«أُقْصِيَ الحجاب». هكذا احتفل جوليان أودول؛ النائب الفرنسي والناطق باسم التجمع الوطني اليميني المتطرف في فرنسا، في تغريدة له على منصة إكس (تويتر سابقًا) بفوز منتخب بلاده للسيدات على منتخب المغرب في نهائيات كأس العالم المُقامة هذه الأيام في أستراليا ونيوزلندا. والحجاب المقصود هو حجاب اللاعبة المغربية نُهيلة بنزينة؛ أول لاعبة ترتدي الحجاب في كأس العالم، التي لاقت تنمُّرًا شديدًا قبل المباراة وبعدها من فرنسا وإعلامها وسياسييها، وكان أودول نفسه قد طالب بطردها من البطولة قائلًا في تغريدة عنصرية: «إن تأثير نُهَيْلة سيجعل ملايين النساء حول العالم يشعرن بأنهن مُمَثَّلات، كما لم يحدث من قبل»!.
وهكذا؛ فإن فرنسا التي تفتخِر وتُفاخِر بأنها بلد الحريات وحقوق الإنسان في العالم يُزعجها أن تكون ملايين النساء مُمَثَّلات، وما زالت إلى اليوم تسنّ القوانين التمييزية ضد لعب النساء المحجّبات رغم أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) سمح بالحجاب، بل وأوضح أن هذا السماح جاء من أجل «تعزيز المساواة وتجاوز العقبات التي تواجهها اللاعبات في مجال الرياضة». في المقابل فإن فرنسا أيضًا هي التي انتفضت وزيرة رياضتها أميلي أوديا-كاستيرا في مايو الماضي (2023) قائلة: «ما حدث يؤسفني جدًّا. نحن نعيش في بلد شجّع دائمًا على احترام حقوق الإنسان»، فما الذي أزعج السيدة كاستيرا يا تُرى؟ إن امرأة من بنات جنسها تتعرض للتنمّر؛ لأنها اختارت ارتداء ما تمليه عليها قناعاتُها؟ الإجابة، لا. بل هي منزعجة؛ لأن بعضًا من لاعبي الدوري الفرنسي رفضوا المشاركة في حملة التضامن مع المثليين بارتداء قمصان تحمل ألوان قوس قزح الذي بات شعارًا للمثلية، وطالبت بمعاقبة هؤلاء اللاعبين. وهو الأمر الذي صار يتكرر سنويًّا في فرنسا، وتحديدًا في مايو، حيث تحتفل بالمثليين كل عام بفرض ارتداء لاعبي الدوري قمصانًا ملونةً بشعارهم. وقد رأينا السنة الماضية (2022) الحملة الشرِسة التي شُنَّت على اللاعب السنغالي المسلم إدريس جايا؛ لأنه غاب عن مباراة فريقه باريس سان جيرمان أمام مونبلييه متعمِّدًا بسبب رفضه ارتداء هذا القميص، وحملة التضامن العالمية معه ومع حقه في رفض أن يكون مروّجًا لشيء ضد قناعاته ومعتقداته. كما تابعنا عام 2019 البيان المشترك لوزيرة الرياضة الفرنسية الأخرى (روكسانا ماراسينو) ورئيس اتحاد كرة القدم الفرنسي نويل لوجريت اللذين طالبا فيه الأندية الفرنسية ومشجعيها بتشكيل جبهة موحدة لـ «محاربة كل أشكال التمييز». وما هو هذا التمييز الذي يقصدانه؟ أن ثلة من الجمهور أطلقت هتافات وشعارات ضد المثليين!. ولا أدري لماذا لا تتذكّر فرنسا التمييز إلا حين يتعلق بهؤلاء المثليين!.
وبالعودة إلى «قضية» حجاب نهيلة فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا فرنسا بالذات هي المتصدرة في السنوات الأخيرة لرفض الحجاب بخلاف غيرها من الدول؟ ثمة من يرى أنها قضية مفتعلة، وأن من يثيرها من السياسيين الفرنسيين في الحكومة أو المعارضة على حدٍّ سواء يحاولون ركوب موجة المزاج الشعبي العام في فرنسا الذي ما زال مصابًا بمرض «الإسلاموفوبيا»، ورغم أن هذا التحليل صحيح، إلا أن جذوره أبعد من سنواتنا الأخيرة. وأذكر أنني قبل نحو عشرين عامًا كتبتُ مقالًا في هذه الجريدة عنوانه «حجابنا.. حجابهم» تعليقًا على إعلان الرئيس الفرنسي - آنئذ- جاك شيراك في خطابٍ له ألقاه في 17 ديسمبر 2003م، نيته فرض حظر على الحجاب في المدارس الفرنسية بحجة أنه رمز ديني يهدد علمانية فرنسا، داعيًا البرلمان الفرنسي لسرعة تبنّي قانون خاص بهذا الشأن، وهو ما حصل بالفعل، ووقّع شيراك القانون في 15 مارس 2004 ليصبح نافذا.
