مثلث الموت في صقلية.. إرث المافيا الإيطالية لا يزال حاضراً
تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT
يأتي معظم السياح لزيارة إيطاليا ليستمتعوا بمعالمها السياحية الرائعة ومختلف أصناف مطبخها الشهية كالمكرونة والبيتزا والجيلاتو. لكن الكثيرين يحرصون على الابتعاد عن "مثلث الموت" وهو منطقة تقع بالقرب من باليرمو عاصمة جزيرة صقلية، وتشمل أيضا بلدة باجيريا.
ويرجع اسم "مثلث الموت" إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما نفذت عصابات المافيا سلسلة من أعمال القتل الوحشية، في كل بلدات باجيريا وكاستلداشيا وألتافيلا ميليتشا الواقعة شمالي صقلية.
ولا تزال باجيريا -التي يبلغ عدد سكانها نحو 50 ألف نسمة- حتى اليوم معقلا للمافيا الصقلية التي تعرف محليا باسم "كوزا نوسترا".
واحتلت البلدة عناوين الأخبار في الماضي، عندما قامت المافيا بتعذيب وقتل ضحاياها بوحشية، داخل مصنع للمسامير ناء ومهجور، وأذابت جثث القتلى في حمض الهيدروكلوريك.
ورغم أن المافيا أصبحت اليوم أكثر تعقلا وأقل إراقة للدماء، فإنها ما زالت تحكم الإقليم بقبضتها الحديدية.
ويقول أحد النشطاء من مركز "بيو لا توري" المناهض للمافيا في باليرمو "لا تزال بلدة باجيريا في قبضة المافيا".
يرجع اسم "مثلث الموت" إلى ثمانينيات القرن الماضي عندما ارتكبت المافيا جرائم وحشية في جزيرة صقلية (غيتي إيميجز)ولا يزال الإرث المظلم لهذه المنظمة الإجرامية مرئيا بدرجة كبيرة، حيث تشوه خط الأفق بالمباني الماثلة للعيان، والتي شيدت خلال فترة مضاربة المافيا بقطاع العقارات.
ويصف الناشط البلدة بأنها "مكسوة بالمباني الخرسانية، بدءا من الجبال حتى البحر" ويقول إن شركات كثيرة لا تزال تدفع الأموال جباية من أجل كفالة الحماية لها كنوع من الابتزاز الذي تفرضه المافيا.
كما تحتفظ منظمة الجريمة المنظمة بقبضة محكمة على تجارة المخدرات في البلدة التي تعاني من معدل البطالة المرتفع. وهذه العوامل السلبية تفسد المعالم الجذابة والرائعة التي تتمتع بها باجيريا.
وتبعد باجيريا عن باليرمو بمسافة تقطعها السيارة في 15 دقيقة، وتزهو بشاطئ بديع وتراث خلاب، ومطبخ محلي شهي الأطباق تغلب عليه المأكولات البحرية.
وقد أصيبت مشروعات التنمية في باجيريا بالشلل تحت تأثير المافيا -حسب الناشط- وبرغم محاولات البلدة الحد من نفوذها، بدعوة السكان لعدم دفع الجباية لهذا التشكيل العصابي، وإبلاغ السلطات بأسماء من يطلبونها، وجهود مصادرة العقارات التي تمتلكها هناك، فإنه لا يزال من المستحيل إزالة الجذور العميقة لهذا التنظيم.
ويقول الناشط إن المافيا ببساطة تشعر بأنها في بيتها هنا.
وتأسست باجيريا كمكان لطبقة النبلاء في صقلية المقيمين في باليرمو، لتمضية عطلاتهم الصيفية بمساكن مستقلة لهم مقامة على مشارف البلدة. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت عصابات الجريمة المنظمة تركز بكثافة على المضاربة بقطاع العقارات، على أمل جني أموال سريعة عن طريق بيع مبان قبيحة المظهر.
