الذكاء الاصطناعي أهم من أن يترك لمنشئيه
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
قوة خارقة. كارثي. ثوري. عديم المسؤولية. منشئ للكفاءة خطير. هذه المصطلحات استعملت في وصف الذكاء الاصطناعي خلال الأشهر العديدة الماضية. فقد دفع إطلاق (تشات جي بي تي) إلى الجمهور الذكاء الاصطناعي إلى دائرة الضوء، وجعل الكثيرين يتساءلون: كيف يختلف عن غيره من التقنيات، وماذا سيحدث عندما تتغير تماما الطريقة التي نؤدي بها أعمالنا ونعيش بها حياتنا؟
أولا، من المهم أن ندرك أن الذكاء الاصطناعي ما هو إلا هذا: تقنية.
يعكس هذا خيارا تصميميا واضحا من مصممي الذكاء الاصطناعي لمنع برنامج الذكاء الاصطناعي هذا من تقديم إجابات محددة لقضايا الرأي الثقافي. فقد يطرح مستخدمو (تشات جي بي تي) أسئلة رأي نموذجية حول مواضيع أكثر إثارة للجدل من طبق الأرز، ولكنهم بسبب الاختيار التصميمي هذا، سيحصلون على إجابة مماثلة. على مدار الشهور الأخيرة، قام (تشات جي بي تي) بتعديل شيفرته للتفاعل مع الاتهامات وأمثلة التمييز الجنسي والعنصرية في ردود المنتَج. ويجب أن نلزم منشئي هذه البرامج بمعايير عالية وأن نتوقع ضوابط ورقابة على أدوات الذكاء الاصطناعي، ويجب أيضا أن نطالب بأن تكون عملية وضع هذه الحدود شاملة وقائمة على درجة معينة من الشفافية.
وفي حين يتمتع المصممون بقدر كبير من القوة في تحديد كيفية عمل أدوات الذكاء الاصطناعي، فبوسع قادة الصناعة والهيئات الحكومية والمنظمات غير الربحية أن تمارس ما لديها من سلطة لاختيار وقت وكيفية تطبيق أنظمة الذكاء الاصطناعي. قد يبهرنا الذكاء الاصطناعي التوليدي بقدرته على إنتاج صور، وتخطيط برامج للإجازات، وإعداد عروض، بل وكتابة شيفرات جديدة، لكن هذا لا يعني أنه قادر على حل أي مشكلة. فبرغم الضجيج التكنولوجي، يجب على من يقررون كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي أن يسألوا أولا أعضاء المجتمع المعني: «ما احتياجاتكم؟» و«ما أحلامكم؟». يجب أن تؤدي إجابات هذين السؤالين إلى فرض قيود ينفذها المطورون، ويجب أن تكون هي دافع القرار باستخدام الذكاء الاصطناعي وكيفية استخدامه.
في مطلع 2023، قام تطبيق كوكو Koko للصحة العقلية «باختبار جي بي تي 3 في تقديم المشورة لأربعة آلاف شخص ولكنه أنهى الاختبار لأنه - شعر بأنه عقيم نوعا ما -». وسرعان ما تبين أن المجتمع المعني لا يريد برنامجا للذكاء الاصطناعي بدلا من معالج بشري مدرب. وبرغم من أن الحديث حول الذكاء الاصطناعي قد يكون واسع الانتشار، فإن استخدامه ليس كذلك ولا يجب أن يكون كذلك. فقد تكون عواقب التسرع في الاعتماد الحصري على أنظمة الذكاء الاصطناعي لتوفير الحصول على الخدمات الطبية، أو تحديد أولويات التسكين، أو أدوات التوظيف والتعيين للشركات مأساوية، فقد تستبعد الأنظمة بعض الفئات أو تحدث ضررا على نطاق واسع. ولا بد لمن يفكرون في كيفية استخدامه أن يدركوا أن قرار عدم استخدام الذكاء الاصطناعي لا يقل قوة عن قرار استخدام الذكاء الاصطناعي.
تكمن من وراء كل هذه القضايا أسئلة أساسية حول جودة مجموعات البيانات التي تدعم الذكاء الاصطناعي والوصول إلى التكنولوجيا. فالذكاء الاصطناعي، في جوهره، يعمل عن طريق إجراء عمليات حسابية على بيانات موجودة لتقديم تنبؤات أو لتوليد محتوى جديد. فلو أن البيانات متحيزة أو غير تمثيلية أو تفتقر إلى لغات معينة، فقد تحتوي استجابات روبوت المحادثة وتوصيات العمل والصور المولَّدة من طلباتنا على نفس التحيزات القائمة في البيانات.
