اختبار «الهبوط الناعم» لأمريكا
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
في عام 2021 وأوائل عام 2022، انتقدت مجموعة من خبراء الاقتصاد البارزين - بما في ذلك لورانس إتش سامرز وجيسون فورمان وكينيث روجوف، جميعهم من جامعة هارفارد - البرنامج المالي والاستثماري لإدارة بايدن، وطالبوا بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة. كانت حجتهم تتلخص في أن التضخم، الذي يغذيه الإنفاق الفيدرالي، سيدوم، ويتطلب تحولًا مستدامًا نحو سياسات التقشف.
وفي حين فشل هذا الثلاثي (والعديد من المعلقين من ذوي التفكير المماثل) في التأثير على البيت الأبيض أو الكونجرس، فقد كانوا يؤيدون رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وزملاءه، الذين بدأوا برفع أسعار الفائدة في أوائل عام 2022 واستمروا في القيام بذلك. وسرعان ما أثار التشديد السريع للسياسة النقدية من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي مخاوف التقدميين، بقيادة السناتور إليزابيث وارين من ولاية ماساتشوستس، من أنه سيؤدي إلى ركود، وبطالة جماعية، وانتصار الجمهوريين في عام 2024 (على الرغم من عدم تصريحهم بهذا).
ومع ذلك، تسبب وضع الاقتصاد الكلي الحالي في إرباك كلا الطرفين. وعلى عكس أولئك الذين يدافعون عن تدابير التقشف، بلغ التضخم ذروته منتصف عام 2022 (ويرجع ذلك جزئيًا إلى المبيعات من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي للولايات المتحدة). لم يكن هناك استمرار، ولم يُسجل أي ارتفاع عن الحوافز المالية لعام 2021، ولم يكن هناك تضخم مدفوع بالأجور نتيجة لانخفاض معدلات البطالة. ومن الواضح أن النماذج والسوابق التاريخية التي اعتمد عليها الثلاثي من جامعة هارفارد لم تعد قائمة (إن كانت سارية في أي وقت مضى).
في واقع الأمر، لم يشهد العالم أي حالة من الركود، ولم ترتفع معدلات البطالة، ولم تنجح أسعار الفائدة المرتفعة في تقويض الاستثمار في الأعمال التجارية. لقد تضرر مجال البناء السكني، لكن قطاع البناء بشكل عام سرعان ما تجاوز الأمر، ولم تتسبب الأزمة المصرفية في وقت سابق من هذا العام في انتقال عدوى مالية. لا شك أن الركود يظل ممكناً، ولكن حتى الآن لا توجد أي علامات تحذيرية تُذكر.
دفعت هذه الظروف السعيدة بعض المراقبين إلى تهنئة باول وبنك الاحتياطي الفيدرالي على تحقيق «هبوط ناعم». لكن تقديم الفضل إلى بنك الاحتياطي الفيدرالي يُعد تفكيرًا سحريًا. لا يمكن بأي حال من الأحوال، في ظل أي نظرية أو سابقة، أن يساهم ارتفاع أسعار الفائدة بدءًا من يناير 2022 في تراجع التضخم بحلول يوليو من العام نفسه. وأيًا كانت العواقب في المستقبل، فإن سياسة التشديد النقدي التي تبناها بنك الاحتياطي الفيدرالي لم تكن ذات صلة بتباطؤ التضخم حتى الآن.
ولكن لماذا لم يكن لارتفاع أسعار الفائدة لمدة 18 شهرًا أي تأثير ملموس على التوظيف أو الاستثمار أو النمو؟ يعد هذا بمثابة لغز بالنسبة للتقدميين مثل مسألة انخفاض التضخم بالنسبة لأنصار سياسة التقشف - لاسيما بالنظر إلى أن زيادة مدخرات الأسر المدفوعة بالجائحة قد انتهت، وبدأ الكونجرس في تقليص برامج الإنفاق بشكل متواضع.
يكمن جزء من الإجابة بلا شك في الحوافز الضريبية الجديدة للاستثمار، ولاسيما في أشباه الموصلات والطاقة المتجددة. لكن هذه القطاعات صغيرة إلى حد ما، وسيشكل نموها ربما مائة ألف وظيفة. قد يكمن جزء آخر من الإجابة على هذا السؤال في الاستثمار غير المباشر من قبل الشركات الفارة من التدهور الصناعي في أوروبا، الشيء الذي يُعتبر في حد ذاته نتيجة ثانوية للعقوبات المفروضة على روسيا. ومع ذلك، مرة أخرى، هذه الأرقام ليست كبيرة جدا.
