في عتبات الحديث عن تحولات الهوية..
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
تبدو مسائل الهوية وتحولاتها من أبرز الثيمات في المجتمع الإنساني التي يتم إعادة الحديث حولها والتفكير بها (سوسيولوجيًا) مع كل حدثٍ عابر للحدود، سواء أكانت أزمة سياسية، أو تقانة اتصالية، أو حربًا باردة، أو اعتبارها تحولا اقتصاديا. يعود نقاش المجتمعات للهوية ذلك أنها بإيجاز الطريقة التي تعبر بها المجتمعات والأفراد عن أنفسهم.
إن التفكير في الجدليات السابقة - رغم حدة التجريد فيه - مهم في تقديرنا لإيجاد منهجية واضحة للقبض على مفهوم الهوية، غير أن العتبة الأساسية التي تواجه مجتمعاتنا - وخصوصًا العربية - تبقى إشكالية إثارة الهواجس عن تحولات الهوية، دون تحديد واضح ودقيق لماهيتها وطبيعة قياسها. والسؤال هنا: مع كل هذا التاريخ المعرفي من الحديث عن الهوية سواء في علم الاجتماع أو التأريخ أو الأنثربولوجيا أو الفلسفة هل هناك أفق يمكن الاعتداد به لقياس الهوية؟ والإجابة في تقديرنا تعتمد على سؤال أسبق لهذا السؤال، وهو لماذا نريد قياس / تشخيص / معرفة وضع هوية ما في وقت معين؟ هل لأنها باتت تفرز سلوكيات معينة غير مرغوبة في سياق الحيز الاجتماعي؟ أم أنها استعصت على سيطرة الأعراف والضوابط الاجتماعية؟ أم لأنها قلصت مساحة التفاعل والاتصال في حيز مجتمع معين؟ أم لأنها أنشأت أعرافا وقيما ومفاهيم جديدة وعصفت بمفاهيم قائمة؟ أم لأننا نريد أن نوظفها في سياق مشروع تنموي معين؟ تتعدد المآرب التي تدفع أي فاعل سواء كان علميا/ سياسيا لتشخيص حال الهوية، ومع كل غرض من الأغراض سالفة الذكر ستتغير الطريقة التي يدور فيها النقاش حول الهوية، وتتغير الطرق التي يمكن من خلالها تشخيص أوضاعها وأحوالها. إن تحول العلم الإنساني من صيغته التأملية الفلسفية المجردة إلى حالة (القياس والتجريب) أتاح عديد الأدوات والمداخل لقياس مختلف المفاهيم التي كانت في وقت سالف مفاهيم فلسفية خالصة. ولعل أهم أدوات قياس وتشخيص الهوية يمكن من خلالها الأدوات التي تستهدف:
- قياس اعتقادات الأفراد تجاه قضايا معينة تمس الهوية.
- قياس تصورات الأفراد تجاه مكونات الهوية.
- قياس سلوكيات الأفراد التي يفترض أنها تعبر عن أحد مكونات الهوية.
لن تعطينا هذه المقاييس صورة مؤكدة وتعريفًا دقيقًا للهوية الاجتماعية، لكنها ستساعدنا على أقل تقدير في الكشف عن إشارات لتحولات الهوية وديناميكيتها ومؤثراتها، ومصادر التغير فيها، والفواعل الأساسية التي تسهم في تأثيرها. فمن سلوك الأفراد في المداومة على ارتياد المجالس العامة، إلى التحول في تركيب الأسرة من الأسر الجامعة إلى الأسر النواة ثم النووية وتفضيلات الأفراد ومفاهيمهم حيال ذلك، إلى الطريقة التي يتصور بها الأفراد مواقفهم إزاء القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية في محيطهم، إلى الطريقة التي يتعامل بها الأفراد مع فئات اجتماعية معينة كل تلك أبعاد يفترض أنها معبرة عن هوية ما، نريد قياسها وتشخيصها، وقياس التحول الطارئ عليها. غير أن المشاهدة العيانية وحدها لا يمكن الوثوق بها وتعميمها. ولذلك وجب التحول إلى أدوات العلم والمنهج - ما دامت تتيح قياسًا منهجيًا - وإن كان يعطي دلالات (ملامح) أولية. إن عتبة التحول العالمي في الهوية هو ما يُعبر عنه يريندسن بالقول : «كلما اكتشف الناس العالم والثقافات الأخرى، كلما أدركوا أن الناس جميعًا هم بشر مثلهم وأن مجرد ملاءمة صندوق معين لم يعد كافيًا للاحترام. يتم استبدال الهويات القديمة تدريجياً بالهوية العالمية، بناءً على فكرة أن الجميع متساوون. لم يعد الناس يعتمدون على التفضيل السياسي أو المهنة أو الوضع الاجتماعي لوالديهم، ولا على دين قريتهم أو الفخر القومي القديم أو الضغائن ضد البلدان الأخرى. إذا أراد أي شخص أن يكون ذا قيمة أكبر، فعليه أن يكسبها من خلال أفعاله الشخصية وإنجازاته في الحياة».
