بقلم : فالح حسون الدراجي ..

لا يخلو رأس أي ( علماني) من الاسئلة، فلولا الأسئلة التي تتشكل – عبر تقدم وعيه وثقافته واختلافه- لما أصبح (علمانياً) قط !

و (الاسئلة)- برأيي- عنصر مهم وأساس في تطور الفكر، والتغير، والجدل، وفي (الديالكتيك) أيضاً ..

واليوم – ومثل كل يوم – تصطخب في رأسي عشرات الاسئلة وهي تبحث في شؤون الكون والخلق، وتتناقش مع نفسها في كل مسألة من مسائل الحياة والوجود.

. لكن الشيء الذي يميز (اسئلة) هذه الأيام عن سابقاتها، هو بحثها في ما يجري الآن في الساحة السياسية العربية من أحداث خطيرة تؤثر حتماً على واقعنا و حياتنا، وتغير الكثير من مساراتنا.

فالشعب العراقي المرتبط وجدانياً وعاطفياً وإنسانياً بما يحدث في غزة ولبنان، لا يمكن أن يغمض عينيه عما يتعرض له أخوته في هذين البلدين، أو في أية بقعة عربية أخرى تتعرض للعدوان، فضلاً عن ترابط الخطوط والمسارات بين العراق وأشقائه، حسب تعبير (وحدة الساحات) !!

وازاء هكذا أحداث مهمة سيكون من الطبيعي جداً أن (تتحرك) الاسئلة في رأسي ورؤوس الآخرين، ويشتعل الجدل، وتحتدم المناقشات فيها، لا سيما وأن ثمة (مادة) دسمة جاهزة ومتوفرة لصناعة الاسئلة، بل وصناعة الجدل والاختلاف والشك أيضاً..!

ولعل ذروة هذا الاحتدام كانت حين تلقى العالم نبأ استشهاد السيد حسن نصر الله في نهاية الأسبوع الماضي.. فالظروف برأيي تهيأت تماماً لإطلاق هذه الاسئلة من محجرها. وطبعاً فإن أول الاسئلة، ذلك السؤال الذي قفز إلى ذهني قبل غيره، واقصد به السؤال الباحث عن اسباب (عدم) قيام (إسرائيل)، ورئيس حكومتها المجرم نتنياهو، باغتيال رئيس حركة حماس يحيى السنوار حتى هذه الساعة .. بينما تم اغتيال عشرات القادة والشخصيات الكبيرة المهمة والمقاومة لطغيان الكيان الصهيوني خلال الفترة ذاتها..؟!

إن هذا السؤال الذي عشش في رأسي خلال الأيام الماضية، يتمثل عندي بمعنى واحد، مفاده : لماذا لم يغتالِ الصهاينة يحيى (السنوار)، رغم أنهم يعتبرونه عدوهم الأول، ويتهمونه بقيادة وتخطيط هجوم السابع من اكتوبر، فضلاً عن ( خطف) وأسر عدد غير قليل منهم ومن جنودهم ذلك اليوم، ومازال اغلبهم في قبضة السنوار شخصياً.. فهل ثمة كارثة حلت بالصهاينة أقسى من كارثة السابع من اكتوبر، ومن مصيبتها التي أوجعتهم وسحقت هيبة قواتهم العسكرية والاستخبارية؟.. إن الذراع الصهيونية التي وصلت إلى مقام السيد حسن نصر الله في بيروت، والى إسماعيل هنية في طهران، واغتالت شخصيات محصنة جداً، في مواقع وأراض بعيدة جداً، كيف تعجز بربكم عن الوصول إلى السنوار ، وهو القريب جداً منها، حيث يراه الصهاينة يومياً بالعين المجردة وليس بالأقمار الصناعية فقط، فيحصون عليه انفاسه، وحركاته وسكناته، كما إن جواسيس (الموساد) وعملاء (الشاباك) يمشون معه خطوة بخطوة، ويتلصصون عليه صباحاً ومساءً .. اليس الرجل محبوساً كالعصفور في (قفص) غزة المغلق من الجهتين، بحيث لم يخرج منه منذ احداث السابع من اكتوبر كما يقولون؟!

