لطالما كان جهاز الاستخبارات الإسرائيلي المعروف بـ"الموساد" و"أمان" (الاستخبارات العسكرية)، واحداً من أقوى الأجهزة الاستخباراتية في العالم، بفضل عملياته الناجحة في العديد من مناطق الشرق الأوسط والعالم.

ومع تصاعد الأحداث الأخيرة في المنطقة، تثار تساؤلات حول أسباب نجاح الاستخبارات الإسرائيلية في لبنان واغتيال قادة "حزب الله" وفشلها في قطاع غزة.

تتطلب الإجابة عن هذه التساؤلات فهماً أعمق لعوامل النجاح والفشل، من الجغرافيا والديموغرافيا إلى الطبيعة التنظيمية، والتحديات التي تواجهها "إسرائيل" في كل من الجبهتين.

بين نجاح وفشل
واجهت "إسرائيل" فشلاً استخباراتياً ملحوظاً في تتبع أنشطة حركة "حماس" الفلسطينية، وهو ما تجلى بشكل واضح في عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، ومع ذلك، أظهرت قدراتها الاستخباراتية تفوقاً كبيراً في لبنان، حيث نفذت ضربات مؤثرة استهدفت قيادات "حزب الله" استناداً إلى معلومات استخباراتية دقيقة.

ويعكس نجاح الاستخبارات الإسرائيلية في لبنان وفشلها في غزة، الفروق الجوهرية بين البيئتين، فبينما كانت غزة عصية على السيطرة الاستخباراتية، استغلت "إسرائيل" الظروف السياسية والجغرافية المعقدة في لبنان لتحقيق النجاح ضد "حزب الله"، كان آخرها وأبرزها اغتيال أمينه العام حسن نصر الله (27 سبتمبر)، ومجموعة أخرى من القيادات المهمة بالحزب.

فالتماسك الاجتماعي في غزة، والطبيعة التنظيمية السرية لـ"حماس"، والبيئة الجغرافية المغلقة جعلت من الصعب على تل أبيب اختراق القطاع أو تحقيق نجاحات استخباراتية مماثلة لتلك التي حققتها في لبنان.


وفي تقرير بصحيفة "وول ستريت جورنال" كتبه روري جونز، طُرحت تساؤلات عن كيفية تحضير المخابرات الإسرائيلية لمواجهة "حزب الله"، في حين تمكنت "حماس" من مفاجأتها بهجماتها في 7 أكتوبر 2023.

وذكرت الباحثة كارميت فالنسي، من معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، للصحيفة، أن "الاهتمام كان موجهاً بشكل أساسي نحو حزب الله، وهو ما أدى إلى تهميش التطورات في غزة وترك ملف حماس دون متابعة كافية".

وقال أفنير غولوف، المدير السابق لمعهد دراسات الأمن القومي، والباحث حالياً في شركة "مايند" للاستشارات الأمنية، إن "الخدمات الأمنية الإسرائيلية جيدة في الهجوم وليس الدفاع، وجوهر العقيدة الاستخباراتية الإسرائيلية هو نقل الحرب للعدو".

ميادين مختلفة
ويقول الباحث الفلسطيني المختص بالشأن الإسرائيلي، صلاح العواودة: إن "هناك اختلافاً كبيراً ما بين الوضع في غزة ولبنان، حيث إن المقاومة هي من بدأت الهجوم في 7 أكتوبر، بعد أخذ الاحتياطات الاستخباراتية اللازمة لإدارة الحرب، فضلاً عن أن القطاع محاصر، فكان للمقاومة دور كبير في إدارة الداخل".

