هكذا أصبحت طنجة أيقونة التضامن المغربي مع فلسطين
تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT
طنجة – يتحوّل فضاء الكورنيش إلى ما تشبه ساحة حرب يسمع فيها أزيز المسيّرات الذي لا ينقطع، وتهوي القذائف على رؤوس المدنيين الأبرياء، في حرب إبادة وحشية.
لا يفرق جيش الاحتلال بين طفل يلعب في الشارع، أو امرأة تبحث عن لقمة عيش، أو رجل يحاول حماية أسرته، يمزق الصراخ الحناجر وتغرق الدماء الشوارع، في وقت تستمر فيه الآلة العسكرية في طحن البشر والشجر والجماد.
هي مشاهد من مسرحية برع في تمثيل مشاهدها أطفال في مقتبل العمر بمدينة طنجة المغربية، وأبدع في إخراجها هواة مسرح، تضامنا مع أهالي غزة والضفة الغربية الذين يواجهون شتى أنواع الجرائم الإسرائيلية على مرأى ومسمع العالم بأجمعه.
يقول الناشط المدني عبد الباري بوتغراصا للجزيرة نت وهو يظهر حماسة كبيرة، "لن نمل من التضامن مع أهالينا في غزة، إنها فرصة جديدة لإحياء هذه القضية في نفوس الناشئة إلى حين تحقيق النصر وعودة الحق إلى أهله"، قبل أن يضيف "كل الفئات العمرية في المدينة تبدي تضامنا غير مشروط، وتقدم النموذج في مبادرات نوعية، مدفوعين بواجب إنساني وأخلاقي".
في أعقاب طوفان الأقصى وما تبعه من حرب مدمرة على قطاع غزة، لم تتوقف مدن مغربية عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، لكن مدينة طنجة شمالي المغرب تحولت الى أيقونة هذا التضامن.
في كل مناسبة، يخرج بوتغراصا، وهو عضو في المبادرة المغربية للدعم والنصرة، من بيته حاملا معه إيمانا راسخا بعدالة القضية الفلسطينية، ويشهد تحول الوقفات التضامنية إلى مسيرات تجوب أهم شوارع المدينة لكثافة حضور المتضامنين، وتتفاعل معها السلطات المحلية والأمنية بشكل إيجابي.
وابتكر أهالي المدينة وسائل جديدة حوّلتها من مكان للحياة اليومية إلى رمز للتضامن والإصرار، حيث يستغل مواطنون كل مناسبة شخصية أو دينية (أعياد وعقيقة وغيرهما) ليجعلوها فرصة للتضامن سواء داخل المدينة أو تحويل تبرعاتها إلى قطاع غزة، ومنهم من سافر إلى الضحايا لتقديمها مباشرة وتقاسم معهم لحظات من حياتهم اليومية.
ومما يسجل في المدينة، نجاح مقاطعة المنتجات الداعمة لإسرائيل، إذ إن بعض المحلات المعنية تبدو شبه فارغة من الزبائن، كما تدنت مبيعات مشروبات معروفة بدعمها للاحتلال، ويُلاحظ أيضا حضور الأعلام والأزياء الفلسطينية على شرفات المنازل وفي المحلات التجارية وفي خلفيات السيارات والمركبات.
يقول الأكاديمي محمد حامي الدين للجزيرة نت إن تاريخ وحضارة طنجة بصفتها ملتقى للثقافات ساهما في تشكيل وعي وطني قوي لدى أهلها، جعلهم يتضامنون مع القضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
هل أفرح وأهالينا في غزة يُقتلون ويجوعون؟ ذلك هو السؤال الذي يطرحه كل مغربي في طنجة وهو يمر بمناسبة سعيدة في حياته أو حياة أقربائه ومعارفه.
لكن المواطن بلال العاقل لم يكتفِ فقط بذلك الشعور الحي الراسخ في ذهنه وقلبه، بل حوّل عقيقة ابنه أحمد إلى أطفال القطاع و"احتفل" معهم بهذه الشعيرة، ووزع عليهم ما جاد عليه ربه، كما يعبر عن ذلك بنبرة صوتية خافتة.
