سودانايل:
2024-12-16@23:49:24 GMT

نقوش على قبر محمد المكي إبراهيم

تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT

يصعب تعريف الراحل محمد المكي إبراهيم، فهو دبلوماسي وشاعر وكاتب ومفكر وصوفي، وهو أيضاً عصارة لكل ذلك المزيج. لذا سأحصر حديثي عن محطات بعينها في حياة الراحل تميزت جميعها ببريق الالهام والتفرد والاستثناء. كنا نتحلق حوله بوزارة الخارجية، مجموعة من الصحفيين الدبلوماسيين، وهو يومها مدير الإدارة الأفريقية، وعلى مقربة منه الناقد العالم الفذ، عبد الهادي الصديق، صاحب نقوش على قبر الخليل.

ذلك زمان لا يعود، والدبلوماسي يومها مثل الفلاسفة القدماء فهو طبيب وشاعر وفيزيائي وفقيه في اللغة والأدب والحكمة. كان محمد المكي يمنحك الانفراد الصحفي والالهام الشعري والفكرة المبتكرة والمفردة النادرة، هكذا بلا اجتهاد، فتأتي الكلمة سلسة متدفقة معبرة، نافذة الى قلب الحقيقة بلا خشية ولا ريب. أنصفته الإنقاذ التي فارقها في سنتها الأولى بتعيينه مديراً للإدارة الأفريقية وظلمته أيما ظلم بأن حرمته من العمل في محطة خارجية أسوة برفاقه الاخرين وهم أقل منه قامة ووسامة في معايير العمل الدبلوماسي، فقرر الرحيل الى أميركا بعد أن سبقته اسرته وهو يقرأ بعين الحصيف أن الدار لم تعد تحتمله في مقبل أيامها. لم يكن من قلبه يريد الرحيل فقد أسر لي برغبته في كتابة عمل موسوعي يحلل دوافع صنع وانتشار وتصديق الخرافة والشائعة بين السودانيين. وكانت تلك نبوءة مبكرة لما سيؤول اليه حال المجتمع حتى أصبحت الفرية هي الحقيقة وباتت الحقيقة أرملة في وادي الوحوش. والنبوءة الثانية، عند زيارته قبل الأخيرة للسودان مستبشراً بثورة ديسمبر قال: (الخرطوم اليوم مدينة مخيفة، مرعبة، ترى في عيون الناس شيئاً ما يخافونه بشدة، لكن شيئا ما يلجمهم عن الحديث). لقد رأى بعينه الملهمة، عين الزرقاء، ما لم يره الاخرون والذي تفجر اليوم واقعا سرمديا مؤلماً، جعل الناس أقرب أن يفروا من أمهم وأبيهم وصاحبتهم وبنيهم أو قد فروا بالفعل. كان رحيل ود المكي معلناً، فقد ظل يتواصل معي في الفترة الأخيرة السابقة لاشتداد مرضه، حيث نشرت له صحيفة البننسولا مقالات باللغة الإنجليزية، داعبني يومها قائلاً: أصبحت أدبج المقالات بلغة اليانكي البديعة كما كنت أفعل بالعربية، فأكدت له أن رئيس تحرير صحيفة البننسولا معجب بمقالاته وانني قلت له: أنت أمام شاعر سوداني لا يقل براعة عن شاعر الإنجليزية صمويل جونسون صاحب مخطوطة: إذا أحسست بالتعب من لندن فقد أحسست بالتعب من الحياة. لكن شاعرنا ظلمه أهله، ودوما زامر الحي لا يطرب.
عندما همّ طلبة شعبة العلوم السياسية بجامعة الخرطم، بتخليد ذكرى تخرجهم مطلع التسعينات شرفوني بمساعدتهم على إعداد وطباعة كتاب الخريج، وجميعهم من نوابغ البلد الذين كانت لهم بصمات من الإنجازات عقب ذلك، أجمعوا جميعاً بأن يطلقوا على الكتاب إسم: بعض الرحيق... كانت تلك الدفعة، أول دفعة من المحايدين تلحق الهزيمة بالتيار الإسلامي في انتخابات جامعة الخرطوم وأذكر منهم أقرب المقربين الى قلبي قريبي وصديقي الراحل، علي محمد علي، وعثمان ياسين وعبد الله سقدي ومحمد نور الدائم ومحمد علي إبراهيم. وجاء خبر ذلك الاقتباس جميلاً على مسامع الراحل، وسره أن الكلمة الجميلة الموحية ستبقى حية لا تموت أبداً.
حدثته عن الأبيض ذات يوم وأنا أعلم قدر محبته لها، وذكرته بعمي حسن علي كرار الذي سكن تلك الديار وترك فيها أثراً لا يزول، فقال لي كان مديراً لمدرسة خور طقت الثانوية وكان رجلا مهيباً ومعلما مطبوعاً ومربياً فريدأً.
من أجمل ما قرات ما كتبه في نعيه، المبدع فضيلي جماع حين قال: برحيله انفصل الصندل عن الجمر، وليته قال: برحيله انفصل صندل الشعر عن الجمر. نعم لن يفوح صندل الشعر عنبراً، ولن ترتوي الفراشات من رحيق الورود الزكية، ولن تغرد البلابل على دوح الطبيعة الساحرة ولن يسمع السمار قيثارة الناي تشدو بعباراته المتدفقة سحراً وجمالاً.
ومع ذلك فقد خصني الراحل المقيم بكثير من الثناء والتقدير والنصح ومن ذلك ما قاله في حوار مع الصحفي صلاح الباشا:
لقد هبّ أخي صلاح الباشا لنجدتي فجاء الخير على يديه بلا كثير عناء (نصر من الله وفتح قريب) وجاء يعلن القرار واحد من قبيلة الكرام الكاتبين هو أخونا السفير جمال محمد إبراهيم وهو حاليا الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية وأحد الذين أبلغتهم إعجابي وتقديري لما يكتبون قبل أن يتبوأ منصبه الجديد بأعوام. وهذه سنة اتخذتها لنفسي بعد أن تقدمت بنا السنون وصفت نفوسنا وانفتحت عيوننا على قدرات الآخرين ونفائس ما ينطوون عليه من جمال. ومع ذلك تبقى في النفس أشياء من حتى، فهنالك آخرون يستحقون الإشادة لم تتح لي المناسبات لأذكرهم بالخير منهم صديقي وابن (حتتنا) الأستاذ عاصم عطا صالح خبير الاستراتيجية المعروف (ستفن هادلي بتاعنا)، ومنهم الصحفي اللامع طه النعمان والصحفي المقتدر ضياء الدين بلال والصحفي المغترب الدكتور عبد المطلب صديق والدكتورة آمنة ضرار القيادية في حركات الشرق المطلبية. وآخرون في مجال العمل الخاص والعام يحسنون ما يفعلون. والحال انه لا سبيل لحب الوطن إذا كان الوطن وما فيه ومن فيه مثالب ومعايب لا تتخللها "جهشة ضوء" كما قال الشاعر فالحمد لله كثيرا أن جعل الخير في كرام أبناء شعبنا وبناته.
رحمك الله يا شاعر الشعب وأمثالك لا يموتون، وكما قال طاغور شاعر الهند العظيم: الملهمون يعلمون انهم لا يعيشون إلى الأبد لذلك لا يفجعهم الرحيل أبداَ.

