انتهاكات ومخالفات للقانون تدفع معتقلين مصريين للانتحار والإضراب
تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT
تواصل السلطات الأمنية والقضائية والسياسية المصرية ارتكاب انتهاكات حقوقية بحق آلاف المعتقلين المصريين، وهو ما تكشف عنه الأخبار المتواترة عن تجديد الحبس الإلكتروني بالمخالفة لتعديلات قانون "الإجراءات الجنائية" الأخيرة، وبنود "الحبس الاحتياطي" المثير للجل، ما دفع معتقلون لمحاولة الانتحار أو الإضراب عن الطعام، وإعلان ذويهم فقدان الأمل في إخلاء سبيلهم.
أولى تلك الأخبار والتي أحدثت جدلا في الشارع السياسي والحقوقي المصري، كان رفض النائب العام المصري، محمد شوقي، الطلب المقدم من المحامي خالد علي، بضم مدة الحبس الاحتياطي السابقة على التصديق على حكم سجن المعتقل السياسي علاء عبد الفتاح، (43 عاما)، لمدة تنفيذ الحكم.
القرار، يعني بحسب المحامي الحقوقي، استمرار حبس عبد الفتاح حتى 3 كانون الثاني/ يناير 2027، بدلا عن التوقيت القانوني للإفراج عنه في 30 أيلول/ سبتمبر الماضي.
وفي أول رد فعل لها أعلنت والدة عبد الفتاح، الدكتورة ليلى سويف، أنها من 30 أيلول/ سبتمبر 2024، تعتبر علاء مخطوفا ومحتجزا خارج نطاق القانون، مؤكدة دخولها في إضراب كلي عن الطعام، احتجاجا على جريمة السلطات المصرية وتواطؤ السلطات البريطانية مع السلطات المصرية في تلك الجريمة، وفق قولها.
وفي ذات السياق، وفي خبر ثان، جددت محكمة الجنايات المصرية المنعقدة بمجمع محاكم بدر، الأحد الماضي، لمدة 45 يوما، حبس المعتقلة السياسية سيدة الأعمال حسيبة محسوب، (56 عاما) شقيقة الوزير المصري سابقا، محمد محسوب، والمعتقلة منذ 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وجرى إخلاء سبيلها دون تنفيذ القرار في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2020.
لتقضي بعدها 3 سنوات كاملة على ذمة القضية الثانية التي جرى تدويرها فيها وذلك لمدة تجاوزت 20 شهرا عن أقصى مدة قانونية حددها القانون المصري وهي عامان، فيما كان من المقرر أن تنتهي في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وذلك رغم ما تعانيه من "ورم مزمن على الرحم"، و"قصور في عضلة القلب"، و"ارتفاع ضغط الدم"، بحسب مركز الشهاب لحقوق الإنسان.
والأحد، أيضا، وفي خبر ثالث، قررت نيابة أمن الدولة استمرار حبس رسام الكاريكاتير والمترجم أشرف عمر، 15 يوما على ذمة التحقيقات، وذلك بحسب ما أعلنه المحامي الحقوقي نبيه الجنادي، فيما كان قد تم اعتقال الصحفي في موقع "المنصة"، بتاريخ 22 تموز/ يوليو الماضي، وذلك على خلفية رسم كاريكاتوري انتقد فيه انقطاع الكهرباء في مصر.
وفي خبر رابع، وفي يوم الأحد، كذلك، وثّقت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" محاولة انتحار المعتقل السياسي أحمد محمد إبراهيم عبد العزيز، (29 عاما)، والمحبوس احتياطيا للعام السابع على التوالي وبالمخالفة لقانون الحبس الاحتياطي.
ورغم حصوله على قرار بإخلاء سبيله من محكمة جنايات الزقازيق 4 حزيران/ يونيو الماضي، لم تتم إجراءات إخلاء سبيله، وجرى إخفائه قسريا وتدويره بقضية جديدة.