ولإن هذا السؤال المحير نبت في رأسي وعشش في تلافيف دماغي منذ اغتيال (السيد نصر الله)، و لم يجد جواباً واحداً حتى هذه اللحظة، صرت مجبراً على طرحه علناً، وعرضه على الأصدقاء.. وهكذا مضيت إلى صديق، وليتني ما ذهبت اليه، ولا عرضت سؤالي عليه، فقد فاجأني صديقي هذا، بجوابه حين قال : إن عدم وصول الذراع الامنية والعسكرية الاسرائيلية إلى (السنوار) يعود برأيي، لكون الرجل متحصناً تحت الارض وفي أنفاق ومتاهات مظلمة يصعب الوصول اليها، كما انه يحظى بترتيبات أمنية وعسكرية كبيرة، عكس غيره من الذين اغتيلوا !!

وللحق، فقد ضحكت من جوابه هذا، وقلت له : وهل تعتقد أن الشهيد حسن نصر الله كان بلا حماية ولا ترتيبات امنية كبيرة، ألا تعرف مثلاً، أن (السيد) أذكى من أن يمنح فرصة سهلة لاجهزة الاستخبارات الصهيونية لتنال منه.. بحيث انهم وصلوا إليه وهو يجتمع مع رفاقه تحت الارض وبعمق ثلاثين متراً، فأي ترتيب امني أدق من هذا الترتيب؟

واكملت متسائلاً: ألا تعرف ويعرف الجميع كم أن (السيد) كان عبقرياً فذاً في العمل السري، وفي التحرك الخفي والتمويه المدروس، لكنهم تمكنوا منه رغم كل ذلك..

والسؤال: كيف تمكنوا منه ولم يتمكنوا من السنوار، رغم ان السنوار كان ولم يزل بين ايديهم مباحاً؟

فقاطعني صديقي قائلاً:

ارجو أن لا تنسى يا صاحبي أهمية السنوار في الشارع الفلسطيني، ومقتله لا سمح الله- وطبعاً الكلام لصديقي – قد يستفز الفلسطينيين والعرب، ويحركهم في مختلف الساحات، مما يفجر ألف انتفاضة وتظاهرة في غزة ورام الله والقدس، ويخلق الف مشكلة لنتنياهو في الساحات والجامعات العربية والعالمية، وقطعاً فإن اسرائيل ليست بحاجة لهذه المشاكل في هذه الأيام العسيرة.. لذا (ربما )- والكلام لم يزل لصديقي – قام نتنياهو بتأجيل اغتيال السنوار إلى ما بعد حسم معركته في غزة وجنوب لبنان !!

وهنا اردت أن أضحك مرة أخرى، لكني لم أفعل، إنما قلت له بحدة: وهل تظن أن السنوار أكثر وأكبر اهمية من السيد حسن نصر الله، سواء أكانت هذه الأهمية في لبنان او الدول العربية والعالمية، أو في فلسطين نفسها.. ثم أكملت حديثي وقلت لصديقي: أتجهل حقاً، ماذا يعني (مقتل) السيد حسن نصر الله لدى ملايين المسلمين من الشيعة والسنة، ومن غير المسلمين ايضاً، وتجهل ماذا يشكل حضور (هذا السيد) في شوارع الدول الإسلامية، والساحات الثورية، والميادين الشبابية، وكذلك اليسارية أيضاً، فكيف تظن بأن (نتنياهو ) سيوافق على اغتيال نصر الله، ولا يوافق على اغتيال السنوار، لأن للسنوار أهمية أكثر كما تظن وتعتقد أنت ؟!
إن ذراع إسرائيل الإجرامية التي وصلت إلى إسماعيل هنية، وهو القائد الشعبي الأهم لحركة حماس، واغتالته في المربع الأمني الحصين، ثم قتلت محمد الضيف- وما ادراك ما ذكاء محمد الضيف – و اغتالت القائد فؤاد شكر ، وهو الرجل الذي تبحث عنه المخابرات الأمريكية منذ عام 1983، ولم تنله.. واسرائيل التي وصلت لكل من ارادت الوصول اليه، بما في ذلك السيد حسن نصر الله نفسه.. كيف تخفق في اغتيال السنوار، او ربما (لم تجرب) ذلك، رغم ان الرجل أذلها ومرّغ أنفها في اوحال السابع من اكتوبر، وهنا سيكون المفترض على تل ابيب أن تصفي حسابها معه قبل غيره باعتباره عدوها الاول كما (تقول وتدعي)؟!

