الجزيرة:
2025-03-18@02:39:33 GMT

سلام الميركافا.. هل يقود نتنياهو جيشه إلى إيران؟

تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT

سلام الميركافا.. هل يقود نتنياهو جيشه إلى إيران؟

وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أيام رسالة مصورة إلى الشعب الإيراني، أشار فيها إلى أن "إيران ستكون حرة في وقت أقرب مما يعتقد الكثيرون"، مما أعطى إشارات عدة منها احتمالية تغيير سياسي قريب في إيران.

وجاء خطاب نتنياهو عقب الاغتيال الدراماتيكي للأمين العام لحزب الله اللبناني الساعد الأشد لإيران في المنطقة.

وقد بدا أن نتنياهو يلقي خطابه منتشيا بالقوة، وكأنه يقود دبابة الميركافا الإسرائيلية أو يحلق بسرب طائرات إف 35 فوق سماء المنطقة.

وقد استغل نتنياهو رسالته المتلفزة تلك لانتقاد النظام الإيراني الذي يتهمه بإهدار أموال الشعب على دعم الحروب الإقليمية بدلا من تحسين الأوضاع الداخلية مثل الصحة والتعليم. كما أكد تضامن إسرائيل مع الإيرانيين ضد قيادتهم الحالية، مشيرا إلى أن إسرائيل لن تتردد في اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية نفسها​.

هذا الخطاب أعطى انطباعا أن نتنياهو لم يعد فقط "ملك إسرائيل"، كما يحلو له ولأتباعه تسميته، بل إنه بعد معركة "البيجرات" واغتيال حسن نصر الله، أخذت منه الغطرسة مأخذها حيث صرح بصوت عال أنه "لا يوجد مكان في الشرق الأوسط لا تستطيع إسرائيل الوصول إليه. لا يوجد مكان لن نذهب إليه لحماية شعبنا وحماية بلدنا".  وكأنه يقف على مرتفع ويصيح: أنا ملك الشرق الأوسط!.

لقد أعلن نتنياهو عشية اجتياح غزة قبل عام، ثم أعادها مجددا قبل يومين، بأن إسرائيل تتبع خطة منهجية بهدف تغيير الواقع الإستراتيجي في الشرق الأوسط.

بيبي الملك

ما يقوم به رئيس الحكومة الإسرائيلية متأصل في فكره السياسي ومسلكه اليومي في إدارة الصراع، فقد أظهر نتنياهو في كتابه "بيبي: قصة حياتي" الصادر عام 2022، ميلًا لإعادة صياغة التاريخ بصورة تعزز مكانته كزعيم قوي، وذلك من خلال إبراز مواقفه من الإرهاب وأهمية الحروب الدفاعية لإسرائيل، وهو ما يبرر طموحاته اليوم ضد إيران. إذ يعتبر إيران تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، وهذا يتماشى مع سعيه المستمر لتعبئة الغرب ضدها.

يشدد نتنياهو على أن إسرائيل لن تتردد في اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية نفسها (الفرنسية)

وحتى في رؤيته للسلام، فإنه لا يراه إلا صورة من صور القوة، ففي كتابه (سلام دائم: إسرائيل ومكانها بين الأمم) الصادر عام 1993، يناقش نتنياهو تاريخ إسرائيل، والصراع العربي – الإسرائيلي، ويقدم حججًا حول أهمية الحفاظ على القوة العسكرية والسياسية لإسرائيل لضمان وجودها في منطقة الشرق الأوسط. كما يعرض رؤيته حول العلاقات مع الدول المجاورة، بما في ذلك الدول العربية وإيران، ويعكس إصراره على أن السلام الدائم يتطلب من إسرائيل أن تكون قوية بما يكفي للدفاع عن نفسها في مواجهة التهديدات.

