في ذكرى جنازة عبد الناصرالمهيبة.. الزعيم توفى أم قتل؟
تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT
مصر – تمر الذكرى 54 لجنازة الزعيم العربي والرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر في 1 أكتوبر 1970. تلك الجنازة المهيبة تعد حتى الآن الأكبر من نوعها في تاريخ العالم العربي.
جمال عبد الناصر كان توفي في 28 سبتمبر عام 1970، وعمره حينها لم يتجاوز 52 عاما. وفاة عبد الناصر توصف بأنها لم تكن متوقعة، وأنها كانت نتيجة سكتة قلبية.
طبيب جمال عبد الناصر الشخصي أرجع سبب الوفاة إلى تصلب الشرايين والدوالي ومضاعفات مرض السكري الذي كان يعاني منه منذ أوائل عام 1960. علاوة على ذلك كان الزعيم مدخنا شرها، وعانى أيضا من ارتفاع ضغط الدم.
الخبير السياسي الروسي أليكسي بالييف كتب في عام 2010 يقول إن عبد الناصر “عانى من أمراض عديدة، والرواية الرسمية لوفاته هي قصور في القلب مع تفاقم مرض السكري. ومع ذلك، وفقا لمذكرات وزير الصحة السابق لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية يفغيني تشازوف، من المحتمل أن تكون (وفاته) محاولة اغتيال ناجحة”.
أليكسي بالييف يضيف بهذا الشأن قائلا: “حتى يومنا هذا، العديد من الخبراء يعتقدون أن عبد الناصر أزيل قسرا من المشهد السياسي”.
الخبير السياسي لخص إنجازات عبد الناصر بقوله: “في عهد عبد الناصر، تم بناء دولة ذات سيادة اقتصادية وسياسية في مصر، وهي على وجه الخصوص، قاومت بشكل فعال محاولات الشركات والبنوك الغربية (للسيطرة) على الاقتصاد المصري والتجارة الخارجية مرة أخرى، كما كان عليه الأمر في 1920 وأوائل 1950”.
يفغيني تشازوف الذي استند إلى شهادته الخبير السياسي أليكسي بالييف، هو طبيب قلب وعالم بارز، وكان وزيرا للصحة في الاتحاد السوفيتي بين عامي 1987 – 1990.
هذا الطبيب الشهير الذي توفى في 12 نوفمبر 2021، كان أشرف على علاج جمال عبد الناصر على الأراضي السوفيتي وفي مصر، وقد تطرق في مذكراته إلى حالة الزعيم العربي الصحية وما جرى حينها.
طبيب القلب يفغيني تشازوف كلف من قبل القيادة السوفيتية في يوليو من عام 1968 بمتابعة صحة جمال عبد الناصر من دون الكشف عن هويته، والالتقاء بسرية مطلقة بأطبائه للتشاور.
تشازوف روى أن أطباء مصريين “ظهروا في اليوم التالي في مكتبي في شارع جرانوفسكي. أصبح من الواضح أن القضية تتعلق بصحة عبد الناصر، الذي وصل لتوه إلى موسكو”.
الأطباء المصريون أبلغوا طبيب القلب السوفيتي البارز بأن “عبد الناصر بدأ منذ عام 1967 يشكو من ألم في ساقيه. إنهما تزعجانه حتى حين تكونا ثابتتين، ناهيك عن المشي. علاوة على ذلك، إذا كان الألم في البداية في القدمين، فهو الآن في الوركين. ظهرت علامات الغرغرينا الأولية على الأصابع.. وتبين أن رئيس مصر كان يعاني من ضعف في التمثيل الغذائي للدهون والسكر، كما أنه كان يدخن سجائر قوية. كان زملاؤنا من القاهرة يميلون إلى رواية المسالك البولية من المرض، وتحدثوا عن احتمال وجود ورم. أنا ضممت اثنين آخرين من المتخصصين لدينا إلى فريق الاستشارة الطبية. ومع ذلك، لا يزال يتعين إجراء التشخيص النهائي بعد فحص المريض الرفيع. وهنا بالضبط ظهرت المشكلة: كان الجانب المصري خائفا جدا من أدنى تسرب للمعلومات لدرجة أنه في البداية لم يوافق على الفحص الطبي”.
في نهاية المطاف اتفق الجانبان وتولى طبيب القلب الشهير مع مختصين سوفييت آخرين معالجة عبد الناصر. يكتب تشازوف عن ذلك قائلا: “بعد الكثير من الوعود والنصائح، تمكنا أخيرا من مقابلة عبد الناصر، الذي كان برفقة أنور السادات. بدا الرئيس المصري متعبا جدا. في البداية، انسحب إلى حد ما، بعد خمس عشرة دقيقة من المحادثة، تدخل ناصر في محادثة واعترف بأنه تحمل خمس ساعات من الرحلة إلى موسكو بشكل مؤلم للغاية. عانى من ألم شديد في رجليه. وبسبب ذلك، كان عليه أن يستلقي طوال الوقت”.
