يمانيون – متابعات
تعيشُ المنطقةُ على صفيح ساخن جراء الأحداث المتسارعة؛ بفعل الجنون الصهيوني والأمريكي، وجَــــرِّ المنطقة إلى حرب واسعة، بدلًا عن إيقاف العدوان على غزة.

وخلال الأيّام الماضية، ولا سيَّما بعد اغتيال الشهيد القائد السيد حسن نصر الله، كثّـف الأعداء من حملاتهم الشيطانية التي تهدف إلى كسر الروح المعنوية لأحرار الأُمَّــة، حَيثُ يعمدون إلى نشر شائعات وأخبار تبعَثُ على الانهزام والضَّعف والاستكانة، وهو ما حذَّرَ منه السيدُ القائدُ عبدُالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- خلال خطاب له يوم استشهاد السيد حسن نصر الله، حينما دعا الجبهةَ الإعلامية إلى أن تكون نشطةً في هذا الظرف، آملًا من فرسان الجهاد فيها أن يكثّـفوا الجهد، للتصدي لكل الحملات الشيطانية، الرامية إلى كسر الروح المعنوية، من قِبَلِ العدوّ الصهيوني، وعملائه المنافقين”.

وتكمن أهميّة الجبهة الإعلامية بأنها القادرة على محاربة الدعاية السوداء، والشائعات، وهي القادرة على رفع معنويات أحرار الأُمَّــة، وهي جبهة مهمة، لا تقل عن الجبهة العسكرية في مواجهة أعداء الأُمة.

المقاومة مُستمرّة:

وفي هذا الشأن يؤكد رئيس الدائرة الإعلامية بمكتب رئاسة الجمهورية زيد الغرسي، أن من “أهم أهداف اغتيال الشهيد القائد السيد حسن نصر الله، وكذلك استثمار عملية الاغتيال من قبل العدوّ الأمريكي والإسرائيلي وصهاينة العرب هو ضرب الروح المعنوية للمقاومة في لبنان ومحور المقاومة بشكل كامل بما يمثله سماحة السيد القائد حسن نصر الله من رمزية وخط متقدم وتاريخ جهادي ونضالي ودور بارز ورئيسي في إسناد غزة”.

ويقول الغرسي: “لاحظنا الحملة الإعلامية المرتبة والممنهجة من قبل كيان العدوّ الإسرائيلي وصهاينة العرب لضرب المعنويات بالتشفِّي، وبالحديث عن انهيار حزب الله، وعن عدم قدرة حزب الله مواصلة العمل في إسناد غزة، وعن تراجع محور المقاومة… إلخ”.

ويتابع: “ولذلك كان تركيز السيد في هذه الكلمة، وفي هذا التوجيه كان مهمًّا جِـدًّا لإبطال هذا المفعول، وإبطال هذا الهدف الذي يسعى له كيان العدوّ الإسرائيلي وأدواته في المنطقة”، منبهًا أن من متطلبات مواجهة العدوّ الإسرائيلي هو الوعي، خَاصَّة في مثل هذه الأحداث التي يتعرض فيها محور المقاومة للضربات من كيان العدوّ الإسرائيلي، مؤكّـدًا أن “محور المقاومة يحتاج إلى رفع المعنويات، وَيحتاج إلى أمل، يحتاج إلى ثقة بالله سبحانه وتعالى، أَيْـضًا يحتاج إلى التصعيد في مواجهة العدوّ الإسرائيلي، والجبهة الإعلامية من أهم أعمالها هو تشكيل الوعي للرأي العام العربي والدولي ولكل أحرار العالم”، وبالتالي فهذه المهمة استثنائية في هذا التوقيت بالذات لإعادة معنويات الرأي العام والاستمرار في إسناد إخواننا في غزة، وفي الجهاد ضد كيان العدوّ الإسرائيلي -حسب تصريح الغرسي-.

