قد تكون الصدفة وحدها هي من قادني إلى قراءة كتاب " تاريخ الغطرسة: هل تعرف مع من تتحدث" لمؤلفه آري تورنين وترجمة سمر منير، وهو يتقاطع مع أفعال الغطرسة الإسرائيلية التي تنتهجها في فلسطين ولبنان من اغتيالات واجتياحات وقتل وتنكيل وتدمير للبنى الأساسية وحرق لكل ما هو أخضر في العالم. من يقرأ الكتاب ويتعمق فيه يفهم حقًا كيف يصنع المتغطرس ومن يصنعه وطرق ممارسته لغطرسته ونهايته المتوقعة بسبب ممارسته لغطرسته على الآخرين من الشعوب والدول.
لست بصدد تلخيص الكتاب فأنا لا أزال في منتصف الطريق، لكن ما شدني فيه تطرق كاتبه منذ البداية إلى سرد الأحداث التاريخية للأمم والشعوب التي مارست غطرستها وجبروتها وأيدلوجياتها ودياناتها وقيمها على الآخرين في محاولة منها لطمس هويات الدول التي احتلتها أو الدول المجاورة لها ويدلل على ذلك بأمثلة من الحضارات القديمة التي انتهجت مسلك الغطرسة في تعاملها مع الممالك والحضارات الأخرى مثل الحضارة المصرية وحضارة بلاد ما بين النهرين والحضارة الرومانية واليونانية مرورا بالتاريخ الحديث الذي شهد ويشهد مرور قادة متغطرسين قادوا دولهم إلى ويلات الحروب والدمار بسبب ما وصلوا إليه من صلف واعتداد بالرأي وعدم استماع إلى آراء الآخرين وهذا ما أدّى في النهاية إلى انهيار لتلك الدول وانهزامها في كثير من المعارك والحروب من أمثال هتلر الذي تجسدت غطرسته في إيمانه بتفوق العرق الآري وسعيه للسيطرة على العالم، وأيضا إمبراطور فرنسا نابليون بونابرت الذي دفعه طموحه إلى شن حروب توسعية جعلته رمزًا للغطرسة والاستبداد، كما يعدد المؤلف بعض القادة المتغطرسين من أمثال موسوليني وستالين.
الكاتب في كتابه الجميل هذا لا يقتصر على سرد الأمثلة عن القادة المتغطرسين ممن قادتهم غطرستهم إلى الهاوية بل يفند أيضا غطرسة الشركات والمؤسسات والرؤساء التنفيذين الذين قادتهم غطرستهم إلى اتخاذ قرارات كارثية مثل قضية شركتي إنرون ونوكيا الفنلديتين حيث أدى الغرور وغطرسة المديرين التنفيذيين فيهما إلى انهيار الشركتين، ومثال آخر يذكره الكتاب هو فضيحة إفلاس بنك ليمان براذرز حين ساهمت غطرسة قادته وعدم استماعهم إلى الكثير من التحذيرات بشأن الأزمة المالية إلى إفلاس البنك في العام 2008م.
قراءة مثل هذه الكتب والتي يمكن أن أسميها شخصيًا بأنها تفتح آفاقًا رحبة لفهم التاريخ والسياسة والجغرافيا وحتى الاقتصاد ويمكن من خلالها فهم الماضي والحاضر والتنبؤ بما يمكن أن يكون عليه المستقبل؛ لأن التاريخ كما يقال كالعجلة الدائرة تتكرر أحداثها بين فينة وأخرى وتتشابه أحداثها في البدايات والنهايات، وكما قلت سابقًا في مطلع هذه الزاوية إن الغطرسة الإسرائيلية التي تمارسها واعتدادها بنفسها وقوتها وآلتها العسكرية وتجاهلها لقرارات الشرعية الدولية واتفاقيات الأمم المتحدة وإصرارها على التوسع وفرض واقع ديموغرافي جديد على المشهد العربي الحالي لهو دليل على غطرستها التي تعتقد بأنها لن يمكن هزيمتها من أي أحد كان، وأن العالم كله بات تحت طوعها وإرادتها، ولكن من يتمعن في الحياة ويقرأ في تاريخ العالم وجغرافيته ليجد أن نهايات الغطرسة متشابهة ونهايات المتغطرسين هي إلى نفس المآل وأن نهاياتهم واحدة هي السقوط سواء أطال الزمن بالمتغطرس أم قصر فمصيره محتوم.
قد لا يعي المتغطرس أو المتغطرسون جمعا كانوا أم فرادى أن أفعالهم التي يمارسونها هي من باب الغرور والغطرسة؛ لأن بطانتهم القريبة منهم هي من يزيّن لهم أعمالهم ويوهمونهم بأن أفعالهم هي أفعال محمودة يجب القيام بها من دون أية حسابات للعواقب، وكما يعلمنا التاريخ وهذا الكتاب من أن قلة قليلة هي من استفادت من هذه الدروس وانتهبت لها، وأن الغطرسة قد تكون هي الطريق الأسرع إلى السقوط.
عبدالله الشعيلي رئيس تحرير جريدة «عُمان أوبزيرفر»
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
عالم أزهري: الوصية بزيادة نصيب ميراث أحد الأبناء عن الآخرين لا تجوز
أجاب الدكتور السيد عبد الباري، من علماء الأزهر الشريف، عن سؤال حول حكم الوصية غير العادلة بين الأبناء؟.
وقال العالم الأزهري، خلال حلقة برنامج «مع الناس»، المذاع على قناة الناس، اليوم الاثنين: «إن الوصية هي عطاء يُقدم من الشخص بعد وفاته، ولكن لا يجوز أن تكون للوارث، لأن الله سبحانه وتعالى قد قسم المواريث بين الورثة وفقًا لما يرضي الشريعة، ومن ذلك، لا يجوز أن يوصي الأب أو الأم لأبنائهم بزيادة نصيب أحدهم عن الآخر في الميراث، لأن هذا يعد ظلمًا وجورًا».
لا وصية لوارثوأضاف أن «الحديث الشريف يقول: لا وصية لوارث، وهذا يعني أن ما يخص الوارث من ميراث، لا يجوز تغييره أو تعديله من خلال وصية، فالميراث هو حق شرعي لا يجوز التلاعب فيه بعد وفاة الشخص».
وأوضح أن إذا كان الأب أو الأم يرغبان في تقديم هدية لأبنائهم أثناء حياتهم، فهذا يعد عطاء أو هبة، ولكن يجب أن تكون الهبة عادلة بين الجميع، لأن التفضيل بين الأولاد في العطايا قد يسبب نزاعات بين الأشقاء في المستقبل، لافتا إلى أنه في الشريعة الإسلامية، الهبة بين الأبناء يجب أن تكون متساوية، خاصة إذا كانت تلك الهبة متعلقة بممتلكات أو أموال.
وأشار إلى حديث النعمان بن بشير الذي قال فيه: «أردت أن أعطي ولدي نحلًا، فقالت زوجتي: اشهد رسول الله على ذلك، فذهب النعمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فرفض النبي أن يشهد على ذلك قائلاً: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟، وكان الرد أن من العدل أن يتم توزيع العطاء بالتساوي بين الأبناء، وذلك حتى لا يُحدث ذلك خلافًا بين الأولاد».
وجوب العدل في العطاء بين الأبناءكما أكد أن العدل في العطاء بين الأبناء أثناء الحياة هو السبيل لتحقيق التوازن في العلاقات الأسرية، لذلك يجب أن يكون العطاء وفقًا للعدل والمساواة بين الجميع.