ماذا يجري أيضا؟ من بين العوامل التي اقترحها لي روبرت أليبر، الأستاذ الفخري للاقتصاد والتمويل الدولي في جامعة شيكاغو، هو أن الربع الأعلى من الأسر الأمريكية أصبحت غنية خلال الجائحة. وتمثل هذه الأسر الحصة الأكبر من القوة الشرائية للولايات المتحدة، وإنفاقها محصن إلى حد كبير ضد أسعار الفائدة المرتفعة.
يأتي اقتراح آخر من وارين موسلر - الأب الروحي للنظرية النقدية الحديثة - الذي أشار إلى أن الدين القومي الأمريكي قد ارتفع إلى ما يقرب من 130٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعا من حوالي 60٪ في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فقد ارتفع صافي الفائدة المدفوعة على هذا الدين بنسبة 35٪ من عام 2021 إلى عام 2022 - ليصل إلى 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي - وذهبت حوالي 70٪ من هذه المدفوعات إلى القطاع الخاص الأمريكي. إذا أضفنا تأثير الفائدة المدفوعة (بدءًا من عام 2008) على 3 تريليونات دولار من احتياطيات البنوك، فإن الدعم المالي من خلال هذه القناة كان ضخمًا.
ويدعم التاريخ فرضية موسلر. ففي عام 1981، كان الدين الفيدرالي للولايات المتحدة يمثل حوالي 30٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وكان معظمه في شكل سندات طويلة الأجل ذات فائدة ثابتة، مع عدم وجود فوائد مدفوعة على احتياطيات البنوك. نتيجة لذلك، أثرت الزيادات الكبيرة الصادمة في أسعار الفائدة التي أقرها رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي بول فولكر في الغالب على المدينين من القطاع الخاص والاستثمار التجاري، وكانت الدفعة المالية التعويضية من مدفوعات الفائدة ضئيلة.
وعلى النقيض من ذلك، عندما تجاوز الدين الفيدرالي 100٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1946، كان معظمه تقريبًا في هيئة سندات حرب مملوكة للأسر الأمريكية. على الرغم من تحقيق فائدة لا تتجاوز 2٪، إلا أن هذه السندات وفرت دفعة للدخل الخاص وقاعدة للاقتراض العقاري خلال الخمسينات من القرن الماضي - وهي فترة تتسم بازدهار الطبقة المتوسطة المُستقر إلى حد كبير.
إن «القناة المالية» لسداد مدفوعات أسعار الفائدة تُشكل مفهومًا غير ملائم بالنسبة لأولئك الذين يعترضون على «عبء» الدين العام. وهي تشير إلى أن قرار باول برفع أسعار الفائدة قد يكون عاجزًا عن إبطاء الناتج المحلي الإجمالي. في الواقع، قد تكون الزيادات الإضافية في أسعار الفائدة توسعية، على الأقل إلى حد ما.
وكما في حالات متطرفة أخرى - مثل الأرجنتين، حيث تصل مدفوعات الفائدة إلى ربع الناتج المحلي الإجمالي أو أكثر - سيؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة التكاليف بالنسبة للشركات، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ويفرض ضغوطًا على أسعار الأصول الثابتة (الأراضي والمعادن والنفط) التي من شأنها أن تظهر في مقاييس التضخم لدينا. وهذا بدوره من شأنه أن يحد من الادخار، ويحفز الاقتراض، ويدفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة أكثر.
ومع مرور الوقت، ستتسبب هذه العملية في فوضى اقتصادية. ومع ذلك، إذا كانت هذه الرواية قائمة على أساس سليم ولم تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى الركود الذي يرغب فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي بوضوح، فسيكون من الصعب تغيير هذا المسار. يمكن أن تعمل الأيديولوجيا والعادات على تغذية الأمل في نجاح هذه السياسة غير الفعالة بمضاعفة الجهود.
ما الذي قد يوقف هذه الديناميكية؟ تتلخص إحدى الإجابات على هذا التساؤل في التقشف المالي الشديد، مع استخدام تخفيضات الميزانية لإثارة الركود الذي فشلت أسعار الفائدة في إحداثه. نحن نشهد بالفعل ضغوطًا بشأن هذا الخيار من وول ستريت. وفي الأسبوع الماضي، خفضت وكالة فيتش تصنيفها الائتماني لديون الولايات المتحدة السيادية، في خطوة جاءت في توقيت واضح لإخافة الكونجرس مع اقتراب المواعيد النهائية للميزانية. إن مثل هذا التحول في السياسات، إذا كان قوياً بما فيه الكفاية، من شأنه أن يكمل عملية سحق مكاسب الطبقة المتوسطة الأمريكية.
