بذات الاسم رغم محاولات "إسرائيل" لتحويل اسمها لـ "تسيبوري"، وبقي الأسم الفلسطيني الأصلي على اللافتات الإرشادية بدل الاسم واللفظ العبري.

أصل المخطط
منذ أواخر القرن التاسع عشر، شرع "صندوق استكشاف فلسطين" بعملية مسح للأرض، وجمع خلالها أسماء عربية للمواقع، ثم ربطها بأسماء توراتية لتأكيد علاقة اليهود بالأرض، وأكد مسؤولون في هذا الصندوق أنهم "أعادوا البلاد إلى العالم" عبر الخرائط التي ربطت فلسطين بالتوراة، بحسب ما جاء في دراسة لمركز "بيت المقدس للدراسات التوثيقية".

وأوضحت الدراسة أنه قبل قيام "إسرائيل"، اعتُبرت "الهوية اليهودية" لفلسطين من المسلمات في الفكر الصهيوني الرافض لوجود شعب فلسطيني، وسط مزاعم أن العرب هم مهاجرون حديثون من الدول المجاورة.

وأكدت أن "الدعاية الصهيونية وسعت إلى تكريس فلسطين كأرض بلا شعب، وجعلت "إيرتس يسرائيل" (أرض إسرائيل) الاسم البديل لفلسطين.

وبعد النكبة مباشرة، جرى تأسيس "اللجنة الحكومية للأسماء" لتبديل الأسماء العربية بأخرى عبرية، ولا تزال فاعلة حتى الآن، وعملت على فرض الأسماء العبرية في المناهج التعليمية، وإجبار المعلمين والتلاميذ العرب على استخدامها.


وعملت اللجنة على إصدار خرائط جديدة باللغة العبرية تشمل تسميات جديدة، واستبعاد التسميات العربية من الخرائط البريطانية القديمة.

وأكدت الدراسة أن تغيير الأسماء يُعدّ جزءاً من استراتيجية "التشريش" (زرع الجذور) لإضفاء شرعية على الوجود الصهيوني، إذ تعمل "إسرائيل" على خلق هوية عبريّة جديدة تستمد شرعيتها من نصوص العهد القديم والتلمود، في تجاهل تام للهوية الفلسطينية.



ويظهر ذلك أيضا في مذكرات رئيس الوزراء التاريخي للاحتلال دافيد بن غوريون، التي قال فيها إنه خلال جولة إلى منطقة سدوم في النقب ثم إلى إيلات جنوبا، صادف أن كل الأسماء للحيز المكاني كانت عربية.

وأضاف بن غوريون: "اتجهت إلى إيلات بتاريخ 11 حزيران/ يونيو 1949 في يوم السبت، مررنا في منطقة العارابا، وصلنا إلى عين حاسوب، ثم إلى عين وهنة، لذا من الضروري إكساب هذه الأماكن أسماء عبرية قديمة، وإذا لم تتوفر أسماء كهذه، فلتعط أسماء جديدة".

المواجهة
وتُبذل في فلسطين جهود متعددة من قِبَل مؤسسات ومبادرات تهدف إلى الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز الهوية الثقافية الفلسطينية، خاصة في مواجهة التحديات التي تفرضها السياسات الإسرائيلية. 

وفي 2021، جرى تأسيس جمعية حماية اللغة العربية في فلسطين "ضاد" بمبادرة من أدباء ونقّاد وأكاديميين فلسطينيين، وتهدف إلى أن تكون حلقة وصل بين المؤسسات والهيئات المختلفة، بالإضافة إلى كونها ملتقى للأفراد المهتمين باللغة العربية. 

وتسعى الجمعية إلى تعزيز البحث والدراسة في مجال اللغة، وتشجيع النقاد والمجددين على إغناء المكتبة الفلسطينية والعربية، وإيصال الجهود إلى المتلقين والمعنيين بوسائل وآليات فعّالة.

وفي داخل الأراضي المحتلة عام 1948، جرة إطلاق "مبادرة اللغة العربية في يافا" وهي برنامج شاملًا لتعليم اللغة العربية يستهدف الأطفال والشباب في المدينة، يهدف البرنامج إلى تعزيز الهوية الثقافية والحفاظ على اللغة كجزء من التراث الفلسطيني.


وجرى إطلاق أيضا مبادرة من قبل جمعية الثقافة العربية في مدارس الداخل الفلسطيني بهدف تعزيز استخدام اللغة العربية كلغة هوية في المدارس، خاصةً في ظل مناهج التعليم الإسرائيلية التي لا تتعامل مع العربية على هذا الأساس. 

وتسعى المبادرة إلى تعريف الجيل الشاب بالأدب الفلسطيني وباللغة العربية كجزء من هويتهم الثقافية.

مقالات مشابهة

  • “المشتركة للاجئين” الفلسطينية تحذر من استدراج المواطنين للهجرة من غزة
  • كيف تستخدم إسرائيل اللغة العربية في طمس الهوية الفلسطينية؟
  • كيف تستغل إسرائيل اللغة العربية من أجل طمس الهوية الفلسطينية؟
  • إسرائيل.. استئناف عمليات البحث عن مفقود بعد "هجوم القرش"
  • “العشائر الفلسطينية” تبارك عمليات المقاومة في غزة
  • إسرائيل تلغي تأشيرات 27 نائبا فرنسيًا على خلفية تصريحات ماكرون حول الدولة الفلسطينية
  • طوفان الأقصى.. بيرل هاربر الفلسطينية التي فجّرت شرق المتوسط
  • إسرائيل تلغي تأشيرات 27 مسؤولاً فرنسياً قبيل زيارتهم للأراضي الفلسطينية
  • عودة عمليات المقاومة الفلسطينية: وقفة أمام قدرات التصعيد
  • جيش الاحتلال ينفذ عمليات نسف للمربعات السكنية في رفح الفلسطينية