المثير للسخرية أن شيراك - مثله مثل وزيرة الرياضة كاستيرا، ومثل كثير من سياسيي فرنسا ممن كلامُهم كالعسل وفعلهم كالأَسَل - لم ينس أن يتشدق في خطابه ذاك بأن «القيم الفرنسية تعتمد على العدالة واحترام الآخرين». وهي رطانة تبعث على الابتسام وتُذكّر بالمثل الشعبي: «أسمع كلامك أصدق، أشوف أمورك أستعجب».
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
وزير الداخلية الفرنسي يلوّح بالاستقالة إذا تراجعت باريس عن موقفها بشأن المهاجرين الجزائريين
هدد وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتيلو، بالاستقالة من الحكومة إذا تخلت باريس عن موقفها الساعي للضغط على الجزائر حتى تستعيد مواطنيها المقيمين بشكل غير نظامي في فرنسا.
وفي مقابلة مع صحيفة "لو باريزيان"، قال ريتيلو: "طالما كنت مقتنعًا بأنني قادر على أداء واجبي بفعالية، سأواصل مهمتي. لكن إذا طُلب مني التخلي عن هذه القضية الأساسية المرتبطة بأمن الشعب الفرنسي، فسأرفض ذلك بالطبع"، مؤكداً على أهمية هذا الملف بالنسبة له.
وشدد الوزير على أن تركيزه ينصب على أداء مهمته التي وصفها بـ "حماية الشعب الفرنسي".
وعند سؤاله عن موقفه من الملف الجزائري، أوضح ريتيلو دعمه لنهج "الرد المتدرج" في التعامل مع الجزائر، إذا رفضت استقبال مواطنيها الموجودين بشكل غير قانوني في فرنسا.
وكانت الحكومة الفرنسية قد أعلنت، الجمعة، عن قائمة أولية تضم نحو ستين مواطناً جزائرياً تسعى لترحيلهم، غير أن رفض الجزائر استقبال المرحّلين، بمن فيهم منفذ الهجوم الذي أسفر عن مقتل شخص ميلوز في 22 شباط/فبراير، أدى إلى تفاقم التوترات بين البلدين.
Relatedفرنسا تراجع اتفاقية الهجرة مع الجزائر وسط توترات دبلوماسيةماكرون يواجه تشكيك ترامب: فرنسا كانت وستبقى حليفًا مخلصًا للناتومناورات عسكرية مرتقبة بين فرنسا والمغرب تشغل غضبا في الجزائروفي أواخر شباط/فبراير، لوّح رئيس الوزراء الفرنسي، فرنسوا بايرو، بإمكانية إلغاء اتفاقية 1968 التي تمنح الجزائريين امتيازات خاصة في العمل والإقامة بفرنسا، ما لم تبادر الجزائر خلال ستة أسابيع إلى استعادة مواطنيها المقيمين بشكل غير قانوني.
من جانبه، انتقد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في وقت سابق، ما وصفه بـ"المناخ الضار" الذي يطغى على العلاقات بين الجزائر وفرنسا، مشددًا على ضرورة استئناف الحوار بين البلدين، لكنه ربط ذلك بتعبير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن رغبة واضحة في تحقيق هذا التقارب.
وتأتي هذه الأزمة في سياق توتر متصاعد في العلاقات الفرنسية الجزائرية، التي شهدت تدهورًا ملحوظًا منذ إعلان ماكرون، في تموز/يوليو الماضي، اعتراف باريس بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهو ما أثار استياء الجزائر.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية برج إيفل مغطى بحجاب إسلامي.. فيديو دعائي يثير جدلاً واسعاً في فرنسا فرنسا تبدأ انسحابها من السنغال بتسليم قاعدتين عسكريتين للحكومة المحلية ماكرون يواجه تشكيك ترامب: فرنسا كانت وستبقى حليفًا مخلصًا للناتو سياسة الهجرةباريسالجزائرفرنساإيمانويل ماكرونالهجرة غير الشرعية