لجريدة عمان:
2024-09-19@03:39:36 GMT

هل نعرف بعضنا حقا؟

تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT

كيف لجهل الإنسان وحده أن يكون محرضا كافيا لنوازع الشر ومكامن العنف والقسوة فيه، تلك الغرائز التي تستثار بدافع الدفاع عن الذات من خطر المجهول الوشيك، وتحت تأثير خوف الإنسان المتصاعد من غموض المعطيات وقلق الاحتمالات المحيطة به؟ فهو يبدأ جاهلا بطبيعة مكانه الذي ينتمي إليه، بتضاريسه وتقلبات أنوائه، وما إن تستقر علاقته بالطبيعة والمكان، نسبياً، بعد العودة من جولاته الاستكشافية، نجده يبدأ بالإنصات إلى قلقه الآتي من انعكاس نظرته الغامضة نحو الغرباء (الآخرين) من حوله، أكانوا أفرادا أم شعوباً وقبائلَ، وذلك قبل أن ينتهي به الدوار الكوني إلى سؤاله المركزي -الذي يشغله أكثر بوصفه إنسانا معاصرا وذا خبرة- عن غموض الذات ومدى جهله بها وهي المركز الذي ينطلق منه في رؤيته للعالم وتفسيره.

فهو إذن في حالة قلق وتربص لا يستريح منها سوى بالمعرفة التي تنبش بدورها عن مجاهيل جديدة... وهكذا، فإن جهله بما حوله يدفعه للاعتقاد دائما بأنه في خضم مكيدة ومؤامرة كونية، حاسباً كلَّ صيحةٍ عليه.

العلاقة بالآخر الغريب، أو المختلف، ستبقى بالنسبة له مفترق لقاء وانفصال، ساحة بيضاء مفتوحة للحرب والسلام. ولكن ما يحدد طبيعة هذه العلاقة هو مدى عمق المعرفة الأصيلة والصادقة بالآخر، على الجسر الذي يبدأ من تحية الغريب للغريب. ولا تسطع فدائح جهل الإنسان بالغرباء إلا عندما يتطور الجهل إلى ارتياب متحول مع الوقت إلى عُنف. ولكم ترددت على أسماعنا حكمة تقول (إن الإنسان عدو لما يجهل)؛ وهي حكمة مهمة أتمنى أن أنجح في جعلها دليلا مصوبا في سياق الكتابة عن الارتباط السببي بين الجهل، الجهل بالآخر، والكراهية، بدءا من الكراهية التي تتخلل العلاقات الشخصية بيننا كأفراد إلى الكراهية التي تتحول إلى حالة عامة في علاقة شعب بآخر، أو جماعة إثنية أو عرقية بجماعة أخرى.

عند التفكير بالكراهية المؤسسة على الجهالة، يجدر بي أن أتساءل: متى يا ترى سنتوقف عن الادعاء بأننا نعرف بعضنا البعض جيدا؟ هذا سؤال لا ينبغي إرجاؤه إلى آخر لحظة، إلى لحظة الاشتباك الدموي، فمن غير المنطقي ولا الأخلاقي أن نبقى رهن غمزات ولمزات هذه الكراهية المتبادلة دون أن نتوقف للحظة عن إبداء ثقتنا المتبجحة بأننا نعرف أولئك الذين نكرههم، شكلا ومضمونا، ونعلن عنهم كأعداء، دون أن ننتبه إلى حقيقة مفادها بأن ثقتنا القطعية بمعرفة من ندعي معرفتهم هي في كثير من الأحيان لا تتجذر إلا مستمدة ومستوحاة من وحي الكراهية العميقة ذاتها، فالجهل ليس حالة فارغة، مجرد عدم معرفة، بل هو حالة امتلاء بسوى الحقائق، ذهنية مسكونة بالارتياب وتقتات على الإشاعة والوهم والصور النمطية.

عداء الإنسان لما يجهل، أو كراهيته، تأتي إرهاصا للحرب، والتي يمكن تفسيرها كسلوك عدواني ينمو تاريخيا في ظل منظومة مركبة من الجهل بحياة الآخرين (الأعداء) وطبيعة المعطيات والظروف المحيطة بهم. وعادة ما يتدخل العمل السياسي والدبلوماسي في ضباب التكهنات والاحتمالات التي تسبق التحركات العسكرية، وذلك بهدف تعويم التناقضات السياسية والاقتصادية العالقة، إلا أن العملية السياسية وحدها لا تصنع سلاما.

قبل فترة قصيرة سمعت أحد رجال السياسة السابقين في لبنان يقول إن تاريخ بلاده الحديث لم يعرف سلاما في يوم من الأيام، بل غاية ما بلغ إليه من استقرار في ظل الحكومات المتعاقبة لم يكن سوى سلسلة من الهدنات المؤقتة. العراقي بدوره يمكنه أن يقول الكلام نفسه، السوري أيضا، وكذلك الأوروبيون الذين يعتبرون أنفسهم في قلب «العالم الحر» فقد استفاقوا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا من حلم السلام ليكتشفوا أنهم واقفون على جغرافيا نائمة فوق أجفان الحرب. وبالطريقة نفسها فإننا جميعا، كمواطنين في هذا العالم الكبير، يمكننا أن نتوحد في الشعور المرعب ذاته: ما الحرب إلا مسألة وقت، وما السلام سوى حلم، وما السياسة والاقتصاد سوى اجتهادات لتحقيق هدنات قابلة للتجديد من عقد إلى عقد آخر. العالم بحاجة إلى القليل من السياسة والكثير من الثقافة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

البيجر المنفجر.. ماذا نعرف عن أجهزة النداء الآلي لدى حزب الله؟

قُتل الثلاثاء، 9 أشخاص في لبنان، بينهم طفلة وعنصران من حزب الله،كما أصيب أكثر من 2800 شخص بجروح أغلبها في اليد، وفق بيانات وزارة الصحة اللبنانية.

كان ذلك جرّاء انفجارات أصابت أجهزة اتصال من نوع "بيجر" كانت بحوزة العديد من العناصر في مؤسسات حزب الله المختلفة، الذين تواجدوا في أماكن متفرقة بالضاحية الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان.

ورجّحت مصادر رسمية وعسكرية لبنانية أن إسرائيل تقف وراء ما وصفته بالهجوم "السيبراني والمعادي".

ولم تتبن إسرائيل أي مسؤولية عن الانفجارات المتزامنة.

وبحسب وكالة رويترز، نقلاً عن مصادر أمنية لبنانية، فإن أجهزة "البيجر" المستهدفة كانت "من أحدث طراز حصلوا عليها في الأشهر القليلة الماضية".

ويستدعي ذلك التطرق إلى المعلومات المنتشرة عن هذه الأجهزة؟ وما هي دواعي استخدامها، وحجم انتشارها في عالم اليوم، الذي يعتمد غالباً على الهواتف الذكية.

معظم الإصابات بـ"نفس المكان بالجسم".. مقتل 9 بانفجارات أجهزة اتصال حزب الله أعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية فراس الأبيض، في مؤتمر صحافي، عن مقتل ثمانية أشخاص بينهم طفلة وإصابة أكثر من 2800 بجروح، في تفجيرات أجهزة اتصال الـ"بيجر" (النداء الآلي) التي حصلت اليوم الثلاثاء في مناطق عدة بلبنان. جهاز النداء أو الصافرة

الـ"بيجر" أو الـ"بيبر" (جهاز النداء أو الصافرة بسبب الصوت الذي يصدر عنه)، جهاز اتصال لاسلكي يستقبل ويعرض نصوصا أبجدية رقمية أو رسائل صوتية، ويُصدر صوتاً عندما يتلقى إشارة.

لم تعد تلك الأجهزة مشهورة كما كانت في تسعينيات القرن الماضي بين عموم الناس، إلا أن بعض العاملين في مجالات السلامة العامة والرعاية الصحية، مثلاً، ما زالوا يستخدمونها.

وفي أواخر القرن العشرين،  أحدثت هذه الأجهزة ثورة في الاتصالات الشخصية والمهنية، إذ مكنّت الأشخاص من إرسال واستقبال الرسائل أثناء التنقل دون الحاجة إلى خطوط أرضية، لكن قلّت شعبيتها مع الوقت بسبب ظهور أجهزة أحدث، ذات خصائص أكبر.

أما سبب التسمية "بيجر"، فيعود إلى شركة موتورولا، التي صاغته بسبب جمعها بين 
تقنيات جهاز الاتصال اللاسلكي (ووكي توكي) وراديو السيارة في جهاز نداء ترانزستوري.

كيف تم اختراق أجهزة اتصالات حزب الله؟.. مصدر يرجح السبب رجح مصدر عسكري تحدث لمراسلة الحرة في لبنان أنه تم اختراق الموجة التي تعمل عليها أجهزة الاتصالات اللاسلكية المحمولة التي انفجرت، وتسببت في وقوع مئات الإصابات، الثلاثاء، في لبنان. من الصعود إلى التراجع

فيما يلي جدول زمني يرصد صعود وتراجع أجهزة النداء.. 
1921 - استخدمت إدارة شرطة ديترويت لأول مرة نظاما يشبه جهاز النداء مع سيارات الشرطة عام 1921. في وقت لاحق، حصل آل غروس على براءة اختراع لما يسمى آنذاك جهاز النداء الهاتفي. 
1950 - أصبحت ذات صلة في مجال الرعاية الصحية حين بدأ المستشفى اليهودي في مدينة نيويورك في استخدامها عام 1950.
1959 - صاغ موتورولا اسم "بيجر" لهذا الجهاز. وفي السبعينيات أضاف المطورون نغمة وأجهزة استدعاء صوتية تمكّن المستخدمين من إرسال واستقبال الرسائل الصوتية. 
1980 - شاع استخدام أجهزة الاستدعاء بشكل ملحوظ بحلول ثمانينيات القرن العشرين لدرجة أنها كان تعكس الوضع الاجتماعي لحاملها. 
1994 - أصبحت ذات صلة في التواصل الشخصي.

ويحتوي كل جهاز نداء على رمز بروتوكول الوصول إلى القناة (CAP) الخاص به وهو عنوان تعريف فريد، عندما يسمع جهاز النداء رمز CAP الخاص به فإنه يتلقى الرسالة، ويختلف الصوت (صفيراً، أو رنيناً، أو اهتزازاً) بحسب نوع الجهاز .

فيديو.. عشرات الإصابات بتفجير متزامن لأجهزة اتصال يحملها عناصر حزب الله شهدت مناطق لبنانية عدة، خاصة الضاحية الجنوبية لبيروت، سلسلة من الحوادث المفاجئة، الثلاثاء، حين انفجرت بشكل متزامن أجهزة اتصالات لاسلكية محمولة يستخدمها عناصر من حزب الله، مما أدى إلى وقوع إصابات عدة. لماذا لا تزال مُستَخدمة؟

بحسب موقع "تيكجيري Techjury" المختص بالتكنولوجيا، فإن أجهزة البيجر تتمتع بخصائص وميّزات عن الهواتف الذكية الأكثر شيوعاً في الوقت الحالي، جعلت العديد من الجهات تختارها كأداة تواصل. 

وأكثر مستخدميها اليوم هم فنيّو الطوارئ الطبية ورجال الإطفاء، باعتبارها تساعدهم على اتخاذ القرارات بسرعة أكبر أثناء حالات الطوارئ، ولا تستنزف البطاريات بسرعة.

كما يستخدمها الكثير من الأطباء وأخصائيي الرعاية الصحية، من أجل التواصل مع بعضهم البعض، لبساطة وسرعة الاستدعاء وكذلك تحافظ على سريّة بيانات المرضى الحساسة، فهي موثوقة بالنسبة لهم أكثر من الأجهزة الذكية.

يستخدمها أيضاً مراقبو الطيور، خصوصاً في البطولات التنافسية.

ومن الخصائص التي تجعل هذه الأجهزة شائعة بين التنظيمات والفصائل العسكرية، أنه يصعب تعقّبها مثلما يحدث مع الأجهزة الذكية، كما أن تبادل النصوص والرسائل الصوتية فيها قد يفتقر إلى السياق (بحسب نوعها) ولا تحتاج لبطاقة SIM، إذ تعمل من خلال إشارات الراديو لنقل الرسائل، ولديها شبكة إشارة قوية، لذلك قد تعمل أكثر من الأجهزة الحديثة في المناطق الريفية والنائية.

أنواع أجهزة النداء الآلي

تتعدد أنواع "البيجر"، ومنها أجهزة للتنبيه فقط، وثانية رقمية أي يمكنها إرسال أرقام، وليس صوتاً أو ضوءاً فقط كما في الأولى. والنوع الثالث أبجدي رقمي، أي بإمكانه توجيه رسائل مكتوبة ورقمية أيضاً. وجميعها لا توجد فيها خاصيّة الرد على الرسالة مباشرة، إذ يقوم المستخدم كل مرة بإرسال رسالة منفردة مما يجعلها تفتقر لوحدة السياق.

والرابع ذو اتجاهين أبجدي رقمي، يمكنه إرسال واستقبال الرسائل بالأرقام والكلمات، وفيه خاصية الرد المباشر، كما يحتوي على لوحة مفاتيح صغيرة مدمجة ( QWERTY).

النوع الخامس، يمكن فيه تبادل رسائل صوتية وليس رقمية أو مكتوبة فقط. ويختلف نوع المستخدمين بحسب حاجتهم لنوع الرسائل التي يودون تبادلها، بالتالي يختارون نوع الـ"بيجر" الذي يناسبهم.

مقالات مشابهة

  • محافظ مطروح: 20618 مواطنًا استفاد من مبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان»
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • وزير المالية فشل في الرد علي الأسئلة التي كانت تندفع نحوه كالسيل جعلته في حالة توهان وغياب تام عن المشهد الدراماتيكي !!..
  • مدبولي: الحفاظ على القيم والأخلاق حجر الأساس الذي تنطلق من خلاله مبادرة بداية
  • البيجر المنفجر.. ماذا نعرف عن أجهزة النداء الآلي لدى حزب الله؟
  • ماذا نعرف عن جهاز "البيجر" الذي اخترقته إسرائيل وأصاب العشرات من عناصر حزب الله؟
  • أبو الغيط يلتقي المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام ويؤكد: إسرائيل تزرع الكراهية وتقوض السلام
  • أبو الغيط: إسرائيل تزرع الكراهية وتقوض هيكل السلام الذي استقر لعقود
  • السفير الأمريكي في إسرائيل: لا نعرف ما الذي ترغب حماس في قبوله
  • عضو بـ«النواب»: الحوار الوطني ساهم في تعزيز حقوق الإنسان بشأن الحبس الاحتياطي