لجريدة عمان:
2025-07-06@22:56:43 GMT

تاريخ الغطرسة

تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT

قد تكون الصدفة وحدها هي من قادني إلى قراءة كتاب " تاريخ الغطرسة: هل تعرف مع من تتحدث" لمؤلفه آري تورنين وترجمة سمر منير، وهو يتقاطع مع أفعال الغطرسة الإسرائيلية التي تنتهجها في فلسطين ولبنان من اغتيالات واجتياحات وقتل وتنكيل وتدمير للبنى الأساسية وحرق لكل ما هو أخضر في العالم. من يقرأ الكتاب ويتعمق فيه يفهم حقًا كيف يصنع المتغطرس ومن يصنعه وطرق ممارسته لغطرسته ونهايته المتوقعة بسبب ممارسته لغطرسته على الآخرين من الشعوب والدول.

لست بصدد تلخيص الكتاب فأنا لا أزال في منتصف الطريق، لكن ما شدني فيه تطرق كاتبه منذ البداية إلى سرد الأحداث التاريخية للأمم والشعوب التي مارست غطرستها وجبروتها وأيدلوجياتها ودياناتها وقيمها على الآخرين في محاولة منها لطمس هويات الدول التي احتلتها أو الدول المجاورة لها ويدلل على ذلك بأمثلة من الحضارات القديمة التي انتهجت مسلك الغطرسة في تعاملها مع الممالك والحضارات الأخرى مثل الحضارة المصرية وحضارة بلاد ما بين النهرين والحضارة الرومانية واليونانية مرورا بالتاريخ الحديث الذي شهد ويشهد مرور قادة متغطرسين قادوا دولهم إلى ويلات الحروب والدمار بسبب ما وصلوا إليه من صلف واعتداد بالرأي وعدم استماع إلى آراء الآخرين وهذا ما أدّى في النهاية إلى انهيار لتلك الدول وانهزامها في كثير من المعارك والحروب من أمثال هتلر الذي تجسدت غطرسته في إيمانه بتفوق العرق الآري وسعيه للسيطرة على العالم، وأيضا إمبراطور فرنسا نابليون بونابرت الذي دفعه طموحه إلى شن حروب توسعية جعلته رمزًا للغطرسة والاستبداد، كما يعدد المؤلف بعض القادة المتغطرسين من أمثال موسوليني وستالين.

الكاتب في كتابه الجميل هذا لا يقتصر على سرد الأمثلة عن القادة المتغطرسين ممن قادتهم غطرستهم إلى الهاوية بل يفند أيضا غطرسة الشركات والمؤسسات والرؤساء التنفيذين الذين قادتهم غطرستهم إلى اتخاذ قرارات كارثية مثل قضية شركتي إنرون ونوكيا الفنلديتين حيث أدى الغرور وغطرسة المديرين التنفيذيين فيهما إلى انهيار الشركتين، ومثال آخر يذكره الكتاب هو فضيحة إفلاس بنك ليمان براذرز حين ساهمت غطرسة قادته وعدم استماعهم إلى الكثير من التحذيرات بشأن الأزمة المالية إلى إفلاس البنك في العام 2008م.

قراءة مثل هذه الكتب والتي يمكن أن أسميها شخصيًا بأنها تفتح آفاقًا رحبة لفهم التاريخ والسياسة والجغرافيا وحتى الاقتصاد ويمكن من خلالها فهم الماضي والحاضر والتنبؤ بما يمكن أن يكون عليه المستقبل؛ لأن التاريخ كما يقال كالعجلة الدائرة تتكرر أحداثها بين فينة وأخرى وتتشابه أحداثها في البدايات والنهايات، وكما قلت سابقًا في مطلع هذه الزاوية إن الغطرسة الإسرائيلية التي تمارسها واعتدادها بنفسها وقوتها وآلتها العسكرية وتجاهلها لقرارات الشرعية الدولية واتفاقيات الأمم المتحدة وإصرارها على التوسع وفرض واقع ديموغرافي جديد على المشهد العربي الحالي لهو دليل على غطرستها التي تعتقد بأنها لن يمكن هزيمتها من أي أحد كان، وأن العالم كله بات تحت طوعها وإرادتها، ولكن من يتمعن في الحياة ويقرأ في تاريخ العالم وجغرافيته ليجد أن نهايات الغطرسة متشابهة ونهايات المتغطرسين هي إلى نفس المآل وأن نهاياتهم واحدة هي السقوط سواء أطال الزمن بالمتغطرس أم قصر فمصيره محتوم.