وبالعودة إلى خطابه المتلفز الموجه للشعب الإيراني، فإن أهم الأسئلة التي تثار عقب حديثه عن تغيير النظام، ويد إسرائيل التي تصل كل مكان، هو: هل يعني ذلك أن نتنياهو لديه خطط عسكرية للتدخل في إيران؟ وتغيير النظام بالقوة؟

هل هناك دلائل على استعداد نتنياهو لاتخاذ خطوات عسكرية ضد إيران؟

هناك عدة مؤشرات ينبغي النظر فيها لفهم خطط نتنياهو وفيما إذا كان يفكر بجدية في اتخاذ خطوات عسكرية ضد إيران، خاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي. فعلى مر السنين، كانت تصريحات نتنياهو وسياسته تجاه إيران تشير إلى أن الخيار العسكري لم يكن مستبعدًا قط. فيما يلي بعض الدلائل التي تدعم هذا الاستنتاج:

تصريحات نتنياهو المتكررة حول التهديد الإيراني: منذ سنوات طويلة، يعتبر بنيامين نتنياهو التهديد النووي الإيراني بمنزلة "تهديد وجودي" لإسرائيل. في العديد من خطاباته أمام الأمم المتحدة، سواء في الجمعية العامة أو في منتديات أخرى، حذر نتنياهو مرارًا وتكرارًا من أن إيران تسعى لامتلاك أسلحة نووية، وأن إسرائيل لن تسمح بذلك.

في خطاب شهير أمام الأمم المتحدة في عام 2012، استخدم نتنياهو رسما لقنبلة ليشرح مدى اقتراب إيران من امتلاك سلاح نووي، داعيًا المجتمع الدولي إلى التصرف بسرعة. هذا الخطاب كان علامة واضحة على أن إسرائيل مستعدة لاتخاذ خطوات جادة إذا شعرت أن المجتمع الدولي لا يقوم بما يكفي لوقف إيران.

العمليات السرية ضد إيران: إسرائيل، تحت قيادة نتنياهو، قامت بعدة عمليات سرية ضد المشروع النووي الإيراني. أبرز هذه العمليات كانت: اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين: على مدى سنوات، تم اغتيال عدد من العلماء النوويين الإيرانيين في عمليات معقدة نُسبت إلى الموساد الإسرائيلي. الهجوم السيبراني على منشأة نطنز النووية: في حادثة شهيرة عام 2010، تم استخدام فيروس "ستوكسنت" لتعطيل أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز النووية بإيران. هذه العملية، التي يُعتقد أن إسرائيل وأميركا كانتا خلفها، كانت أول هجوم سيبراني من نوعه على برنامج نووي.  سرقة الأرشيف النووي الإيراني: في 2018، أعلن نتنياهو عن قيام عملاء الموساد بسرقة مجموعة ضخمة من الوثائق الإيرانية التي تثبت أن إيران كانت تسعى للحصول على أسلحة نووية، حتى بعد توقيعها الاتفاق النووي. كان عرض هذه الوثائق جزءًا من حملة نتنياهو لتبرير موقفه المتشدد تجاه إيران. التصعيد العسكري في سوريا: إسرائيل، تحت قيادة نتنياهو، شنت مئات الغارات الجوية على أهداف إيرانية في سوريا. تعتبر هذه الضربات جزءًا من إستراتيجية إسرائيل لاحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة ومنع إيران من إنشاء قواعد عسكرية دائمة قرب الحدود الإسرائيلية. هذه الضربات الجوية المستمرة تشكل جزءًا من السياسة الإسرائيلية لتقويض القدرات الإيرانية في المنطقة.
في خطاب شهير أمام الأمم المتحدة، استخدم نتنياهو رسما لقنبلة ليشرح مدى اقتراب إيران من امتلاك سلاح نووي (أسوشيتد برس) التعاون الأمني مع الولايات المتحدة: في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عزز نتنياهو التحالف الأمني بين إسرائيل والولايات المتحدة، وكان داعمًا قويًا لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة) الذي تم توقيعه عام 2015. انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018 كان خطوة محورية، حيث اعتبر نتنياهو أن الاتفاقية لم تمنع إيران من مواصلة برنامجها النووي، بل أجلت فقط الأمر.