في السياق المحلي، وفي ظل كون مسائل «الهوية» تتخذ حيزها في المشروع التنموي الجامع (رؤية عُمان 2040)؛ فإننا نرى بأهمية وجود محاولة أولية لتطوير مسح للهوية الاجتماعية؛ يعتمد على المحددات الثلاثة التي ذكرناها أعلاه، ويطبق بصفة دورية (كل 3 - 4) أعوام لقياس التحولات الناشئة على موضوعاته. يمكن أن يتناول هذا المسح أبعاد الهوية في 5 مجالات أساسية: (الثقافة والإرث - العلاقات والتفاعل الاجتماعي - الدين - القيم والأعراف - العلاقة بالآخر). ويمكن بناء المسح بطريقة منهجية تستهدف قياس (التصورات والمعتقدات - المواقف والاتجاهات - السلوكيات والممارسات) التي تستطيع الكشف عن الشق الممارس والمتصور للهوية. ولاحقًا ما يطرأ عليها من تحولات في سياق التطبيق الدوري لمكونات المسح؛ وهو ما نعتقد أنه سيوفر أداة علمية للنقاش حولها، وللبحث، وتطوير المبادرات والبرامج القائمة على الأدلة، وتوصيف وتشخيص الهواجس (الفعلية) لا (المفترضة) في سياق الحديث عن الهوية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الطریقة التی فی سیاق قیاس ا
إقرأ أيضاً:
رغم الحديث عن تمديد الهدنة.. قصف باكستاني يقتل 10 أفغان
قتل 10 مدنيين وأصيب 12 مساء الجمعة، في غارة جوية باكستانية على مقاطعة حدودية غربي أفغانستان، حسبما أفاد مسؤول في مستشفى باكتيكا الإقليمي.
وقال المصدر لـ"فرانس برس" طالبا عدم ذكر هويته: "قتل 10 مدنيين وأصيب 12 آخرون في غارة جوية على منطقة أرغون"، موضحا أن هناك طفلين من بين القتلى.
وفي وقت سابق من الجمعة، قال مسؤول في حركة طالبان لـ"فرانس برس"، إن باكستان شنت ضربات على منطقة أفغانية محاذية للحدود، مؤكدا أن كابل سترد.
وقال المسؤول طالبا عدم الكشف عن اسمه: "قبل دقائق، خرقت باكستان وقف إطلاق النار وقصفت 3 مناطق من باكتيكا"، مضيفا: "أفغانستان سترد".
وتأتي هذه التطورات رغم تصريحات 3 مسؤولين أمنيين باكستانيين ومصدر من حركة طالبان الأفغانية، قالوا إن البلدين اتفقتا الجمعة على تمديد وقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة، لحين اختتام محادثات مقررة في الدوحة.
وذكرت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن وفدا باكستانيا وصل بالفعل إلى الدوحة، بينما من المتوقع وصول وفد أفغاني إلى العاصمة القطرية السبت.
وقال المتحدث باسم حركة طالبان الأفغانية ذبيح الله مجاهد لقناة "أريانا نيوز"، إن كابل أصدرت تعليمات لقواتها بالالتزام بوقف إطلاق النار، ما لم تشن باكستان أي هجوم.
وأوقفت هدنة مؤقتة جرى التوصل إليها الأربعاء، قتالا عنيفا بين الجارتين استمر أياما وأسفر عن مقتل العشرات وإصابة المئات.
ولم يرد الجيش الباكستاني ولا وزارة الخارجية ولا وزارة الدفاع الأفغانية على طلبات للتعليق على وقف إطلاق النار والمحادثات في العاصمة القطرية.
وخاض البلدان معارك برية ضارية، وشنت باكستان غارات جوية عبر الحدود المتنازع عليها قبل أن يتوصلا إلى هدنة لمدة 48 ساعة انتهت ظهر الجمعة.
وقال مسؤولون أمنيون باكستانيون إن 7 جنود قتلوا في هجوم انتحاري قرب الحدود مع أفغانستان.
وذكر 5 مسؤولين أمنيين أن الجنود قتلوا في هجوم شنه مسلحون على معسكر للجيش الباكستاني في شمال وزيرستان أسفر أيضا عن إصابة 13 آخرين.
وأضاف المسؤولون أن مسلحا صدم بسيارة مفخخة جدار مكان محصن يستخدم معسكرا للجيش، بينما حاول آخران اقتحام المنشأة قبل قتلهما بالرصاص.
وقال مكتب رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف في بيان، إن 6 مسلحين قتلوا في الهجوم الانتحاري، من دون التطرق إلى عدد الجنود القتلى.
ولم يرد الجيش الباكستاني على طلب للتعليق.
ولم تحدد بعد هوية منفذي الهجوم، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها.
والخميس قال شريف إن باكستان "ردت بعدما نفد صبرها" حيال أفغانستان، في أعقاب سلسلة هجمات شنها مسلحون، لكنها مستعدة لإجراء محادثات لحل الصراع.
وتنفي طالبان هذه الاتهامات، وتتهم بدورها الجيش الباكستاني بالترويج لأكاذيب عن أفغانستان وإثارة التوتر على الحدود وإيواء مسلحين مرتبطين بتنظيم "داعش"، للتأثير سلبا على استقرارها وسيادتها.
وتنفي إسلام أباد أيضا تلك الاتهامات.
ورغم وقوع اشتباكات بين البلدين في الماضي، فهذا القتال هو الأسوأ منذ عقود.