أطعموا الناس وليس مزارع المصانع
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
بعد الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير 2022، أوقفت السفن التي تنقل الصادرات من الحبوب من موانئ أوكرانيا الواقعة على البحر الأسود رحلاتها إلى هناك؛ لأنها كانت عرضة لهجوم القوات الروسية، التي كانت تشتبه في نقلها لإمدادات عسكرية. وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الحبوب إلى مستويات قياسية، وأثار مخاوف من حدوث مجاعة في دول في الشرق الأوسط وإفريقيا كانت سابقا تستورد الحبوب الأوكرانية، ولاسيما القمح.
وفي آخر الأمر، في يوليو 2022، وافقت روسيا على السماح بمرور السفن القادمة من أوكرانيا والمتجهة إليها في ظروف آمنة، شريطة أن يتمكن المسؤولون الروس من تفتيشها. وخلال الأشهر الأحد عشر التي استمر فيها سريان مفعول مبادرة حبوب البحر الأسود، صدرت أوكرانيا 33 مليون طن من الحبوب، وانخفضت أسعار الغذاء العالمية بنحو 20 في المائة. ووفقًا للأمم المتحدة، فإن 57 في المائة من صادرات المواد الغذائية كانت من نصيب الدول النامية.
ولكن روسيا انسحبت الآن من الاتفاق. وعندما أعلنت أنها ستنهي صلاحية الاتفاق في 17 يوليو، ارتفع سعر الحبوب بنسبة 8 في المائة. وحذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن ملايين الأشخاص سيواجهون الجوع ؛ وقال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين: إن «روسيا تتحمل مسؤولية حرمان الأشخاص ممن يعانون من العوز الشديد في جميع أنحاء العالم من الطعام». ففي كينيا، وصفت الحكومة سلوك روسيا بأنه «طعنة في الظهر» للأشخاص في البلدان المنكوبة بالجفاف (وهي مجموعة تضم كينيا حاليًا).
وفضلا على إنهاء روسيا للاتفاق وإعلانها أنها ستعتبر أي سفن شحن متجهة إلى الموانئ الأوكرانية على أنها تحمل بضائع عسكرية، فقد استهدفت الموانئ الأوكرانية على نهر الدانوب، الذي يمكن أن يكون مسارا بديلا لنقل الصادرات؛ وهاجمت أيضا مرافق تخزين الحبوب في أوديسا، مما أدى إلى تدمير ما يقدر بنحو 60 ألف طن من الحبوب.
وفي القمة الروسية الإفريقية الأخيرة في سانت بيترسبرج، حاول الرئيس فلاديمير بوتين إظهار قلقه بشأن النقص المحتمل للحبوب في إفريقيا، وذلك بتعهده بتوفير ما بين 25.000 و 50.000 ألف طن من الحبوب الروسية لسِت دول إفريقية (يعمل مسلحو مجموعة فاجنر الروسية في أربعة منها). ولم تكن كينيا من بين تلك الدول. وعلى أي حال، فإن الكمية الإجمالية للحبوب التي تعهد بها تشكل أقل من 1 في المائة من الحبوب التي كانت تشحنها أوكرانيا أثناء سريان الاتفاقية.
ولا يمكن أن يكون لدى روسيا ما يسوغ تصعيدها لحربها العدوانية على أوكرانيا، من أجل استهداف صادرات الحبوب في ذلك البلد، وهي تعلم أن هذا سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الحبوب وزيادة نسبة الجوع بين الناس في البلدان البعيدة عن الصراع. ومع ذلك، فإن التعليقات الصادرة عن قادة من أمثال جوتيريس وبلينكين قد تخلق انطباعا خاطئا بأن العالم يعتمد على أوكرانيا لإنتاج ما يكفي من الحبوب لإطعام شعوبه.
في كل عام، ينتج العالم قرابة 750 مليون طن من القمح و1.1 مليار طن من الذرة. وتقدم نسبة 20 في المائة من القمح (150 مليون طن) و61 في المائة من الذرة (671 مليون طن) علفًا للحيوانات المحتجزة في إطار ما يطلق عليه في مجال الصناعة «عمليات تغذية الحيوانات المركزة» أو CAFOs. (هذا فضلا على 77 في المائة من محصول فول الصويا في العالم).
وعندما نطعم الحيوانات من المحاصيل التي يمكننا تناولها، ستنخفض سعراتنا الحرارية ومخزوننا من البروتين إلى مستويات أقل مما تحتوي عليه تلك المحاصيل نفسها. وذلك لأن الحيوانات تستخدم الجزء الأعظم من قيمة طعامها الغذائية لتبقي أجسامها دافئة وفعالة، ولتطور العظام وأجزاء أخرى في جسمها لا نأكلها. فقد أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة أن الأبقار تحول أقل من 3 في المائة من السعرات الحرارية والبروتينات التي تحتوي عليها محاصيل الحبوب وفول الصويا، و تحول الخنازير أقل من 10 في المائة منها، ومع ذلك يحول الدجاج، الذي يعد أكثر الحيوانات فعالية في تحويل القيمة الغذائية للمحاصيل، 21 في المائة فقط.
وإذا نظرنا إلى مجموع هذه الأرقام، وافترضنا أن متوسط العائد الغذائي لجميع الحيوانات التي تخضع لعملية تغذية الحيوانات المركزة هو 20 في المائة (مع أننا نكاد نجزم أنه أقل من ذلك)، نستنتج أن استخدام 150 مليون طن من القمح و671 مليون طن من الذرة علفًا للحيوانات إهدار فعلي لـ120 مليون طن من القمح و537 مليون طن من الذرة. وبالمقابل، فإن كمية 33 مليون طن من الحبوب التي صدرتها أوكرانيا عندما كانت اتفاقية البحر الأسود مع روسيا سارية المفعول متواضعة نسبيًا.
إن بلينكين محق في قوله إن روسيا مسؤولة عن حرمان الأشخاص ممن يعانون من الفقر الشديد من الطعام في جميع أنحاء العالم، لكن لا ينبغي أن نتظاهر بأن الدول الأخرى لا تملك القوة لمنع نقص الغذاء الناجم عن شن روسيا لهجمات على السفن التي تحمل القمح الأوكراني. إذ يمكن للولايات المتحدة وحدها تعويض خسارة الصادرات الأوكرانية بسهولة عن طريق تقليل عدد الحيوانات الخاضعة لعملية تغذية الحيوانات المركزة، وتصدير فائض الحبوب الناتج عن ذلك. وستكون المهمة أسهل إذا فعلت البلدان الأخرى التي تنتج معظم لحومها من عملية تغذية الحيوانات المركزة بالشيء نفسه.
وبفرض الضرائب على اللحوم، ستوفر الحكومات ما يكفي من الحبوب لإطعام «الأشخاص الذين يعانون من الفقر الشديد عبر أنحاء العالم». وفي الوقت ذاته، ستقلل أيضًا من التلوث المحلي للهواء والماء، وتقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتحسن صحة مواطنيها.
بيتر سينغر، أستاذ أخلاقيات علم الأحياء في جامعة برينستون، هو مؤسس المنظمة غير الربحية «الحياة التي يمكنك إنقاذها».
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی المائة من طن من الحبوب ملیون طن من من القمح من الذرة أقل من
إقرأ أيضاً:
أرقام صادمة من مزارع تركيا: الانخفاض الأكبر منذ 23 عامًا
أعلنت هيئة الإحصاء التركية (TÜİK) عن تسجيل تراجع حاد في إنتاج اللحوم الحمراء في البلاد خلال عام 2024، حيث انخفض الإنتاج بنسبة 11.7% مقارنة بالعام السابق، ليبلغ 2 مليون و105 آلاف و895 طنًا فقط. ويُعد هذا التراجع الأكبر منذ بدء نشر بيانات الإنتاج في عام 2001.
وكانت تركيا قد سجلت في عام 2023 إنتاجًا بلغ 2 مليون و384 ألفًا و47 طنًا، ما يعكس حجم الانخفاض الكبير الذي شهده عام 2024. ويُشار إلى أن آخر تراجع ملحوظ في إنتاج اللحوم الحمراء يعود إلى عام 2004، عندما بلغت نسبة الانخفاض 2.6% فقط.
اقرأ أيضاالبيتكوين يصل إلى أعلى مستوى في شهرين: هل استفاد من حالة…
الجمعة 02 مايو 2025لحم الماعز يتصدر قائمة التراجعات
أظهرت البيانات أن لحم الماعز كان الأكثر تضررًا، حيث انخفض إنتاجه بنسبة 22.8% ليصل إلى 99 ألفًا و532 طنًا. كما تراجع إنتاج لحم الأبقار بنسبة 11.2% ليسجل مليونًا و483 ألفًا و42 طنًا، بينما انخفض إنتاج لحم الضأن بنسبة 10.5% ليبلغ 509 آلاف و539 طنًا. أما لحم الجاموس فقد سجل انخفاضًا بنسبة 10.4% ليصل إلى 13 ألفًا و781 طنًا.