ويضيف لـ"الخليج أونلاين":

المقاومة الفلسطينية هي في مواجهة دائمة ومفتوحة مع الاحتلال، فاحتياطاتها وتدابيرها الأمنية عالية، حيث تترقب تحركات الاحتلال وتتوقع هجماته في كل وقت، أما "حزب الله" فلم يكن في حالة مشابهة للمقاومة في غزة.
"حزب الله" دخل الحرب إسناداً لغزة، وربما لم يكن جاهزاً، ولم يستطع أن يحقق المفاجأة مع العدو، حيث بدأ استعداداته مع استنفار الاحتلال كامل إمكاناته الاستخباراتية بعد 7 أكتوبر، خصوصاً تجاه الجنوب اللبناني.
مع بدء الحرب في غزة، أصبحت المقاومة تحت الأرض، ولم يعد بالإمكان اختراقها من قبل الاحتلال، أما في لبنان فكان لدى الاحتلال وقت كاف، بعد مرور سنة من الاشتباك، حيث جهز الاحتلال استخباراتياً ولوجستياً لتهيئة أجواء توسعة الحرب مع لبنان.

لبنان دولة مفتوحة أمام مختلف الجنسيات، يدخلها مواطنو كثير من دول العالم، فضلاً عن وجود سفارات وأجهزة استخبارات أجنبية عدة، مما يسهل للاستخبارات الإسرائيلية الوصول إلى المعلومات بشكل مباشر أو غير مباشر، خلافاً للوضع في غزة التي تعد محاصرة ومنعزلة.
غزة استغلت البيئة المحاصرة وإغلاق المنافذ ومنع الدخول إليها، للرقابة وتأمين الوضع بالنسبة للمقاومة داخل القطاع ومنع اختراقها، ومنع كشف التحركات.
لكن في لبنان الوضع مختلف، فـ"حزب الله" متورط في جبهات عديدة، سواء في سوريا أو العراق أو اليمن، وهو مما يسهل من اختراق الاحتلال لصفوفه مقاتليه.

أسباب الفشل
يعتبر لبنان منطقة معقدة جغرافياً وديموغرافياً، حيث يتسم بالتنوع الطائفي والعرقي، مما أتاح لـ"إسرائيل" استغلال هذه التعددية لتحقيق أهداف استخباراتية، فقد تمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من بناء علاقات مع مجموعات معارضة لحزب الله داخل لبنان، واستغلال التوترات الداخلية لتعزيز عملياتها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التضاريس الجبلية في لبنان جعلت من الصعب على "حزب الله" التحكم الكامل في جميع المناطق، ما أتاح لـ"إسرائيل" فرصاً لزرع جواسيس وتجنيد عملاء في مناطق معينة، هذا التنوع الجغرافي ساعد الاستخبارات الإسرائيلية في الحصول على معلومات دقيقة حول تحركات حزب الله والقيام بعمليات استباقية ناجحة.

ويقول الباحث في الشؤون الدولية، د.طارق عبود، إن "السبب الرئيسي لنجاح الاستخبارات الإسرائيلية بلبنان مقارنة بغزة، هو أن لبنان منطقة مفتوحة، ومجتمع متنوع ومعقّد على المستوى السياسي".

كما يشير، إلى "الدور الكبير للذكاء الصناعي في عملية جمع المعلومات والإفادة منها، إضافة الى مشاركة الحزب بشكل واسع في سوريا، ما أدى إلى جمع العدو معلومات كبيرة".

وأوضح كذلك أن "الاعتماد على التكنولوجيا أحد الأسباب الرئيسة في تفوق العدو في هذا المجال، لكن عمل المقاومة في غزة مختلف عن لبنان، فهي كانت تعمل في جغرافيا موالية كلياً، إضافة الى التعامل مع العملاء بطريقة مختلفة عما كان في لبنان".

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أرجعت إخفاق تل أبيب الاستخباراتي في التعامل مع عملية "طوفان الأقصى"، إلى أن القيادة الإسرائيلية كانت منشغلة على مدى العقدين الماضيين بالتحضير لصراع محتمل مع حزب الله، الذي اعتبرته التهديد الأكبر.

