لماذا اغتالوا (السيد) ولم يغتالوا ( السنوار) ؟!!
تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT
بقلم : فالح حسون الدراجي ..
لا يخلو رأس أي ( علماني) من الاسئلة، فلولا الأسئلة التي تتشكل – عبر تقدم وعيه وثقافته واختلافه- لما أصبح (علمانياً) قط !
و (الاسئلة)- برأيي- عنصر مهم وأساس في تطور الفكر، والتغير، والجدل، وفي (الديالكتيك) أيضاً ..
واليوم – ومثل كل يوم – تصطخب في رأسي عشرات الاسئلة وهي تبحث في شؤون الكون والخلق، وتتناقش مع نفسها في كل مسألة من مسائل الحياة والوجود.
فالشعب العراقي المرتبط وجدانياً وعاطفياً وإنسانياً بما يحدث في غزة ولبنان، لا يمكن أن يغمض عينيه عما يتعرض له أخوته في هذين البلدين، أو في أية بقعة عربية أخرى تتعرض للعدوان، فضلاً عن ترابط الخطوط والمسارات بين العراق وأشقائه، حسب تعبير (وحدة الساحات) !!
وازاء هكذا أحداث مهمة سيكون من الطبيعي جداً أن (تتحرك) الاسئلة في رأسي ورؤوس الآخرين، ويشتعل الجدل، وتحتدم المناقشات فيها، لا سيما وأن ثمة (مادة) دسمة جاهزة ومتوفرة لصناعة الاسئلة، بل وصناعة الجدل والاختلاف والشك أيضاً..!
ولعل ذروة هذا الاحتدام كانت حين تلقى العالم نبأ استشهاد السيد حسن نصر الله في نهاية الأسبوع الماضي.. فالظروف برأيي تهيأت تماماً لإطلاق هذه الاسئلة من محجرها. وطبعاً فإن أول الاسئلة، ذلك السؤال الذي قفز إلى ذهني قبل غيره، واقصد به السؤال الباحث عن اسباب (عدم) قيام (إسرائيل)، ورئيس حكومتها المجرم نتنياهو، باغتيال رئيس حركة حماس يحيى السنوار حتى هذه الساعة .. بينما تم اغتيال عشرات القادة والشخصيات الكبيرة المهمة والمقاومة لطغيان الكيان الصهيوني خلال الفترة ذاتها..؟!
إن هذا السؤال الذي عشش في رأسي خلال الأيام الماضية، يتمثل عندي بمعنى واحد، مفاده : لماذا لم يغتالِ الصهاينة يحيى (السنوار)، رغم أنهم يعتبرونه عدوهم الأول، ويتهمونه بقيادة وتخطيط هجوم السابع من اكتوبر، فضلاً عن ( خطف) وأسر عدد غير قليل منهم ومن جنودهم ذلك اليوم، ومازال اغلبهم في قبضة السنوار شخصياً.. فهل ثمة كارثة حلت بالصهاينة أقسى من كارثة السابع من اكتوبر، ومن مصيبتها التي أوجعتهم وسحقت هيبة قواتهم العسكرية والاستخبارية؟.. إن الذراع الصهيونية التي وصلت إلى مقام السيد حسن نصر الله في بيروت، والى إسماعيل هنية في طهران، واغتالت شخصيات محصنة جداً، في مواقع وأراض بعيدة جداً، كيف تعجز بربكم عن الوصول إلى السنوار ، وهو القريب جداً منها، حيث يراه الصهاينة يومياً بالعين المجردة وليس بالأقمار الصناعية فقط، فيحصون عليه انفاسه، وحركاته وسكناته، كما إن جواسيس (الموساد) وعملاء (الشاباك) يمشون معه خطوة بخطوة، ويتلصصون عليه صباحاً ومساءً .. اليس الرجل محبوساً كالعصفور في (قفص) غزة المغلق من الجهتين، بحيث لم يخرج منه منذ احداث السابع من اكتوبر كما يقولون؟!
ولإن هذا السؤال المحير نبت في رأسي وعشش في تلافيف دماغي منذ اغتيال (السيد نصر الله)، و لم يجد جواباً واحداً حتى هذه اللحظة، صرت مجبراً على طرحه علناً، وعرضه على الأصدقاء.. وهكذا مضيت إلى صديق، وليتني ما ذهبت اليه، ولا عرضت سؤالي عليه، فقد فاجأني صديقي هذا، بجوابه حين قال : إن عدم وصول الذراع الامنية والعسكرية الاسرائيلية إلى (السنوار) يعود برأيي، لكون الرجل متحصناً تحت الارض وفي أنفاق ومتاهات مظلمة يصعب الوصول اليها، كما انه يحظى بترتيبات أمنية وعسكرية كبيرة، عكس غيره من الذين اغتيلوا !!
