نقوش على قبر محمد المكي إبراهيم
تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT
يصعب تعريف الراحل محمد المكي إبراهيم، فهو دبلوماسي وشاعر وكاتب ومفكر وصوفي، وهو أيضاً عصارة لكل ذلك المزيج. لذا سأحصر حديثي عن محطات بعينها في حياة الراحل تميزت جميعها ببريق الالهام والتفرد والاستثناء. كنا نتحلق حوله بوزارة الخارجية، مجموعة من الصحفيين الدبلوماسيين، وهو يومها مدير الإدارة الأفريقية، وعلى مقربة منه الناقد العالم الفذ، عبد الهادي الصديق، صاحب نقوش على قبر الخليل.
عندما همّ طلبة شعبة العلوم السياسية بجامعة الخرطم، بتخليد ذكرى تخرجهم مطلع التسعينات شرفوني بمساعدتهم على إعداد وطباعة كتاب الخريج، وجميعهم من نوابغ البلد الذين كانت لهم بصمات من الإنجازات عقب ذلك، أجمعوا جميعاً بأن يطلقوا على الكتاب إسم: بعض الرحيق... كانت تلك الدفعة، أول دفعة من المحايدين تلحق الهزيمة بالتيار الإسلامي في انتخابات جامعة الخرطوم وأذكر منهم أقرب المقربين الى قلبي قريبي وصديقي الراحل، علي محمد علي، وعثمان ياسين وعبد الله سقدي ومحمد نور الدائم ومحمد علي إبراهيم. وجاء خبر ذلك الاقتباس جميلاً على مسامع الراحل، وسره أن الكلمة الجميلة الموحية ستبقى حية لا تموت أبداً.
حدثته عن الأبيض ذات يوم وأنا أعلم قدر محبته لها، وذكرته بعمي حسن علي كرار الذي سكن تلك الديار وترك فيها أثراً لا يزول، فقال لي كان مديراً لمدرسة خور طقت الثانوية وكان رجلا مهيباً ومعلما مطبوعاً ومربياً فريدأً.
من أجمل ما قرات ما كتبه في نعيه، المبدع فضيلي جماع حين قال: برحيله انفصل الصندل عن الجمر، وليته قال: برحيله انفصل صندل الشعر عن الجمر. نعم لن يفوح صندل الشعر عنبراً، ولن ترتوي الفراشات من رحيق الورود الزكية، ولن تغرد البلابل على دوح الطبيعة الساحرة ولن يسمع السمار قيثارة الناي تشدو بعباراته المتدفقة سحراً وجمالاً.
ومع ذلك فقد خصني الراحل المقيم بكثير من الثناء والتقدير والنصح ومن ذلك ما قاله في حوار مع الصحفي صلاح الباشا:
لقد هبّ أخي صلاح الباشا لنجدتي فجاء الخير على يديه بلا كثير عناء (نصر من الله وفتح قريب) وجاء يعلن القرار واحد من قبيلة الكرام الكاتبين هو أخونا السفير جمال محمد إبراهيم وهو حاليا الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية وأحد الذين أبلغتهم إعجابي وتقديري لما يكتبون قبل أن يتبوأ منصبه الجديد بأعوام. وهذه سنة اتخذتها لنفسي بعد أن تقدمت بنا السنون وصفت نفوسنا وانفتحت عيوننا على قدرات الآخرين ونفائس ما ينطوون عليه من جمال. ومع ذلك تبقى في النفس أشياء من حتى، فهنالك آخرون يستحقون الإشادة لم تتح لي المناسبات لأذكرهم بالخير منهم صديقي وابن (حتتنا) الأستاذ عاصم عطا صالح خبير الاستراتيجية المعروف (ستفن هادلي بتاعنا)، ومنهم الصحفي اللامع طه النعمان والصحفي المقتدر ضياء الدين بلال والصحفي المغترب الدكتور عبد المطلب صديق والدكتورة آمنة ضرار القيادية في حركات الشرق المطلبية. وآخرون في مجال العمل الخاص والعام يحسنون ما يفعلون. والحال انه لا سبيل لحب الوطن إذا كان الوطن وما فيه ومن فيه مثالب ومعايب لا تتخللها "جهشة ضوء" كما قال الشاعر فالحمد لله كثيرا أن جعل الخير في كرام أبناء شعبنا وبناته.
رحمك الله يا شاعر الشعب وأمثالك لا يموتون، وكما قال طاغور شاعر الهند العظيم: الملهمون يعلمون انهم لا يعيشون إلى الأبد لذلك لا يفجعهم الرحيل أبداَ.
talabmakki@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
من هو محمد المكي إبراهيم الذي تصدر جوجل بخبر وفاته؟
محمد المكي إبراهيم.. تصدر محركات البحث خلال الساعات القليلة الماضية وذلك بعد رحيله عن عالمنا عن عمر يناهز85 عامًا.