لذا دعني أكرر السؤال وأقول، كيف تصل ذراع إسرائيل الإجرامية لكل هذه الشخصيات المحصنة والمهمة جداً ، وتنجح في قتلها جميعاً، بينما تفشل في الوصول إلى (السنوار).. وطبعاً فإني لا أشكك بالمقاوم يحيى السنوار، ولا أتمنى قتله قطعاً، لكني أردت فقط عرض هذا السؤال (البريء جداً )، بعد ان وجدته (يحوس) في رأسي، باحثاً عن جواب واضح وصريح وصحيح ومنطقي وغير متعصب.. فهو سؤال.. (مجرد سؤال حچيته ومشيت) ..!!

فالح حسون الدراجي

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات السید حسن نصر الله السابع من اکتوبر فی رأسی

إقرأ أيضاً:

ما بين اغتيال السيد نصر الله وناقة صالح.. نتيجة واحدة: فدمدم عليهم ربهم!

مضت أربع وعشرون ساعة على إعلان خبر شهادة السيّد حسن نصر الله، العقل في حالة من الذهول، لا يستوعب ولا يكاد يصدّق، والسؤال الذي يدقّ جدران القلب بقوّة: كيف تجرؤوا على هذا الفعل؟ كيف سوّلت لهم أنفسهم وأين ذهب بهم غرورهم ليتخذوا قرارا بهذا الوزن؟ كيف غلبت شقوتهم، وكيف طوّعت لهم أنفسهم وسوّل لهم غرورهم أن يقدموا على هذه الجريمة بهذا الوزن الثقيل الكبير وما ستؤول عليهم عاقبة أمره، هل فكروا بعاقبة أمرهم هذا؟؟

لقد استخفّوا بدلالات تحملها هذه الشخصيّة، لقد أرست قواعد الروح الثائرة شقت طريقا وصنعت نموذجا وأخرجت للناس تجربة ناجحة ملهمة مذهلة، ولم يكن الأمر دراسة نظريّة أو فكرة قويّة، بل كانت ملحمة في زمن ضاعت فيه شمس الحرية في بلاد استمرأت الذلّ والعبودية، في مواجهة مكشوفة مع كلّ قوى الشرّ العالمية الواقفة والداعمة بكل ما تملك من قوّة لكيان عربد وقتل وأثخن وتبّت أركانه بجبروت القوّة.

نشأ حزب الله في هذه البيئة القاسية الصعبة وقام على أنقاض سلسلة من الهزائم العربيّة، وكان لقيادة السيّد نصر الله الدور الأكبر في قلب المعادلة، سنوات من القيادة القويّة والإرادة، وإذ به يكسر أنف هذه الغطرسة العالميّة، ويحقق سلسلة من الانتصارات التي أفضت إلى هذا النموذج، وكان بذلك ملهما لكلّ القوى المقاومة الثورية، محليّا وعالميّا.

القرآن يقصّ علينا قصّة ناقة صالح المعجزة، معجزة نبيّ ظاهرة بيّنة، تحمل للبشرية الخير الوفير واللبن السائغ للشاربين، وأهم من هذا أنّها علامة لهم من الله على صدق نبيّهم وما آتاهم به من وحي السماء، اجتمع شقوتهم، من لا يرون الخير، بل يرون الشرّ كلّه في هذا الخير العظيم، ماذا دهى عقولهم حتى يفكّروا ويخططوا ويتآمروا على عقر هذه الناقة؟ ما هي أهدافهم السياسيّة وأين رؤيتهم الحضارية، وما هو مستواهم الأخلاقي الذي يدفعهم إلى قتل من يجود للناس بكلّ هذا الخير، ما هيّ جبلّتهم وما هي طبيعة جيناتهم الوراثية؟ ما هي المصلحة السياسيّة وماذا يترتّب على ذلك من شقاء للبشريّة؟ كلّ هذا لم يدخل حساباتهم.