وللحق، فقد ضحكت من جوابه هذا، وقلت له : وهل تعتقد أن الشهيد حسن نصر الله كان بلا حماية ولا ترتيبات امنية كبيرة، ألا تعرف مثلاً، أن (السيد) أذكى من أن يمنح فرصة سهلة لاجهزة الاستخبارات الصهيونية لتنال منه.. بحيث انهم وصلوا إليه وهو يجتمع مع رفاقه تحت الارض وبعمق ثلاثين متراً، فأي ترتيب امني أدق من هذا الترتيب؟
واكملت متسائلاً: ألا تعرف ويعرف الجميع كم أن (السيد) كان عبقرياً فذاً في العمل السري، وفي التحرك الخفي والتمويه المدروس، لكنهم تمكنوا منه رغم كل ذلك..
والسؤال: كيف تمكنوا منه ولم يتمكنوا من السنوار، رغم ان السنوار كان ولم يزل بين ايديهم مباحاً؟
فقاطعني صديقي قائلاً:
ارجو أن لا تنسى يا صاحبي أهمية السنوار في الشارع الفلسطيني، ومقتله لا سمح الله- وطبعاً الكلام لصديقي – قد يستفز الفلسطينيين والعرب، ويحركهم في مختلف الساحات، مما يفجر ألف انتفاضة وتظاهرة في غزة ورام الله والقدس، ويخلق الف مشكلة لنتنياهو في الساحات والجامعات العربية والعالمية، وقطعاً فإن اسرائيل ليست بحاجة لهذه المشاكل في هذه الأيام العسيرة.. لذا (ربما )- والكلام لم يزل لصديقي – قام نتنياهو بتأجيل اغتيال السنوار إلى ما بعد حسم معركته في غزة وجنوب لبنان !!
وهنا اردت أن أضحك مرة أخرى، لكني لم أفعل، إنما قلت له بحدة: وهل تظن أن السنوار أكثر وأكبر اهمية من السيد حسن نصر الله، سواء أكانت هذه الأهمية في لبنان او الدول العربية والعالمية، أو في فلسطين نفسها.. ثم أكملت حديثي وقلت لصديقي: أتجهل حقاً، ماذا يعني (مقتل) السيد حسن نصر الله لدى ملايين المسلمين من الشيعة والسنة، ومن غير المسلمين ايضاً، وتجهل ماذا يشكل حضور (هذا السيد) في شوارع الدول الإسلامية، والساحات الثورية، والميادين الشبابية، وكذلك اليسارية أيضاً، فكيف تظن بأن (نتنياهو ) سيوافق على اغتيال نصر الله، ولا يوافق على اغتيال السنوار، لأن للسنوار أهمية أكثر كما تظن وتعتقد أنت ؟!
إن ذراع إسرائيل الإجرامية التي وصلت إلى إسماعيل هنية، وهو القائد الشعبي الأهم لحركة حماس، واغتالته في المربع الأمني الحصين، ثم قتلت محمد الضيف- وما ادراك ما ذكاء محمد الضيف – و اغتالت القائد فؤاد شكر ، وهو الرجل الذي تبحث عنه المخابرات الأمريكية منذ عام 1983، ولم تنله.. واسرائيل التي وصلت لكل من ارادت الوصول اليه، بما في ذلك السيد حسن نصر الله نفسه.. كيف تخفق في اغتيال السنوار، او ربما (لم تجرب) ذلك، رغم ان الرجل أذلها ومرّغ أنفها في اوحال السابع من اكتوبر، وهنا سيكون المفترض على تل ابيب أن تصفي حسابها معه قبل غيره باعتباره عدوها الاول كما (تقول وتدعي)؟!
لذا دعني أكرر السؤال وأقول، كيف تصل ذراع إسرائيل الإجرامية لكل هذه الشخصيات المحصنة والمهمة جداً ، وتنجح في قتلها جميعاً، بينما تفشل في الوصول إلى (السنوار).. وطبعاً فإني لا أشكك بالمقاوم يحيى السنوار، ولا أتمنى قتله قطعاً، لكني أردت فقط عرض هذا السؤال (البريء جداً )، بعد ان وجدته (يحوس) في رأسي، باحثاً عن جواب واضح وصريح وصحيح ومنطقي وغير متعصب.. فهو سؤال.. (مجرد سؤال حچيته ومشيت) ..!!
فالح حسون الدراجيالمصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات السید حسن نصر الله السابع من اکتوبر فی رأسی
إقرأ أيضاً:
السيد عبدالله بن حمد .. الصفي الرضي
السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي جاءنا في مسقط مع عمر الخامسة عشرة برفقة أبيه القاضي السيد حمد بن سيف وكان منزلهم في منطقة الحمرية قريبا من بيت الشيخ أحمد بن عبد الله الحارثي وكنا حين نذهب لزيارة الشيخ أحمد بن عبد الله نمر أحيانا لزيارتهم ونجد هناك العديد من القضاة والأعيان.