هذا التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بتبادل المعلومات الاستخباراتية حول إيران، كان مؤشرًا على أن نتنياهو يستعد لجميع السيناريوهات، بما في ذلك الخيار العسكري، إذا تطلب الأمر ذلك. وفي الحرب الجارية الآن فإن السفن الحربية الأميركية تجوب المنطقة طولا وعرضا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولا تتوانى المؤسسة العسكرية الأميركية عن التصريح بأنها حاضرة للدفاع عن حليفتها إسرائيل، خصوصا في ظل قيادة الرئيس بايدن "الصهيوني المخلص" كما يتفاخر هو ودوائره المحيطة به.

تطوير قدرات عسكرية إسرائيلية: على مر السنوات، عملت إسرائيل على تطوير قدراتها العسكرية بشكل مكثف، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي (مثل القبة الحديدية ومقلاع داود)، وكذلك تحديث سلاح الجو وشراء طائرات مقاتلة متقدمة مثل إف 35. هذه التطورات العسكرية تُعَد جزءًا من استعدادات إسرائيل لمواجهة أي تهديدات إقليمية، بما في ذلك احتمال القيام بضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية. التصريحات المتشددة في الداخل الإسرائيلي: عندما عاد نتنياهو إلى منصب رئيس الوزراء في أواخر 2022، استمر في تبني نفس الخطاب المتشدد ضد إيران. في عدة تصريحات، أكد أن إيران لن تكون قادرة على الحصول على أسلحة نووية، وأن إسرائيل ستفعل كل ما يلزم لضمان ذلك. هذا الموقف يعكس التزامًا طويل الأمد بالتحرك عسكريًا إذا لزم الأمر. وفي رسالته الأخيرة إلى الشعب الإيراني، قال نتنياهو إن "إيران ستكون حرة قريبًا"، في إشارة إلى احتمال حدوث تغيير داخلي، لكنه أيضًا ألمح إلى أن إسرائيل لن تتردد في اتخاذ أي خطوات ضرورية لحماية شعبها وأمنها، مما يوحي بأن الخيار العسكري ليس مستبعدًا​. الخلاصة:

الدلائل المنظورة أعلاه ترجح أن نتنياهو قد ينظر إلى الخيار العسكري كحل أخير إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في احتواء الصراع. ومن تصريحاته العامة إلى العمليات السرية التي نُفذت تحت قيادته، يظهر أن نتنياهو مستعد لاتخاذ خطوات عسكرية إذا شعر أن أمن إسرائيل مهدد بشكل وجودي.

ومع ذلك، فإن أي ضربة عسكرية ضد إيران ستكون محفوفة بالمخاطر، وقد تؤدي إلى تصعيد كبير في المنطقة، حيث يعتمد اتخاذ هذه الخطوة على العديد من العوامل، بما في ذلك الدعم الدولي، خاصة من الولايات المتحدة، وتقديرات إسرائيل حول قدرة إيران على الرد.

نتنياهو أمر جيشه بضرب أهداف في سوريا واليمن (وكالة الأناضول)

إن رسالة نتنياهو المتلفزة من حيث المعلن لا تحمل تأكيدًا صريحًا على وجود خطط عسكرية فورية لتغيير النظام في إيران بالقوة. ومع ذلك، فإن تصريحاته توحي بأن إسرائيل قد تكون مستعدة لاتخاذ خطوات عسكرية إذا لزم الأمر لحماية مصالحها وأمنها، خاصة في سياق التهديدات الإقليمية المرتبطة بإيران.

ولطالما اعتبرت إسرائيل البرنامج النووي الإيراني ونفوذ إيران في الشرق الأوسط تهديدات كبيرة، ونتنياهو قد أشار إلى أن إسرائيل "يمكنها الوصول إلى أي مكان في الشرق الأوسط" في تلميح إلى إمكانية تنفيذ عمليات عسكرية إذا اقتضت الضرورة​.