ويرى الكاتب روري جونز، خلال حديثه مع الصحيفة، أن "فشل الاستخبارات الإسرائيلية في التنبؤ بهجوم الفصائل الفلسطينية يرجع إلى تقديرات خاطئة، حيث اعتمد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في استراتيجيته الأخيرة على احتواء الفصائل الفلسطينية، معتقداً أن هدفها الرئيسي هو الحفاظ على الاستقرار في غزة".

وبدورها، أشارت الباحثة كارميت فالنسي، من معهد دراسات الأمن القومي بتل أبيب، إلى أن "إسرائيل كانت تركز بشكل أساسي على التحضير لمواجهة محتملة مع حزب الله، متجاهلة بذلك إلى حدّ ما التهديدات من قطاع غزة".

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

جيش الاحتلال الإسرائيلي: طرد مستوطنين عبروا الخط الأزرق إلى جنوب لبنان

أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية أن جنود الاحتلال أخرجوا مجموعة صغيرة من المستوطنين الإسرائيليين ينتمون إلى اليمين المتطرف من جنوب لبنان، بعدما عبروا الحدود وبدأوا في نصب الخيام، وصرح الجيش الإسرائيلي في بيان له اليوم الأربعاء، أن هذه الواقعة خطيرة ويجري التحقيق فيها.

توسع إسرائيلي

وذكرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» قبل 10 أيام أن المجموعة، التي تطالب بضم جنوب لبنان والاستيطان فيه، قالت إنها عبرت الحدود وأسست موقعًا هناك، وقال جيش الاحتلال  اليوم الأربعاء إنه أخرج تلك المجموعة من جنوب لبنان سريعًا وبدأ التحقيق في الأمر بشكل فعلي.

بيان جيش الاحتلال

وقال بيان جيش الاحتلال: «أشار التحقيق الأولي إلى أن المستوطنين وصلوا لجنوب لبنان وعبروا بالفعل الخط الأزرق بعدة أمتار وبعد أن رصدتهم قوات الجيش أخرجتهم من المنطقة».

خطر يهدد الأرواح

وأضاف البيان: «أي محاولة للاقتراب أو عبور الحدود إلى جنوب لبنان دون تنسيق مع قوات الاحتلال يعتبر خطرا يهدد الأرواح وتدخل في قدرة قوات الجيش على العمل في المنطقة وتنفيذ مهمتها».

انتهاك الاتفاقية

وقالت «تايمز أوف إسرائيل»، إن المنطقة التي قالت المجموعة إنها دخلتها في جنوب لبنان، خاضعة حاليا لسيطرة جيش الاحتلال في إطار اتفاق وقف إطلاق النار المبرم الشهر الماضي بين إسرائيل وجماعة «حزب الله»، وبموجب بنود الهدنة المعلنة في 26 نوفمبر، يمكن للقوات الإسرائيلية البقاء في لبنان لمدة 60 يومًا، ولم تؤسس إسرائيل مستوطنات في جنوب لبنان حتى عندما احتلت المنطقة بين عامي 1982 و2000.

مقالات مشابهة

  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 3 مدنيين في جنوب لبنان
  • لماذا لا يردّ حزب الله على الخروقات الإسرائيليّة؟
  • العدو الصهيوني يواصل خرق اتفاق وقف اطلاق النار في لبنان
  • أنصار الله تكشف مسار العدوان الإسرائيلي في سوريا.. تفاصيل
  • اعتقال متهم بقتل مدير استخبارات في ذي قار
  • ‏إيران: الهجمات الإسرائيلية على موانئ ومنشآت للطاقة في اليمن "انتهاك صارخ للقانون الدولي"
  • لجنة الإشراف على الهدنة: العدو الاسرائيلي لا يعد بالانسحاب
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي: طرد مستوطنين عبروا الخط الأزرق إلى جنوب لبنان
  • بالفيديو... إسرائيل تزعم تدمير مقرّ قيادة لـحزب الله في الجنوب
  • الاستخبارات والأمن تطيح بـ6 تجار مخدرات في النجف وبغداد