الحرب الاقتصادية على الوطن والمواطن
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
الحرب الاقتصادية التي تلقي بظلالها على الوطن والمواطن في اليمن, هي آخر أوراق الفشل, لقوى الحرب الخارجية وادواتها في الداخل وتجارها .
قوى الحرب التي فجرت شرارتها, بطموح السيطرة على السلطة , وإعادة الروح لحكم بائد , وفكر طائفي , وتعصب مذهب , واصطفاء الهي, لا يقبله الناس, وجد مقاومة عنيدة , لم تحسب حساب لتجار الازمات والحروب, وأحلام الماضويين, فتطفل على جسدها ذلك الوباء , الذي شكل نفوذا قذرا ارتهن لأجندات الإقليم , بتبعية رخيصة, واحلام هابطة, لتحقيق مبتغاه بعودة دولة أسلافه , دون مراعاة لحركة التغيير , وماسي الماضي وضحاياه, رفع الشعارات الرنانة, ودغدغ مشاعر الناس, فتغلبت مصالح الجماعة , وتحسنت أحوال عناصرها , بينما انهارت مصالح الناس وزادت همومهم, وساءت احوالهم .
كما قال تشي جيفارا (الثورة يصنعها الشرفاء و يرثها ويستغلها الأوغاد), هذا ينطبق على المشهد اليوم, ونحن نشاهد مجموعة باعوا وارتهنوا لأجندات الإقليم والعالم المنافق , وتصدروا المشهد, وتم تغييب واقصاء وترهيب كل صوت قوي يطالب بسيادة الدولة وسيادة الوطن , وأن وجد البعض فهم على هامش القرار والاختيار, في حرب اتضحت اجنداتها للطفل الجائع والكهل المحروم من حقوقه التقاعدية , والاسر المشردة , والراي الصائب المتهم اليوم , انها حرب تستهدف وطن وأمة جنوبا وشمالا.
حرب اقتصادية لنهب خيرات البلد, و ما لم تستطع نهبه يتم تعطيله, حرب تجويع لامة عريقة وعتيقة, تستهدف انهاك قواها , ولهذا لا يحتاجون أكثر من موظفين مرتهنين في مؤمرة قذرة , تمارس اليوم في حق الموطن اليمني الذي تعصره الأزمات, ويتعرض للمهانة وجوع والمجاعة في كل بقاع هذه الأرض الطيبة شمالها وجنوبها, من اجل ان يعيش مجموع من أصحاب المصالح والمرتزقة وبياعي الضمير والوطن, هم اليوم من تحسنت احوالهم , يعيشون في قمة الثراء والتخمة , بينما الناس تموت جوعا وقهر وكمدا .
لم يكن للحرب أن تطول, لولا تلك الأدوات الرخيصة, التي مازالت تنفذ اجندات الخارج الداعم الرئيسي لاستمرار الحرب , واستمرار نهب خيرات البلد, الذين تحولوا لمجرد متسولين على أبواب اسيادهم, لطلب شحنة ديزل أو وديعة, أول ما تصل لمكان سلطتهم يتسابقون على نهبها والمتاجرة بها , في بلد ينهار وتنهار فيه الخدمات وتسقط الحقوق.
والتاريخ يسجل أسوأ مرحلة مرة على أمة في التاريخ, لا يوجد من باع وطنه كما باع هؤلاء , ولم يحدث من خان كما خان هؤلاء , ولم تحدث مجاعة كما حدثت في عهد هؤلاء, ولم ترتكب جرائم كجرائمهم , ولم تهن امة كما تهان اليوم .
فهل ننتظر جبهة انقاذ من كل القوى الحية, المقصين بالأمس واليوم من المشهد, وكل من تم اقصاؤه منذ 67م وحرب سلطات الديكتاتورية المتعاقبة في الشمال والجنوب, جبهة داعمة لتغيير حقيقي يستعيد البلد سيادته وارداته الحقيقية , ليحكمه أبناؤه الخيرين, وترسيخ دولة محترمة تحترم حق الانسان في الحياة بكرامة وعزة وشرف, وتنهي حالة الانهيار والخنوع والاستسلام للخارج اللعين والعدو والمبين .
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الحرب الاقتصادية الحوثيون اليمن عدن كتابات يمن مونيتور
إقرأ أيضاً:
هالة المثالية وهم الرموز
عبر قرون من الزمن عرف الناس رموزا بينهم يحملون لهم هيبة وتقديرا عظيما ولا يقبلون بهم عيبا أو يرضون فيهم انتقاصا، فلا عجب حينها من تشكل هالة من النزاهة والتقديس اختصوهم بها بعيدا عن مواضع النقص أو مزالق الهفوة، ولتأسيس تلك الرموز مبررات عديدة تُعرف من مكانة الرمز أو منتجه الفكري، فمنها على سبيل المثال: الوالدان، المعلمون، العلماء، المثقفون والفلاسفة، كما أن منهم الرؤساء والقادة، ومع وقوع هؤلاء الرموز في دائرة الضوء ضمن دوائر التلقي المتتابعة تنشأ تلك العلاقة المبنية على إعجاب المتلقي عاطفيا (مهما كانت صفته؛ ابنا أو طالبا أو قارئا، مرؤوسا أو حتى مواطنا) ولو أن ذلك الإعجاب بقي في محل منتجهم الفكري تربية أو معرفة أو رعاية لأحوالهم لكان خيرا، لكنه انسحب على كل ما قد يصدر عنهم من قول أو فعل حدّ نزع الصفة الآدمية عنهم بتحويلهم إلى ملائكة منزهين.