وأثناء عرضه أمام نيابة جنوب الزقازيق الكلية، بمحافظة الشرقية، حاول المعتقل إلقاء نفسه من الدور الثامن لكن قوات الأمن تمكنت من منعه، وبدلا من النظر في قضيته جددت النيابة أمر حبسه، وفق تعليق الشبكة الحقوقية.
الخبر الخامس، صدر الاثنين الماضي، معلنا تجديد دائرة الإرهاب بمحكمة الجنايات المصرية، والمنعقدة بسجن بدر، حبس الحسين خيرت الشاطر، نجل المهندس خيرت الشاطر القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، وأنس محمد البلتاجي، نجل الدكتور محمد البلتاجي القيادي بالجماعة، لمدة 45 يوما، في قضايا جرى تدويرهما بها منذ العام 2019، ولمدة 5 سنوات في إطار الحبس الاحتياطي.
وفي السياق، يدخل الأربعاء، الناشط السياسي محمد عادل، يومه الـ45 من الإضراب عن الطعام، في إطار مطالبته باحتساب مدة الحبس الاحتياطي من مدة الحكم الصادر ضده.
وفي 2 أيلول/ سبتمبر 2023، صدر الحكم بحبس عادل 4 سنوات، تنتهي في 2 أيلول/ سبتمبر 2027، لكن باحتساب مدة الحبس الاحتياطي التي قضاها 3 سنوات، يكون قد أنهى مدة العقوبة في 26 تموز/ يوليو 2024، بحسب زوجته رفيدة حمدي.
"ضجة التعديلات"
وفي حديثهم لـ"عربي21"، أكد حقوقيون أن تلك الأخبار تكشف عن تجاهل السلطات المصرية لتطبيق القوانين التي قامت هي بتعديلها، وخاصة تعديلات قانون "الإجراءات الجنائية" وما يخص "الحبس الاحتياطي" والتي أحدثت السلطات حولها ضجة إعلامية كبيرة.
ولفت مراقبون إلى أنه إثر تعديلات تلك القوانين، حصلت القاهرة على كامل المعونة العسكرية الأمريكية البالغة 1.3 مليار دولار، دون اقتطاع منها للمرة الأولى منذ العام 2020، وفق إعلان وزارة الخارجية الأمريكية 11 أيلول/ سبتمبر الماضي، أشاد بما أسماه "الخطوات التي اتخذها المصريون بالفعل، ومنها تقديم مشروع قانون لإصلاح الحبس الاحتياطي وقانون العقوبات".
وفي 21 آب/ أغسطس الماضي، أعلن السيسي، عن استجابته لتوصيات الحوار الوطني الذي أطلقه في نيسان/ أبريل 2022، بشأن تعديلات "الحبس الاحتياطي"، وقرر إحالتها للحكومة، مؤكدا على رغبته الصادقة بتنفيذ أحكام الدستور المصري، و"الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، التي أطلقها في أيلول/ سبتمبر 2019.
وأكد السيسي على "أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي كإجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول لعقوبة، وتفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطي، والتعويض المادي والأدبي وجبر الضرر، لمن يتعرض لحبس احتياطي خاطئ".
المعتقل في 28 أيلول/ سبتمبر 2019، منى سيف، عبر مقطع فيديو تتهم السلطات بمخالفة القانون وبأنها أغلقت كل الآمال أمام المعتقلين وذويهم.
وذهبت للقول: "لأي مرحلة يريد النظام أن يصل بنا، عندما نتأكد أن من يُعتقل ويغلق الباب خلفه فإن هذا الباب لن يُفتح مرة ثانية، وأن هذا الأمر ليس له نقطة نهاية، والحجج والمبررات كثيرة".
"عندما يغيب القانون"
وفي تعليقه، قال الحقوقي والإعلامي المصري هيثم أبوخليل، لـ"عربي21": "من المؤسف أن نتحدث عن شيئ اسمه حكم محكمة، وقد رأينا عمليات التحايل حينما أرادوا عمل تعديلات في قانون الإجراءات الجنائية".