لقد قرروا عقر الناقة وقُضي الأمر، طمس الله على هذه القلوب الملتوية وهذه النفوس المتغطرسة المتعجرفة، أعمى الله بصيرتهم بما انحرفت عليه نفوسهم النكدة. الغرور وقوّة البطش وجبروت شهوة القتل سحب سوداء تجعلهم لا يرون شمس الحق ولا نور هذه الآية الباهرة المشرقة الربانية المعجزة العظيمة. فماذا كانت النتيجة؟

دمدم الله عليهم، صورتهم التي تملك عيونا ولسانا وسمعا وماكينة إعلامية، قدراتهم الكبيرة على الفعل والقتل وفن الجريمة، وجودهم وكيانهم بكل ما فيه من بهرجة وبطر وأشر وجلبة وصوت وصورةِ حياة ظنّوا أنّها بمنأى عن العاقبة الوخيمة وعن يد العدالة الربانيّة العظيمة، بكلمة واحدة ألغى الله وجودهم بما كسبت أيديهم وبما أرادوا أن يلغوا الحق بالجريمة، دمدم الله عليهم، أنهى كلّ شيء يحمل اسمهم ويترك أثرا لهم.

ما فعل أشقاهم (نتنياهو) وما تآلفت عليهم قلوبهم الشقيّة من كبار الاشقياء فيهم (بن غفير وسموتريتش) وكلّ هذا المجتمع النكد الذي سار خلفهم وأيّد فعلهم؟ كلّ هذه الجوقة التي اتخذت القرار لم تفكّر بالعاقبة، ولم يتخلّف منهم أحد ولم يعقّب، بل تكالبوا على هذا الأمر من بوار وهلاك وكذلك تكالب معهم الأمريكان وكثير من العربان، لم يستمعوا لما قال لهم نبيّهم ولا لأية قيمة إنسانيّة بشريّة، فقط كان الصوت صوت غرورهم، فأعمى الله بصيرتهم، استدرجهم لما فيه حتفهم، لو نظر أحدهم قليلا إلى الأمام فنظر إلى ما ينتظرهم، ولكنها سنة الله في الذين ظلموا أن تأخذهم نشوة جبروتهم دون وصول نظرهم إلى العاقبة التي تنتظرهم.

النتيجة أيها الإخوة الكرام قاطعة حاسمة لا ريب فيها، "فدمدم عليهم ربهم". الله وحده سبحانه يهيئ الأمور إلى هذه النتيجة، دمّروا وقتلوا في غزّة وأمعنوا فيها ما شاء لهم بما أمدّتهم قوى الطغيان العالمية من أدوات للقتل والجريمة، ثم جاءوا لبنان ليمعنوا أيضا في الدمار والقتل. النتيجة القريبة التي لا ريب فيها أن يدمدم الله عليهم بعباده الأوفياء الصالحين. عقروا ناقة الخير والنور، عقروا قيم الإنسانية العظيمة، عقروا الحريّة بل عقروا فلسطين الغالية العزيزة، وأنكروا حقوق شعب بالكليّة، عقروا المسجد الأقصى وعقروا الحياة بكلّ معانيها الجميلة، هم الآن سائرون بقوّة وسرعة نحو: "فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها".

والأمر ليس إيمانا غيبيّا بل هو ممكن في سياقاته الموضوعية، فالمقاومة التي قادها السيّد نصر الله ومن معه فكرة وثقافة وفعل وقوة ومشروع حياة.

مقالات مشابهة

  • بعد اغتيال واشنطن ـ تل أبيب السيد حسن نصر الله: مَن يوقف العدوان؟!
  • جامعة المحويت تنظم وقفة تنديداً بجريمة اغتيال السـيد حسـن نصـر اللـه
  • محمد علي الحوثي: اغتيال السيد نصر الله رسالة للزعماء العرب
  • الكرملين يدين اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله
  • ما بين اغتيال السيد نصر الله وناقة صالح.. نتيجة واحدة: فدمدم عليهم ربهم!
  • متى يتم الرد على اغتيال السيد نصر الله؟
  • وقفات طلابية منددة بجريمة اغتيال السيد حسن نصر الله
  • حدث ليلا: الاحتلال يقصف قلب بيروت لأول مرة.. وحقيقة اغتيال السنوار.. ومفاجأة في جثة نصر الله
  • عاجل - السر الأكبر.. لماذا لا يفتح حزب الله النار الكاملة على إسرائيل رغم الهجمات؟