طبيب القلب البارز أول ما نصح به الزعيم “أنه بحاجة إلى الإقلاع عن التدخين. اتصل الرئيس على الفور بالمساعد، وأعطاه بتحد علبة سجائر.. كانت ملقاة على الطاولة، وأمر: (لا أريد هذا من حولي بعد الآن). أكدت الفحوصات والتحاليل تشخيصنا الأولي: تصلب الشرايين في أوعية الساقين. كان حجم المرض بحيث كان من غير العملي إجراء جراحة الأوعية الدموية، وقررنا اللجوء إلى الأساليب المحافظة. العلاج بالمياه المعدنية هو المخرج. علاوة على ذلك، أعطت مياه الرادون الطبيعية تأثيرا جيدا في أمراض من هذا النوع. وعد عبد الناصر بالعودة قريبا”.
تشازوف التقى مرة أخرى بجمال عبد الناصر في سبتمبر عام 1969 وكان ذلك في القاهرة. أُرسل طبيب القلب السوفيتي البارز إلى هناك، وذهب إلى منزل عبد الناصر الذي وُصف بأنه “منزل صغير على أراضي ثكنة عسكرية سابقة. تم نقلي إلى الطابق الثاني، مباشرة إلى غرفة نوم الرئيس. استقبلني ناصر بابتسامة حزينة: (هنا لديك مريض آخر…) قرأت الخوف في عينيه. بعد أن فحصه، سأل ناصر: (متى سيكون كل شيء واضحا في النهاية؟)، أجبته أن ذلك لن يكون متاحا قبل عشرة أيام”.
بقي طبيب القلب عشرة أيام في مصر لمتابعة حالة الرئيس المصري والإشراف على علاجه، وبعد ذلك عاد إلى بلاده. في مذكراته التي بدأ في نشرها في عام 2010، كتب يلخص الأحداث بقوله: “جاء الرئيس ( المصري) إلى الاتحاد السوفياتي وعولج في بارفيخا (مصحة خاصة في ضواحي موسكو)، حيث أحب ذلك بالفعل. خين غادر إلى القاهرة بدا في حالة جيدة، ولم يشي أي شيء عن المتاعب. عندما عاد إلى مصر، مات فجأة. كان الجميع يتساءل عن سبب الوفاة. مع الأكاديمي لوكومسكي، الذي عالجنا معه ناصر أثناء إقامته في بارفيخا، ناقشت الأسباب المختلفة لهذه الوفاة من دون استبعاد محاولة محتملة لاغتياله، بالنظر إلى الوضع في الشرق الأوسط، والتي كان من السهل القيام بها، نظرا لحالة نظام القلب والأوعية الدموية. ثم كانت هناك معلومات مهمة تفيد بأن طبيب ناصر، الذي أجرى التدليك، كان عميلا للموساد وفرك المراهم التي تسببت في السكتة القلبية. كما أظهرت الأحداث اللاحقة، كان موت عبد الناصر علامة فارقة مهمة في تاريخ مصر”.
المصدر: RT
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: جمال عبد الناصر طبیب القلب
إقرأ أيضاً:
تحت الضوء
#تحت_الضوء
د. #هاشم_غرايبه
نشرت قناة “يورونيوز” التي تبث من الإمارات بالعربية، مؤخرا تسجيلا صوتيا لما قالت إنه مكالمة أجراها عبد الناصر مع القذافي بتارخ الثالث من آب 1970، أي قبل أيام قليلة من إعلان عبد الناصر موافقته على “مبادرة روجرز”، المبادرة الأمريكية التي نصّت على وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر وبدء المفاوضات بين مصر والكيان اللقيط.
أثار هذا التسجيل ضجة وسجالا بين دعاة الناصرية وعارضيها، ممن كانوا يعانون من القمع من أجهزته الاستخبارية، وهم من قدامى الإسلاميين والشيوعيين والبعثيين.
يظهر التسجيل صوت جمال عبد الناصر وهو يتحدث مع القذافي عن موقفه من القضية الفلسطينية قائلاً: “ملناش دخل بالقضية الفلسطينية إحنا عايزين سيناء بس”، موضحًا أنه لا يرغب في المجازفة بسلامة شعبه، ويفضّل اللجوء لحل سلمي شامل للصراع العربي- الإسرائيلي.