بكل تأكيد، من الأفضل القيام بالعكس تمامًا - لتمكين الطبقة المتوسطة وتجريد المصرفيين من إمكانياتهم. وهذا يعني خفض أسعار الفائدة مع تنظيم التدفقات الائتمانية الجديدة، والتحكم في الأسعار الاستراتيجية، وتعزيز الدعم المالي للأسر والوظائف ذات الرواتب الجيدة. يمكن للأشخاص ذوي الدخل المرتفع تقليل اعتمادهم على القروض غير المستقرة.
هذا ما يجب علينا فعله. لكن لا ينبغي توقع حدوث ذلك في أي وقت قريب.
جيمس ك. غالبريث رئيس العلاقات الحكومية/التجارية في جامعة تكساس بأوستن، وهو خبير اقتصادي سابق في اللجنة المصرفية لمجلس النواب ومدير تنفيذي سابق للجنة الاقتصادية المشتركة للكونغرس.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من الناتج المحلی الإجمالی أسعار الفائدة الفائدة ا عام 2022 فی عام إلى حد
إقرأ أيضاً:
أسعار الذهب اليوم الأربعاء 25 ديسمبر 2024
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
سيطرت حالة من الاستقرار على أسعار الذهب في محلات وأسواق الصاغة المصرية بداية تعاملات اليوم الأربعاء 25 ديسمبر 2024، عند نفس مستوى أسعار ختام تعاملات أمس الثلاثاء، والذي شهد تراجعا في سعر المعدن الأصفر بصورة طفيفة لم تتجاوز حاجز الـ 5 جنيهات في الجرام الواحد بمختلف الأعيرة الذهبية.
سجل سعر جرام الذهب عيار 24 “الأكبر والأعلى قيمة بين الأعيرة المتداولة” نحو 4256 جنيهًا للبيع و4274 جنيهًا للشراء.
وبلغ سعر جرام الذهب عيار 21 “الأكثر انتشارا وإقبالا بين المصريين” نحو 3725 جنيهًا للبيع و3740 جنيهًا للشراء.
وبلغ سعر جرام الذهب عيار 18 نحو 3194 جنيهًا للبيع و3206 جنيهات للشراء.
واستقر سعر الجرام عيار 14 بداية اليوم نحو 2484 جنيهًا للبيع و2493 جنيها للشراء.
ووصل سعر الجنيه الذهب “ويزن حوالي 8 جرامات من الذهب” في الصاغة المصرية اليوم نحو 29.905 ألف جنيه للبيع و29.92 ألف جنيه للشراء.
وبلغ سعر أوقية الذهب “وتزن حوالي 31. 1 جراما من الذهب” نحو 2611 دولارًا للبيع و2612 دولارًا للشراء.
وتختلف أسعار الذهب بالمصنعية والدمغة في مصر حسب سعر المصنعية، والذي يتباين من محل لآخر، زمن محافظة لأخرى ويتراوح متوسط سعر المصنعية والدمغة في محال الصاغة بين 100 و130 جنيهًا، وذلك باختلاف نوع عيار الذهب، وكذلك باختلاف محال الصاغة ومن محافظة إلى أخرى ومن تاجر إلى آخر.
وتمثل في الأغلب نسبة تتراوح بين 7% و10% من سعر جرام الذهب، وكلما زادت نسبة المعادن الموجودة قل القيراط، وتستخدم الأوقية التي تزن “31.1 جرام” كوحدة لوزن الحلي والسبائك.
و في بورصات الذهب العالمية , سجلت أسعار الذهب بالبورصة العالمية خسارة أسبوعية بنحو 1 %، لتختتم الأوقية تعاملات الأسبوع عند 2622 دولارًا.
وشهدت أسعار الذهب بالبورصة العالمية تراجعت عقب قرار الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة بنحو 25 نقطة أساس، حيث أدت تصريحات جيروم باول رئيس الفيدرالي الأمريكي بخفض أقل لأسعار الفائدة خلال العام المقبل إلى عمليات بيع حادة للذهب، وهبط بسعر الأوقية لمستوى 2580 دولارًا.
و أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي، في اجتماعه الأخير للسياسة النقدية لعام 2024، إلى تخفيضات أقل في أسعار الفائدة العام المقبل، ووفقًا لتوقعاته الاقتصادية المحدثة، يبحث البنك المركزي عن خفضين لأسعار الفائدة العام المقبل.
وخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى نطاق 4.25٪ -4.50٪ الأربعاء الماضي.