ويلفت إلى أن هذه كانت من أهم النقاط أَو توقيت الدعوة إلى الجبهة الإعلامية في هذا الظرف خُصُوصًا، منوِّهًا إلى أن هناك أَيْـضًا حملات ممنهجة يسعى العدوّ الإسرائيلي ومن خلفه أمريكا وبريطانيا وأدواتهم صهاينة العرب إلى حرف هذه العملية من اتّهام العدوّ الإسرائيلي بالرغم من أنه اعترف هو بنفسه إلى اتّهام إيران وهو بذلك يهدف إلى محاولة زرع الخلافات والشقاق بين محور المقاومة بالحديث أن إيران تساهلت أَو تواطأت في اغتيال السيد حسن نصر الله، وهي من قدمت المعلومات؛ ولذلك لاحظنا أن أول من تبنى ذلك هي قناة العربية، وهذه نقطة مهمة جِـدًّا ينبغي أن نلتفت لها بأن هذا الحديث هوَ بهَدفِ خلق شرخ وخلافات بين محور المقاومة”.

ويحذّر الغرسي جمهور المقاومة وكل أحرار العالم بأن يكونوا أكثر وعيًا بهذه المؤامرة، وَأَيْـضًا أن يعرفوا ويثقوا بأن محور المقاومة، يعد جزءًا واحدًا، ولا يمكن أن تنطلي عليه مثل هذه الأساليب ومثل هذه الخدع الإسرائيلية”، مستكملًا حديثه: “وهو على قدر كبير من التنسيق المشترك والمتبادل، وأن نوجه سهامنا وسخطنا تجاه كيان العدوّ الإسرائيلي والأمريكي، والثأر لدماء السيد حسن نصر الله، وكل القادة من كيان العدوّ الإسرائيلي والأمريكي”.

مسؤولية الإعلاميين:

من جانبه يقول رئيس المركز الإعلامي لأنصار الله مازن هبة: “إن تطرُّقَ السيد للجبهة الإعلامية في هذا الظرف يَـــدُلُّ على أهميّة تجاوز آثار الضربة على المستوى النفسي والمعنوي؛ لأَنَّ أحد أهم أهداف العدوّ الصهيوني من اغتيال الشهيد القائد السيد حسن نصر الله، هو ضرب معنويات المجاهدين المقاومين وحواضنهم الشعبيّة على امتداد محور القدس والجهاد والمقاومة”.

ويؤكّـد هبة أننا في حربٍ شاملة مع العدوّ الصهيوني “ومن أبرز أشكال هذه الحرب، هي الحرب النفسية التي تصاحب الحرب العسكرية، وفي بعض الظروف تتقدمها من حَيثُ الأهميّة والخطورة، كالظرف العصيب الذي نمر به اليوم بعد استشهاد سيد شهداء المقاومة السيد حسن نصر الله”.

ويشير إلى أن “الحرب النفسية سلاحها الكلمة، وميدانها النفوس، وكل كلمة تترك أثرًا في نفس من يسمعها، وينعكس أثرها في الميدان العسكري إما سلبًا أَو إيجابًا، إما ثباتًا وصمودًا واندفاعًا إلى الأمام وإما إحباطًا وهزيمةً وتراجعًا إلى الخلف”.

ويوضح أن “‏الهزيمة في الحرب النفسية خطيرة جِـدًّا، ولا يُهزم إلا من هُزم معنويًّا وفقد إرادَة القتال؛ لذلك حمل السيد القائد فرسان الكلمة الإعلاميين المسؤولية في مواجهة حملات العدوّ الشيطانية الرامية إلى كسر الروح المعنوية”.

دلالاتٌ مهمة:

وفي السياق ذاته يؤكّـد نائب رئيس وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” محمد عبد القدوس، أن “تطرُّق السيد القائد عبدالملك الحوثي -يحفظه الله- إلى تنشيط دور الجبهة الإعلامية في هذا الظرف يحمل عدة دلالات مهمة.

ويعدد عبد القدوس في تصريحٍ خاص لـ “المسيرة” هذه الدلالات على النحو الآتي:

أولًا: أن على الجبهة الإعلامية أن تكثّـف جهودها للتصدي للحملات الشيطانية التي تهدف إلى كسر الروح المعنوية من قِبل العدوّ الصهيوني وعملائه المنافقين.