لكن هذا لا يعني أن هناك خطة محددة لتغيير النظام في إيران بالقوة، بل قد يشير إلى أن إسرائيل تراقب الوضع السياسي الداخلي في إيران وتتوقع تغييرات قد تحدث نتيجة للضغط الداخلي أو الخارجي.

وقد يبدو أن نتنياهو يعوّل على الضغوط الداخلية التي يعاني منها النظام الإيراني، ويستغل الفرصة لزيادة الضغط الدولي والإقليمي على إيران، مع الحفاظ على استعداد عسكري لمواجهة أي تهديدات مباشرة، خصوصا مع اشتعال الإقليم بسبب الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة ولبنان منذ نحو عام تقريبا.

ويبقى أن المرجل الذي يغلي في المنطقة منذ عام مثير لأقصى درجات القلق في ظل صمت أممي وغياب إستراتيجية دولية أو إقليمية تسعى إلى أي نوع من التهدئة، بل وتكف يد إسرائيل عن الإيغال في استخدام القوة المفرطة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الولایات المتحدة النووی الإیرانی فی الشرق الأوسط الخیار العسکری إلى أن إسرائیل أن إسرائیل لن لاتخاذ خطوات تغییر النظام أن نتنیاهو فی المنطقة بما فی ذلک عسکریة ضد إیران من فی إیران فی اتخاذ ضد إیران جزء ا من على أن

إقرأ أيضاً:

فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (1) سليل الإرهاب

ابتداء من هذا العدد، تنشر بوابة «الأسبوع» فصولًا من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» للكاتب الصحفي مصطفى بكري رئيس التحرير، والصادر عن دار كنوز للنشر والتوزيع. وفي الحلقة الأولى يرصد المؤلف تاريخ نتنياهو منذ الطفولة وعلاقته بوالده الذي لقنه الأفكار المتطرفة والمعادية للعرب والفلسطينيين، خاصة وأن جده كان من كبار دعاة الحركة الصهيونية. لقد رباه والده على كراهية أي يهودي يقبل بمصافحة العرب، وكان دائم الترديد على مسامعه «أن العربي إذا مد يده بالسلام، فانظر إلى يده الأخرى.. فإنك ستجد خنجرًا ممدودًا إليك».

الحلقة الأولى:

-والده رباه على التطرف وكراهية العرب وجده من قادة الحركة الصهيونية

- كان يقول له: العرب أقل من أن تحدثهم أو تنظر إليهم

- المفكر الصهيوني المتطرف «جابوتنسكى» كان مثله الأعلى

في الثالث والعشرين من أكتوبر لعام 1949، ولد بنيامين تسيون نتنياهو في مستشفى “أسونا” بتل أبيب، أي بعد إعلان ولادة دولة الكيان الصهيوني بعام وخمسة أشهر تقريبًا.

كان جد بنيامين خطيبًا مفوهًا.. ومن كبار دعاة الحركة الصهيونية.. وكان يمتلك قدرات هائلة لجذب المزيد من يهود العالم، خاصة اليهود الشرقيين إلى “أرض الميعاد” حسب الوصف الصهيوني، وقد عرف عنه كرهه الشديد للعرب، ومن المؤمنين بضرورة اختفائهم من فوق ظهر الأرض.

وكان “تسيون” يرى ألا يكتفى اليهود بإقامة دولتهم في فلسطين فحسب، بل يجب أن تمتد حدودها في كل الأراضي والمناطق المجاورة لـ “أرض إسرائيل” في فلسطين على حد تعبيره.

وقد طبّع الجد ميليكوفسكي أولاده التسعة، ومن بينهم “تسيون نتنياهو” والد بنيامين بشخصيته القوية والمؤثرة.. حتى أن “تسيون” كان من فرط تأثره بآراء والده.. يردد أمام أولاده بأن العرب.. “دنس.. وأن الكلاب أفضل منهم لو أقاموا فى البلدان المجاورة لنا”.

