المناطق_متابعات

كثيرة هي الأمثال الشعبية التي تتناول العلاقة بين الفشلة وإسقاطاتهم على الناجحين ومحاولة الحد من نجاحهم بالتقليل من شأنهم أو أهميتهم، وعبر التاريخ هناك الكثير من النماذج العالمية التي حاول فيها البعض التقليل من نجاحات علماء كبار لعرقلة مسيرتهم، وأشهر تلك الأمور ما تناولته الأوساط الطبية والعلمية في بداية القرن الماضي على العبقري الكميائي الفرنسي لويس باستور، مخترع البسترة ومكتشف العديد من العلاجات الطبية للبكتيريا والطفيليات، ومكتشف علاج داء الكلب وغيره من الأمراض، والذي كانت الأوساط العلمية تحاول دائما في فترته الحط من قدره باعتباره ليس طبيباً وبالتالي لا يحق له الحديث في الطب.

وكان الأطباء في المناقشات العلمية يحاولون جرجرته لمناقشات طبية ليثبتوا للعالم ولأنفسهم أنه ليس طبيباً ولا يحق له الكلام في الطب، ولكونه كان رجلاً قليل الكلام لم يدخل معهم في النقاشات أو ينجر في ذلك الجدل، وهو ما اعتبروه تكبراً منه، ولكن واقع الأمر كان مجرد معاناة أخرى للرجل مع متلازمة أخرى نفسية وهي الـ«إمبوستر سندروم»، التي تعني كترجمة «متلازمة المحتال»، وهي تلك المعاناة التي يعاني منها العباقرة بعدم الثقة في أنفسهم والإيمان بأنهم مازالوا بعد لم يعطوا أفضل ما لديهم.

أخبار قد تهمك «واتساب» تحمي المستخدمين من الروابط الضارة 2 أكتوبر 2024 - 11:18 صباحًا “منشآت” تنظّم ملتقى “بيبان24″ في نوفمبر المقبل بالرياض تحت شعار “وجهة عالمية للفرص” 2 أكتوبر 2024 - 11:07 صباحًا

وفي دراسة علمية للعالمين النفسيين ديفيد دانينغ وجاستن كروغر، بجامعة «كورنيل» نُشرت في عام 1999 بعنوان «دانينغ – كروغر إيفيكت»، قالت إن المتكبرين أو النرجسيين هم في حقيقة الأمر فشلة ويدركون أنهم فاشلون، وعند فشلهم في الأمور الموكلة لهم يستطيعون أن يبرزوا نجاحاً وهمياً ويوحوا للجميع كيف كان نجاحهم عظيماً.

وهم التفوق

«وهم التفوق»، تلك هي العبارة التي أطلقها العالمان دانينغ وكروغر على ما يفعله النرجسي أو المتكبر في نطاق العمل، حيث يجيدون إظهار تفوقهم شكلياً وظاهرياً، دون نجاح حقيقي على أرض الواقع، وهو على العكس تماماً من «متلازمة المحتال»، التي لا يستطيع فيها العبقري إظهار عبقريته نتيجة عدم تصديقه من الأساس لكونه عبقرياً.

وفي صراع الخير والشر، فدائماً ظاهرياً يبدو النرجسي كممثل للشر هو المنتصر، ولكن الدكتورة راماني ديورفاسيولا العالم النفسي في جامعة كاليفورنيا تقول، في تصريحات نشرتها «CNBC» الأمريكية، إن النرجسيين يحاولون دائماً إظهار قوتهم وتفوقهم الوهمي، بينما الآخرون يهزون رؤوسهم عن تصديق فعلي أو لتجنب المواجهة المباشرة، وهو ما اعتبرته دكتورة ديورفاسيولا أمراً خاطئاً وشددت على ضرورة مواجهتهم بحقيقتهم.

وقالت ديورفاسيولا: «لا تقف عاجزاً وتحاول أن تتجنب هؤلاء النرجسيين، لأن تأثير ذلك ضار على الجميع ويجعلهم يتمادون في نرجسيتهم، وعلاجهم يأتي دائماً بالمواجهة المباشرة وعدم السكوت عن تباهييهم بما هو ليس حقيقي».

وتقول ديورفاسيولا إن هناك 6 عبارات خالدة تأتي على ألسنة المصابين بمرض النرجسية، وتدلل على عمق إصابتهم بذلك المرض النفسي، لخصتهم في تلك العبارات:

1- «لا أريد الحديث عن نفسي، ولكن..»

