التعليم المسرع ومحو الأمية: خطوات نحو التغيير أم مجرد حلول سطحية؟
تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT
أكتوبر 2, 2024آخر تحديث: أكتوبر 2, 2024
المستقلة/- في خطوة مثيرة للجدل، سمحت وزارة التربية في العراق لخريجي مدارس التعليم المسرع بالدوام في المدارس المتوسطة المسائية للعام الدراسي 2024-2025، وأعلنت في الوقت نفسه عن إطلاق الدفعة الـ 13 من برنامج محو الأمية. ولكن، هل هذه الخطوات كافية لتغيير واقع التعليم في العراق، أم أنها مجرد محاولة لتجميل الصورة دون معالجة الجذور الحقيقية للمشكلة؟
تشير الإحصائيات إلى أن خريجي مدارس التعليم المسرع يعانون من تحديات كبيرة في الاندماج في النظام التعليمي التقليدي، وذلك بسبب الفجوة العمرية مع أقرانهم.
محو الأمية: جهود مكررة أم فعالية حقيقية؟
إطلاق الدفعة الـ 13 لمحو الأمية يثير التساؤلات حول فعالية هذه البرامج. على الرغم من الجهود المبذولة لتوسيع رقعة مراكز محو الأمية، إلا أن نتائج الحملات السابقة تشير إلى عدم تحقيق الأهداف المرجوة. كيف يمكن للبرنامج أن يحقق نتائج ملموسة هذه المرة؟ هل يتم الاعتماد على أساليب تعليمية جديدة لجذب الأميين وتحفيزهم على المشاركة الفعالة في العملية التعليمية؟
التحديات الثقافية: عوامل معيقة للنجاح
إن العوامل الثقافية والاجتماعية تلعب دورًا كبيرًا في مستوى التعليم في العراق. لا يزال العديد من الأميين يشعرون بالحرج أو العار من العودة إلى مقاعد الدراسة. كيف يمكن التغلب على هذه العقبات الاجتماعية، وإقناع الأفراد بأن التعليم هو السبيل الوحيد لتحسين حياتهم؟
الالتزام الحكومي: الحاجة إلى خطة شاملة
على الرغم من هذه الخطوات الإيجابية، تبقى هناك حاجة ملحة لوضع خطة شاملة تهدف إلى معالجة المشكلات الهيكلية في النظام التعليمي العراقي. هل تتوفر الإرادة السياسية والموارد اللازمة لدعم هذه المبادرات وتحقيق نتائج ملموسة؟
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
إقرأ أيضاً:
إصلاح الفهم حول مفهوم الإصلاح.. مشاتل التغيير (4)
يشهد العالم العربي والإسلامي منذ القرن التاسع عشر، على أقل تقدير، دعوات متواصلة إلى الإصلاح تحت شعارات متعددة نحو التجديد والإحياء والنهوض والتحديث والتغيير والتنوير، وقد أصبح الإصلاح وغيره من المصطلحات عنوانا لحركات مجتمعية ومشاريع فكرية عديدة، ظل أصحابها ينشدون الخروج بالمجتمعات العربية والإسلامية من وضع التخلف والانزواء إلى وضع التقدم والارتقاء.
كشف البحث عن قضايا الإصلاح بعمق ودقة الدكتور "محمد بريش" رحمه الله تعالى، فدقق مفهوم الإصلاح مبينا وعيه المفاهيمي بأهمية المسألة المصطلحية عموما وما أصابها من عصف وقصف من جهة كونها مدخل الإصلاح وأساسه وذروة سنامه، فاهتم بناء على ذلك بالنظر في عدد من المصطلحات تدقيقا وتأصيلا لمعانيها، ومن أهم هذه المصطلحات مصطلح الإصلاح، متطرقا الى شروط الإصلاح وأولوياته. كان ذلك في مقاله البديع "مفهوم الإصلاح أو نحو إصلاح لفهم المصطلح".
