لماذا لم يتوعّد حزب الله بالرد على اغتيال أمينه العام؟!
تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT
منذ اغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله، يحاول "حزب الله" احتواء "الصدمة" التي نتجت عن الجريمة المباغتة التي لم يكن أحد يتوقّعها، عبر رفع معنويّات الجمهور، وتأكيد قوة بنيته وتماسكها، فضلاً عن متانة قدراته العسكرية، في التصدّي للعدوان الإسرائيلي المتواصل، وسيناريوهات العملية البرية المحتملة، لكنّه لا يتحدّث صراحة عن سيناريوهات "الرد" على الجريمة، كما فعل بعد اغتيالات طالت قيادات الصف الأول فيه سابقًا.
ففي البيان الأول الذي أصدرته بعد الجريمة، ونعت فيه السيد نصر الله، اكتفت قيادة "حزب الله" بمعاهدة من وصفته بـ"الشهيد الأسمى والأقدس والأغلى" بمواصلة الجهاد في مواجهة العدوّ، "إسنادًا لغزة وفلسطين، ودفاعًا عن لبنان وشعبه الصامد والشريف"، لكنّها لم تأتِ على ذكر الردّ المفترض على الجريمة التي لا يمكن "حصرها" في خانة العمليات العسكرية المتبادلة، أو حتى مقاومة العدوان المتصاعد على لبنان منذ نحو أسبوعَين.
وتكرّر الأمر نفسه في الكلمة الرسمية الأولى للحزب بعد الخبر الجلل، حيث غاب "الثأر" عن المحاور التي تحدّث عنها نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، في سياق تأكيده على استمرار المقاومة بعملياتها في جنوب لبنان، بالوتيرة نفسها وأكثر، وعلى استعدادها للتصدّي لأيّ هجوم برّي محتمل، فلماذا لم يتوعّد "حزب الله" عمليًا بالثأر لأمينه العام والرد على جريمة اغتياله الغادرة، وهل يمكن القول إنّه يكتفي مثلاً بالردّ الإيراني؟
ترتيب الوضع أولاً
يقول العارفون إنّ الأولوية الأساسيّة بالنسبة إلى "حزب الله" الآن تبقى في احتواء الصدمة التي تولّدت عن سلسلة الاغتيالات التي نفّذها العدو الإسرائيلي على امتداد الفترة الماضية، وطالت قيادات الصف الأول فيه، وصولاً إلى الأمين العام نفسه، وبالتالي تكثيف العمليات القائمة ضدّ العدو الإسرائيلي مع اعتماد تكتيك التصعيد التدريجي، للتأكيد على أنّ الاغتيالات المتكرّرة لم تؤثر في مسار الأحداث، ولا في بنية الحزب بصورة عامة.
وفي هذه الخانة، تندرج أيضًا محاولة ترتيب الوضع الداخلي في الحزب، بعد اغتيال أمينه العام، وقد تصدّر كلمة الشيخ نعيم قاسم أيضًا قبل يومين، حين أكد وجود "قادة بدلاء" استلموا زمام الأمور بعد استشهاد القادة الأصيلين، وسط ترقّب لمآل الوضع في الأمانة العامة تحديدًا، بعد الفراغ الذي تركه السيد حسن نصر الله، وفي هذا الأمر أيضًا محاولة "طمأنة" للجمهور بأنّ الوضع في الحزب على ما يرام، والهيكلية التنظيمية قائمة.
وبالتوازي مع ترتيب الوضع الداخلي، يؤكد العارفون أنّ أولوية الحزب عسكريًا أيضًا تقوم على إثبات القوة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، من خلال استكمال العمليات، التي لم يعد عنوانها فقط إسناد الشعب الفلسطيني، انطلاقًا من الربط بين جبهتي غزة ولبنان، ولكنّه توسّع ليشمل عنوانين لا يقلّان في الأهمية، وهما الدفاع عن لبنان وشعبه، والردّ على الاستباحة الإسرائيلية للمدن والقرى والمدنيين، في إشارة إلى العدوان المتمادي، بكلّ فصوله.