وتقول ديورفاسيولا إن المريض بالنرجسية دائماً يسعى للحديث عن نفسه، في الوقت نفسه عقله الباطن يعاكسه ويجبره على نفي ذلك الأمر، وبالتالي تخرج تلك العبارة النافية للحديث عن الذات، مصحوبة بحديث كامل عن الذات.

2- «أعتذر لأنك فهمت بهذا الشكل»

يرفض المريض بالنرجسة الاعتراف بالخطأ، ولذلك يلجأ لحيلة دفاعية بتقديم الاعتذار عن فهم الآخرين الخاطئ لما يقول، بالرغم من أنه المخطئ في الأساس.

3- «لماذا تفترض ذلك عني»

يجيد النرجسي، وفقاً للدكتورة ديورفاسيولا، قلب الظلم مظلوميةً، فبدلاً من أن يُتهم بأنه ظالم، يحوّل الأمر وكأنه ضحية فهم المجتمع الخاطئ له.

4- «أنا شخص مشغول وليس لدي وقت لهذا الحديث»

يلجأ الشخص النرجسي دائماً لتلك الحيلة لإعطاء قدر لنفسه أكبر من حجمه الحقيقي، وأحياناً للهروب من الإجابات أو من انكشاف حقيقته.

5- «أتمنى أن تعلم مع من تتحدث»

جملة تهديدية دائماً يصدرها النرجسي لإثبات قوته وتجبره والإيحاء بعلو مكانته، ليستصغر الآخرين أنفسهم أمامه، فيخرج منتصراً.

6- «هذا ليس عدلاً»

تقول الدكتورة ديورفاسيولا إن النرجسيين يريدون أن تكون قوانين العالم على قدرهم ووفق رغباتهم، فالعدل هو عدلهم من وجهة نظرهم، حتى لو خالف قوانين الطبيعة، وما يرونه خادماً لمصالحهم فذلك العدل، وما يخالفها فهو ليس عدلاً.

التنافسية السلبية

الدكتور بولين روز كلانس، عالمة النفس بجامعة جورجيا الأمريكية المعروفة بأبحاثها في مجالات متلازمة المحتال والتأثيرات النفسية المرتبطة بها، قالت إن التفاعل مع الأشخاص النرجسيين يزيد من مشاعر الشك وعدم الاستحقاق لدى الأفراد، مضيفة: “الأشخاص الذين يعانون من متلازمة المحتال غالباً ما يشعرون بأنهم لا يستحقون النجاح، حتى لو حققوا إنجازات كبيرة. على النقيض، النرجسيون يميلون إلى تضخيم إنجازاتهم.. ومع ذلك، يمكن أن يتقاطع الشعور العميق بالدونية لدى بعض النرجسيين مع مشاعر متلازمة المحتال، حيث يخشون اكتشاف ضعفهم”.

وأشارت في أبحاثها إلى أن النرجسيين قد يخلقون بيئة تنافسية تؤثر سلباً فيمن حولهم، مما يزيد من الضغط على المحتالين للشعور بأنهم ليسوا كافين.

في الوقت الذي رأت فيه الدكتورة إيمي كودر، أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة هارفارد، إنه لا تعارض بين المرضين النفسيين، معتبرةً أن بداخل كل نرجسي مريضاً بمتلازمة المحتال، وقالت: «الأفراد النرجسيون يعانون بداخلهم من متلازمة المحتال، هم غالباً ما يضعون غلافاً قوياً من الثقة الزائدة، لكن داخلهم يشعرون دائماً بالخوف من الفشل أو الافتضاح. إنهم يعيشون صراعاً دائماً بين هذه الغلاف الظاهري والشعور الداخلي بعدم الاستحقاق”.

وفي الاحتكاك بين الأمراض النفسية خاصة في بيئات العمل، يظل الصراع بين الأضداد وقوداً دافعاً للعمل، فربما دون النرجسيين، ما اندفع مصابو متلازمة المحتال إلى تجويد وإخراج أفضل ما لديهم، بينما لولا المتشككون في حالهم وفي قدراتهم ما حصل النرجسيون على مساحة لممارسة نرجسيتهم وتفاخرهم بذاتهم، أو كما يقول أوتو كيرنبرغ عالم النفس والمحلل النفسي الأمريكي ذو الأصول النمساوية: “النرجسيون الخفيون (vulnerable narcissists) يعانون من هشاشة داخلية تجعلهم يشبهون مرضى متلازمة المحتال؛ كلا الفريقين يعيش في خوف دائم من أن يتم اكتشاف حقيقته. الفارق هو أن النرجسيين يعوضون هذا الشعور بواجهة مفرطة من الثقة، قد تنغص على الأكثر تشككاً في ذاتهم حياتهم”.

