اهم هدف لهذه الحرب هو استئصال الخصوم السياسيين للحركة الكيزانية الاجرامية وتجريف البلاد من اي صوت معارض او حتى مستقل، ومعاقبة اي شخص متعاطف مع الثورة تعاطفا حقيقيا.
فضلا عن ان هناك تيار ا انفصاليا نشطا وسط هذه العصابة يرغب في تقسيم جديد للسودان حتى ينفرد بحكم مطلق في الشمال وشرق السودان( دولة البحر والنهر) ، ولذلك سوف تتم تصفيات على اساس الانتماء القبلي لعرب دارفور، ليكون رد الفعل هو الانتقام من قبائل الشمال لاعلاء نبرة الكراهية والمطالبة بالانفصال.


غوغائية الحرب هي البيئة النموذجية لتنفيذ هذه الجرائم اذ لا قانون ولا منطق سوى قوة السلاح ، وهناك تهمة جاهزة اسمها " متعاون مع الدعم السريع" ! تهمة لا تخضع لاي معيار وغير قابلة للاستئناف او حتى مجرد النقاش! كل من قال لا للحرب متعاون مع الدعم السريع ! كل من قال هذه حرب قذرة متعاون مع الدعم السريع! باختصار كل من لم يتماهى مع سرديات الكيزان هو متعاون مع الدعم السريع!
مجازر الكيزان المرتقبة تم التمهيد لها بتكثيف نشر مجموعة من السخافات في مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا قروبات الواتساب الخاصة بالاحياء السكنية وحتى القروبات الاسرية ، على رأس هذه السخافات وجود مرشدين للدعم السريع ساعدوهم على نهب المنازل وارشدوهم الى اماكن وجود الذهب والعربات والاثاث الفاخر ! ودلوهم حتى على اماكن الثياب النسائية السمحة واطقم العشاء والشاي الفاخرة ! حتى يستنتج السذج والبسطاء ان سبب نكبتهم في فقد ممتلكاتهم ليس الدعم السريع الذي استولى على اقاليم كاملة في البلاد بقوة السلاح واصبحت تحت تصرفه تماما يصول ويجول وينهب كل شيء ولا حاجة له بمرشدين ولا يحزنون ! فضلا عن ان الجيش الذي هرب ترك الدعامة في اجازة طويلة ومريحة في معظم احياء الخرطوم استمرت لاشهر مما وفر لهم فرصة دخول المنازل الواحد تلو الاخر ونهب ما بداخلها وتركها مفتوحة ليأتي اللصوص المعتادون على السرقة من احزمة الفقر والبؤس المحيطة بالاحياء الاقل فقرا وبؤسا!
غضب المواطن بسبب فقده لكل ما يملك مفهوم جدا ومشروع ، ولكن " مزارع العلف الكيزاني" عبر منتجاتها المسمومة ترغب في توجيه هذا الغضب الى الوجهة الخطأ ! بدلا من ان يغضب المواطن من طرفي الحرب التي بفوضاها وغوغائيتها تسببت في مأساته، وبدلا من ان يغضب من الجيش الذي قصر تقصيرا مخجلا في حمايته ، يصب المواطن جام غضبه على مواطنين مثله اسمهم المتعاونون مع الدعم السريع! وبهذا التمهيد الماكر يهلل المواطنون ويكبرون للمجازر الجماعية المرتقبة ليس فقط بضمير مرتاح، بل باحساس زائف بانهم انتصروا على العدو الذي سرقهم وتسبب في قتل او اعتقال ابنائهم! وفي "حلبة الزار " هذه ينسى الناس تماما المتعاون الاصلي مع الدعم السريع الذي انشأه ومأسس وجوده في الدولة السودانية من داخل برلمانه ومكنه من مناجم الذهب وفتح له بوابات العلاقات الخارجية!
وحتى في هذه الحرب تحصل الدعم السريع على قوائم باسماء الكيزان وضباط الجيش والشرطة الاثرياء واماكن سكنهم ومخابئ اموالهم من ذات الاجهزة الامنية الكيزانية التي اشترى الدعم السريع معظم عناصرها بالمال! وجزء من هذه الاجهزة بات جزء اساسيا من استخبارات الدعم السريع!
هل من مسخرة اكبر من ان يأتي من فعل كل ذلك وينصب المشانق للابرياء والمغلوبين على امرهم تحت اتهامات " التعاون مع الدعم السريع" ! وتسويق هذا العلف تحت عنوان معاقبة من تسببوا في سرقة المواطنين! هل من سارق للمواطنين اكبر من الكيزان وهل من قاتل لهم اكبر من مرتكبي الابادات الجماعية ومشعلي الحروب واصحاب بيوت الاشباح!
ان المجازر التي بدأت في الحلفايا وسوف تتكرر في اي منطقة تصلها كتائب الكيزان يجب ادراجها تحت العناوين الصحيحة: تصفيات سياسية وعرقية لخصوم الكيزان، انتقام من الثورة بأثر رجعي، تعبيد الطريق لهيمنة مطلقة واستبداد اكثر رعونة وانحطاطا من استبداد الانقاذ الاولى، تقسيم المجتمع واشاعة الكراهية بين مكوناته!  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه

???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
( عميد التَنوير ، نِحرِير النبوءاتِ العَتيقة )

في أعمق لحظاتي مع نفسي صدقاً ، لا أراني أعظَمُ مَيلاً للحديث عن الشخصيات، إن تكرَّمَت وأسعفَتني الذاكرة ، فقد كتبتُ قبل عن فيلسوفِ الغناء مصطفى سيد أحمد ، والموسيقار الكابلي ، والمشير البشير ، وشاعر افريقيا الثائر ؛ الفيتوري .

لا أجدُني مضطراً لمدح الرّجال ، ولكنها إحدى لحظات الإنصاف ، ومن حسن أخلاق الرجال أن ينصفوا أعداءهم، دعك من أبناء جلدتهم ونبلائها ، والرجلُ ليس من قومنا فحسب، بل هو شريف قوم وخادمهم ، خطابه الجَسور يهبط حاملاً “خطاب” ابن يعمر الإيادي لقومه ، وخطبة درويش “الهندي الأحمر” ، و”بائية” أبي تمّام ، وتراجيديا الفيتوري في “التراب المقدّس” ..
عبد الرحمن ، لم يكن حالة مثقفٍ عادي ، “عمسيب” مثالٌ للمثقف العضوي قويّ الشَّكِيمَة ، العاملِ علَى المقاومة والتغيير والتحذير ، المحاربِ في ميادين التفاهة والتغييب والتخدير ، المتمرّد على طبقته ، رائد التنوير في قومه ، ظلّ يؤسس معرفياً وبأفقٍ عَالمٍ لنظرية اجتماعية ، نظرية ربما لم تُطرح في السوح الثقافية والاجتماعية من قبل ، أو لربما نوقشت على استحياء في همهمات أحاديث المدينة أو طُرحَت في ظلام الخرطوم عَهداً ثم غابت . هذا الرجل امتلك من الجسارة والثقافة العميقة بتفاصيل الأشياء وخباياها ، ما جعله يُقدم على تحطيم الأصنام السياسية والثوابت الاجتماعية وينفض الغبارَ عن المسكوت عنه في الثقافة والاجتماع والسياسة.

عمسيب قدم نظريةً للتحليل الاجتماعي والسياسي ، يمكن تسميتها بنظرية ( عوامل الاجتماع السياسي) أو نظرية ( النهر والبحر) في الحالة السودانية ، فحواها أن الاجتماع البشري يقوم على أسس راسخة وليس على أحداث عابرة . فالاجتماع البشري ظلّ منذ القدم حول ( القبيلة Tribe ) ثم ( القوم Nation ) ثم ( الوطن Home) ثم ( الدولة country) . هذا التسلسل ليس اجتماعيٌ فحسب، بل تاريخيٌ أيضاً ، أي أن مراحل التحَولات العظيمة في بِنية المجتمعات لا يصح أن تقفز فوق الحقب الاجتماعية ( حرق المراحل).. فالمجتمعات القَبَلية لا يمكنها انتاج (دولة) ما لم تتحول إلى (قومية) ، ثم تُنتج (وطن) الذي يسع عدد من القوميات ، ثم (دولة) التي تخضع لها هذه القوميات على الوطن ، مع تعاقد هذه القوميات اجتماعيا على مبادئَ مشتركة، وقيمٍ مضافة ، كالأمن والتبادل الاقتصادي وادارة الموارد ، والحريات الثقافية ونظام الحكم .

هذه النظرية تشير إلى أن الاجتماع السياسي في السودان ظل في مساره الطبيعي لمراحل التسلسل التاريخي للمجتمعات والكيانات ، إلى أن جاءت لحظة ( الاستعمار) Colonization . ما فعله الاستعمار حقيقة ، أنه وبدون وعي كامل منه ، حرق هذه المراحل – قسراً – وحوّل مجتمعات ما قبل الدولة ( مجتمعات ما قبل رأسمالية) إلى مجتمعات تخضع للدولة.