الكلمة للميدان
لا يعني ما تقدّم أنّ الردّ على جريمة اغتيال الأمين العام للحزب، بما يرقى لمستوى هذه الجريمة تحديدًا، ليس مطروحًا على أجندة "حزب الله" الذي تدرك قيادته جيّدًا أنّ رفع معنويات الجمهور، الذي أحبِط جزء كبير منه بعد اغتيال السيد نصر الله، يتطلب ردًا قويًا ومتناسبًا بالحدّ الأدنى مع حجم هذه الجريمة التي تجاوز معها الجانب كلّ الخطوط الحمراء، علمًا أنّ الهجوم الإيراني الأخير نجح في إعادة الروح إلى هذا الجمهور، بشكل أو بآخر.
من هنا، يوضح العارفون أنّ عدم الحديث عن الثأر والردّ صراحة، لا يعني أنّ الحزب سيكتفي بردّ طهران، إلا أنّهم يشيرون إلى أنّ الكلمة الأولى والأخيرة بالنسبة إلى الحزب تبقى للميدان، بالتنسيق مع سائر مكوّنات محور المقاومة، وانسجامًا مع المبدأ الذي أعلنه الأمين العام للحزب في خطابه الأخير قبل الاغتيال، وذلك بعيد مجزرة البيجر، حين رفض إعطاء التفاصيل حول الردّ، لا من حيث التوقيت ولا الشكل ولا المضمون.
بهذا المعنى، يقول العارفون إنّ الأمر نفسه يسري على التعامل مع الردّ على اغتيال السيد نصر الله، الذي تبقى له ظروفه التي يجب أن تنضج، ولا سيما أنّ تشييع الأمين العام لم يحصل بعد، علمًا أنّ الأمور بعد بدء العدوان على لبنان اختلفت عن الوضع قبل ذلك، فما كان قائمًا عند اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر، الذي جاء خارج أيّ تصعيد، لم يعد نفسه اليوم، بدليل أنّ اغتيال قادة "الرضوان" مثلاً لم يستتبع بأيّ كلمة للسيد نصر الله.
من يعرف "حزب الله" يدرك أنّ جريمة بحجم اغتيال السيد حسن نصر الله، قائده التاريخي والاستثنائي، الرجل الذي وصفه بأعظم شهدائه على امتداد مسيرته منذ النشأة حتى اليوم، لا يمكن أن تمرّ من دون ردّ، لأنّ عدم الردّ سيعني فقدانًا للهيبة ولتوازن الردع، الذي يصرّ الحزب على أنه لا يزال قائمًا، رغم كل الضربات. إلا أنّ توقيت الردّ وشكله، ومدى ارتباطه بالحرب الحالية، كلّها تفاصيل يُرجَّح أن تحافظ على طابع "سرّي" حتى لحظة الحسم...
المصدر: لبنان 24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الأمین العام نصر الله حزب الله
إقرأ أيضاً:
معنى تصفيد الشياطين في شهر رمضان.. ومن الذي يوسوس لنا ؟
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما معنى تصفيد الشياطين في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ»، وكيف نفسر حصول المعاصي من بعض الناس في شهر رمضان مع كون الشياطين مُصفَّدة؟".
لترد دار الإفتاء المصرية، موضحة: أن معنى عبارة "تصفيد الشياطين" الواردة في الحديث الشريف المسؤول عنه قد تفاوت العلماء في تفسيره على مداركَ متعددةٍ، وإن كانت في جملتها متكاملة متعاضدة، فقد يُرَاد به أنَّ الشياطين مغلولون ومقيدون حقيقةً في هذا الشهر، وقد يكون المراد أنهم ممنوعون من إيذاء المؤمنين وإغوائهم والتزيين لهم، ويحتمل أن المراد أن الله تعالى يحفظ فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي، أو يقصد به نوعٌ مخصوصٌ من الشياطين، وهم: مُسْتَرِقُو السَّمْع منهم، أو مَنْ صُفِّدوا هم غالب الشياطين والمَرَدةُ منهم، وأما غيرهم فغير مُصَفَّد.
وأما حصول المعاصي من بعض الناس في شهر رمضان مع كون الشياطين مُصَفَّدة: فإما أن يكون تصفيدُهم إنما هو في حقِّ الصائم المراعي لشروط الصوم وما ينبغي أن يتحلَّى به من آدابه، أو أنَّ سبب اقتراف الذنوب آتٍ من النفس وخَطراتها.