والحقيقة فالغوص في النفس البشرية أمر غاية في التعقيد والتداخل، والدليل على ذلك التشابك بين متلازمة المحتال والنرجسية في بعض الحالات، خاصة عند النرجسيين الخفيين الذين يعانون من شعور داخلي عميق بالدونية والقلق من الفشل، وبينما يبني النرجسيون واجهات من الثقة الزائدة للتغطية على هذا الضعف، يشعر المصابون بمتلازمة المحتال بأنهم لا يستحقون النجاح ويخافون من “اكتشاف” حقيقتهم.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط 2 أكتوبر 2024 - 11:20 صباحًا شاركها فيسبوك ‫X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي منوعات2 أكتوبر 2024 - 11:06 صباحًاحسام حسن يستبعد النني وعمر جابر وحجازي من قائمة منتخب مصر أبرز المواد2 أكتوبر 2024 - 11:05 صباحًاأرسنال يهزم باريس سان جيرمان بـ”ربع ساعة” أبرز المواد2 أكتوبر 2024 - 11:03 صباحًاتراجع أسعار الذهب أبرز المواد2 أكتوبر 2024 - 11:03 صباحًااتفاقية تعاون بين جامعة طيبة وجمعية التنمية الرياضية بالمدينة المنورة أبرز المواد2 أكتوبر 2024 - 10:59 صباحًالخلل في نظام الفرامل المدمج.. استدعاء 7938 مركبة من طرازات “BMW – MINI – رولز رويس”2 أكتوبر 2024 - 11:06 صباحًاحسام حسن يستبعد النني وعمر جابر وحجازي من قائمة منتخب مصر2 أكتوبر 2024 - 11:05 صباحًاأرسنال يهزم باريس سان جيرمان بـ”ربع ساعة”2 أكتوبر 2024 - 11:03 صباحًاتراجع أسعار الذهب2 أكتوبر 2024 - 11:03 صباحًااتفاقية تعاون بين جامعة طيبة وجمعية التنمية الرياضية بالمدينة المنورة2 أكتوبر 2024 - 10:59 صباحًالخلل في نظام الفرامل المدمج.. استدعاء 7938 مركبة من طرازات “BMW – MINI – رولز رويس” «واتساب» تحمي المستخدمين من الروابط الضارة «واتساب» تحمي المستخدمين من الروابط الضارة تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً اليوم.. “حساب المواطن” يبدأ في صرف مستحقات المستفيدين من الدعم لدفعة يناير الجاري 10 يناير 2023 - 8:12 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2024   |   تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوك‫X‫YouTubeانستقرامواتساب فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق البحث عن: فيسبوك‫X‫YouTubeانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عن

المصدر: صحيفة المناطق السعودية

كلمات دلالية: أبرز المواد2 أکتوبر 2024

إقرأ أيضاً:

المفتي: الإلحاد قضية يلزم عنها الاضطراب والصراع النفسي والتجرؤ على الذات الإلهية

قال الأستاذ الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية،  رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: "إن من أولى القضايا التي نحتاج إلى نقاشها في ملتقى «رؤية إسلامية في قضايا إنسانية»، خلال أسبوع الدعوة الإسلامية الذي تعقده الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بمجمع البحوث الإسلامية في رحاب الجامع الأزهر– من أولى هذه القضايا قضية الإلحاد، والإلحاد في أبسط معانيه ينظر إليه على أنه ميل وعدول من حق إلى باطل، يستوي في ذلك الأمر سواء وُصف بأنه أمر صغير أو وُصف بأنه أمر كبير".