ولمواجهة هذا، فإن عمل الباحثين والدعاة عند التقاطع بين أسئلة التكنولوجيا والمجتمع والعرق والجنس يجب أن يوجه نهجنا تجاه إنشاء أدوات تكنولوجية مسؤولة. ولقد فحصت صفية نوبل نتائج بحث متحيزة ظهرت عند البحث في جوجل عن «قصَّات شعر احترافية» و«قصَّات شعر غير احترافية للعمل». إذ جاء المصطلح الأول بصور لنساء بيضاوات، والمصطلح البحثي الأخير بصور نساء سوداوات بقصات شعر طبيعية. ولقد دفع الوعي المتزايد والدعوات المستندة إلى البحث إلى أن قامت جوجل في النهاية بتحديث نظامها.
كما أن هناك عملا كان يجب القيام به للتأثير على أنظمة الذكاء الاصطناعي قبل اعتبارها مكتملة ونشرها في العالم. فقد استخدم فريق من باحثي جامعة كارنيجي ميلون وجامعة بيتسبيرج، لوحة كوميدية لدورة حياة الذكاء الاصطناعي، أو ترجمة تقارير وأدوات الذكاء الاصطناعي إلى أوصاف وصور سهلة الفهم، لإشراك العاملين في الخطوط الأمامية والأفراد غير العاملين في مناقشات حول نظام لدعم القرار قائم على الذكاء الاصطناعي لخدمات المشردين في منطقتهم. وقد كانوا قادرين على استيعاب كيفية عمل النظام وتقديم ملاحظات ملموسة للمطورين. والدرس الذي يجب تعلمه هو أن الذكاء الاصطناعي يستخدمه البشر، ومن ثم فلا بد لتشكيله من نهج يجمع بين التكنولوجيا والسياق المجتمعي.
والآن ما الذي يجب أن يفعله المجتمع ؟ من الذي ينبغي أن يتولى دور الموازنة بين تصميم أدوات الذكاء الاصطناعي والقرار المتعلق بموعد استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، وضرورة تخفيف الأضرار التي يمكن أن يلحقها الذكاء الاصطناعي؟ لكل شخص دور يمكن أن يتولاه. ومثلما سبق القول، فإن للتقنيين والقادة التنظيميين مسؤوليات واضحة في تصميم ونشر أنظمة الذكاء الاصطناعي. وصانعو السياسات يتمتعون بالقدرة على وضع مبادئ توجيهية لتطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي ـ ليس لتقييد الابتكار، وإنما توجيهه بطرق تقلل الضرر الذي يلحق بالأفراد. ويمكن أن يدعم الممولون والمستثمرون أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تركز على البشر وتشجع الجداول الزمنية التي تسمح بإشراك المجتمع وتحليله. ويجب أن تعمل كل هذه الأدوار معا لإنشاء أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر إنصافا.
بوسع نهج متعدد القطاعات متعدد التخصصات أن يؤدي إلى نتائج أفضل، وثمة العديد من الأمثلة الواعدة اليوم. فهناك فارمر تشات الذي يستعمل جوي للذكاء الاصطناعي لتمكين المزارعين في الهند وإثيوبيا وكينيا من الوصول إلى المعرفة الزراعية باللغات المحلية عبر واتساب. ويعمل المركز الأفريقي للتحول الاقتصادي على تطوير برنامج متعدد البلاد ومتعدد السنوات لإجراء التدريبات أو التجارب التنظيمية على الذكاء الاصطناعي في صنع السياسات الاقتصادية. ويدرس الباحثون كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في تنشيط لغات السكان الأصليين. وأحد هذه المشاريع يعمل على لغة شايان في غرب الولايات المتحدة.
توضح هذه الأمثلة كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لنفع المجتمع بطرق منصفة. ولقد أثبت التاريخ أن الآثار المجحفة للتكنولوجيا تتكاثر بمرور الزمن، وهذه التأثيرات المتفاوتة لا يجب أن تترك لـ«رواد التكولوجيا» كي يصلحوها بأنفسهم. بل يجب علينا جميعا أن نحسن جودة أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تم إنشاؤها واستخدامها في حياتنا .