ولم يرد بلال أن يعطي أهمية كبيرة لما قام به عندما تحدث إلى الجزيرة نت بعد تردد، لكن أظهر شعورا بالرضا وأداء أقل الواجب.
يشير عبد الباري بوتغراصا إلى أن المدينة عُرفت بهذه المبادرات سواء تعلق الأمر بزواج أو عقيقة أو فرح بنجاح مهني أو دراسي، وهي مبادرات باتت تمر دون أن تصل إلى وسائل الإعلام لأن أصحابها يعتبرونها من البديهيات في حياتهم العادية، يعبرون من خلالها عن انتمائهم لقضية فلسطين، التي تشكل جزءا من عقيدتهم وهويتهم.
وذكّر باللافتات المعبرة التي يرفعها الجمهور الرياضي وما يبديه الأطباء من استعداد للذهاب إلى أرض المعركة وتقديم المساعدة اللازمة، علاوة على محامين انخرطوا في مبادرات حقوقية وقانونية.
أينما توجّه الزائر في أسواق طنجة تصادفه الكوفية والأعلام الفلسطينية، التي بات الطلب عليها متزايدا مع زخم المبادرات التضامنية.
ويؤكد الشاب عماد، الذي يعمل في تسويق هذه المنتجات علاوة على ملابس بها رموز وشعارات المقاومة، أنه جعل لها ثمنا رمزيا يغطي بعض خسارته من ماله الخاص الذي يجنيه من تجارة ملابس أخرى.
وفي مدن أخرى في الشمال المغربي، يجد الزائر مظاهر أخرى للتضامن، ففي تطوان التي توصف بأنها القدس الصغرى لمعالمها الهندسية، يخرج كل أسبوع آلاف المواطنين تلبية لنداء الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع، وهي مجموعة تضم قوى سياسية ونقابية وحقوقية من مختلف الأطياف الفكرية، مما تنوع يمثل مصدر قوة لها، في رأي عضو السكرتارية المحلية للجبهة أشرف ميمون حيث يتيح لها بناء توافق حول القضية الفلسطينية.
وفي مارتيل، تحوّل حي شعبي إلى متحف إيكولوجي (بيئي) طبيعي، حيث زُيّن بنباتات نادرة وأصبح مزارا لا يمكن تجاهله خلال زيارة المنطقة، لكن اللافت فيه أن المنظمين زينوا مداخل الحي بالأعلام الفلسطينية، والنقاش كله تحوّل إلى القضية الفلسطينية وتطوراتها. أما في أصيلة، مدينة الفنون والجمال، فلا يخلو شارع من تعبيرات أو لوحات أو كتابات عن فلسطين.
وجوابا على سؤال سر الزخم التضامني في مدن الشمال وخاصة طنجة، يبرز الأكاديمي محمد حامي الدين دور العلماء والفقهاء وإرث مقاومة الاستعمار الإسباني في نشر الوعي الديني والوطني بين الناس، مؤكدا ارتباط تاريخ طنجة الوثيق بفلسطين سواء بجهادهم المعروف في حرب التحرير، أو باستقبال لاجئين هربا من الحرب والاحتلال.
ويشير المتحدث إلى أن شوارع وأزقة طنجة ودروبها لا تزال شاهدة على معارك وعمليات ضد الاستعمار الدولي، ولا تزال خطابات القادة فيها من أمثال العالم والفقيه المغربي رئيس رابطة علماء المغرب بعد الاستقلال عبد الله كنون يتردد صداها في محافل المدينة.
ويوضح عبد الباري بوتغراصا أن استمرار التظاهر يعود إلى الجاهزية الكبيرة للتنظيمات وصمودها وصبرها، وكذلك التفاعل والتجاوب الكبير للسكان وتعاطفهم الكبير، علاوة عن الوعي بطبيعة هذه المعركة التي تختلف عما سبقها باعتبارها معركة فاصلة ومصيرية في تاريخ القضية الفلسطينية لا سيما بعد "الإنجاز العظيم للمقاومة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكذلك لحجم الإجرام الصهيوني وحرب الإبادة المتواصلة، بالإضافة إلى المطالبة المستمرة بإسقاط التطبيع".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات القضیة الفلسطینیة
إقرأ أيضاً:
باحثة فرنسية: اليمنيون مواقفهم موحدة بشأن القضية الفلسطينية.. بينما الانتقالي يتحفّظ على ذلك (ترجمة خاصة)
قالت الباحثة الفرنسية في الشؤون اليمنية "هيلين لاكنر" إن اليمنيين بكل أطيافهم موقفهم موحد بشأن القضية الفلسطينية، إلا أن هناك تحفظ من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعم من الإمارات.