المفتي يستقبل سفير سنغافورة في القاهرة لبحث تعزيز التعاون في مجال الإفتاء مفتي الجمهورية ينعى شقيقة الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق

وأضاف فضيلته خلال كلمته بالملتقى مساء اليوم الأحد بالجامع الأزهر الشريف أن قضية الإلحاد من القضايا المهمة التي يلزم عنها القلق والاضطراب، ويلزم عنها الصراع النفسي، ويلزم عنها التجرؤ على الذات الإلهية، ويلزم عنها التهوين من شأن المقدس، ويلزم عنها وضع الأمور في غير موضعها. وحقيقة هذه القضية، عندما نتوقف أمامها لا نستغرب إذ إنها قضية قديمة حديثة، ولا نظن أن عصرًا من العصور يخلو من وجود شبهة أو طائفة تجعل من الإلحاد بوابة لها، ترى أنه به ومن خلاله يمكن أن تتبوأ مكانًا عليا، وأن تحقق لنفسها مكاسب دنيوية أو منافع شخصية، وأن يكون لها مزيج في واقع الناس. ومن ثم تأتي مثل هذه اللقاءات، نحاول أن نفتش عن بعض أسبابها، ولا أقول كل الأسباب، باعتبار أن الوقت محدود والزمن محدود.

وناقش مفتي الجمهورية في كلمته بعض الأمور التي قد تدفع بالإنسان إلى الوقوع في الإلحاد أو في دائرة الملحدين، خصوصًا وأن هذه الأسباب أحيانًا تتجاوز المنطق والعقل والنقل بل والعلم، ولعل أولى هذه الأسباب، يقع الإنسان بسببها في دائرة الإلحاد، هو خوض العقل في غير مجاله، وقد خلق وقده الإنسان منا وأرسل الرسل وأنزل الكتب، ثم أعطى للإنسان قانونًا يمكن من خلاله أن يميز بين الحق والباطل، بين الصحيح والخطأ، بين الطيب والخبيث، وهو قانون العقل والفكر، يعاونه في ذلك الوحي المنزل والرسالات الإلهية.

وتابع فضيلته أن الإنسان منا يمكن أن يصل بعقله إلى ما يريد من بعثة الأنبياء وإرسال المرسلين، لكن الإشكالية أن هؤلاء يظنون أن العقل يمكن أن يصل بالإنسان إلى أمور لا يمكن حصرها، وقد يكون هذا الطرح مقبولًا لكنه في دائرة الأمور المحسوسة أو في دائرة العلوم الدنيوية، وهذه نقطة ينبغي أن نعول عليها، خصوصًا وأن العالم يتنوع إلى نوعين: محسوس وغير محسوس. بل والأعجب من ذلك أن العلم وأن العقل ذاته ربما يخوضان الإنسان إلى الوصول إلى أن ما لا يقع تحت الحسّ أو ما لا يُرى بالعين ليس ذلك دليلاً على عدم وقوعه أو عدم إمكانه، بدليل أن هناك في دنيا الناس أمورًا كثيرة يقر الإنسان بها ويعترف بوجودها إلا أنه يتعذر عليه أن يقف على حقيقتها أو أن يدرك ماهيتها. والدليل على ذلك هذه النفس التي في الجسم الإنساني، والتي تُنظر إليها على أنها أداة الحركة وباب التمييز وسبيل الأداء لمبدأ الاستخلاف الذي فرضه الله تعالى على الإنسان. ولذا قال الله تبارك وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.

وأوضح فضيلته أن الله سبحانه عبّر بهذا: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}، إشارة إلى محدودية علم الإنسان ووضع حد للأمور وقطع الكبرياء هذا الإنسان، وقد خلق الله خلقًا وهو أعلم بهم، فهو يعلم بأن الإنسان متى يستوي عوده ويستقيم ظهره حتى يبدأ في المبارزة لله تعالى بالمعصية، معلنًا من نفسه القدرة على الإيجاد والخلق.

وبيَّن مفتي الجمهورية أن هذه الآية تأتي لتؤكد للإنسان أنه مهما بلغ من العلم وحاذ من الثقافة، هو في دائرة العلم الإلهي محدود، بل محدود جدًا، بدليل أنه ركب الهواء والماء ومع هذا يعجز عن تدارك هذه الحقيقة التي هي سر الوجود وأداة البقاء. ولهذا كان من رحمة الله تعالى على الناس وإنعامه عليهم أنه كما قيل لله في خلقه رسولان: رسول من الظاهر، ورسول من الباطن. أما رسول الباطن فهو العقل، وأما رسول الظاهر فهو الوحي. إلا أن الاستقامة لرسول الظاهر تتوقف على استقامة رسول الباطن. ومن ثم قيل: إن الناس تعرفوا على ربهم بالنقول وبالعقول.