وكان وقتها بين الصبا والشباب شابا يلفت النظر، وعمل مع صغر سنه منسقا لمكتب الشيخ أحمد رئيس هيئة المخطوطات وقتها ثم حين تأسست وزارة الإسكان وصار السيد محمد بن أحمد وزيرا لها وتعين الشيخ أحمد بن عبد الله بمعيته وكيلا للوزارة ذهب هو معه وكان السيد محمد صديقا لوالده فأخذه منسقا خاصا لمكتبه وأسهم بقدر واسع في تأسيس الوزارة الوليدة ومضت به مسيرة العمل، وفي غضون سنوات أصبح مديرا عاما وفي تلك الفترة صرت أنا ملحقا ثقافيا في سفارة سلطنة عمان بالبحرين وجاء لزيارتي هناك لأكثر من مرة ويوم أسسنا النادي الوطني الثقافي انضم هو إلينا وصار من أبرز الشباب النشطين وقد لفتت همته العالية ونشاطه المتميز المسؤولين فتم تعيينه وزيرا للإسكان حيث أسهم في تأسيس الوزارة وتطويرها وأطلق الناس آنذاك على وزارة الإسكان اسم وزارة الأخلاق الحميدة ولكن الزمن لم يطل به في الوزارة فنقل سريعا ليكون مندوبا لسلطنة عمان في الجامعة العربية أيام وجودها في تونس وكان أمين عام الجامعة العربية الشاذلي القليبي حينئذ ورئيس تونس يومها الحبيب بو رقيبة وتطورت علاقته بهما وصارت له معهما قصص كثيرة وحكايات متنوعة وبعد وقت يسير تم تعيينه سفيرا لسلطنة عمان في تونس وكان دوره كبيرا ملحوظا وأقام علاقات واسعة مع الوزراء والمسؤولين هناك ومع زملائه السفراء وحين أعيدت الجامعة إلى مقرها في القاهرة عاد هو معها فطاب له المقام في مصر وتوطدت علاقاته مع الرئيس ومع كبار المسؤولين وشهدت العلاقات العمانية المصرية تطورا كبيرا وكان أمين عام الجامعة العربية بعد عودتها إلى مصر د. عصمت عبد المجيد وأصبحت العلاقة بينهما وثقى ومتينة وكم مرة رأينا د. عصمت زائرا له في بيته بالقاهرة إضافة إلى صلاته الحسنة مع الكتاب والمثقفين الذين ارتبط معهم بصداقات حميمة يقيم لهم الضيافات في بيته ويجتمعون حوله في ندوات علمية وثقافية ومن أبرز من صاروا أصدقاءه المقربين الدكتور جابر عصفور و د. حسن حنفي والأستاذ جمال الغيطاني ود. صابر عرب ود. أحمد درويش والمؤرخ د. جمال زكريا قاسم وعشرات غيرهم ومنزله كان منتدى فكريا وملتقى دائما لصفوة أهل الثقافة ثم أسس هناك منتدى الفراهيدي الذي تحدد وقته كل أربعة أشهر حول شؤون ثقافية مصرية وعمانية وعربية يحاضر فيه نخب العلماء وقادة الفكر والمثقفين من المغرب والعراق والجزائر وسوريا وتونس واليمن وعمان ومصر والخليج وذلك المنتدى كان منارة عمانية مضيئة في القاهرة وكانت لا تكاد تفوته ندوة أو محاضرة ثقافية في القاهرة على كثرتها وكثرة مشاغله وكنت رفيقه غالبا في تلك المحاضرات والندوات وله -رحمه الله- قدرة فائقة على التوفيق والإصلاح بين المختلفين ومما اشتهر من ذلك استطاعته جمع السفيرين الكويتي والعراقي في بيته أثناء شدة الخصومة بين الكويت والعراق خلال الاحتلال العراقي للكويت ما دعا الصحافة المصرية إلى نشر صورة السفيرين وهو بينهما في استغراب شديد وفي فترات معرض القاهرة للكتاب يكون حريصا أن أكون معه باستمرار وما أذكره عنه أيام وجوده في تونس رسالة مطولة أرسلها لي بشأن موضوع معين كان يبتغيه والرسالة ما زالت معي حتى الآن وبعد عودته إلى الوطن كنا على تواصل غير منقطع يدعوني لزيارته ببيته وأحيانا يفاجئني في بيتي فأسعد بزيارته.
ومن مآثره التي لا يمكن إغفالها إنشاء مكتبة باسم والده تضمنت بعض المخطوطات والكتب القديمة وكذلك دوره في تأسيس جامعة الشرقية التي أحاطها بالرعاية والاهتمام والتي أصبحت اليوم من بين أرقى الجامعات العمانية الخاصة ولا نستطيع حصر وتعداد ما قام به من إنجازات مهمة وهو قبل ذلك وبعده من محبي الثقافة والقراءة وحين يلقاه المرء يبادره بابتسامته العذبة المشرقة.
رحمه الله وكتب له الثواب والمغفرة وجزيل الإحسان.
أحمد الفلاحي أديب عماني