"الإصلاح" لغة مأخوذ من الجذر "صلح"، فالصاد واللام والحاء أصل واحد، يدل على خلاف الفساد. يقال: صَلُح (بضم اللام) وصَلَح (بفتح اللام) الشيءُ يَصْلَح ويَصْلُح صلاحا وصُلُوحا، لغتان؛ فالصلاح والصُلُوح بمعنى، وهو صالح وصليح، والجمع: صلحاء وصُلُوح. و"الصلاح" الحصول على الحالة المستقيمة النافعة، و"الإصلاح" جعل الشيء على تلك الحالة؛ فـ"الإصلاح" نقيض الفساد، وهو يدل على إزالة الفساد.
المصطلحات إذن تكتسب قوتها ومعانيها من الحقل الدلالي الذي تنبثق وتصدر عنه، وقد يكون هذا السياق حقلا معرفيا كما قد يكون سياقا ثقافيا أو حضاريا أو اجتماعيا
و"الاستصلاح" نقيض الاستفساد، وأصلحه نقيض أفسده، وقد أصلح الشيء بعد فساده: أقامه، و"مصلح" اسم فاعل من أصلح. يقال: رجل صالح في نفسه، ومصلح في أعماله. ويغلب استخدام "الإصلاح" في إصلاح ذات البين؛ يقال: أصلح بينهما، أو ذات بينهما: أزال ما بينهما من عداوة ووحشة. وإصلاح ذات البين يكون برأب ما تصدع منها، وإزالة الفساد الذي دبَّ إليها بسبب الخصام والتنازع على أمر من أمور الدنيا. و"الإصلاح" اصطلاحا؛ شمولا وتكاملا له تعريفات عديدة؛ فعُرِّف بأنه: إزالة الخلل والفساد الطارئ على الشيء، وعُرَّف أيضا بأنه: إرجاع الشيء إلى حالة اعتداله، بإزالة ما طرأ عليه من الفساد. وكل التعريفات الاصطلاحية لـ"الإصلاح" تدور حول معنى إزالة الفساد الذي يطرأ الشيء، وإعادته إلى ما كان عليه من الصلاح والاعتدال والنفع.
في مقال قيم كان عنوانه "مفاهيم ومفردات في منهج الإصلاح المنشود" للمفكر المغربي القدير الأستاذ "محمد يتيم"؛ "لا مشاحة في المصطلح" ليست قاعدة مطلقة؛ هكذا كان يقول علماء المسلمين، لكنهم كانوا يقرونه أيضا بوجود ما يسمى "اللفظ المشترك"، وهو اللفظ الواحد الذي يستخدم للدلالة على معانٍ متعددة بتعدد السياقات التي يتم استخدامه فيها. وهو نفس المعنى الذي قرره علماء اللغة المعاصرون وهم يتحدثون عما سموها "حركيّة الدليل اللغوي"، أي قابليته للاستعمال للدلالة على مدلولات متعددة بتعدد سياقات استخدامه.
ولذلك فقاعدة "لا مشاحة في المصطلح" تنطبق على المصطلحات المتعددة التي تشير إلى شيء واحد ومعنى واحد، ولا تعني أن المصطلح غير متحرك، أو حمّال لأوجه، أو أنه غير قابل للتأويل، وأنه يحتمل أكثر من دلالة. فالمصطلحات إذن تكتسب قوتها ومعانيها من الحقل الدلالي الذي تنبثق وتصدر عنه، وقد يكون هذا السياق حقلا معرفيا كما قد يكون سياقا ثقافيا أو حضاريا أو اجتماعيا.
هذه المقدمة تصلح لتناول مفهوم "الإصلاح" بحمولاته المختلفة انطلاقا من المرجعية الإسلامية، وتمييزه عن مفهوم الإصلاح كما يُستخدم اليوم في القاموس السياسي السائد، ولذلك فإن المشاحة لازمة في مصطلح "الإصلاح".