وخلُص في كلمته إلى أنه يمكن القول بأن أحد أهم الأسباب التي يمكن أن تؤدي بوقوع الإنسان في دائرة الإلحاد هو عدم الفصل بين المسموح وغير المسموح، بين ما يقع في دائرة البحث وما لا يقع في دائرة البحث. لأن هناك مسلمات قضيّتها أنها حقائق بدائية، يعني واضحة لا تحتاج إلا التسليم والرضا، كالإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، والقضاء والقدر. أما إقحام العقل في مثل هذه الموضوعات فإما أن يقع في غلو أو تفريط.

وأشار إلى أن القضية الأولى التي تودي بالإنسان منا إلى الوقوع في الإلحاد هو إقحام العقل في مسائل ليست من اختصاصاته، والله تعالى أطلق العنان للعقل أن يفتش وأن يبحث وأن ينقب وأن يستنتج وأن ينظر في ملكوت السماوات والأرض، في العالم العلوي، في الأرض وما عليها، في النفس الإنسانية، وفي أنفسكم أفلا تبصرون؟ لكن جوانب ينبغي أن نتوقف من أمامها، لأن الخوض فيها يذهب بالإنسان إلى مزالق خطيرة؛ فإما أن يلحد ويتجرأ على الله تبارك وتعالى، وإما أن يصبح أسيرًا لشهواته، عبدًا لشبهاته، فلا هو في دائرة الملحدين ولا هو في دائرة المؤمنين.

وواصل الحديث عن اسباب الإلحاد وقال إن السبب الثاني هو مظنة التعارض بين العلم والدين، وهذه قضية خطيرة جدًا، ذلك أن جل هؤلاء الملاحدة عندما ينطلقون في بث شبههم يعتمدون على نتائج العلم التجريبي، ويظنون بأن القفزات الهائلة في هذه البحوث التجريبية هي التي أودت بالكثير من الناس إلى هذا الحال. والواقع أنهم يخطئون فلا معارضة أو تناقض بين العلم والدين في شيء. لماذا؟ لأن الدين لا تُفهم أسراره ولا يمكن للإنسان أن يقف على معانيه إلا من خلال العلم. وإلا فلماذا قال الله تعالى في أول توجيه قرآني لهذه الأمة من خلال نبيها: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}. ثم لماذا أوقف الله تبارك وتعالى المعرفة به على ذاته وعلى الملائكة وعلى العلماء؟ قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}.

نتائج العلوم التجريبية

وبيَّن مفتي الجمهورية في ختام حديثه أن نتائج العلوم التجريبية هي التي تقود الإنسان منا إلى الإيمان بالله تبارك وتعالى. هم يدعون مثلاً أن العالم وُجد بالصدفة أو بالمصادفة، والواقع أن العلم يشهد على بطلان هذه الدعوة. لماذا؟ لأن هذه شبهة. لأن الصدفة في المصطلح العادي لدى الناس هي التقابل بين أمرين دون سابق إعداد أو ترتيب، لكن الصدفة في الاصطلاح العلمي تعني إنكار السبب الفاعل أو العلة الغائية. بمعنى بسيط، إنكار أن يكون لهذا العالم موجد أو إله. يكفيني فقط أن أتوقف أمام هذه البنية الداخلية للإنسان، والتي ترى فيها العجب العجاب، والتي ترى فيها القدرة الإلهية مسيطرة داخل هذا الكائن البسيط العاجز الذليل، وهو ما يجعلنا في النهاية نقول في ختام كلمتنا إن الإلحاد إنما نشأ من أفهام مغلوطة نتيجة خوض العقل في غير ميدانه ونتيجة مظنة التعارض بين العلم وبين الدين.

مقالات مشابهة

  • "أزمة الحداثة وتحولاتها" في العدد الجديد من مجلة مصر المحروسة
  • عمر الأب يؤثر على احتمالات متلازمة داون
  • الطقس اليوم الثلاثاء 1 أكتوبر 2024: انخفاض درجات الحرارة وتحذيرات من الشبورة الصباحية
  • مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 في مصر
  • استشاري صحة نفسية: مقارنة الطفل بغيره أمر كارثي يدمر ثقته
  • بدء أعمال رفع كفاءة مبني الصمود والتحدي بمدينة الحسنة
  • المفتي: الإلحاد قضية يلزم عنها الاضطراب والصراع النفسي والتجرؤ على الذات الإلهية
  • متلازمة أم فريحانة
  • ندوة في “كتاب الرياض” تؤكد أن استدامة القطاع الثقافي تحافظ على التراث وتعزز الهوية الوطنية