ووسط البلدة ونتيجة هذا الاتجاه في التوسع العمراني غير المنضبط وجدت فيلات مشيدة على طراز عصر الباروك الشائع في القرنين الـ17 و18، جنبا إلى جنب وحدات سكنية تفتقر إلى الذوق واللمسات الجمالية، كما أن فيلا بالونيا الرائعة صارت محاطة بمبان متعددة الطوابق.
وتتذكر ماريني، وهي من سكان باجيريا وانتقلت للعيش في العاصمة روما، المشهد الرائع الذي كان يحيط بفيلا فالغورنيرا التي هدمت لإتاحة مساحة لبناء كتل المباني الخرسانية، وتقول إن "المنظر الجميل اختفى الآن بشكل بشع، بعد إقامة المنازل والوحدات السكنية بشكل عديم الجدوى، ووقعت ضحية له الأشجار والمتنزهات والحدائق والمباني القديمة".
وتضيف أن الجمال الذي كان يتمتع به مسقط رأسها تعرض للتدمير المنهجي بسبب التشوه المعماري.
تأسست باجيريا كمكان لطبقة النبلاء في صقلية المقيمين في باليرمو لتمضية عطلاتهم بمساكن مستقلة على مشارف البلدة (غيتي إيميجز)وقد شيد في صقلية ما يقدر بحوالي مليوني مبنى بشكل غير قانوني، وهي ممارسة يطلق عليها بالإيطالية مصطلح "البناء المسيء".
وذكرت هيئة الإحصاء الإيطالية مؤخرا أنه مقابل كل 100 مبنى يتم تشييده بشكل قانوني في صقلية، يتم بناء نحو 48 مبنى بدون ترخيص.
ومع ذلك، يقول الخبراء إن الطريقة التي تعمل بها المافيا، في صقلية ومناطق إيطالية أخرى، تغيرت بشكل كبير منذ تسعينيات القرن العشرين، وفقد تشكيل "كوزا نوسترا" العصابي كثيرا.
ونتيجة لذلك أصبح من الصعب الآن رصد أنشطة هذه العصابات، وبدلا من إراقة الدماء أصبح كبار رجال المافيا يركزون حاليا على الجرائم المالية والتسلل إلى الأنشطة الاقتصادية.
وفي باجيريا ارتبطت المافيا بشكل وثيق بالسياسات المحلية طوال عقود، ومارست أنشطة تجارية في قطاعي العقارات والزراعة، غير أن هذا الوضع تغير كما يقول الناشط من مركز "بيو لا توري".
ويوضح أن جوهر أعمال المافيا التجارية أصبح يتركز في تجارة المخدرات والابتزاز، وهي أنشطة يمكن لأعضائها القيام بها بشكل مستقل.
ويخرج مئات الآلاف إلى الشوارع كل عام، في المدن الكبرى للتظاهر ضد المافيا، وفي أماكن أخرى تحاول المراكز المناهضة للمافيا -مثل "بيو لا توري" وكذلك مجموعات من الأفراد- مقاومة المجرمين، عن طريق التركيز على إتاحة فرص العمل للشباب، وتنظيم المظاهرات ورفض دفع أموال الجباية.
غير أن هذه الأنشطة المناهضة للمافيا يكون لها أحيانا رد فعل انتقامي، وعلى سبيل المثال وجد رجل أعمال من باجيريا النيران مشتعلة في سيارته مؤخرا وهي رابضة في ساحة انتظار.
ومع ذلك، يرى كثير من الأشخاص أن المعركة ضد المافيا قد انتهت منذ وقت طويل بالاستسلام.
وكشف استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو لا توري" بين الطلاب الإيطاليين أن واحدا فقط من كل خمسة يعتقد أنه يمكن هزيمة المافيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مثلث الموت فی صقلیة
إقرأ أيضاً:
سيارة إسعاف من الكتيبة الإيطالية إلى وحدة الأزمات في بلدية صور
سلّم جنود حفظ السلام الإيطاليين في "اليونيفيل" سيارة إسعاف مجهزة بأحدث التقنيات لمراقبة وعلاج المرضى الحرجين، بقيمة تزيد عن 45 ألف يورو، إلى وحدة الأزمات في صور، وهي بلدية تستضيف آلاف النازحين من المناطق الحدودية في جنوب لبنان، الذين تضرروا من النزاع الذي أثر بشكل كبير على منطقة عمليات "القبعات الزرق" للأمم المتحدة.
