جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-18@12:27:54 GMT

عسكرة العالم

تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT

عسكرة العالم

حاتم الطائي 

مساعي إشعال الحروب في العالم لا تتوقف.. والدول النامية المتضرر الأكبر

أفريقيا أحدث مسارح "العسكرة العالمية".. والثروات الطبيعية الهدف والغاية

دول الخليج تولي حرصًا شديدًا للحفاظ على السلم والاستقرار والتنمية

 

تجتاحُ العالم بين فترة وأخرى موجات من الحروب والعنف المُسلح، بتمويل من قوى دولية تُريد لمثل هذه الصراعات أن تستمر، نظرًا لأنها مصدر وقود لأهدافهم السيئة، ومن المؤسف أن نجد الأطراف المنخرطة في الصراعات تبتلع الطعم وراء الآخر بسهولة ويُسر، ولا ينأى من أهداب هذه المؤامرات العابرة للحدود، سوى القلة القليلة، التي تُدرك أنَّ السلام خيار استراتيجي، ونهج لا حياد عنه، يضمن التنمية واستدامتها، ويكفل الاستقرار المُجتمعي وديمومته.

وعلى مدى العامين الماضيين، سعت القوى التآمرية لإشعال نيران الحرب في أكثر من موقع؛ سواءً من خلال المُماحكات المُباشرة وغير المُباشرة بين الأطراف المتخاصمة، البعض منها لم يتجاوز مسألة التجييش وحشد العتاد، لكن البعض الآخر بلغ حد انفجار الأوضاع، واشتعال فتيل الحرب، التي تأكل الأخضر واليابس. ولا يُمكن أن نتجاهل دور الحكومات والمنظمات الدولية وتلك التي ترفع شعارات برّاقة مثل "حفظ الأمن ودعم استقرار الدول" وأيضًا الدعوات المُثيرة للريبة مثل "دعم الديمقراطية" و"التحول الديمقراطي"، وغيرها من الشعارات التي يسيل لها لُعاب البعض، ويتحمس تجاهها، ربما من دوافع ونوايا طيبة، لكن من المُؤكد أنَّه دون وعي حقيقي أو حكمة عند اتخاذ القرارات.

عسكرةُ العالم لم تعد اتجاهًا يصعد ويهبط حسب الظروف؛ بل صارت نهجًا متواصلًا، يُنفذّه أصحاب الأجندات الدولية، وصُناع الحروب، ومصانع الأسلحة الكبرى في الغرب، علاوة على الصراع الأزلي على الموارد الطبيعية والثروات ومُقدرات الدول، فضلًا عن أهداف أخرى غير مُباشرة مثل توريط الدول الصاعدة والنامية اقتصاديًا؛ بل والآن نشاهد توريطاً فعلياً لدول عظمى في صراعات وحروب دامية، وما الحرب في أوكرانيا سوى إقحام مُتعمّد من الغرب لروسيا في المستنقع الأوكراني، بهدف استنزاف القوى العسكرية لروسيا، وإضعاف موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى جانب ما أتاحته هذه الحرب من فرصة ذهبية للولايات المتحدة وأوروبا، لتجميد ومصادرة مليارات الدولارات المملوكة للحكومة الروسية، علاوة على فرض عقوبات تسببت في تكبيل الاقتصاد الروسي والإضرار بالعملة الروسية "الروبل"، وغيرها الكثير من التداعيات المُباشرة وغير المباشرة على اقتصاد روسيا. وإضافة إلى ما سبق، عززت الدول المستفيدة من الحرب، من القدرة التصنيعية لمصانع الأسلحة، فازدادت المبيعات إلى أوكرانيا، وتوالت صفقات التسليح المليارية تحت حُجة "الدعم العسكري لأوكرانيا". وعلى الرغم من استمرار الحرب لأكثر من عام ونصف العام، إلّا أنَّ وتيرتها لم تهدأ؛ بل إنها تستعر كل يوم نتيجة لحالة العسكرة التي تمر بها تلك المنطقة، خصوصًا بعد دخول حلف شمال الأطلسي "ناتو" على خط العسكرة، وسعيه لضم دول أوروبية تحت مظلته، وقد انضمت مُؤخرًا فنلندا إلى الحلف، وتسعى السويد لتكون أحدث دولة تنضم إلى هذا الحلف العسكري.