ثانيًا: تكمن أهميّة الدور الإعلامي بمثل هذه الظروف في الوعي بخطورة ما يسعى إليه العدوّ وأزلامه من استهداف رخيص لوحدة الأُمَّــة، ولمقام شهدائها الأبرار.

ثالثًا: على الجبهة الإعلامية أن تكون دومًا في مرحلة الجاهزية والاستعداد للقيام بدورها العظيم.

رابعًا: ضرورة الوعي القرآنيّ في التصدي الإعلامي لحملات العدوّ بمثل هذه الظروف.

خامسًا: أن الوفاء للشهداء وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله، يستدعي من الإعلاميين خَاصَّة أن يقوموا بدورهم المهم في مواجهة تحديات الأُمَّــة، وأن يستلهموا من القرآن الكريم ما يعزّز أدوارهم، وأن يضعوا حقيقة “وفيكم سمّاعون لهم” نصب أعينهم.

سادسًا: على أن الجبهة الإعلامية يجب أن تعكس التحلّي بروحية المقاومة والالتزام بالقضية.

سابعًا: ضرورة تعزيز الوعي الجماهيري حول تسلسل الأحداث الجارية وربطها بأهميّة الانتصار للقضية الفلسطينية.

ثامنًا: الحاجة الملحّة لوجود جبهة إعلامية ذات جهدٍ فعّال لمواجهة الدعاية المعادية.

تاسعًا: ضرورة تسليط الضوء على إبراز تضحيات الشهداء، مثل السيد حسن نصر الله، لتعزيز روح المقاومة وامتلاك أفراد الجبهة الإعلامية على المناعة اللازمة لاستمرارية المواجهة والتصدّي.

عاشرًا: أن على الجبهة الإعلامية في اليمن توحيد جهودها بالتنسيق المشترك مع بقية الجبهات الإعلامية على امتداد خارطة دول محور المقاومة بنشر الرسائل المشتركة الأكثر وعيًا وتأثيرًا في الجماهير.

هذه الدلالات الهامة لدعوة السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي، للجبهة الإعلامية تعكس فهمه العميق لأهميّة استخدام الوسائل التكنولوجية ومدى تأثيرها الإعلامي كأدَاة استراتيجية في الصراع خُصُوصًا بمثل هذا الظرف المهم” -حسب كلام عبد القدوس-.

قوة الجبهة الإعلامية:

أما مستشار وزير الإعلام توفيق الحميري، فيؤكّـد أن الجانب المعنوي والنفسي والإيمَـاني أهم عامل من عوامل النصر والثبات.

ويشير إلى أن “خسارتك المعركة نفسيًّا ستنعكس على الميدان مباشرة، والإعلام هو الجبهة الموجهة للروح المعنوية، والحالة النفسية الصلبة، وفي هذا المقام دور الإعلام هو هام جِـدًّا خَاصَّة والعدوّ وأبواقه يجترون كُـلّ أشكال ضرب نفسيات الحاضنة الجماهيرية للمقاومة والمحور المجاهد”.

ويضيف الحميري: “بالإضافة إلى أن العدوّ الإسرائيلي والأمريكي يقيس مدى تأثر خصومه عقب أية ضربة أَو عملية أَو جريمة؛ هل خفف لغة الخطاب السياسي أَو الثقافي؟ هل ارتبكت الجبهة التوعوية والتعبوية واهتزت المنعة الداخلية؟ أم تعاظمت النبرة والخطاب والسخط وكانت الحالة المعنوية والنفسية والإعلامية ثابتة ومعبرة عن متانة القوة المعنوية التي هي جوهر رسالة الإعلام في المعركة”.

ويؤكّـد أن “من ضمن القوة المطلوبة هي القوة المعنوية، وبالتالي لا بدَّ أن تكون القوة المعنوية والمتمثلة بالجبهة الإعلامية هي المعبرة عن ثبات الأُمَّــة من خلال نشاطها وحضورها الفاضح والنافي لادِّعاءات العدوّ والمعزز والمؤكّـد والمثبت للحقائق التي يحملها محور الحق وقضية الحق”.

