عيد القديسة تريزيا.. سأقضي حياتي في السماء أعمل الخير على الأرض
تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال إدمون رزق الراهب الماروني المريمي في عيد القدّيسة تيريزيا الطفل يسوع اثناء عظته في دير القدّيسة تيريزيا - سهيلة بلبنان.
إن تريزا الطفل يسوع طفلة صغيرة تجمعُنا اليومَ حولَ مائدةِ المسيح وحولَ مائدةِ الحُب! فهي طفلةٌ قلبُها وُسعَ السماءِ، وحبُّها يُمطرُ ورودًا وعزاءً ورجاءً، وصلاتُها تُغيِّرُ أقسى القلوب! صريحةٌ في حُبِّها ليسوع وإيمانِها به، وكيف لا؟ وهي ثمرةُ والدَين قدّيسَين، قالت عنهما: "أعطاني الرب والدَين، هما أقربُ إلى السماءِ منها إلى الأرض".
ففي عيدِها اليوم، أُريدُ أن نتأمَّل معًا باسمها الّذي نحبُهُ كثيرًا في لبنان. و"تيريزيا" يجدُ مصدَرَهُ في اللغةِ اليونانيّة ومعناه "الّذي يحصُد"؛ وفي حياتِها الرهبانيّة اختارت لنفسها اسم "تريزيا الطفل يسوع والوجه الأقدس"، ليكون ليسوعَ مكانًا في إسمِها وحياتها ورسالتِها، مختارةً هكذا أن تكونَ رسالتُها رسالةَ "طفولةٍ" و"قداسةٍ"، حملَتها في روحِها وفي وجهِها، فكان المسيح يحصُدُ من خلالها توبةَ نفوس كثيرة.
صادقَت نفسُ تيريزيا الحُبَّ الإلهي فسارت معه، متفانيةً في الصلاةِ من أجلِ النفوس، تودُّ أن ينتصرَ يسوع ضدَّ الشرير والشرور، وألّا يخسرَ أيَّ نفسٍ. صلَّت لـPranzini ليتوبَ، وكم كانت فرحتُها كبيرةً برجوعه إلى يسوع قبل مَوتِهِ ووصلّت من أجلِ الرسالات والـمُرسَلين الذّين يحملون راية الحُبِّ الإلهي وكلمتَهُ إلى أقاصي الأرض، تاركين أهلَهم وساعين فقط للبشارةِ بالإنجيل!
وأضاف ومع أنّها وُلدت في عائلةٍ بورجوازية، لم يكن عملُ الخير وحدُهُ عربونًا لعيشِها الإيمانَ والمحبّةَ، إنّما قدّمت فكرَها ونفسَها وقلبَها، وعملَها وصمتَها وتحمّلَها للانتقادات، وأجملُ ما تُعلِّمُنا أنّها قبلَت نفسَها بصغرِها وضعفِها، كما تقولُ في الترتيلةِ " أنتَ الّذي يعرفُ أقصى درجاتِ صِغرى".
وهكذا اتكلت على يسوع كي تنموَ وتكبرَ بالنعمة بحضورهِ في قلبِها وحياتِها.
ومرّت السنينُ (مئة وسبع وعشرون سنةٍ) على دخولِ تيريزيا الصغيرة الحياةَ الأبديّة، وهي لا زالت تمطرُ ورودًا من السماء في حياةِ من يقصِدُها ومَن يطلُب شفاعتَها.
نأتي إلى تيريزيا بأسئلةٍ كثيرةٍ، نطلبُ منها الآياتِ والإيجاباتِ، ولكن ألا نريدُ أن نتعلّمَ منها شيئًا، وهي في بساطةِ إيمانِها، أعلنتها الكنيسةُ ملفانةً ؟
فتُعلّمنا تيريزيا أنَّ في صِغَرِنا شوقٌ كبيرٌ إلى عظمةِ الربِّ، الّذي يعتني فينا مثلَ ما يعتني بكلِّ مخلوقاتِهِ، فنحنُ لهُ "أفضلُ من عصافيرَ كثيرة"!