وأضاف أن "ما يحدث لعلاء عبد الفتاح هي عملية انتقام شخصية، مثل ما يحدث مع الدكتور محمد البلتاجي وعائلته، ومع المهندس خير الشاطر وعائلته، وغيرهم حيث أن العقوبة هنا شخصية طبقا للقانون والدستور المصري وبحسب القانون الجنائي الدولي".
ومضى يوضح بأن "علاء عبد الفتاح، على سبيل المثال، لم يفعل شيئا غير أنه كان صوتا ثوريا معتبرا، وكذلك الأمر لو نظرنا أيضا للمحامي المعتقل أسامة محمد مرسي، نجل الرئيس الراحل، وأيضا أنس البلتاجي، وعائشة الشاطر وأزواج بناته، إذ تجدها في النهاية عملية انتقام شخصية تضرب عرض الحائط بأي قانون وعرف".
ولفت مؤسس مركز "ضحايا لحقوق الإنسان"، إلى أنه "على صعيد آخر هناك إبراهيم العرجاني وابنه، وصبري نخنوخ، وغيرهم من المتهمين بجرائم جنائية وتم العفو الرئاسي عنهم".
وقال: "دعنا لا نتحدث هنا عن موضوع قانون تم تغييره، أو حكم صدر أو قرار بإخلاء السبيل، لأنه حتى لو تم إخلاء سبيل علاء عبد الفتاح على سبيل المثال، فيمكن تدويره في قضية أخرى، وليس لبوست المحامي خالد علي بأنه ليس متهما على ذمة قضية أخرى دور في وقف هذا الأمر".
وتابع: "رأينا الناشط شريف الروبي والدكتور يحي حسين عبد الهادي، فقد حصلا على عفو رئاسي، ثم خرجا لفترة ثم تم اعتقالهما مرة أخرى"، خاتما بالقول: "عند غياب القانون لا ضوابط ولا حق ولا حقوق".
ووافق، أبوخليل، في رؤيته، الناشط منير الخطيب، الذي قال عبر موقع "إكس": "فيه ناس مسجونة في مصر، سجنهم بالأمر المباشر وعداء شخصي معهم".
"تنتهك حتى تعديلاتها"
من جانبها، قالت الحقوقية المصرية هبة حسن، إن "السلطات المصرية وبالرغم من اعتمادها استراتيجية تعديل القوانين بهدف تقنين الانتهاكات وهي الاستراتيجية المتبعة منذ سنوات؛ مازالت تنتهك حتى نفس هذه التعديلات".
المديرة التنفيذية لـ"التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، أكدت لـ"عربي21"، أنها "مازالت تضرب عرض الحائط بأي شكل من أشكال العدالة وحقوق السجناء المحكومين، فضلا عن حقوق المتهمين المحتجزين احتياطيا على ذمة قضايا لسنوات".
وأشارت إلى أنها "مازالت تعتمد سياسة التدوير لسنوات والتي تأكل من أعمار هؤلاء المعتقلين على قضايا تمت محاكمتهم باتهاماتها -بعيدا عن كونها اتهامات بلا أدلة أو قرائن- لتعاد المحاكمة بذات التهم، برغم كونهم رهن الحبس في نفس توقيت الاتهام".
وختمت بالقول: "للأسف ما يحدث وما يستمر من ظلم يدفع ثمنه ضحايا النظام من المعتقلين وأسرهم، فضلا عن المجتمع بأكمله الذي يقع تحت طائلة منظومة عدالة ضائعة تطال الجميع".
"قوانين يجرى مخالفتها"
وتحدد (المادة 143) من قانون الإجراءات الجنائية المصري مدة الحبس الاحتياطي بسنتين في حالة الجنايات، ولا يجوز تجاوزهما، فيما تنص (المادة 486) من ذات القانون على أن الإفراج عن المحكوم عليه يتم فور انتهاء محكوميته.