ويواصل حديثه: “ولا توجد وضعية تاريخية أكثر وضوحًا لمرحلتنا ومعركتنا القائمة بين محور الباطل والطغيان ومحور الحق وهذا الحق بحاجة إلى لسان معبر عنه؛ أي بحاجة إلى جبهة إعلامية متحَرّكة بكل جهود وأنشطة ممكنة”، مشيدًا بكامل الفرسان الذين لبّوا هذا النداء واستنفروا وهي دعوة لكل إعلامي وناشط بالاستمرار بالنفير في هذه الجبهة التي لا تزال بحاجة للمزيد من الكثافة العملية النوعية المنظمة لأنشطتها لتحقيق الانتصار على العدوّ عسكريًّا وسياسيًّا ومعنويًّا وإعلاميًّا واقتصاديًّا وإيصال هذا النصر بكامل صوره وأنصع حالاته.
————————————————————-
المسيرة: أصيل نايف حيدان

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: السید حسن نصر الله الجبهة الإعلامیة محور المقاومة الحرب النفسیة الإعلامیة فی السید القائد فی هذا الظرف کیان العدو یحتاج إلى فی مواجهة إلى أن من أهم

إقرأ أيضاً:

من حي “شرشبوك” إلى قمة المقاومة: حكاية السيد حسن نصر الله

يمانيون – متابعات
كان فتى صغيراً في حي “شرشبوك” البيروتي الفقير، ثم صار الأمين العام لحزب الله؛ حزب الله الذي صار أمةً على يديه.

إنّه ابن عبد الكريم نصر الله صاحب الدكان الصغير، والأخ الأكبر بين 9 أبناء، من البازورية الجنوبية. هو أبو هادي، أبو الشاب الشهيد الذي مضى ذات أيلول. هو الأمين العام، السيد حسن أو السيد.. كلمة واحدة تكفي أحباءه للدلالة عليه.

إنّه من تزيّن صوره بيوت أهل الجنوب والبقاع، وكل لبنان. يسكن في كل الأماكن، وحيثما يكُن الفقراء يكُنْ. تمرّ في الشوارع فتجده يُطلّ عليك بعد أن غاب عن الحضور المباشِر مع أهله، الذين يحبهم ويحبونه، وهو الأقرب إليهم.

إنّه من ترتفع القبضات وتصدح الحناجر تلبيةً له. إنّه من تلهج الألسنة بذكره عند كل دعاء وصلاة. إنّه من يقسِم الشباب بشيبته وخيوط عمامته. إنّه من ترتفع أيدي العجائز المنهكة سائلةً الله أن يأخذ من أعمارهم ليعطيه.

اغتالت “إسرائيل” السيد حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت التي أحب، لكنّ الأمين العام حفر في التاريخ ما لا تقوى صواريخ الولايات المتحدة وأطنان من متفجراتها على محوه.

وهذا السيد، الذي بث الروح الثورية في مئات الآلاف، وترك وراءه مئات الآلاف من السائرين نحو النصر، لا يُقتل. إنّه من أولئك الذين لا يتركون أهلهم أبداً، وأهله سينتصرون حتماً معه.

ألم يعدهم بذلك؟ أليس هو صادق الوعد؟ لا خوف إذاً، فالنصر آتٍ، ويومها سيفرح المؤمنون الأوفياء بنصر الله.

ابن الحي الفقير صار رأس المقاومة
في الـ31 من آب/أغسطس 1960، في حي “شرشبوك” في شرقي بيروت، وًلد فصلٌ جديد من تاريخ البلاد والمنطقة، يوم أبصر النورَ حسن. بعد 15 عاماً، انضم القائد، الذي كان فتى متحمساً، إلى أفواج المقاومة اللبنانية “أمل”، التي أسسها الإمام السيد موسى الصدر، عندما توجّهت العائلة إلى البازورية قرب صور.

بعد عام توجّه إلى النجف في العراق، حيث بقي عامين أمضاهما في الدراسة الدينية في الحوزة العلمية، حيث التقى السيد عباس الموسوي، قبل أن يغادر ويعود إلى لبنان في عام 1979.