وتُعلّمنا تيريزيا أنَّ الحُبَّ إذا اجتاح القلوبَ، يجعلُ فيها عرشَهُ ويزرعُ فيها الفرح، فهي ما انفكّت تُردِّد " يسوع، فرحي هو أن أحبّك".
واستطرد و تُعلّمُنا تيريزيا كيف نعودُ أطفالاً لندخُلَ ملكوت السماوات، إذ نحيا الحُبَّ والعطاءَ في الأمور اليوميّة ونتكِّلَ اتِّكالاً كُليًّا على الله ونثق ثقةً عمياءَ بعنايتِهِ وسهرِهِ علينا.
وهي كما وصفَها القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني الخبيرة في علمِ الحُب" لأنّها اهتمّت ولا زالت تهتمُّ حتى يومِنا هذا بمساعدةِ النفوس البسيطة والنفوس الخاطئة والمتألّمة الّتي تسألها العناية.
وهكذا ببساطةٍ تُنير قدّيستُنا الصغيرةُ وجهَ الكنيسةِ بإشراقِ قلبِها ومقاصدِها لمساعدةِ يسوع في مشروعِهِ الخلاصيّ، في كسبِ النفوس.
- تُعلِّمنا تيريزيا أنَّ ظلمةَ الأحداثِ لا يمكنها أن تخمدَ فينا نورَ المسيح، وأنّه يمكننا أن نكونَ رُسُلاً في التبشير من حيثُ نحنُ الآن، نحملُ الكلمةَ إلى القلوبِ ونحيا المشورات الإنجيليّة بتجرّدٍ تام، فنكونَ سندًا للكنيسةِ ندعمُها بالصلاةِ والأعمالِ الصغيرة ... هكذا أصبحَتْ هي شفيعةَ الرسالات، دون أن تتركَ ديرَها.
- أخيرًا وليسَ آخِرًا، تُعلّمُنا القدّيسة تيريزيا أنّ عَمَلَ الخيرِ لا يحدُّهُ حدود، لا زمانٌ ولا مكان، فهي تردّدُ : "سأقضي حياتي في السماء أعمل الخير على الأرض".
صلاتي اليومَ، أيّها الأحبّاءُ، في عيدِ تيريزيا، أنّ نؤمنَ أنَّ اللهَ وحدَه قادرٌ أن يُخلّصَنا، وأنّهُ لا يتركُنا في الظلمةِ، ولسنا وحدَنا في الطريقِ، فهو يضعُ في حياتِنا مناراتٍ صغيرةً ترشدُنا إليه وهم القدّيسين الّذين يعلّمونَنا أن نقتربَ منه دون خوف. نحنُ أقوياءَ به، وحياتُنا مرآةٌ لحُبِّهِ وعنايته. ندعوهُ الآنَ كما دعتهُ تيريزيا "تعالَ إلى قلبنا... لأنَّ قلبَنا يتوقُ إليكَ!" لكَ المجد ولأبيكَ، ولروحِكَ القدّوس، الآن وكلّ آن وإلى الأبد.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أقباط أقباط الإرثوذكس قلب ها
إقرأ أيضاً:
مسيرة حياتي من الدراويشية إلى الماركسية ثم إلى الحداثة المنفتحة
في مسيرة حياتي الفكرية، لم تكن رحلتي سهلة ولا مستقيمة. لقد كانت أشبه بسفرٍ طويلٍ بين محطات متباينة، من الدراويشية إلى الماركسية، وأخيرًا إلى الحداثة المنفتحة على الفكر الإنساني، حيث لا انغلاق ولا تعصب، بل فضاء رحب تتلاقى فيه القيم النبيلة والمبادئ السامية.