وتشير (المادة 54) من الدستور المصري على أن الحرية الشخصية حق مصون لا يجوز المساس به، كما تقرر أن الاحتجاز أو القبض أو تقييد الحرية لا يتم إلا بأمر قضائي مسبب، وللمدة المحددة قانونا، كما توجب عرض المحتجزين على السلطات المختصة، وعدم احتجازهم دون مسوغ قانوني.
أما (المادة 99) من الدستور المصري فتلزم الدولة بحماية حقوق الإنسان وتضع ضمانات قانونية لأي انتهاك، وتُعاقب المسؤولين عن تلك الانتهاكات.
"الاستماع للشعب"
وفي رؤيته دعا الكاتب الصحفي سيد صابر، "القيادة السياسية بأن تستمع للشعب وتستوعب جروحه وأناته".
وتساءل في حديثه لـ"عربي21"، "ماذا لو اصطفت القيادة خلف الشعب وقررت أن تلغي قانون الحبس الاحتياطي، وتفرج عن آلاف المحبوسين احتياطيا، وتضم للمحكومين فترات الحبس الاحتياطي التي تم حبسهم بها مثل علاء عبد الفتاح، وغيره الكثيرين؟".
"منسيون.. وهذا الحل"
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد محامي مصري مهتم بملف المعتقلين، إن "الحديث عن ملف الحبس الاحتياطي، فيه كوارث تحدث بحق صغار المعتقلين منذ سنوات، ولا صوت لهم ولا يعرف أحد أسماءهم، ولا توجد منظمات حقوقية تصل إليهم، كما أنهم شخصيا يفضلون عدم الحديث عن أزماتهم حتى لا يطالهم التنكيل داخل السجون".
وأوضح أن "أغلبهم جرى اعتقاله منذ منتصف 2013، وتم الحكم على أكثرهم بعقوبات بين 5 و7 و10 سنوات، وجميعهم قضى مدد العقوبة كاملة، ولكن يجري إخفائهم قسريا ثم ظهورهم في النيابات على ذمة قضايا جديدة، ومن ذلك الحين يجري حبسهم احتياطيا، لمدد تتعدى 5 و7 سنوات وأكثر، والنماذج عندي كثيرة ولكن لا أستطيع ذكر أسماء دون إذنهم".
وطالب المحامي المقرب من جماعة الإخوان المسلمين، السلطات المصرية بـ"تبريد الجبهة الداخلية، في ظل الأزمات الداخلية والخارجية بوقف الاعتقالات الجديدة، وزيادة وتيرة الإفراجات وإخلاءات السبيل، وزيادة معدلات الحرية في الشارع والسماح بعمل الأحزاب السياسية والجمعيات".
كما دعا من أسماهم بـ"القيادات الشعبية والدينية للقيام بدور في تبريد الجبهة الداخلية وإنقاذ آلاف المعتقلين من الموت، وبث الأمل في نفوس آلاف الأسر"، مذكرا بدور "الأزهر وبعض القيادات الدينية والشعبية في عهد مبارك، في حل أزمة الجماعة الإسلامية، فيما عُرف بمراجعات السجون نهاية تسعينيات القرن الماضي".
وفي هذا السياق، دعت الصحفية والناشطة السياسية والمعتقلة السابقة سولافا مجدي، النظام المصري للإفراج عن جميع النساء من المعتقلات السياسيات، قائلة: "خرج أحبابنا من السجون، إعمل حاجة تبرد النار إللي جوانا، إعمل حاجة تشفع لك يوم الدين".
خرج احبابنا من السجون، اعمل حاجة تبرد النار اللي جوانا! اعمل حاجة تشفعلك يوم الدين..#الحرية_لهن #FreeThemAll pic.twitter.com/xk4wgpqGGy
— Solafa Magdy (@solafasallam) September 29, 2024المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية المصرية المعتقلين الانتحار الإضراب مصر المعتقلين الانتحار الإضراب الاعتقال السياسي المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مدة الحبس الاحتیاطی الإجراءات الجنائیة السلطات المصریة علاء عبد الفتاح لحقوق الإنسان على ذمة
إقرأ أيضاً:
ضغوط دولية أم حسابات السلطة؟.. دلالات الإفراج عن معتقلين سياسيين بتونس
تونس– شهدت تونس خلال اليومين الماضيين تطورا لافتا في ملف المعتقلين السياسيين، حيث أفرجت السلطات عن رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة السابقة سهام بن سدرين، ووزير البيئة السابق رياض المؤخر، والصحفي محمد بوغلاب، الذين كانوا يقبعون في السجون بتهم مختلفة، إلى جانب العشرات من المعتقلين السياسيين والحقوقيين والصحفيين.