تفضيل شهر رمضان على غيره من الشهورمما امتاز به شهر رمضان المعظم عن غيره من الشهور الأخرى ما أكدته السُّنَّة النبوية المطهرة من أنه إذا دخل هذا الشهر المُعظم صُفِّدَتِ الشياطين، وقد تواردت نصوص السُّنَّة المشرفة على ذلك، وأهمها:
ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» رواه مسلم.
وما ثبت أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» رواه الترمذي، وابن ماجه في "السنن"، والحاكم في "المستدرك".
معنى تصفيد الشياطين في شهر رمضانلفظ «صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» الوارد في كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إما أن يكون معناه التصفيد حقيقة، فتكون الشياطين في هذا الشهر مغلولةً مُصَفَّدَةً ممنوعة من التصرف وبعض الأفعال التي لا تُطِيقُهَا إلا مع الانطلاق، والأغلال تكون بالحديد، وإن الشياطين مع ذلك ليست ممتنعةً مِن التصرف جملة؛ لأن الْمُصَفَّدَ المغلول اليد إلى العنق يتصرف بالكلام والرأي وغيرهما، كما ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (1/ 144، ط. دار المعرفة)، والإمام الباجي في "المنتقى" (2/ 75، ط. مطبعة السعادة).
وإما أن يكون تصفيد الشياطين معناه: أنه مِن شدةِ بركات هذا الشهر فكأنها كالْـمُصفَّدة، وإما أن يكون المراد: أنهم ممنوعون من إيذاء المؤمنين وإغوائهم وتزيين الشهوات لهم في هذا الشهر.
قال القاضي عياض في "شرح صحيح مسلم" (4/ 5-6، ط. دار الوفاء): [«وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ»: قيل: يحتمل الحقيقة... وكذلك تصفيد الشياطين ليمتنعوا من أذى المؤمنين وإغوائهم فيه، وقيل: يحتمل المجاز لكثرة الثواب والعفو، والاستعارة لذلك بفتح أبواب الجنة، وإغلاق أبواب النار، وقد جاء في الحديث الآخر: «وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ» وبأن الشياطين كالمصفدة لما لم يتم إغواؤهم بعصمة الله عباده فيه... ويكون معنى "تصفيد الشياطين" هنا خصوصًا عن أشياء دون أشياء، ولبعض دون بعضٍ، أو على الغالب، وجاء في حديث آخر: «صُفِّدَتْ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ»... ومعنى "صُفِّدَتْ": أي: غُلِّلَتْ، والصَّفَد، بفتح الفاء، الغُلُّ، وقد روى في الحديث الآخر: "سُلسِلت"] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (16/ 153، ط. أوقاف المغرب): [وأما قوله: «وَصُفِّدَتْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ» أو «سُلْسِلَتْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ» فمعناه عندي -والله أعلم-: أن الله يعصم فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي، فلا يخلص إليهم فيه الشياطين كما كانوا يخلصون إليه منهم في سائر السَّنَة] اهـ.
ومن المعاني المحتملَة في "تصفيد الشياطين": أن يكون المراد نوعًا من الشياطين، وهم: مُسْتَرِقُو السمع منهم، والذين يقع تسلسلهم في ليالي رمضان دون أيامه؛ لأن القرآن كان ينزل فيها، وهم قد مُنِعُوا في زمن نزول القرآن مَن استراق السمع، فزيدوا في التصفيد والتسلسل مبالغة في الحفظ. يُنظر: "فتح الباري" للحافظ ابن حجر العسقلاني (4/ 114).
ويحتمل أيضًا أن يكون المراد: أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره؛ لاشتغالهم بالصيام والطاعات ومما فيه قَمْعٌ للشهوات، فكأنَّ الله تعالى يَعْصم في هذ الشهر المُعَظَّم المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي.
قال الإمام المُنَاوي في "فيض القدير" (1/ 340، ط. المكتبة التجارية): [لفظ رواية مسلم: "صُفِّدت" (الشياطين)، شُدَّت بالأغلال؛ لئلا يوسوسوا للصائم، وآية ذلك تنزه أكثر المنهمكين في الطغيان عن الذنوب فيه وإنابتهم إليه تعالى] اهـ.