مفهوم "الإصلاح" بحمولاته المختلفة انطلاقا من المرجعية الإسلامية، وتمييزه عن مفهوم الإصلاح كما يُستخدم اليوم في القاموس السياسي السائد، ولذلك فإن المشاحة لازمة في مصطلح "الإصلاح"
وتعريف الإصلاح يحمل طابعا قدحيا في قاموس اليسار الجذري، وهو في هذه الحالة ليس سوى محاولة "ترقيعية" وتجميلية لصورة الأنظمة الاستبدادية وإضفاء للشرعية عليها، ومن ثم فإن الطريق الأسلم بالنسبة إليه هو الدعوة إلى تغيير كامل وجذري قواعد اللعبة من أساسها، والدعوة إلى تغيير جوهري في بنية السلطة والمجتمع برمته وعلى حد سواء.
المصطلحات إذا على حد ما عبر عنه المفكر المغربي ليست بريئة وينبغي -على العكس من ذلك- الوقوف عند حمولتها الفكرية والثقافية وخلفيتها القيمية وتفكيكها، وحيث إنه في حالة الحركات التي تستلهم المرجعية الإسلامية يجب تحرير هذا المصطلح من حمولات أخرى ناتجة عن التأثر بمناهج في التغيير لها مرجعيات أخرى؛ فمن اللازم العودة إلى تحرير مفهوم الإصلاح في ظل المرجعية الإسلامية وبعده الثقافي والحضاري الأصيل.
ومن ثم، فإن ارتباط مفهوم الإصلاح بمعانيه التدرجية الجزئية؛ وبمعانيه الترقيعية التجميلية؛ أو الإصلاحات الجزئية من داخل منظومة السلطة والنظام والعمل تحت سقف النظام وحدوده وأشكاله، ومن ثم وضع مفهوم الإصلاح في قبالة مفهوم الثورة التي تعني عملا جذريا قد يحمل بعض من الأشكال العنفية؛ إنما يُعد تعسفا نتج من استقرار تلك المفاهيم في معانيها الغربية. استُهدفت الإصلاحية بسرعة من قبل الاشتراكيين الثوريين مع إدانة روزا لوكسمبورغ للاشتراكية التطورية لبرنشتاين في مقالتها "الإصلاح أم الثورة"؟ والأمر الصواب في هذا المقام يجعل من الإصلاح مفهوما شاملا وغائيا مقاصديا؛ كما سنرى هذا المفهوم للإصلاح بشموله ومعنى المسئولية فيه وتعدد مستوياته وأشكاله، فالإصلاح يشتمل على أشكال عدة ومنها الثوري والتدريجي كل بحسبه، ولم يكن أبدا ترقيعيا أو تجميليا.
وعلى الرغم مما يبدو من فرض القضية والعنوان والمجالات ومناهج الرؤية والعمل الخاصة بمسألة "الإصلاح" فرضا أمريكيّا صريحا، تسنده وتسانده الحضارة الغربية وفق سياقات فرض مفاهيم مركزيتها الغربية، فإن المنظور الحضاري الأصيل المصرّ على الاحتفاظ بوعيه الذاتي يرى أن الأمر ليس كذلك بالضرورة، وليس حديثُ "الإصلاح" من منطلق التجدد الحضاري الذاتي، يمثل استجابة أو ردّ فعلٍ على الطروحات الأمريكية والغربية، إنما هو خط متصل، وهمُّ ممتد متأصّل واقع بين إرادة الأمة الواعية واستطاعتها المتغيرة (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت). وما الطرح الأمريكي أو غيره -ساعتها- إلا كالمناسبة أو المجال أو الظرف الرافع للصوت الذاتي، الدافع لكشف الزيف، وبيان الإصلاح الصالح الحق من ألوان الإصلاح الأخرى؛ المعكوس الفاسد، الضال، المخروق، الملبّس، الكاذب.. إلخ.