فالمجتمعات التي كانت في مرحلة ( القبيلة) او تلكَ في مرحلة( القومية) قام بتحطيم بنيتها وتمحوراتها الطبيعيه وتحويلها إلى النموذج الرأسمالي الغربي ، خضوع قسري لمؤسسات الدولة الحديثة، مجتمع ما بعد استعماري ، تفتيت لمفاهيم الولاءات القديمة الراسخة ، بل وتغييرها إلى نظم شبه ديموقراطية، وهذا بالطبع لم يفلح، فبعد أن حطّم المستعمر ممالك الشايقية ودولة سنار ومشيخات العرب بكردفان ومملكة الفور ، وضم كل ذلك النسق الاجتماعي ( القبلي / القومي) إلى نسق الوطن/ الدولة.. أنتج ذلك نخب وجماعات سياسية ( ما بعد كولونيالية ) تعيش داخل الدولة ، لكنها تدير الدولة باللاوعي الجمعي المتشبّع بالأنساق التقليدية ( القبيلة / الطائفة / القومية) ، أي مراحل ماقبل الوطن والدولة.

ما نتج عن كل هذه العواصف السياسية والاجتماعية ، والاضطرابات الثقافية، أن هذه المجتمعات والقوميات التي وجدت نفسها فجأة مع بعضها في نسق جديد غير معتاد يسمى ( الدولة) ، وأقصدة بعبارة ( وجدت نفسها فجأة) أي أن هذا الاجتماعي البشري في الاطار السياسي لم يتأتَ عبر التمرحلات الطبيعيه الانسانية المتدرجة للمجتمعات، لذا برزت العوامل النفسية والتباينات الثقافية الحادة ، الشيئ الذي جعل الحرب تبدأ في السودان بتمرد 1955 حتى قبل اعلان استقلاله . ذات الحرب وعواملها الموضوعيه ومآلاتها هي ذات الحرب التي انطلقت في 2002 ثم الحرب الأعظم في تاريخنا 2023 .

أمر آخر شديد الأهمية، أن دكتور عبد الرحمن ألقى حجرا في بركة ساكنة، وطرق أمراً من المسكوت عنه ، وهو ظاهرة الهجرات الواسعة لقوميات وسط وغرب افريقيا عبر السبعين عاما الماضية ( على الأقل) , فظاهرة اللجوء والهجرات الكبيرة لقبائل كاملة من مواطنها لأسباب التصحر وموجات الجفاف التي ضربت السهل الافريقي، ألقت بملايين البشر داخل جغرافيا السودان، مما يعني بالضرورة المزيد من المنافسة العنيفة على الأرض والموارد وبالتالي اشتداد الحروب والصراعات بالغة العنف، وانتقال هذا التهديد الاستراتيجي إلى مناطق ومجتمعات وسط وشمال السودان ( السودان النّهري)

اذن ، سادتي ، فنظرية (الاجتماع السياسي ، جدلية الهوية والتاريخ ) هذه تؤسس لطرائق موضوعيه ( غير منحازة) لتفسير الظواهر الاجتماعية والثقافية وجدليات الحرب والسلام ، وتوضّح أسباب ظاهرة تعدد الجيوش والميليشيات القبلية والمناطقية والخطابات المؤسسة ديموغرافياً ، وما ينسجم معها من تراكمات تاريخيه وتصدّعات اجتماعية عميقة في وجدان تلك الجماعات العازية .. التوصيات البديهية لهذا الخطاب ، أن الحلّ الجذري لإشكاليات الصراع في السودان هو بحلّ جذور أزمة الهوية، والهوية نفسها لم تكن ( أزمة) قبل لحظة الاستعمار الأولى ، بالتالي تأسيس كيانات جديدة حقيقية تعبّر عن هويات أصحابها والعقد الاجتماعي المنعقد بين مجتمعاتها وقومياتها .

النظرية التي أطلق تأسيسها دكتور عبد الرحمن، لم تطرح فقط الأسئلة الحرجة ، بل قدمت الإجابات الجسورة وطرقت بجراءة الأبواب المرعبة في سوح الثقافة والاجتماع والسياسة في السودان.

Mujtabā Lāzim

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ارتفاع ضحايا قصف الدعم السريع على مناطق أم درمان
  • غرفة طوارئ البراري: مقتل 18 مدنياً في أحياء «بري» برصاص الدعم السريع
  • حديث أركو مناوي ..الذي نفذ في خضّم المعركة ورغم مرارات الحرب
  • حميدتي أكد أن أهالي قتلى الدعم السريع يعانون من التجاهل والنسيان
  • مليشيا الدعم السريع الإرهابية تستهدف قاعدة مروي الجوية والمضادات الأرضية تتصدّى
  • اختبار التوحد الذي يستغرق 10 دقائق للكشف المبكر عن المرض
  • ???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
  • الدعم السريع ترتكب مجزرة في ريفي شرق الفاشر وتنهب أبقار
  • تحليل الوضع الراهن في السودان وتحديات مستقبل الدعم السريع
  • ستة قتلى في قصف قوات الدعم السريع لمدينة استراتيجية