وقال العلامة الطيبي في "شرح الطيبي على مشكاة المصابيح" (5/ 1576، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز): [والتصفيد في شهر رمضان مبالغة للحفظ، ويحتمل أن يكون المراد به أَيَّامَهُ وبعده، والمعنى: أن الشياطين لا يخلصون فيه من إفساد الناس ما يخلصون إليه في غيره؛ لاشتغال أكثر المسلمين بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن وسائر العبادات، والله أعلم] اهـ.
تفسير وقوع المعاصي في رمضان مع كون الشياطين مصفدة
أما وقوع المعاصي والذنوب مِن بعض الناس في شهر رمضان مع أن الشياطين مُصَفَّدة، فهذا له تأويلات: فإما أن تصفيدهم إنما هو في حقِّ مَن صام محافظًا على شروط الصوم وما ينبغي أن يتحلَّى به الصائم من آداب، وإما أن هناك أسبابًا أخرى لاقتراف الذنوب والمعاصي، كالنفوس الخبيثة، والعادات الركيكة، والشياطين الإنسية، وإما أن يكون المراد بمن صُفِّدوا هم غالب الشياطين والمردة منهم، وأما غيرهم فقد لا يُصَفَّد، ويكون المعنى المراد حينئذٍ هو: تقليل الشرور، وذلك موجود في رمضان؛ فإن وقوع الشرور والفواحش فيه قليلٌ بالنسبة إلى غيره من الشهور الأخرى.
قال الإمام أبو العباس القرطبي في "المفهم" (3/ 136، ط. دار ابن كثير): [فإن قيل: فنرى الشرور والمعاصي تقع في رمضان كثيرًا؛ فلو كانت الشياطين مُصَفَّدة لما وقع شرٌ؟ فالجواب من أوجه:
أحدها: إنما تُغَلُّ عن الصائمين الصوم الذي حُوفظ على شروطه، ورُوعيت آدابه، أما ما لم يحافظ عليه فلا يُغَل عن فاعله الشيطان.
والثاني: أنا لو سلمنا أنها صُفِّدت عن كل صائم، لكن لا يلزم من تصفيد جميع الشياطين، ألا يقع شرٌ؛ لأن لوقوع الشر أسبابًا أُخَر غير الشياطين، وهي: النفوس الخبيثة، والعادات الرَّكيكة، والشياطين الإنسية.
والثالث: أن يكون هذا الإخبار عن غالب الشياطين، والمردة منهم، وأما من ليس من المردة فقد لا يُصَفَّد. والمقصود: تقليل الشرور. وهذا موجود في شهر رمضان؛ لأن وقوع الشرور والفواحش فيه قليل بالنسبة إلى غيره من الشهور] اهـ.
وقال الإمام المُنَاوي في "فيض القدير" (1/ 340): [وأما ما يوجد فيه من خلاف ذلك في بعض الأفراد فتأثيرات من تسويلات المردة أغرقت في عُمْق تلك النفوس الشريرة وباضت في رؤوسها، وقيل: خُصَّ من عُمومٍ.. تنبيه: عُلم مما تقرر أن تصفيد الشياطين مجازٌ عن امتناع التسويل عليهم واستعصاء النفوس عن قبول وساوسهم وحسم أطماعهم عن الإغواء؛ وذلك لأنه إذا دخل رمضان واشتغل الناس بالصوم وانكسرت فيهم القوة الحيوانية التي هي مبدأ الشهوة والغضب الداعيَيْن إلى أنواع الفسوق وفنون المعاصي وصَفَتْ أذهانهم واشتغلت قرائحهم وصارت نفوسهم كالمرائي المتقابلة المتحاكية وتنبعث من قُواهم العقلية داعية إلى الطاعات ناهية عن المعاصي فتجعلهم مُجمِعين على وظائف العبادات عاكفين عليها مُعرِضين عن صنوف المعاصي عائقين عنها، فتفتح لهم أبواب الجنان وتغلق دونهم أبواب النيران ولا يبقى للشيطان عليهم سلطان فإذا دنوا منهم للوسوسة يكاد يحرقهم نور الطاعة والإيمان] اهـ.