تأثّر السيد نصر الله بالسيد الموسوي، فكان الأخير مرشداً له ومعلماً، وتأثّر كلاهما بمفجّر الثورة الإسلامية في إيران، الإمام روح الله الموسوي الخميني. التقاه السيد نصر الله عام 1981، وتلاقى معه في الموقف من الغرب والاحتلال “الإسرائيلي” والقضية الفلسطينية، التي بذل مهجته في سبيلها.

عندما كان شاباً في الـ22 من عمره، في عام 1982، شارك في تأسيس حزب الله. اندفع في خدمة المقاومة، فكان صوتها الذي يعتلي السيارات وتبثّه مكبرات الصوت، حاثّاً الناس على امتشاق البنادق في وجه “إسرائيل”، ذلك الكيان الموقت الذي سيزول حتماً، حتى نيل إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة.

الحضور الآسر المهيب وقوة البيان والحجة؛ صفتان تتلازمان مع السيد نصر الله، الذي تستأثر كلماته بلُبّ كل منصت، فإذا ذُكرتا ذُكر هو. لذا، ليس مستغرباً أن تشمل مسؤولياته الأولى في حزب الله التعبئة وإنشاء الخلايا العسكرية. وبعد ذلك، تبوّأ منصب نائب مسؤول منطقة بيروت، ثم أصبح مسؤولاً لها.

لاحقاً، صار السيد نصر الله المسؤول التنفيذي العام في حزب الله، وعضواً في مجلس الشورى، الهيئة القيادية الأعلى ضمن حزب الله. وفي عام 1989، غادر من بيروت إلى قم في إيران، حيث تابع هناك دراساته الدينية. وبعد عامين تخلّلتهما تطورات في بلده، الذي فتكت به الحرب الأهليه واحتلت “إسرائيل” أجزاءً من جنوبيه وبقاعه الغربي، عاد السيد نصر الله إلى لبنان، وانتُخب السيد عباس الموسوي أميناً عاماً.

خلال العام الذي تسلّم فيه السيد الموسوي الأمانة العامة، عاد السيد نصر الله إلى مسؤولياته التنفيذية. وفي الـ16 من شباط/فبراير عام 1992، اغتال الاحتلال السيد عباس. لم يستغرق انتخاب السيد حسن نصر الله خلفاً للأمين العام الشهيد سوى بضع دقائق، على الرغم من أنّ الأمين العام الجديد، الذي صار شهيداً أيضاً، تمنى أن يكون هذا المنصب من نصيب غيره، إذ إنّ “كل الإخوان كانوا أكبر مني”.

“الموضوع ما أكل 5 دقائق”، هذا ما قاله السيد نصر الله عن انتخابه، فكان القرار في مجلس الشورى اتُّخذ قبل انضمامه إلى الاجتماع، بحيث أجمع المسؤولون على أنّ مصلحة المقاومة تقتضي أن يكون هو رأسها، وأن يقبل هذه المسؤولية. وهكذا، قام السيد بعد أن خلا سلفه السيد.

تحرير 2000 ونصر تموز
استُشهد السيد حسن نصر الله وأبناؤه المقاومون يقصفون المستوطنات في شمالي فلسطين المحتلة، دعماً للشعب الفلسطيني في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته، ودفاعاً عن لبنان وشعبه. وعلى النحو الذي اختتم به مسيرته، ابتدأها قبل 32 عاماً، حين كان قصف المستوطنات بـ”الكاتيوشا” أول قرار يتخذه بصفته الأمين العام، ليخطّ في التاريخ أنّ المقاومة الإسلامية أدخلت هذا السلاح في المواجهة مع الاحتلال.

كان تحرير الجنوب من الاحتلال “الإسرائيلي” في عام 2000 أبرز ما كرّس السيد نصر الله قائداً عظيماً، لا لبيئة حزب الله التي تعاظمت وازدادت تشبثاً بخيارها فحسب، ولا للبنانيين فقط أيضاً، بل للعرب والمسلمين كلهم أيضاً، إذ إنّه كان القائد العربي الأول الذي يمرّغ أنف “إسرائيل” بالتراب، ويجبرها على الانسحاب من دون أي شروط، ويثبت للعالم كله أنّ “إسرائيل” هذه، التي تملك أسلحةً نوويةً وأقوى سلاح جو في المنطقة، واللهِ هي أوهن من بيت العنكبوت”.