إعادة الاعتبار لمفهوم الإصلاح عبر بعدين متلازمين ارتبطا بخطاب الإصلاح الخارجي المنطلق من مكنون فلسفته واعتباراته؛ الأول المفهوم الغربي للإصلاح، الذي قد يشوش على مفاهيم ترد في المرجعية التأسيسية مفهوم قد يشوش على الفهم الإسلامي لمفهوم الإصلاح، فنحن لا نأخذ الإصلاح باعتباره "إعادة التشكيل" (reform)، وهو مع التأمل يتلاءم مع أهداف الحضارة الغربية، فالإصلاح الذي نقصده ونسعى إليه يتكون من عمليات تجديدية بأفكار نهضوية وإمكانات وقدرات فاعلية (ارتباط الاصلاح بمفهوم التجديد والإحياء). ومن هنا، إن التباس الترجمة التي تحيزت للفهم الغربي طاردت الدلالة الأصلية لاصطلاح الإصلاح، وأزاحت لغويا المفهوم الأصلي لغة واصطلاحا؛ قرآنا وسنة.
مراعاة هذا المفهوم المتعلق بالإصلاح في سياقات الاهتمام بمشاتل التغيير؛ ضمن هذه الإشارات والتنبيهات، والتعرف من هذا المنطلق؛ منطلق ذاتية الإصلاح مفهوما وتصورا، وعملية أصلية وعملياتٍ متنوعة، ومقاصدَ ووسائل، وقوانين وسُننا، وتاريخا وواقعا ومآلات
أما الثاني فيتعلق بمفهوم الإصلاح المرتبط بالخارج في الخطابات الأخيرة أكثر من ارتباطه بالداخل، وصارت العلاقة بين الداخل والخارج من هذه الزاوية مثار مشاكل إلى الدرجة التي جعلت البعض يرى أن الإصلاح فقط هو الذي يأتي من الخارج، ولكن نحن نؤكد على داخلية الإصلاح، وإمكاناته وقدراته. أما الخارج فهو ضمن الوسط للإصلاح سواء مباشرا أو منداحا (من دوائر الفرد إلى الدائرة النهائية إنسان الإنسانية- النهضة على غير الطريقة الأوروبية)، فشكل ذلك مقدمات الاستتباع الخطيرة.
إن مراعاة هذا المفهوم المتعلق بالإصلاح في سياقات الاهتمام بمشاتل التغيير؛ ضمن هذه الإشارات والتنبيهات، والتعرف من هذا المنطلق؛ منطلق ذاتية الإصلاح مفهوما وتصورا، وعملية أصلية وعملياتٍ متنوعة، ومقاصدَ ووسائل، وقوانين وسُننا، وتاريخا وواقعا ومآلات.. ذاتية المنطلق المعرفي (العقدي) والإرادي (الوجهة) والمنهجي (الصراط المستقيم).. ومن باب مناسبة الحال ومقتضياتها تمضي الأمة العربية والإسلامية في كشف حالة التحول الموّار والتغيرات الحادة التي تمر بها الأمة الإسلامية كُلّا وأجزاء عبر هذه اللحظة، تحت شارات "الإصلاح" باختلاف مفاهيمه وتصوراته، ومقاصده ومجالاته، ودوافعه ومنطلقاته.
التفكير في الإصلاح، الذي صوّره العقل القرآني وعيا وتدبرا، شكّل مقاربة متجددة لسؤالين متلازمين؛ أولهما: كيف يكون فهمنا للإصلاح في القرآن المجيد فهما منهجيا؟ أما الثاني كيف نطبق الإصلاح الذي جاء به القرآن على الأمة في كل زمان وفي كل مكان وفي كل مجتمع من مجتمعات الخلق والأنام على مر القرون والأيام؟ إن الوعي النقدي بالعوائق التي اعترضت وتعترض دائما الإصلاح، يشي بضرورة بناء وعي نقدي سليم لا ينبغي معه أن يسقط المصلح ومخاطبوه في مهاوي القنوط واليأس من إمكانية تحقيق الإصلاح. فهو دائما موجود ومتحقق بقدر حرصنا على اكتساب أسبابه سننا ومقاصد، وعيا وسعيا، وأفق تفكير في الإصلاح وعملياته الانفتاح والأمل والثقة في المستقبل. ولعل ذلك يستحق بيانا في مقال آخر.
x.com/Saif_abdelfatah