وبؤر العسكرة في العالم، مُتعددة، ومنها بحر الصين الجنوبي؛ حيث يتواجد الأسطول الأمريكي في تلك البقعة التي تشهد توترات عسكرية بين الفينة والأخرى، خاصة وأنَّ الولايات المتحدة تزعم أن تواجدها هناك يعكس "التزامها" بدعم أمن الملاحة في المحيطين الهادئ والهندي، في حين أن الصين ترى أن مثل هذا التواجد غير المُبرر يتسبب في تأجيج الأوضاع، ويُهدد الأمن القومي للصين. وتصل التوترات في هذه المنطقة إلى حد يقترب من التهديد باندلاع معركة عسكرية، لا سيما في حالات اتهام طرف لآخر بارتكاب انتهاكات، مثل اقتراب السفن الحربية الأمريكية من المياه الإقليمية الخالصة للصين، أو اعتراض الولايات المُتحدة دون وجه حق لما تنفذه الصين من مناورات عسكرية، لا سيما في مضيق تايوان، والتي تمثل جزءًا من الصين الواحدة.

وأحدث مظاهر العسكرة العالمية، تأتي من القارة السمراء؛ حيث يبدو أنَّ الأوضاع في منطقة وسط أفريقيا، تتخذ منحى متزايدًا نحو مواجهات عسكرية محتملة، فبعد التطورات الأخيرة التي شهدتها مالي وبوركينا فاسو فيما يتعلق بإنهاء عمل القوات الفرنسية، وخروجها نهائيًا من هذين البلدين في أسوأ صفعة سياسية تُوجه للمُستعمر القديم، نجد اليوم دولة النيجر في مُواجهة مع الغرب بعد قيام الجيش بعزل الرئيس، وتولي مجلس عسكري الحكم، وهو ما دفع بسيناريو التجييش والحشد العسكري والحشد المُضاد، ليعتلي واجهة الأحداث. وأولى إشارات عسكرة الوضع في وسط وغرب أفريقيا التهديد بتدخل عسكري مسلح لإعادة الرئيس المعزول، في خطوة تؤكد النية المُبيتة لإشعال الوضع، في الدول التي تمردت على المُستعمر القديم، وسعت إلى إعادة الأمور إلى نصابها الوطني، بعيدًا عن أية تدخلات أو إملاءات أو وصاية أجنبية، بعدما غرقت فيها طيلة عقود مضت، تحت وطأة الاستعمار المُباشر، أو غير المباشر.

الأمر لا يختلف كثيرًا في مناطق عدة حول العالم، ومنها منطقة الخليج العربي، فلطالما سعت القوى الدولية لإشعال نيران الحرب الإقليمية، وقد نجحت سابقًا في حرب الخليج الأولى والثانية، وبلغ نهج عسكرة الخليج العربي ذروته مع الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، وما لبث أن خرج المستعمر من الأراضي العراقية، حتى سعى إلى بسط نفوذه في المنطقة، ومحاولة توريط بعض دولها في حروب عبثية، لكن يُحسب لدول الخليج جميعها حرصها على نهج السلام ونجاحها اللافت في الحفاظ على السلم والاستقرار، على الرغم من محاولات الوقيعة والتحريض وتقليب الأوضاع ونثر بذور الفتنة بين الحين والآخر.

اليوم ينعم الخليج العربي بالسلام والاستقرار، خاصة بعد التقارب السعودي الإيراني وعودة العلاقات الدبلوماسية بين أكبر دولتين في المنطقة، وتلاشت تمامًا مخاطر الحرب التي وصلت في فترات سابقة لمستويات مُرتفعة هددت بنشوب حرب إقليمية، غير أنَّ المواقف والأحداث برهنت على الحكمة والاتزان السياسي لقادة دول المنطقة جميعًا. ولا شك أنَّ الغرب غير راضٍ عن استئناف العلاقات السعودية الإيرانية، خاصة وأن الدولتين الجارتين أعلنتا الحرص على تعزيز العلاقات، وخاصة في المجالات الاقتصادية، بما يُحقق النفع العام لشعوب المنطقة. ولذلك يتعين على دول المنطقة العمل بكل قوة من أجل الحفاظ على الاتفاق السعودي الإيراني، فثمّة أطراف دولية، وفي المُقدمة إسرائيل واليمين المُتطرف في الدول الغربية، يسعى لتدمير هذا الاتفاق، وبث رياح الخلاف والنزاع في المنطقة. وما يؤكد هذا الطرح، أنَّ الغرب لا تعنيه سوى مصالحه، من خلال التحريض بين الدول، ففي الوقت الذي يُبدي فيه عدم رضاه عن التوافق السعودي الإيراني، نجده يوافق على الإفراج عن 6 مليارات دولار مُقابل إطلاق سراح 5 أمريكيين في إيران، وهذه المفارقة الصارخة تُبرهن على المعايير المزدوجة لهذا الغرب.