قد لا يعي المتغطرس أو المتغطرسون جمعا كانوا أم فرادى أن أفعالهم التي يمارسونها هي من باب الغرور والغطرسة؛ لأن بطانتهم القريبة منهم هي من يزيّن لهم أعمالهم ويوهمونهم بأن أفعالهم هي أفعال محمودة يجب القيام بها من دون أية حسابات للعواقب، وكما يعلمنا التاريخ وهذا الكتاب من أن قلة قليلة هي من استفادت من هذه الدروس وانتهبت لها، وأن الغطرسة قد تكون هي الطريق الأسرع إلى السقوط.

عبدالله الشعيلي رئيس تحرير جريدة «عُمان أوبزيرفر»

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

هل يمكن للقراءة أن تكون علاجاً فعالاً للاكتئاب؟

صراحة نيوز- يرى خبراء علم النفس أن الكتب الرائجة، المعروفة بـ”كتب الشاطئ”، قد تمثل مدخلاً فعّالاً لعلاج الاكتئاب الخفيف إلى المتوسط، ضمن ما يُعرف بـ”العلاج بالقراءة”، وهو نهج ليس بالجديد.

ويعود استخدام المصطلح إلى مقال نُشر عام 1916 للكاتب والقس الأمريكي صموئيل ماكورد كروذرز، لكن الاهتمام بالفكرة بدأ قبل ذلك، حيث دعا أطباء نفسيون في أوائل القرن الـ19 إلى دمج القراءة في برامج علاج مرضاهم، حتى أنهم طالبوا المستشفيات بتوفير مكتبات خاصة.

وفي العصر الحديث، تطوّر مفهوم “العلاج بالقراءة” ليشمل كتب المساعدة الذاتية ودفاتر التمارين النفسية، التي يُوصي بها المعالجون السريريّون لتحسين الصحة النفسية.

وتشير تقارير إعلامية كندية إلى أن العلاج بالقراءة أصبح معتمدًا كأحد أساليب الدعم النفسي في كندا منذ قرابة قرن، وتوفر طبيبة النفس مارتينا شولتنز قائمة قراءة قائمة على الأدلة مخصصة لتشخيصات نفسية متعددة.

لكن بحسب البروفيسور جيمس كارني من كلية لندن متعددة التخصصات، فإن قراءة كتاب واحد لا تكفي. ويؤكد أن الأثر العلاجي الحقيقي يتحقق من خلال النقاش حول محتوى الكتاب، سواء مع معالج أو في إطار جماعي. ويقول: “الكتاب يكتسب فعاليته من خلال التفاعل. مناقشة المادة المقروءة تعزز التأمل الذاتي وتُحدث فرقًا حقيقياً”.

وفي السياق نفسه، ترى الدكتورة جوديث لابوسا، أخصائية علم النفس بمركز تورنتو للإدمان والصحة النفسية، أن كتب المساعدة الذاتية تُسهم في مساعدة من يعانون من الاكتئاب الخفيف أو المتوسط على فهم مشاعرهم وأفكارهم وسلوكياتهم بشكل أفضل، ما يدعم رحلتهم نحو التعافي.

مقالات مشابهة

  • تاريخ مواجهات ريال مدريد وسان جيرمان قبل صدامهما في كأس العالم للأندية
  • هل تكتب المنطقة مصيرها أم تبقى تقرأ من دفاتر الآخرين؟!
  • هل يمكن للقراءة أن تكون علاجاً فعالاً للاكتئاب؟
  • المغربي حمدالله والهلال.. أسرع تعاقد وفسخ عقد في تاريخ كرة القدم
  • التضاريس الوعرة والذخائر غير المنفجرة أبرز التحديات التي تواجهها فرق الدفاع المدني أثناء عملها لإخماد الحرائق في ريف اللاذقية
  • تاريخ مواجهات الريال ضد دورتموند قبل موقعة كأس العالم للأندية 2025
  • نائب حزب الله: لا يمكن لأحد أن ينتزع منا سلاح المقاومة!
  • أغلى مكان للموت في العالم.. الضريبة التي دفعت الأثرياء للهروب السريع!
  • مكون الحراك الجنوبي: يوم عاشوراء كان وسيظل ملهما لأحرار الأمة لمواجهة قوى الغطرسة والطغيان
  • 37 لاعباً برازيلياً يكتبون التاريخ في الهلال!