لجريدة عمان:
2024-12-22@22:09:58 GMT

في عتبات الحديث عن تحولات الهوية..

تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT

تبدو مسائل الهوية وتحولاتها من أبرز الثيمات في المجتمع الإنساني التي يتم إعادة الحديث حولها والتفكير بها (سوسيولوجيًا) مع كل حدثٍ عابر للحدود، سواء أكانت أزمة سياسية، أو تقانة اتصالية، أو حربًا باردة، أو اعتبارها تحولا اقتصاديا. يعود نقاش المجتمعات للهوية ذلك أنها بإيجاز الطريقة التي تعبر بها المجتمعات والأفراد عن أنفسهم.

أو كما يُعرفها ريجارد كنجز كونها: «تصورنا حول من نحن، ومن الآخرون، وكذلك تصور الآخرين حول أنفسهم وحول الآخرين». إذن في ظاهرها تبدو الهويات متغيرة، يحركها التفاعل الاجتماعي، وتتشكل معانيها حول مواقف المجتمعات في كليتها حول الأحداث والتفاعلات والتموضع الذي يقع فيه المجتمع من مجمل الأحداث والتحولات المحيطة به. ولكنها في المقابل هي السمة التي يُعرف بها المجتمع نفسه ويقدمها للآخر؛ وهنا تكمن جدلية الهوية في مستويات ثلاثة: الأول؛ كيف نقدم أنفسنا للآخر في سياق يفرض التغير ويتسم بالديناميكية ويصعب خلاله القبض على سمة جامعة متسقة ومتماسكة لأبعد قدر ممكن من التواتر الزمني. أما الجدلية الثانية؛ فتتصل بمستويات تعميم تلك الهوية؛ فالتضامن الاجتماعي أو «المجتمعات العضوية» كما يسميها هربرت سبنسر كانت ضامنًا للحد الأدنى من اتساق المجتمعات على نسق هوية واحدة، ولكننا نشهد اليوم نشوء عصر التفضيلات الفردية، وقبلها التفضيلات الفئوية، تلك التفضيلات لا تعني اتساعًا في رقعة وحيز الخيارات المتاحة للفرد والجماعة فحسب، وإنما تعني في وجهها الآخر تنوعًا واتساعًا في الطريقة التي يعرفون بها أنفسهم، وفي الانتماءات التي يعبرون من خلالها للمجتمع العالمي. أما الجدلية الثالثة: فتتصل بمستوى سرعة التغير والتغيير الاجتماعي، وضبط الفاعلين فيه، فتلاشي الحدود، وعبور الظاهرة الاجتماعية للقارات يعني تقلصًا في أفق ضبط الهوية، وفي القدرة على السيطرة والقبض عليها وتعريفها.

إن التفكير في الجدليات السابقة - رغم حدة التجريد فيه - مهم في تقديرنا لإيجاد منهجية واضحة للقبض على مفهوم الهوية، غير أن العتبة الأساسية التي تواجه مجتمعاتنا - وخصوصًا العربية - تبقى إشكالية إثارة الهواجس عن تحولات الهوية، دون تحديد واضح ودقيق لماهيتها وطبيعة قياسها. والسؤال هنا: مع كل هذا التاريخ المعرفي من الحديث عن الهوية سواء في علم الاجتماع أو التأريخ أو الأنثربولوجيا أو الفلسفة هل هناك أفق يمكن الاعتداد به لقياس الهوية؟ والإجابة في تقديرنا تعتمد على سؤال أسبق لهذا السؤال، وهو لماذا نريد قياس / تشخيص / معرفة وضع هوية ما في وقت معين؟ هل لأنها باتت تفرز سلوكيات معينة غير مرغوبة في سياق الحيز الاجتماعي؟ أم أنها استعصت على سيطرة الأعراف والضوابط الاجتماعية؟ أم لأنها قلصت مساحة التفاعل والاتصال في حيز مجتمع معين؟ أم لأنها أنشأت أعرافا وقيما ومفاهيم جديدة وعصفت بمفاهيم قائمة؟ أم لأننا نريد أن نوظفها في سياق مشروع تنموي معين؟ تتعدد المآرب التي تدفع أي فاعل سواء كان علميا/ سياسيا لتشخيص حال الهوية، ومع كل غرض من الأغراض سالفة الذكر ستتغير الطريقة التي يدور فيها النقاش حول الهوية، وتتغير الطرق التي يمكن من خلالها تشخيص أوضاعها وأحوالها. إن تحول العلم الإنساني من صيغته التأملية الفلسفية المجردة إلى حالة (القياس والتجريب) أتاح عديد الأدوات والمداخل لقياس مختلف المفاهيم التي كانت في وقت سالف مفاهيم فلسفية خالصة. ولعل أهم أدوات قياس وتشخيص الهوية يمكن من خلالها الأدوات التي تستهدف:

- قياس اعتقادات الأفراد تجاه قضايا معينة تمس الهوية.

- قياس تصورات الأفراد تجاه مكونات الهوية.

- قياس سلوكيات الأفراد التي يفترض أنها تعبر عن أحد مكونات الهوية.