هو من أعاد إلى الجنوبيين أرضهم، من جعلهم آمنين في بيوتهم، ومن حرّر الآباء والأبناء الأسرى وقرّ أعين أهلهم بهم، ومن جمع كبار القرى ليدبكوا في الساحات التي باتت خاليةً من الإسرائيليين، ومن ملأ آنية النساء بالأرز ليرششنَها على السيارات التي تستقبلها القرى المحررة، ومن كتب الأناشيد والزغاريد التي تحكي قصص بطولات لا تنتهي.

من منا لا يذكر الحاجة فاطمة قشمر، التي تحمد الله على التحرير؟ السيد نصر الله هو من وضع تلك الكلمات “الحمد لله تحررني” على لسانها، وأدخل الفرحة والسرور قلبَها، وجعل أجيالاً لاحقةً تفرح لفرحها.

وهو من قال للعرب كلهم، وللفلسطينيين بصورة خاصة، إنّ هؤلاء المحررة أرضهم يمكن أن يكونوا أنتم أيضاً. قاوِموا واصبروا وأعِدّوا لـ”إسرائيل” ما استطعتم من عدة وراكموا ثأر شهدائكم، تظفروا، فـ”يا شعبنا الفلسطيني، مصيرك بيدك، تستطيع أن تستعيدها بإرادتك، بخيار عز الدين القسّام، بدماء فتحي الشقاقي ويحيى عياش، يمكنك أن تستعيد أرضك. يمكنكم أن تعيدوا أهلكم إلى ديارهم بفخر واعتزاز من دون توسّل إلى أحد”.

لم يأتِ عدوان تموز في عام 2006 إلا ليزيد هذا القائد عظمةً في عيون محبيه ومبغضيه، على حدٍّ سواء. هذه المرة قال لكل شعوب المنطقة إنّ الولايات المتحدة يمكن أن تُهزم أيضاً، وإنّ الشرق الأوسط وبلادكم يمكن أن تكون كما تريدون أنتم، لا كما يريد عدوكم، وأرغم الدنيا على أن تعترف بأنّ “نصر الله ربح الحرب” فعلاً. قال لهم إنّهم قادرون على أن يحرقوا كل ما يمكن أن ينال من شرف هذه البلاد تماماً، كما فعلته مقاومته بـ”ساعر” في عُرض البحر.

أعاد الناس مرةً أخرى إلى بيوتهم في الجنوب والضاحية، عمّرها لتعود “أحلى مما كانت”. ولأنّ شعبه، الذي عاد ذاك التموزَ إلى منازله، خَبِر وعده الصادق، صبر على ما حلّ به خلال إسناده المقاومة في غزة، وبذل في سبيل فلسطين بيوته وأرزاقه، فداءً للمقاومة، وفداءً للسيد الحبيب، الذي وعد بـ”أنّنا سنعمّرها لتكون أحلى مما كانت”.

سوريا واليمن

لأنّ السيد حسن نصر الله لا تحدّه حدود مصطنعة، حسم قراره بشأن الحرب على سوريا، في إطار القضية الأسمى، قضية فلسطين. كان يجب أن تصمد سوريا بقيادتها، وألا تسقط في أيدي الولايات المتحدة و”إسرائيل” والتكفيريين، حتى تصمد المقاومة وفلسطين، وحتى لا يدخل سكان المنطقة في الظلمة. وتحقيقاً لهذا الهدف، أعلن السيد نصر الله، في أيار/مايو 2013، قيام حزب الله بالقتال في سوريا إلى جانب الجيش، ضدّ الإرهابيين.

وعد أهله في لبنان بأنّه لن يسمح للمقاتلين بالسيطرة على الحدود اللبنانية – السورية. لم يخيّب ظناً فصدق كعادته، وجلب إلى شعبه نصراً جديداً في تحرير الجرود عند الحدود مع سوريا، في معركة التحرير الثاني في آب/أغسطس 2017.