التاريخ الذي نقل شخصياتهم محاطة بهالات التقديس نقل كذلك تناقضاتهم لنجد أن جان جاك روسو، صاحب التيارات الثورية الرومانسية في مقولته الشهيرة «ولد الإنسان حرًا، وهو في كل مكان مكبل بالأغلال» روسو الذي يرى أن الإنسان فاضل بطبيعته لكن البيئة الخاطئة من حوله تدفعه لارتكاب الخطأ، روسو الثوري المحب للطبيعة رفض المساواة بشكل صريح وعاش على حساب الأغنياء وأصحاب النفوذ، ومع تنظيره المستفيض عن أهمية المحيط الاجتماعي في التنشئة السوية للأفراد في مؤلفاته، فقد تخلى عن أبنائه الخمسة واضعًا إياهم في دور الأيتام، متسببًا في موتهم المبكر.
أما الفيلسوف الأكثر شهرة في القرن العشرين ميشيل فوكو - الملقب في فرنسا بالملك الفيلسوف - فقد نشرت صحيفة «صنداي تايمز» بتاريخ 28 مارس 2021، تقريرًا صادمًا يكشف اعتداءات فوكو على أطفال عرب أثناء إقامته أواخر الستينات في المغرب، وفقًا لأقوال صديق له، الصادم أن صاحب «أركيولوجيا المعرفة» و«المراقبة والمعقابة» و«تأويل الذات» و«تاريخ الجنسانية» كان بيدوفيليا ذا سلوك منحرف من الناحية الأخلاقية، حتى أنه كان يتجسس على جيرانه من السطح مستخدمًا منظارًا خاصًا.
لودفيغ فتغنشتاين، أبرز فلاسفة اللغة والمنطق والعقل، المعروف بالغطرسة وتقلب المزاج، كان معلما في إحدى المناطق النائية بالنمسا؛ فعاقب فتاة بسحبها من شعرها إلى درجة اقتلاع خصلات رأسها لعدم فهمها قاعدة رياضية، كما ضرب أخرى بقوة إلى درجة أن أذنيها نزفتا دما!
الحقيقة؛ ليس العجب في تناقضهم بشرًا حتى مع ثقافتهم، بل في اعتقاد الناس -حتى من المثقفين أنفسهم- قدسيتهم وتنزههم عن الخطأ والعيب والنقصان والقصور، وما ذلك إلا لسيطرة العاطفة بالكامل على المتلقي حدّ تجاهل المنطق في اعتقاد ملائكية هؤلاء الرموز سواء من المثقفين أو من غيرهم، ولعل هذه السذاجة في التعاطي مع نقصهم أو مكامن الضعف لديهم هي ما جعلت الفيلسوف الفرنسي لوك فيري يقول موضحا «الثقافة لا تمنع أحدًا من أن يكون سافلاً» ونزيد على تعبيره الغاضب أن قد يتفوق المثقف على غيره في قدرته على تبرير السوء والخطأ دون حتى الاعتراف باقترافه للخطأ.
لعل ما يحدث اليوم مع مشاهير التواصل الاجتماعي هو ذاته ما حدث قديما مع تناقض بعض الفلاسفة والأدباء، مع تبدل دوائر الضوء عن الإنتاج المعرفي إلى إنتاج السلع وتدوير اليوميات (مهما كانت خاوية دون محتوى حقيقي أو متضمنة محتوى مبتذلا)، حيث صارت قاعدة الجماهير حاجزًا من الشهرة والألفة معا يحولان دون تصديق ما قد يصدر عن هؤلاء المشاهير من إسفاف أو اعتداء أو حتى إجرام لتنبري جموع الجماهير الغفيرة من المتابعين والمعجبين مدافعة عن مشهورها الملاك، وبطلها المعصوم، وفي ذلك ما فيه من خطورة، حتى وإن تجاوزنا مسألة الإسفاف القيمي الضبابي غير المجرّم (للأسف) فإننا لا نملك تجاوز الظاهر من مخالفات يقينية تمس أمان الفرد والمجتمع.
ختاما، ما زالت الكلمة حاملة طاقات التأثير فرديًا ومجتمعيًا، ناقلة رسائل إيجابية وأخرى سلبية عبر أي من قنوات تمريرها المختلفة؛ كتابية أو سمعية بصرية، مما يستدعي ضرورة العناية بتجويد المحتوى، وتشريع وسائل حوكمة واضحة لكل قنواتها ومؤثريها من صانعي المحتوى سعيا لتعزيز القيم؛ تقديرًا لقيمة القانون وضوابطه بعيدا عن الإسفاف والتسطيح.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية