لجريدة عمان:
2025-03-16@07:56:59 GMT

هل نعرف بعضنا حقا؟

تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT

كيف لجهل الإنسان وحده أن يكون محرضا كافيا لنوازع الشر ومكامن العنف والقسوة فيه، تلك الغرائز التي تستثار بدافع الدفاع عن الذات من خطر المجهول الوشيك، وتحت تأثير خوف الإنسان المتصاعد من غموض المعطيات وقلق الاحتمالات المحيطة به؟ فهو يبدأ جاهلا بطبيعة مكانه الذي ينتمي إليه، بتضاريسه وتقلبات أنوائه، وما إن تستقر علاقته بالطبيعة والمكان، نسبياً، بعد العودة من جولاته الاستكشافية، نجده يبدأ بالإنصات إلى قلقه الآتي من انعكاس نظرته الغامضة نحو الغرباء (الآخرين) من حوله، أكانوا أفرادا أم شعوباً وقبائلَ، وذلك قبل أن ينتهي به الدوار الكوني إلى سؤاله المركزي -الذي يشغله أكثر بوصفه إنسانا معاصرا وذا خبرة- عن غموض الذات ومدى جهله بها وهي المركز الذي ينطلق منه في رؤيته للعالم وتفسيره.

فهو إذن في حالة قلق وتربص لا يستريح منها سوى بالمعرفة التي تنبش بدورها عن مجاهيل جديدة... وهكذا، فإن جهله بما حوله يدفعه للاعتقاد دائما بأنه في خضم مكيدة ومؤامرة كونية، حاسباً كلَّ صيحةٍ عليه.

العلاقة بالآخر الغريب، أو المختلف، ستبقى بالنسبة له مفترق لقاء وانفصال، ساحة بيضاء مفتوحة للحرب والسلام. ولكن ما يحدد طبيعة هذه العلاقة هو مدى عمق المعرفة الأصيلة والصادقة بالآخر، على الجسر الذي يبدأ من تحية الغريب للغريب. ولا تسطع فدائح جهل الإنسان بالغرباء إلا عندما يتطور الجهل إلى ارتياب متحول مع الوقت إلى عُنف. ولكم ترددت على أسماعنا حكمة تقول (إن الإنسان عدو لما يجهل)؛ وهي حكمة مهمة أتمنى أن أنجح في جعلها دليلا مصوبا في سياق الكتابة عن الارتباط السببي بين الجهل، الجهل بالآخر، والكراهية، بدءا من الكراهية التي تتخلل العلاقات الشخصية بيننا كأفراد إلى الكراهية التي تتحول إلى حالة عامة في علاقة شعب بآخر، أو جماعة إثنية أو عرقية بجماعة أخرى.

عند التفكير بالكراهية المؤسسة على الجهالة، يجدر بي أن أتساءل: متى يا ترى سنتوقف عن الادعاء بأننا نعرف بعضنا البعض جيدا؟ هذا سؤال لا ينبغي إرجاؤه إلى آخر لحظة، إلى لحظة الاشتباك الدموي، فمن غير المنطقي ولا الأخلاقي أن نبقى رهن غمزات ولمزات هذه الكراهية المتبادلة دون أن نتوقف للحظة عن إبداء ثقتنا المتبجحة بأننا نعرف أولئك الذين نكرههم، شكلا ومضمونا، ونعلن عنهم كأعداء، دون أن ننتبه إلى حقيقة مفادها بأن ثقتنا القطعية بمعرفة من ندعي معرفتهم هي في كثير من الأحيان لا تتجذر إلا مستمدة ومستوحاة من وحي الكراهية العميقة ذاتها، فالجهل ليس حالة فارغة، مجرد عدم معرفة، بل هو حالة امتلاء بسوى الحقائق، ذهنية مسكونة بالارتياب وتقتات على الإشاعة والوهم والصور النمطية.

عداء الإنسان لما يجهل، أو كراهيته، تأتي إرهاصا للحرب، والتي يمكن تفسيرها كسلوك عدواني ينمو تاريخيا في ظل منظومة مركبة من الجهل بحياة الآخرين (الأعداء) وطبيعة المعطيات والظروف المحيطة بهم. وعادة ما يتدخل العمل السياسي والدبلوماسي في ضباب التكهنات والاحتمالات التي تسبق التحركات العسكرية، وذلك بهدف تعويم التناقضات السياسية والاقتصادية العالقة، إلا أن العملية السياسية وحدها لا تصنع سلاما.

قبل فترة قصيرة سمعت أحد رجال السياسة السابقين في لبنان يقول إن تاريخ بلاده الحديث لم يعرف سلاما في يوم من الأيام، بل غاية ما بلغ إليه من استقرار في ظل الحكومات المتعاقبة لم يكن سوى سلسلة من الهدنات المؤقتة. العراقي بدوره يمكنه أن يقول الكلام نفسه، السوري أيضا، وكذلك الأوروبيون الذين يعتبرون أنفسهم في قلب «العالم الحر» فقد استفاقوا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا من حلم السلام ليكتشفوا أنهم واقفون على جغرافيا نائمة فوق أجفان الحرب. وبالطريقة نفسها فإننا جميعا، كمواطنين في هذا العالم الكبير، يمكننا أن نتوحد في الشعور المرعب ذاته: ما الحرب إلا مسألة وقت، وما السلام سوى حلم، وما السياسة والاقتصاد سوى اجتهادات لتحقيق هدنات قابلة للتجديد من عقد إلى عقد آخر. العالم بحاجة إلى القليل من السياسة والكثير من الثقافة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بعثة الأمم المتحدة تحذّر من «المعلومات المضللة وخطاب الكراهية»

أصدرت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، بياناً حذرت فيه “من المعلومات المضللة وخطاب الكراهية”.

وقالت البعثة في بيان: “تُدرك الأمم المتحدة في ليبيا التزام السلطات الوطنية والبلديات في ليبيا بمعالجة شواغل الشارع الليبي”.

وأضافت: “إن جهود الأمم المتحدة في دعم تلك السلطات في إدارة ملف الهجرة يتماشى مع الأولويات الوطنية لليبيا مع التأكيد على أهمية الحفاظ على سيادة البلاد”.

وأعربت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا “عن بالغ قلقها إزاء حملة المعلومات المضللة التي تؤجج التوتر في ليبيا وتحرض على خطاب الكراهية ضد اللاجئين والمهاجرين. إن المعلومات المضللة لا تؤدي إلا إلى تفشي الخوف وحالة العداء”.

ودعت الأمم المتحدة “كل المعنيين إلى الامتناع عن تداول المعلومات المضللة، وضمان أن يكون الخطاب العام قائمًا على الحقائق، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان”.

آخر تحديث: 13 مارس 2025 - 19:51

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تحذر من الارتفاع المقلق للتعصب ضد المسلمين وتدعو للحد من خطاب الكراهية
  • أبوخشيم: يجب محاسبة وسائل الإعلام التي تروج لخطاب الكراهية
  • “الإنسانية أقوى من الكراهية”: دعوات في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمكافحة كراهية الإسلام 
  • بعد 5 سنوات من الجائحة.. ماذا نعرف عن كوفيد طويل الأمد حتى الآن؟
  • المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعو إلى مواجهة التحديات التي تعاني منها فئة ذوي الاحتياجات الخاصة
  • مدرب مارسيليا يواجه سان جيرمان بـ«خشونة»!
  • صناعة الكراهية وإعادة إنتاج الخطاب الطائفي - التواصل الاجتماعي أنموذجًا
  • بعثة الأمم المتحدة تحذّر من «المعلومات المضللة وخطاب الكراهية»
  • نازحة سوادنية لـعمران: الحرب جعلتنا نعرف آخرين لم نكن نشعر بهم
  • الرئيس الشرع: نتمنى أن يكون هذا تاريخ جديد لسوريا نستبدل به الجهل بالعلم والعذاب بالرحمة