لن تعطينا هذه المقاييس صورة مؤكدة وتعريفًا دقيقًا للهوية الاجتماعية، لكنها ستساعدنا على أقل تقدير في الكشف عن إشارات لتحولات الهوية وديناميكيتها ومؤثراتها، ومصادر التغير فيها، والفواعل الأساسية التي تسهم في تأثيرها. فمن سلوك الأفراد في المداومة على ارتياد المجالس العامة، إلى التحول في تركيب الأسرة من الأسر الجامعة إلى الأسر النواة ثم النووية وتفضيلات الأفراد ومفاهيمهم حيال ذلك، إلى الطريقة التي يتصور بها الأفراد مواقفهم إزاء القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية في محيطهم، إلى الطريقة التي يتعامل بها الأفراد مع فئات اجتماعية معينة كل تلك أبعاد يفترض أنها معبرة عن هوية ما، نريد قياسها وتشخيصها، وقياس التحول الطارئ عليها. غير أن المشاهدة العيانية وحدها لا يمكن الوثوق بها وتعميمها. ولذلك وجب التحول إلى أدوات العلم والمنهج - ما دامت تتيح قياسًا منهجيًا - وإن كان يعطي دلالات (ملامح) أولية. إن عتبة التحول العالمي في الهوية هو ما يُعبر عنه يريندسن بالقول : «كلما اكتشف الناس العالم والثقافات الأخرى، كلما أدركوا أن الناس جميعًا هم بشر مثلهم وأن مجرد ملاءمة صندوق معين لم يعد كافيًا للاحترام. يتم استبدال الهويات القديمة تدريجياً بالهوية العالمية، بناءً على فكرة أن الجميع متساوون. لم يعد الناس يعتمدون على التفضيل السياسي أو المهنة أو الوضع الاجتماعي لوالديهم، ولا على دين قريتهم أو الفخر القومي القديم أو الضغائن ضد البلدان الأخرى. إذا أراد أي شخص أن يكون ذا قيمة أكبر، فعليه أن يكسبها من خلال أفعاله الشخصية وإنجازاته في الحياة».

في السياق المحلي، وفي ظل كون مسائل «الهوية» تتخذ حيزها في المشروع التنموي الجامع (رؤية عُمان 2040)؛ فإننا نرى بأهمية وجود محاولة أولية لتطوير مسح للهوية الاجتماعية؛ يعتمد على المحددات الثلاثة التي ذكرناها أعلاه، ويطبق بصفة دورية (كل 3 - 4) أعوام لقياس التحولات الناشئة على موضوعاته. يمكن أن يتناول هذا المسح أبعاد الهوية في 5 مجالات أساسية: (الثقافة والإرث - العلاقات والتفاعل الاجتماعي - الدين - القيم والأعراف - العلاقة بالآخر). ويمكن بناء المسح بطريقة منهجية تستهدف قياس (التصورات والمعتقدات - المواقف والاتجاهات - السلوكيات والممارسات) التي تستطيع الكشف عن الشق الممارس والمتصور للهوية. ولاحقًا ما يطرأ عليها من تحولات في سياق التطبيق الدوري لمكونات المسح؛ وهو ما نعتقد أنه سيوفر أداة علمية للنقاش حولها، وللبحث، وتطوير المبادرات والبرامج القائمة على الأدلة، وتوصيف وتشخيص الهواجس (الفعلية) لا (المفترضة) في سياق الحديث عن الهوية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الطریقة التی فی سیاق قیاس ا

إقرأ أيضاً:

انعقاد مجلس الحديث العشرين لقراءة صحيح البخاري بمسجد الحسين

شهد مسجد الإمام الحسين، اليوم الأحد، انعقاد مجلس الحديث العشرين، لقراءة صحيح الإمام البخاري بالإسناد المتصل، وذلك برعاية الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وبإشراف الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

وشارك في المجلس مجموعة من علماء الحديث الشريف؛ إذ تولى القراءة الدكتور صبحي عبد الفتاح ربيع من أول باب «استعانة اليد في الصلاة» إلى نهاية باب «إذا انفلتت الدابة في الصلاة»، والدكتور عبد الرحمن رمضان عبد المجيد من أول باب «ما يجوز من البصاق» إلى نهاية باب «إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده» والدكتور محمد عبد الفتاح الدسوقي من أول باب «الإشارة في الصلاة» إلى نهاية باب «غسل الميت ووضوئه».

تعزيز الفهم الصحيح للسنة وربط طلبة العلم بعلوم الحديث

تأتي هذه المجالس الحديثية في إطار جهود وزارة الأوقاف، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية؛ لخدمة السنة النبوية الشريفة من خلال قراءة «صحيح الإمام البخاري» بسند متصل؛ بهدف تعزيز الفهم الصحيح للسنة وربط طلبة العلم بعلوم الحديث الشريف؛ بما يؤكد المنهج الأزهري الوسطي المعتدل.

مقالات مشابهة

  • انعقاد مجلس الحديث العشرين لقراءة صحيح البخاري بمسجد الحسين
  • القرارات والاختلاف
  • بريق الغلاف لا يعكس دائماً كنز المضمون
  • الجرائم المتعلقة بالتعاون مع المليشيا وأعمال النهب
  • السيناريست باهر دويدار: مصر ثابتة أمام تحولات الشرق الأوسط
  • الجارديان: أوكرانيا تواجه أزمة نقص حاد في القوات على الخطوط الأمامية
  • الجارديان: أوكرانيا تواجه أزمة النقص الحاد في القوات على الخطوط الأمامية
  • من القمع إلى الحرية.. تحولات الإعلام السوري بعد سقوط النظام
  • من الفراعنة إلى العصر الحديث.. رحلة التعاون والتحديات بين مصر وسوريا
  • برج الجوزاء..حظك اليوم السبت 21 ديسمبر الحديث أساس الحلول