ويأتي هذا في أعقاب بيان شديد اللهجة صادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في 18 فبراير/شباط الجاري، طالبت فيه السلطة التونسية بوضع حد لسياسة الاعتقال التعسفي وملاحقة المعارضين السياسيين، مما شكل ضغطا قويا على النظام التونسي.
وقد جاء بيان المفوضية الأممية عقب تدهور الحالية الصحية لهؤلاء المساجين لاسيما بن سدرين بعد دخولها في إضراب عن الطعام، فضلا عن معاناة بوغلاب من مرض السكري مما أثر على بصره بشكل حاد.
وعلى ضوء هذه التطورات، يقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، للجزيرة نت، إن خطوة الإفراج عن المعتقلين السياسيين الثلاثة "تمثل بداية تفاعل إيجابي وتدريجي من قبل السلطة مع المنظمات الدولية والمجتمع المدني المعني بحقوق الإنسان".
ويرجع الجورشي هذه الخطوة إلى عاملين رئيسيين: الأول يتعلق بالوضع الداخلي المتأزم سياسيا واجتماعيا، حيث تلوح في الأفق تحركات واحتجاجات اجتماعية للمعطلين عن العمل وبعض القطاعات الأخرى "قد تؤثر على استقرار السلطة مما يفرض عليها التعامل بحذر مع هذه المستجدات".
أما العامل الثاني، وفق الجورشي، فهو الضغط الحقوقي الدولي المتزايد، لاسيما من قبل مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي عبر بوضوح عن قلقه وطالب السلطات التونسية بتغيير نهجها في التعامل مع المعارضين السياسيين والنشطاء.
إعلانوفي السياق، يقول الجورشي إن الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين قد يكون مؤشرا أوليا على انفراج سياسي محتمل "إلا أنه يظل مرتبطا بمسار تطور العلاقة بين السلطة والموقوفين، خاصة فيما يتعلق بالمعتقلين من حركة النهضة".
ويضيف "في العموم إطلاق بعض المعتقلين السياسيين مؤشر إيجابي ويفتح الأفق في إمكانية حلحلة الوضع السياسي في تونس ولعله يكون بداية انفراجة وانفتاح سياسي رغم أن استيعاب أبعاد هذا التحول يتطلب بعض الوقت لمعرفة إن كان إطلاق المساجين السياسيين في الفترة المقبلة سيشمل الإسلاميين أم سيقتصر فقط على من هم غير منتمين لحركة النهضة".
ومن المنتظر أن تنطلق أولى جلسات محاكمة عشرات السياسيين الموقوفين منذ فبراير/شباط 2023 سواء كانوا إسلاميين أو غيرهم فيما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة في الرابع من مارس/آذار المقبل، ويطالب محامو المعتقلون ببث المحاكمة في وسائل الإعلام لإطلاع الرأي العام على حيثيات هذه القضية التي يعتبرونها "مفبركة تماما".
من جهته، يقول المحامي والناشط عبد الوهاب معطر للجزيرة نت إن الإفراج عن الموقوفين الثلاثة جاء نتيجة ضغط شديد من المنظمات الحقوقية والمفوضية السامية لحقوق الإنسان "وليس نابعا من تغيير حقيقي في نهج السلطة".
ويضيف أن تونس تحولت في عهد الرئيس قيس سعيد إلى "دولة فاحت منها رائحة الاستبداد بعدما أفرط النظام في سجن وملاحقة خصومه السياسيين مما دفع مفوض الأمم المتحدة لحقوق الانسان لإصدار ذلك البيان".