لم ينسَ السيد نصر الله، المدافع عن الحق أينما كان، اليمن أيضاً، فاتخذ موقفاً داعماً لصنعاء وأنصار الله ضدّ التحالف العسكري العالمي ضدّهما، صادحاً في وجوه كل الذين زعموا أنّ الحرب كانت دفاعاً عن عروبة اليمن: “حرب عربية على من؟ على شعب عربي؟ على العرب الأقحاح؟ انظروا إلى سحنتهم، لهجتهم، لغتهم، شعرهم، أدبهم، بلاغتهم وفصاحتهم. انظروا إلى شهامتهم وشجاعتهم وأبوتهم وإبائهم للضيم ونخوتهم وغيرتهم وكرمهم وجودهم.. إن لم يكن الشعب اليمني مِن العرب، فمَن العرب؟”.

ارتقى السيد حسن نصر الله شهيداً عظيماً على طريق القدس وفلسطين، ليلتحق بقافلة رفاقه الشهداء، وأبى حتى اللحظة الأخيرة، حتى النفس الأخير، أن يتخلّف عن أداء الواجب نصرةً للمقاومة في قطاع غزة في “طوفان الأقصى”، التي مثّلت المعركة “بين الحق كله، والباطل كله”. وله “لا نقول وداعاً، بل نقول إلى اللقاء.. إلى اللقاء مع انتصار الدم على السيف، إلى اللقاء في الشهادة، إلى جوار الأحبة”.

لا تكفي سطور لسرد سيرة أحد أعظم رجال الأمتين العربية والإسلامية، وأحد أعظم القادة، والذي شكّل نموذجاً وقدوةً لمئات الآلاف، بل الملايين، في كل أنحاء العالم، فلا سطور تسع ما تكتنفه قلوب محبيه، ولا بد من أنّ الأيام والليالي، والأعوام، ستكشف كثيراً مما قدّمه هذا القائد الكبير في الخفاء.

وثق السيد حسن نصر الله أنّه سيصلي في القدس الشريف، ووثق محبّوه أنّه سيؤم الصلاة في المسجد الأقصى المبارك بهم. لا تغيّر شهادته شيئاً، فمن يعِش ثم يُستشهد يبقَ حياً. وكما صدقت كل وعوده السابقة، سيصدق هذا الوعد أيضاً، وسيكون بين جموع المصلين يوم يأتي الفتح العظيم.

وإلى أن يحين ذلك الوقت، سيبقى من وثقوا به على وضوء دائماً، كما طلب إليهم يوماً.

هذا السيد لا يُهزَم، فـ”نحن عندما ننتصر ننتصر، وعندما نُستشهد تنتصر.. نحن على مشارف انتصار كبير، لا يجوز أن ننهزم نتيجة سقوط قائد عظيم من قادتنا، بل يجب أن نحمل دمه، ويجب أن نحمل رايته، ويجب أن نحمل أهدافه، ونمضي إلى الأمام، بعزم راسخ، وإرادة وإيمان، وعشق للقاء الله”.

* المادة نقلت حرفيا من موقع الميادين نت

مقالات مشابهة

  • الميدان يثبت: السيد نصر الله لم ولن يغب إطلاقاً
  • غزو لبنان المُحتمل: أهدافُ العدوّ وتحدياتُ المحور
  • حال الأمة ومستويات الحرب النفسية.. قاموس المقاومة (46)
  • شهادة السيد نصر الله.. مفتاح للمعركة التاريخية أمام العدو الصهيوني
  • بعد العدوان الإسرائيلي.. الإعلامية إنجي علي توجه رساله إلي لبنان
  • من حي “شرشبوك” إلى قمة المقاومة: حكاية السيد حسن نصر الله
  • "الشعبية" تنعى شهداء مجازر العدوان الإسرائيلي على لبنان
  • وقفات طلابية غاضبة بأمانة العاصمة تنديداً باغتيال شهيد المقاومة السيد حسن نصرالله
  • الحرب سجال.. والقتل والتدمير لن يزيلا أثر الطوفان