ولا ريب أنَّ أولى أولويات دول الخليج العربي يجب أن تتمثل في الحفاظ على المكتسبات التي تحققت على مدى عقود مضت، وما تشهده من تنمية شاملة ومستدامة، واستراتيجيات طموحة لتنويع الاقتصاد وجذب المزيد من الاستثمارات، والارتقاء بمستوى المعيشة لشعوبها، ولذلك لا يُمكن تصوُّر أي توتر في علاقات الجوار، وأن تفادي أي حرب مُدمّرة يحتل المرتبة الأولى لدى القادة الحكماء في المنطقة، وهو ما أثبتته الأحداث المتتالية.

ويبقى القول.. إنَّ التحركات الخبيثة في أنحاء العالم لفرض العسكرة الدولية، لا يجب أن تُفلح، ولا ينبغي لعقلاء هذا العالم وحكمائه، أن يسمحوا لصقور الحكومات الغربية بالتحكُّم في مُقدرات الشعوب؛ الأمر الذي يفرض على كل الدول الساعية للسلام، أن تُعزّز الوعي بأهمية هذا السلام، باعتباره حتمية استراتيجية، وليس مجرد اختيار، وأن تتواصل المساعي لترسيخ الأمن والاستقرار والحفاظ على السلم العالمي، حتى تنعم البشرية بالرخاء والازدهار، ويتبدد شبح الحرب العالمية الثالثة دون رجعة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الخلیج العربی فی المنطقة غیر الم على الم من الم التی ت

إقرأ أيضاً:

حبارات: كيف لنا اليوم تجاوز أزمة المركزي وغيرها من الأزمات في ظل غياب رئيس للبلاد ؟

ليبيا – كشف نورالدين رمضان حبارات مهتم بالشأن الاقتصادي والسياسي،عن آلية تعيين وإقالة محافظي البنوك المركزية في دول العالم وطبيعة وظيفتهم.

حبارات نوه في منشور له عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، إلى أن البنوك المركزية في جميع دول العالم مؤسسات سيادية مهنية مستقلة تقف عند منتصف المسافة من كافة الأطراف، حكومة كانت أو معارضة، موضحًا أن قرار تعيين وإقالة محافظيها ونوابهم وأعضاء مجالس إدارتها لا يخضع للاستقطابات والتجاذبات السياسية والمحاصصات المناطقية والجهوية والأيديولوجية بين مختلف القوى السياسية المتصارعة على السلطة.

وبين أن طبيعة عمل محافظي هذه البنوك وأعضاء مجالس إدارتها طبيعة مهنية فنية بحثة تنظمها القوانين والتشريعات المصرفية والمالية الوطنية والمعابر الدولية ولا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب بالسياسة ودهاليزها.

وأفاد بأن كل قوانين دول العالم تشترط الكفاءة والخبرة والمؤهل والتخصص في مجالات الاقتصاد والمالية العامة، فضلاً عن شرط النزاهة والحيادية في كل من يتقلد وظيفة المحافظ ونائبة وأعضاء مجلس الإدارة اللذين تنحصر مهامهم في اقتراح وتنفيذ السياسات النقدية؛ وذلك بهدف التأثير في حالة الاقتصاد عبر انتشاله من الركود ( البطالة ) أو من حالة التضخم إلى حالة الاستقرار عبر استخدامهم لأدوات السياسة النقدية المختلفة وبمساعدة والتنسيق مع الحكومات،إلى جانب إدارة سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية و إدارة الاحتياطيات وعمليات طباعة العملة وإصدارها وفق لقواعد والضوابط المنظمة لذلك، فضلاً عن الرقابة والاشراف على المصارف التجارية ومنح القروض والسلف المالية للحكومات عند الحاجة،ومكافحة غسيل الأموال والاشراف أيضاً على نظام السوفيت وغيرها من اختصاصات.

واستطرد:” ولكي يقوموا محافظي البنوك المركزية ونوابهم وأعضاء مجالس إداراتهم بكل تلك المهام بالشكل المطلوب يجب وقبل كل شيء أن يكون قرار تعيينهم وإقالتهم من قبل أعلى هرم في الدولة أي من قبل رئيس الدولة في الدول ذات الأنظمة الرئاسية أي تلك الدول التي ينتخب فيها الرئيس مباشرةً من الشعب كالولايات المتحدة مثلاً مصر،وتونس، وتركيا، والجزائر وموريتانيا وغيرها، أو يعينوا من قبل مجالس الوزراء ( الحكومات ) في الدول ذات الأنظمة البرلمانية (حيث الحكومات في هذه الأنظمة تمثل أعلى سلطة تنفيذية) بناء على اقتراح من وزراء المالية كما هو الحال في لبنان والعراق وبريطانيا ومعظم الدول الأوروبية،في حين يتم تعيينهم بموجب إرادة ومراسيم ملكية في الدول ذات الأنطمة الملكية المطلقة كما هو الحال في العربية السعودية وباقي دول الخليج وكذاك المغرب وغيرهم.

وأفاد بأن جميع محافظي البنوك المركزية في كل تلك الدول يشتغلون ويمارسون مهامهم بكل مهنية واستقلالية وحيادية بعيداً عن السياسة وتجاذباتها، مشيرًا إلى عدم إمكانية أن يكونوا رهينة لأهواء ونزوات الأحزاب والكتل السياسية المتصارعة التي تتدخل في شؤون عملهم وتسيرهم وفق أهوائها ومصالحها كما هو الحال لدينا في ليبيا التي تعتبر استثناء عن هذه القاعدة المتعارف عليها.

وبين أن مسألة تعيين أوإقالة محافظ المركزي أو نائبه لدى ليبيا تحتاج لشرط تعجيزي كشرط توافق أعضاء مجلسي النواب والدولة والرئاسي وهذا بالطبع يحتاج إلى أشهر إن لم نقل سنوات،ناهيك عن المساومات والتنازلات والتعهدات،والمحافظ الذي سيتم تعيينه أياً كان سيكون رهينة لإرادة من عينوه وخادم لمصالحهم بالدرجة الأولى لا لمصالح الشعب وإلا عليه مواجهة قرار الإقالة الدي يبقى بمثابة سيف مسلط عليه.

وذكّر حبارات بأن (المادة 14) من القانون رقم (1) لسنة 2005 بشأن المصارف التي خولت السلطة التشريعية ( مؤتمر الشعب ) أنذاك حصراً تعيين وإقالة المحافظ ونائبه قد تجاوزها الزمن ولم تعد قابلة للتطبيق في ظل السماح بتشكيل الأحزاب والكتل السياسية وكان يتوجب إعادة النظر فيها وتعديلها منذ العام 2012.

وأكمل :”فنظرياً صحيح السلطة التشريعية أو مؤتمر الشعب العام هو من له حق تعيين المحافظ ونائبه لكن عملياً وفعلياً فالأمر مختلف تماماً،فالعقيد الراحل معمر القدافي باعتباره كان يمثل أعلى هرم السلطة هو من كان يوجه بتسميتهم وما على أمانة المؤتمر أو رئاسته صياغة قرار بذلك باسم المؤتمر مجتمعاً،و بغض النظر عن الشكليات ، فعملياً الإجراء يبدو صحيح وهو ما يتطابق ويتناغم مع تجارب دول العالم السالفة الذكر”.

وتساءل:”كيف لنا اليوم انتهاج تجارب دول العالم لتجاوز أزمة المركزي وغيرها من أزمات في ظل غياب رئيس للبلاد بسبب غياب دستور دائم بقى مشروعه حبيس الادراج لقرابة 8 سنوات ؟،وكيف لنا انتهاج ذلك في ظل عدم وجود حكومة ذات أغلبية برلمانية تفرزها انتخابات وطنية حرة نزيهة ذات مصداقية طال انتظارها لقرابة عشر سنوات وفي ظل غياب كامل لأحزاب معارضة وطنية حقيقية؟وكيف لنا انتهاج ذلك في ظل عدم التوافق على عودة العمل بدستور المملكة مع إجراء بعض التعديلات وبما يتواكب مع متغيرات ومتطلبات المرحلة؟
كيف ؟ لاأدري وللأسف لا يوجد حل في الأفق لكل أزمات البلاد”.

مقالات مشابهة

  • الخارجية : إن الجمهورية العربية السورية، التي عانت على مدى ال ۱۳ سنة الماضية، من حرب كونية هدفت لتدمير دولتها وكسر إرادة شعبها بذريعة ادعاء الغرب الكاذب بحماية الديمقراطية وتعزيزها من خلال ممارساته الإرهابية المماثلة لتلك التي مارسها الصندوق الوطني للديمق
  • قلق وتخوف!!
  • ترامب: لا يجب أن يكون لدينا عداوة مع الدول التي تمتلك أسلحة نووية
  • الروسية التي أصبحت سلطانة مصر
  • اللجنة العربية الإسلامية بشأن وقف الحرب على غزة تجتمع في عمّان غدا
  • حبارات: كيف لنا اليوم تجاوز أزمة المركزي وغيرها من الأزمات في ظل غياب رئيس للبلاد ؟
  • الرئيس التنفيذي لمؤسسة “غيتس”: الإمارات شريك رائد في مواجهة الأمراض التي تهدد المجتمعات
  • العالم أمام مفترق طرق
  • عندما تتخلي الحركات عن انسانها..
  • ماذا تريد أمريكا؟