كما قال في تلك المكالمة إن “الحل يجب أن يضمن عودة جميع الأراضي العربية التي احتُلت عام 1967، إضافة إلى معالجة قضية اللاجئين”. كما عبّر عن غضبه من بعض الحكام العرب، متهماً إياهم بالتآمر لإسقاطه، وانتقد من وصفهم بالمزايدين على مصر، ملمحا الى النظام البعثي العراقي قائلاً: “إذا كان حد عايز يكافح ما يكافح، إذا كان حد عايز يناضل ما يناضل”.
نحن من عايشنا تلك الفترة، وكنا وما زلنا مستقلين عن التيارات المتحزبة، يجب أن نشهد بما رأينا وعلمنا، بغض النظر عن المهاترات بين مؤيدي الأنظمة ومعارضيها.
سميت تلك الفترة “مرحلة المد القومي”، وهومسمى لا يطابق الحال، وكان الأصح أن يسمى “المزايدة بالقومية”، فكل الأنظمة جاءت بناء على ذريعة توحيد الأمة التي جزأتها (سايكس بيكو)، وتحت شعار استعادة فلسطين.
لكن كان ذلك مجرد شعارات للستهلاك المحلي، فقد انقسمت تلك الأنظمة الى معسكرين: الأنظمة الجمهورية سمت نفسها بالتقدمية ادعاء بأنها باتخاذها القومية العربية منهج حكم ستحقق للشعوب التقدم والرخاء، وأطلقت على الأنظمة الملكية مسمى الرجعية، والتي ادعت انها تنتهج القومية العربية أيضا لكن ذريعة للثورة على الدولة العثمانية تحت راية بريطانيا، والتي اشترطت عليها قبول وعد بلفور وممانعة أية محاولة للعودة لصيغة الدولة الإسلامية الموحدة.
لذلك كان الغرب راضيا عن الطرفين، لأنهما كلاهما يمانعان إقامة منهج الله في الحكم، فأراحه ذلك من عناء محاصرة الفكر الإسلامي.
ولما ان تلك الحقبة سميت “المكارثية” التي اتسمت بمعاداة الشيوعية، وبتسعير الغرب حربا باردة مع المعسكر الشرقي، فقد وجدت الأنظمة الموالية للغرب أن مهادنتها الإسلاميين، ستساعدها في مناوءة الشيوعيين، وكان أهم استعمال لها تشجيع انضمام الإسلاميين الى المجاهدين الأفغان ضد الاحتلال السوفياتي.
وعندما سقط المعسكر الشرقي، وكان لا بد للغرب من اصطناع عدو جديد، لأن الرأسمالية تحتاج لإدامة الأزمات والحروب لأجل ازدهار الصناعات العسكرية، والاستثمار بإعمار ما تدمره الحروب، تحولوا الى استنهاض العداء التاريخي القديم مع الإسلام، فاصطنعوا الحرب على الإرهاب، وبالطبع تجندت الأنظمة العربية الموالية لها من جديد معها، فقلبت ظهر المجن لمن كانت تعتبرهم مجاهدين، لتطلق عليهم مسمى الإرهابيين.
في هذه المرة حدث أول توافق بين المعسكرين (التقدميين والرجعيين)، فتجند كلاهما تحت الراية الأمريكية في حربها على الإرهاب (الإسلام)، بعد أن وجد الطرفان أنه يشكل الخطورة الوحيدة على النظام القطري العربي.
هذا يفسر كيف أن القوى اليسارية التي كانت تعتبر نفسها تقدمية (القوميين والماركسيين)، انتقلت من العداء للمعسكر الرجعي الى موالاته وتأييده، وذلك يكشف أن (تقدميتها) ليست أصيلة مبدئية، بل هي نفعية وصولية.
بعد هذا العرض يمكننا فهم مضمون مكالمة قطبي المعسكر التقدمي (عبد الناصر والقذافي)، وزيف شعارات تحرير فلسطين التي كان مؤيدوهما يتخموننا بها طوال الوقت، فهذان الاصطفافان (التقدميين والرجعيين) ليسا متناقضين، فهما وجهان لعملة واحدة، سُكّت أصلا في معامل الغرب عام 1916 عندما كان يسعى للقضاء على الدولة العثمانية (آخر صورة للدولة الإسلامية).
صحيح أن هنالك فارق بين من اختار العمالة للغرب بإرادته ثمنا للكرسي العفن، ومن اختار الرضوخ له مكرها لأنه لم يأت للحكم لنجدة الأمة بل تحقيقا لنزعة الزعامة، لكن المنتج للطرفين كان واحدا.. ابقاء الأمة بعيدا عن بيتها الآمن .. الدولة الإسلامية.
قد لا يضيف مضمون التسجيل شيئا الى قناعاتنا، لكنه يسقط أوهام متبعي الشعارات الجوفاء.