أفوا بروس مهندسة أمريكية ومؤلفة ، مع إيمي سامبل وارد، لكتاب «التكنولوجيا القادمة»
عن ذي جارديان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: استخدام الذکاء الاصطناعی أنظمة الذکاء الاصطناعی أدوات الذکاء الاصطناعی کیفیة استخدام تشات جی بی تی یجب أن
إقرأ أيضاً:
ظل ترامب ومخاوف الذكاء الاصطناعي يسيطران على لقاء بايدن وشي
عقد الرئيس الأميركي جو بايدن آخر مباحثات له مع الرئيس الصيني شي جين بينغ قبل نهاية ولايته الرئاسية وتسليم السلطة لدونالد ترامب الذي تعهد بمواجهة جديدة مع بكين على الصعيد الاقتصادي.
والتقى بايدن ونظيره الصيني السبت في ليما عاصمة بيرو على هامش قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (أبيك)، وقال البيت الأبيض في بيان إن الزعيمين اتفقا على أن اتخاذ القرارات بشأن استخدام الأسلحة النووية يجب أن يكون بواسطة البشر وليس الذكاء الاصطناعي.
وأضاف البيان: "أكد الزعيمان على ضرورة الحفاظ على السيطرة البشرية على قرار استخدام الأسلحة النووية، وشددا على الحاجة إلى التفكير مليا في المخاطر المحتملة وتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري بطريقة تتسم بالحكمة والمسؤولية".
وتحدث بايدن عن العلاقات بين واشنطن وبكين، ودعا إلى العمل كي لا تتحول المنافسة بينهما إلى نزاع، وقال: "لا يمكن لبلدينا أن يسمحا لهذه المنافسة بالتحول إلى نزاع. هذه مسؤوليتنا، وعلى مدى السنوات الأربع الماضية أعتقد أننا أثبتنا أنه يمكن الحفاظ على هذه العلاقة".
ولم يُشر الرئيس الأميركي الذي يقوم بواحدة من آخر مشاركاته على الساحة الدولية، إلى خليفته ترامب، لكنّ ظلّ الأخير خيّم على الاجتماع مع الرئيس الصيني.
وقال بايدن لشي إنه فخور بالتقدم الذي أحرز نحو استقرار العلاقات بين واشنطن وبكين، وأضاف: "لم نكن نتفق دائما، لكن محادثاتنا كانت دائما صريحة"، مؤكدا أنهما كانا صادقين مع بعضهما. ومضى يقول: "وأعتقد أن هذا أمر ضروري. فهذه المحادثات تساعد على تجنب الحسابات الخاطئة وضمان عدم تحول المنافسة بين بلدينا إلى نزاع".
حروب واضطراباتويأتي اللقاء بين رئيسي أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم قبل شهرين من تولي ترامب منصبه في يناير/كانون الثاني، وسط مخاوف من حروب تجارية جديدة واضطرابات دبلوماسية.
غير أن ذلك لم يمنع شي من التأكيد لبايدن على أن الصين "ستسعى جاهدة لضمان انتقال سلس" في علاقاتها مع الولايات المتحدة وأنها مستعدة للعمل مع إدارة أميركية جديدة "للحفاظ على التواصل وتوسيع التعاون وإدارة الخلافات".
وحذر الرئيس الصيني من أن العلاقة المستقرة بين بلاده والولايات المتحدة حساسة للغاية، ليس فقط للبلدين، ولكن أيضا "لصالح مستقبل ومصير البشرية".
وفيما يبدو أنها رسالة مباشرة لترامب، قال شي: "في ثورة علمية تكنولوجية مزدهرة كبرى، لا يعد الفصل أو تعطيل سلاسل التوريد حلا.. فقط التعاون المتبادل والمفيد يمكن أن يؤدي إلى التنمية المشتركة".
وكان شي قد دعا في رسالة تهنئة إلى ترامب بعد فوزه بالانتخابات، الولايات المتحدة والصين إلى إدارة خلافاتهما والتوافق في عصر جديد.
يذكر أن ترامب انخرط خلال ولايته الرئاسية الأولى في حرب تجارية مع الصين، وفرض رسوما جمركية على مليارات الدولارات من المنتجات الصينية، في خطوات ردّت عليها بكين بتدابير انتقامية.