لذلك بدأ المواطنين يتساءلون عن مسيرة محمد المكي إبراهيم لذلك نستعرضها من خلال هذا التقرير.
من هو محمد المكي إبراهيم؟
هو واحد من أبرز رموز الشعر السوداني المعاصر، ولد في عام 1939 بمدينة الأبيض ونشأ في بيئة غنية ثقافيًا، ما أثر في رؤيته الأدبية والشعرية. التحق بجامعة الخرطوم، حيث حصل على درجة البكالوريوس في القانون. إلى جانب كونه شاعرًا، كان أيضًا ناشطًا ثقافيًا وأديبًا مهتمًا بالشأن العام السوداني، وتميز بإسهاماته الكبيرة في مجال الأدب والفكر.
تأثر محمد المكي إبراهيم بتغيرات سياسية وثقافية كبيرة في السودان وفي العالم العربي خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وهو أحد مؤسسي حركة "الغابة والصحراء"، وهي حركة أدبية سودانية ظهرت بعد الاستقلال في الستينيات، وكانت تهدف إلى التوفيق بين مكونات الهوية السودانية: الثقافة العربية والإسلامية من جهة، والثقافة الأفريقية من جهة أخرى. هذه الهوية المزدوجة شكلت جزءًا كبيرًا من رؤيته الإبداعية وأثرت في شعره، الذي كان مزيجًا من الحداثة والأصالة، ومن اللغة الرمزية الغنية والاستعارات المستمدة من التراث المحلي.
أعماله الشعرية
يتميز شعر محمد المكي إبراهيم بلغة بسيطة وراقية في الوقت نفسه، ما يجعله قادرًا على الوصول إلى شرائح واسعة من الجمهور. يتميز أسلوبه بتعميق المعاني الإنسانية والوطنية مع تركيزه على الهوية السودانية والصراع بين الثقافتين العربية والأفريقية. من أبرز أعماله:
ديوان "أمتي": الذي يعد من أشهر أعماله، يضم قصائد تتحدث عن الوطنية والانتماء والقضايا الإنسانية. تناول في هذا الديوان معاني العزة والحرية وضرورة التحرر من الاستعمار.
قصيدة "الغابة والصحراء": وهي من القصائد الرمزية الهامة في الأدب السوداني، حيث تتناول التفاعل بين الثقافتين السودانية العربية والإفريقية.
قصيدة "نحن والردى": وهي قصيدة طويلة تعتبر من أهم الأعمال التي جسدت الحس الوجودي والشخصي في شعره. تناول فيها مواضيع الموت والحياة بعمق فلسفي.
"الغابة والصحراء": يعد محمد المكي إبراهيم أحد أبرز الأصوات في حركة "الغابة والصحراء" التي كانت تهدف إلى التعبير عن خصوصية الهوية السودانية بوصفها تمثل مزيجًا ثقافيًا وجغرافيًا بين البيئة الصحراوية العربية والبيئة الاستوائية الأفريقية. هذه الحركة كانت تحمل رسالة سياسية وثقافية تؤكد على أن السودان لا ينتمي لثقافة واحدة فقط، بل هو حلقة وصل بين العالمين العربي والأفريقي، وهو ما يتجلى بشكل واضح في كتاباته.
أعماله الأخرى: إلى جانب الشعر، كان لمحمد المكي إبراهيم إسهامات أخرى في كتابة المقالات والبحوث الأدبية والسياسية، كما اشتغل بالترجمة من وإلى الإنجليزية، حيث ترجم بعض الأعمال الأدبية العالمية إلى اللغة العربية.
دوره في الحركة الثقافية: محمد المكي إبراهيم لم يكن شاعرًا فحسب، بل كان فاعلًا في الحركة الثقافية والسياسية في السودان. شارك في العديد من المؤتمرات الأدبية والسياسية في الداخل والخارج. وخلال سنواته الطويلة في المجال الأدبي، أسهم في تطوير الشعر السوداني الحديث وفي نشر الثقافة السودانية على نطاق أوسع.
على الرغم من النجاح الأدبي الكبير الذي حققه، عاش محمد المكي إبراهيم فترات من الاضطراب السياسي نتيجة آرائه المناهضة لبعض الأنظمة السودانية، ما أدى إلى نفيه لفترة من الزمن خارج البلاد.
في النهاية يعتبر محمد المكي إبراهيم يمثل جيلًا أدبيًا تأثر بالتحولات السياسية والاجتماعية في السودان، وكانت أعماله انعكاسًا لهذه المرحلة، يظل حتى اليوم أحد أعمدة الأدب السوداني الحديث، وترك بصمة لا تمحى في الساحة الثقافية السودانية والعربية.
وفاة محمد المكي إبراهيم
رحل الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم عن عمر يناهز ال85 وذلك بعد صراع مع المرض بالقاهرة.