المرحلة الأولى: الدراويشية والبحث عن الروحانية
نشأت في بيئة تميل إلى التصوف والتدين، حيث كانت الروحانيات تشكل جزءًا جوهريًا من يومياتي. رأيت في التصوف ملاذًا يمنحني السكينة والتواصل مع الذات، لكنه في ذات الوقت جعلني أطرح أسئلة كبرى حول العدالة، والمجتمع، والمآل الإنساني. لم يكن التصوف بمعناه العميق كافيًا لإطفاء عطشي للمعرفة، بل دفعني للبحث عن إجابات تتجاوز حدود الزهد والتأمل.
المرحلة الثانية: الماركسية والرؤية المادية للعالم
مع ازدياد وعيي السياسي وانفتاحي على الكتب والأفكار الجديدة، وجدتُ في الماركسية طرحًا مختلفًا، يخاطب العقل والمنطق، ويضع قضايا العدالة والحقوق في مركز النقاش. انخرطتُ في الحوارات الفكرية، وتعمقتُ في قراءات ماركس وإنجلز ولينين، وأدركتُ أهمية الاقتصاد والسياسة في تشكيل المجتمعات. لكن شيئًا فشيئًا، بدأتُ أرى أن الماركسية، رغم عدالة مطالبها، تحمل في بعض تجلياتها انغلاقًا أيديولوجيًا يجعلها تقف أمام طواحين الرياح دون أن تراها تتحرك.
المرحلة الثالثة: الحداثة والانفتاح على الفكر الإنساني
مع نضوج التجربة، أدركتُ أن الجمود على فكرٍ واحد، مهما بدا عظيمًا، هو نوع من العمى الاختياري. بدأتُ أقرأ بشغف الفلسفة الغربية والشرقية، تأملتُ في الحداثة وما بعدها، وانفتحتُ على التيارات الفكرية التي تسعى لتجاوز القطعيات والانطلاق نحو فضاء إنساني أرحب. لم يعد يكفيني أن أكون ماركسيًا أو درويشًا، بل أصبحتُ إنسانًا يبحث عن الحكمة حيثما وجدت، حاملًا أعظم القيم، لكن في ذات الوقت أعيش متاهة الضياع.
حلم صياغة فكر سوداني جديد
أحمل معاناة جيل كامل، أجيال نشأت بين صراعات الأيديولوجيات، وانقلابات السياسة، وأزمات الهوية. أبحث عن فكر سوداني جديد، قادر على تجاوز التناقضات الموروثة، متصالح مع الماضي دون أن يكون أسيرًا له، ومستعدٌ لاستشراف المستقبل دون أن يكون منبهرًا به حدّ الذوبان. ربما يكون ذلك مجرد حلم، لكن الأحلام هي ما تدفعنا للاستمرار.
الإبداع والتناقضات الفكرية
كتبتُ الشعر والرواية والمقال، وخضتُ في الأبحاث المحكمة، وكل هذا الكم من الطرح لم يحدث الشفاء الكامل أو الانعتاق، بل زاد من تعقيد إشكالية المثقف الباحث عن المعرفة والحياة العامرة بالحرية في عالم قامع. فالكتابة كانت وما زالت فعل مقاومة، لكنها لم تمنحني الإجابات النهائية، بل زادت الأسئلة تعقيدًا.
بين الضياع والاستمرار
أعيش متاهة فكرية، لكنها متاهة تعج بالأفكار، بالتساؤلات، بالبحث الدائم عن المعنى. لم أعد منغلقًا على مدرسة فكرية واحدة، بل أصبحتُ مؤمنًا بأن القيم العظيمة توجد في كل مكان، وبأن الإنسان أعقد من أن تحكمه نظرية واحدة أو فلسفة بعينها. لا أملك إجابات نهائية، لكنني أملك الأسئلة، وتلك في حد ذاتها بداية الطريق.
zuhair.osman@aol.com