talabmakki@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

بكلمات مؤثرة.. منة فضالي تنعى الراحل نبيل الحلفاوي

حرصت الفنانة منة فضالي، على نعي الفنان القدير نبيل الحلفاوي، الذي وافته المنية منذ ساعات قليلة عن عمر يناهز 77 عامًا، بعد صراع مع المرض.

بكلمات مؤثرة.. إسعاد يونس تنعى الراحل نبيل الحلفاوي

نشرت فضالي صورة للراحل عبر حسابها الرسمي بموقع التواصل الإجتماعي إنستجرام، وعلقت عليها قائلة: "إنا لله وإنا إليه راجعون.. وداعًا الفنان الخلوق نبيل الحلفاوي، كنت فنانًا على خلق، هتوحشنا يا قبطان، أرجو قراءة الفاتحة".

نبيل الحلفاويمقدمة عن نبيل الحلفاوي 

الفنان الراحل نبيل الحلفاوي، واحد من أبرز الفنانين المصريين الذين يتمتعون بشعبية كبيرة في عالم السينما والمسرح والتلفزيون، تميز بصوته الجهوري وحضوره القوي على الشاشة، بالإضافة إلى قدرته على التنقل بين الأدوار المختلفة بكفاءة عالية، مما جعله واحدًا من القلائل الذين استطاعوا الحفاظ على تواجد قوي في الساحة الفنية لأكثر من أربعة عقود.

نبيل الحلفاويمن هو نبيل الحلفاوي 

ولد نبيل الحلفاوي في 22 أبريل من عام 1947، قام بالتمثيل في العديد من الأفلام والمسلسلات ومن أشهر أعماله "ثمن الغربة"، ودور محمد نديم في مسلسل رأفت الهجان ودور معلى قانون في مسلسل غوايش.

تخرج من كلية التجارة ثم التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية بسبب حبه الشديد للتمثيل حتى تخرج منه عام 1970.

نبيل الحلفاويمشوار نبيل الحلفاوي الفني 

بدأ مشواره الفني من خلال المسرح حيث قدم العديد من المسرحيات ثم اتجه إلى التلفزيون.

أول أعماله في التليفزيون كان مسلسل "محمد رسول الله" الجزء الأول عام 1980.

نبيل الحلفاويقدم العديد من الأعمال السينمائية أهمها:

وقيدت ضد مجهول

 الأوباش

 ثمن الغربة

 المحاكمة

فقراء لا يدخلون الجنة

أباء وأبناء، الطريق إلى إيلات

 العميل رقم 13

 

أهم أعماله في عالم الدراما :

غوايش

 الجلياط

 الحب وأشياء أخرى

 رأفت الهجان

 بنات زينب

 سور مجرى العيون

 دموع صاحبة الجلالة

دمي ودموعي وابتسامتي

حكاية بلا بداية ولا نهاية

 زيزينيا

 ونوس

 

مقالات مشابهة

  • رحيل شاعر قصيدة: (نحن لا نهزم.. ومنا عطاء الدم)
  • عائلة السادات لمحمد رمضان: من أنت؟ وما تاريخك؟
  • إبراهيم فايق يعلن عن مفاجأة بشأن محمد عبد المنعم
  • أول رد من عائلة السادات على إساءة محمد رمضان للزعيم الراحل
  • الدكتوراة للباحث إبراهيم اليمني من كلية الحقوق جامعة بني سويف مع مرتبة الشرف
  • رحل القبطان.. أحمد أمين ينعي نبيل الحلفاوي
  • محمد إمام ينعي الراحل نبيل الحلفاوي
  • بكلمات مؤثرة.. منة فضالي تنعى الراحل نبيل الحلفاوي
  • بول إيلوار شاعر المقاومة النازية.. هل كانت حبيبته جالا سببا في شهرته؟
  • إبراهيم فايق يتوقع نتيجة مباراة الأهلي وباتشوكا.. ماذا قال؟