تم تسليم سيارة الإسعاف، بحسب بيان، في مقر إدارة مخاطر الكوارث في صور، خلال احتفال رمزي حضره رئيس بلدية صور ورئيس اتحاد بلديات صور المهندس الحاج حسن دبوق، والعقيد أليسيو أرجيزي، قائد وحدة إيطالبات التابعة للقوات الإيطالية في اليونيفيل، مدير اتحاد بلديات قلعة تبنين علي فواز، رئيس بلدية دبل السابق والمسؤول عن العلاقات مع اليونيفيل إيلي لوكا وأعضاء من جمعية الفن في صور.
تأتي هذه الهبة، التي تشمل أيضًا توفير الأدوية، والمستلزمات الطبية، الطعام، الملابس وغيرها من المواد الأساسية، "نتيجة عطاء العديد من المانحين، في إطار مشاريع التعاون المدني-العسكري التي بدأها الجيش الإيطالي في أواخر تشرين الثاني، في الأيام التي تلت إعلان وقف الأعمال العدائية في الجنوب، حيث تعهد الطرفان، من أجل تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701، بالسماح للمدنيين من الجانبين بالعودة إلى أراضيهم وبيوتهم بأمان".
وقد قدم الرئيس حسن دبوق "شكره الحار نيابة عن نفسه وعن السلطات المحلية"، مشيدًا بدعم "القبعات الزرق" "الإيطاليين المعتاد والمستمر للسكان اللبنانيين، وبخاصة للنازحين الذين وجدوا ملاذًا في المنشآت التي وفرتها وحدة الأزمات في بلدية صور".
وفي أثناء تسليم مفاتيح سيارة الإسعاف، أشار دبوق إلى أن "هذه السيارة، بالإضافة إلى تجديد أسطول المركبات المخصصة للإسعاف، ستكون مخصصة للإسعاف المتقدم، حيث إنها مجهزة بأفضل المعدات والأجهزة التي ستؤدي خدمة مهمة لجميع مناطقنا. على متن سيارة الإسعاف، سيتمكن المرضى من تلقي المساعدة الفورية قبل النقل إلى المستشفى".
من جهته، قال العقيد أرجيزي: "نحن في لبنان من أجل الحفاظ على السلام وتقديم المساعدة للسكان، الذين يبدون لنا في كل يوم مشاعر المودة والامتنان".
أضاف: "تسمح لنا التبرعات الحالية، بفضل التنسيق بين القيادة العليا للدفاع ومكون التعاون المدني-العسكري في القوات الإيطالية في اليونيفيل، بتخفيف معاناة النازحين، وزيادة الموارد المتاحة للفرق الطبية لدعم الخدمات الصحية المنتظمة وعلاج العدد المتزايد من الأشخاص الذين يحتاجون إلى الرعاية الطبية".
وشكر للمانحين "حسهم العميق والواقعي تجاه قوات اليونيفيل الإيطالية، ولكن بشكل خاص تجاه الشعب اللبناني".
تم تقديم مساعدات إنسانية من نادي "ليونز" كالياري - سانت ريمي والأبرشية العسكرية الإيطالية والفرسان العسكريين في النظام القسطنطيني للقديس جورج، ومجموعة جريندي 1828، وشركة نورجانا للتكنولوجيا، والجمعية الوطنية لفرقة ساساري، والجمعية الرياضية "أصدقاء دون بوسكو" - كالياري، وفريق عمليات الإنقاذ في كواترو سانت إيلينا.
ختم البيان: "تعتبر مساعدة السكان اللبنانيين من المهام الرئيسية المكلفة بها الوحدة الإيطالية في اليونيفيل، وذلك احترامًا لقرار مجلس الأمن الرقم 1701 للأمم المتحدة".