واضافت هيلين لاكنر في حوار مع صحيفة " Jewish Currents" العبرية وترجم أبرز مضمونها للعربية "الموقع بوست" إن شعبية جماعة الحوثي المتمردة، التي كانت في السابق غير محبوبة بين رعاياها وهامشية في المنطقة، ازدادت نتيجةً دعها لغزة ضد حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت لاكنر، التي غطت اليمن لأكثر من 50 عامًا وعاشت في ثلاث محافظات يمنية قائمة في تلك الفترة، لفهم دور فلسطين في السياسة اليمنية؛ والجوانب الجيوسياسية لهجمات البحر الأحمر؛ وكيف منحهم موقف الحوثيين من غزة الشرعية ومساحة للمناورة في أراضيهم وخارجها.
وعن تاريخ علاقة اليمن بالقضية الفلسطينية، تقول هيلين لاكنر: قبل الحرب الأهلية بين الحوثيين والجماعات المتفرقة في التحالف المدعوم من الخليج والذي يشكل الحكومة المعترف بها دوليًا، كانت الأنظمة المختلفة في اليمن مؤيدة لفلسطين بشكل منهجي. كان اليمن واحدًا من 13 دولة صوتت ضد خطة تقسيم الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين الانتدابية إلى دولتين يهودية وعربية في عام 1947. لاحقًا، عندما طُردت منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في عام 1982 [بعد غزو إسرائيل لبيروت]، قُسِّم اليمن إلى نظامين اشتراكي ورأسمالي، لكن كلاهما دعا قوات منظمة التحرير الفلسطينية المنفية إلى بلديهما. كان النظام الاشتراكي أكثر انحيازًا للفصائل الفلسطينية اليسارية بينما كان النظام الرأسمالي أقرب إلى فتح، لكن الفلسطينيين عمومًا كانت لهم علاقات مع كل من عدن (العاصمة الاشتراكية) وصنعاء (الرأسمالية).
واشارت إلى أن موقف اليمنيين بكل أطيافهم موقفهم موحد بشأن القضية الفلسطينية، لافتة إلى أن هناك تحفظ في عدن والمدن الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعم من الإمارات.
وذكرت أن المظاهرات تُقمع بشكل أساسي، في عدن والمناطق المحيطة بها التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي (وهي جماعة مدعومة من الإمارات العربية المتحدة تسيطر على جنوب اليمن ولديها اتفاقيات لتقاسم السلطة مع الحكومة الشرعية في اليمن ولكنها تحمل طموحات انفصالية).
وأفادت "عندما وقعت الإمارات العربية المتحدة على اتفاقيات إبراهيم في عام 2020، قال الرجل الثاني في المجلس الانتقالي الجنوبي في ذلك الوقت، هاني بن بريك، إنه يتطلع إلى زيارته الأولى لإسرائيل - نتيجة لتحالف المجلس الانتقالي الجنوبي مع الإماراتيين.
وأردفت "الآن، ومع تحدي الحوثيين للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، لا يجرؤ المجلس الانتقالي الجنوبي على قول أي شيء ضد أي تصريحات مؤيدة للفلسطينيين من شعبه، حتى لو كانوا يمنعون بالتأكيد أي أعمال مؤيدة لفلسطين".
وأكدت أن التصريح بتأييد إسرائيل علنًا في السياق اليمني الحالي أمرٌ مرفوض.
وحسب الباحثة الفرنسية فإن الحوثيين يحركون ثلاثة أمور في هجماتهم على إسرائيل والسفن في البحر الأحر: التضامن مع فلسطين؛ وموقف متشدد في السياسة الخارجية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل؛ واعتبارات سياسية داخلية.