وأشار معطر إلى أن النظام لجأ إلى تلك الخطوة كعملية "تنفيس" سياسي ومناورة تهدف إلى امتصاص الانتقادات الدولية المتزايدة، مؤكدا أن السلطة لم تستجب بالكامل لمطالب الأمم المتحدة بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، خاصة كبار السن وعلى رأسهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي (83 عاما).
إعلانوبشأن توقعاته الفترة المقبلة بحصول انفراج سياسي أوسع، يقول معطر إن النظام قد يمضي في إطلاق عدد آخر من المساجين السياسيين "بشكل انتقائي" مستبعدا أن يقوم مثلا بإطلاق سراح الغنوشي رغم كبر سنه لأنه يمثل بالنسبة إلى النظام "حوتا كبيرا".
توظيف القضاء
من جهة أخرى، يرى الناشط الحقوقي في مجال الهجرة رمضان بن عمر أن هذه الإفراجات، رغم أنها تبعث الأمل، إلا أنها تكشف عن استمرار توظيف القضاء من قبل السلطة لخدمة مصالحها السياسية، بهدف تحسين صورتها الحقوقية قبل اجتماع مجلس حقوق الإنسان القادم.
وقبل أيام من لجوء السلطة إلى الإفراج عن ثلاثة معتقلين سياسيين، وقبل صدور بيان المفوضية السامية لحقوق الإنسان، أصدرت المحكمة الابتدائية في تونس أحكاما قاسية بحق عدد من المتهمين فيما يعرف إعلاميا بقضية "أنستالينغو" نسبة إلى شركة إنتاج محتوى رقمي، مما أثار موجة غضب واسعة في الأوساط السياسية والحقوقية.
وتواجه السلطات التونسية اتهامات متزايدة باستخدام القضاء أداة لتصفية الحسابات السياسية ضد المعارضين، في ظل غياب استقلالية القضاء وفق المراقبين.
وكانت المحكمة قد أصدرت أحكاما مشددة بحق عدد من القيادات السياسية، من بينهم رئيس حركة النهضة الذي حكم عليه بالسجن لمدة 22 سنة، والقيادي في النهضة رفيق عبد السلام بـ34 سنة، وسمية ابنة الغنوشي بـ25 سنة، إضافة إلى آخرين.
كما شملت الأحكام قرارات بمصادرة الممتلكات وفرض غرامات مالية، مما زاد من حدة الجدل حول وضع الحريات في البلاد.
دعوات للتهدئة
وفي ظل هذه التطورات، طالب نواب سابقون من البرلمان الذي حله الرئيس بأن تكون خطوة الإفراج عن المساجين الثلاثة بداية تغيير حقيقي في المشهد السياسي والحقوقي التونسي.
ودعا النائب السابق والقيادي بالنهضة ماهر مذيوب إلى أن تكون هذه الخطوة بارقة أمل لإنهاء ملف الاعتقالات السياسية، داعيا الرئيس إلى اتخاذ خطوات جريئة نحو المصالحة الوطنية.
إعلانوبينما يأمل البعض أن تكون هذه بداية تغيير حقيقي نحو انفراج سياسي أوسع يشمل جميع المعارضين، يرى آخرون أنها مجرد تحرك تكتيكي محدود ومحاولة من السلطة لتخفيف الضغط دون تقديم تنازلات جوهرية بملف الحريات وحقوق الإنسان.
ويواجه سعيد اتهامات متزايدة من قبل المعارضة السياسية والمنظمات الحقوقية بتكريس نهج استبدادي منذ إعلانه عن التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 والتي قام بموجبها بتجميد عمل البرلمان وإقالة الحكومة ورفع الحصانة عن النواب، مستندا إلى الفصل 80 من دستور 2014 الذي قام لاحقا بإلغائه وتعويضه بدستور لسنة 2022 وسع فيه صلاحياته كرئيس.