وأشارت إلى أن شعبية الحوثيين قبل السابع من أكتوبر، كانت بين 70٪ من اليمنيين الذين يحكمونهم في أدنى مستوياتها بسبب حكمهم القمعي وسياسات الضرائب الابتزازية وسوء تقديم الخدمات، من بين أمور أخرى. وبينما لم يتغير أي من هذه الديناميكيات الأخرى، فإن تدخل الحوثيين لدعم الفلسطينيين كان شائعًا للغاية، ومنحهم مساحة أكبر للمناورة بين الناس. وقد ارتفعت وتيرة تجنيدهم العسكري بشكل كبير، حيث يسارع الشباب للانضمام إلى فكرة أنهم سيقاتلون في فلسطين بينما في الواقع من المرجح أن يتم إرسالهم إلى إحدى الجبهات اليمنية "الداخلية" المختلفة الأكثر عرضة لإعادة الفتح.
وبشأن الغارات الجوية المتجددة في عهد ترامب، قالت إنها تتعلق بالسيطرة على البحر الأحمر والضغط على إيران بشأن اتفاق نووي، لأن نهج ترامب يبدو أنه يعتبر الحوثيين مجرد تابع لإيران.
وعن تغير موقف الحوثيين الإقليمي والعالمي في أعقاب حملة البحر الأحمر والرد الأمريكي تقول هيلين لاكنر إن الشرعية التي اكتسبها الحوثيون من دفاعهم عن فلسطين منحتهم نفوذًا في المنطقة. خلال العام الماضي، لم يُنطق بكلمة واحدة ضد الحوثيين من قِبل السعوديين أو أي جهة أخرى في العالم العربي، لأن هذه الشعوب مؤيدة بشدة للفلسطينيين. على سبيل المثال، عندما حاولت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا فصل بنوك الحوثيين عن النظام المصرفي العالمي في صيف عام 2024، هدد الحوثيون بقصف المملكة العربية السعودية إذا طُبق ذلك، فضغط السعوديون على الفور على الحكومة الشرعية للتراجع عن قرارها. وقد فعلت ذلك بالضبط؛ لم يكن لديها خيار آخر.
وقالت إن قوة الحوثيين ازدادت بين حلفاء إيران، خاصةً مع إضعاف حزب الله وسوريا. وبينما يُرجّح أن تكون إيران وراء تحسين مدى صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة، أعتقد أنها غير راضية عما يفعله الحوثيون. سعت إيران مؤخرًا إلى الدبلوماسية - عبر التواصل أكثر مع السعوديين والمبعوث الخاص للأمم المتحدة وآخرين - لكن كغيرها، لا تستطيع قول أي شيء، حتى لو كان سرًا، عندما يتصرف الحوثيون باستقلالية. وحتى لو طلب الإيرانيون من الحوثيين تقليص هجماتهم، فأنا لست متأكدًا من أنهم سيستمعون".
وأكدت أن هجمات الحوثيين نجحت في لفت الانتباه الدولي إلى غزة، وقالت "لكن يبدو أنها لن توقف ما تفعله إسرائيل هناك".
وزادت "ربما لو كانت التكاليف أكبر على دول الشمال العالمي - التي تتحملها مصر الآن بشكل رئيسي - لكان ذلك قد أجبر الغرب على الضغط على إسرائيل، ولكن في الوقت الحالي، استمرت الدول الغربية في الحديث عن حرية الملاحة في البحر الأحمر متظاهرة بأن لا علاقة لها بالحرب في غزة".
واستطردت "هناك عدم استعداد تام لفهم أن للقضية الفلسطينية صدى أوسع في العالم العربي، ولا أحد على استعداد للاستجابة لقول الحوثيين إنهم سيضعون حداً لهذه الأعمال إذا انتهت الحرب. لذلك نستمر في وضع يخلق فيه غياب العمل الدولي ضد إسرائيل فراغًا لا يملأه سوى الحوثيين - الذين ارتكبوا بانتظام انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من جانبهم. إنهم لا يزالون الوحيدين المستعدين لاتخاذ إجراءات ملموسة لدعم القانون الدولي والدفاع عن غزة".