ومن أقواله كذلك “إنك إذا سرت فى الطريق مع كلب.. أفضل من أن تسير مع عربى”.. وكان يردد على مسامع أولاده بأنه لا مجال للتعامل مع العرب إلا بإبادتهم.. وأنه لا حلول وسط فى هذه المسألة.

ومنذ صغره تشرب “بنيامين” من والده “تسيون نتنياهو” حبه لزعماء الحركة الصهيونية بل وتمجيدهم، حيث كان الأب يتغنى بآباء الحركة.. بينما نجله “بنيامين” ينقل عنه هذه الأغانى ويحفظها عن ظهر قلب.. بل ويرددها أمام أصدقائه بين الحين والآخر.. مبديًا تفاخره بأن والده هو صاحب هذه الأغانى.

وكانت هناك علاقة تربط فى ذلك الوقت بين والد بنيامين و”زئيف جابوتنسكى” مؤسس الحركة التصحيحية المتطرفة، حيث شكلت تلك العلاقة إدراك وعقلية “بنيامين نتنياهو”.. .ذلك أنه كان معروفًا عن المتطرف الصهيونى “جابوتنسكى” ميوله العدوانية الواضحة ضد العرب.. وكرهه الشديد لهم.

لقد كان كل من تسيون وجابوتنسكى يؤمنان بالعنف المطلق مع العرب وحتميته.. فيما كان يسعى “حاييم دايزمان” إلى المرونة فى التعامل معهم.

وفى هذا الجو المشحون بالعداء للعرب.. ولد “بنيامين تسيون نتنياهو”، حيث رباه والده على كراهية أى يهودى يقبل مصافحة العرب.. وكان دائم الترديد على مسامعه ”أن العربى إذا مد يده إليك بالسلام.. فانظر إلى يده الأخرى.. فإنك ستجد خنجرًا ممدودًا إليك”.!!

هذه الأفكار التى آمن بها والد “بنيامين نتنياهو” هى التى دفعت المتطرف الصهيونى جابوتنسكى لأن يعينه رئيسًا لتحرير صحيفة “هايروين” الصهيونية.. والتى من خلالها لمع اسمه وذاع صيته.. حيث تخصصت تلك الصحيفة فى مهاجمة كل يهودى أو مسئول يفكر ولو بشكل غير مباشر فى السلام مع العرب أو أن يجلس معهم على مائدة مفاوضات واحدة.

ومن الكلمات التى كان يرددها “تسيون” على مسامع ولده “بنيامين” قوله “إنك أفضل من أى عربى.. وإذا جلست فاجلس مع من هم نظراؤك.. فالعرب أقل من أن تحدثهم أو تنظر إليهم”.. إلا أن الأكثر تأثيرًا فى عقل “بنيامين نتنياهو” كانت هى تلك الكتب الصغيرة التى ألفها والده وآخرون من خلال دار النشر الصغيرة التى أنشأها.. وهى كتب تدور فى مجملها حول “أسس الحركة الصهيونية” و “كيفية إقامة دولة إسرائيل” و “إسرائيل المستقبل والأمل” و”العرب إلى الهاوية” و “إسرائيل العظمى فى كل البلاد العربية”.

كان “تسيون” حريصًا على تلقين ابنه دروسًا يومية فى السياسة.. شارحًا له بالتفصيل كيفية تفكير “جابوتنسكى” القائد الملهم له.. والذى سيصبح أيضًا القائد الملهم لنجله “بنيامين”!!

لقد عرف جابوتنسكى بكثرة تنقلاته وسفرياته بالاضافة إلى علاقاته الوطيدة بعدد من المسئولين الأمريكيين، والترويج لمقولاته أينما ذهب، فاستطاع بذلك أن يضم إلى جانبه آلاف المتطرفين والذين أمنوا بمقواته

فى العام 1940، شغل “تسيون نتنياهو” منصب السكرتير الشخصى لجابوتنسكى، وبات ملازمًا له فى كل رحلاته وتحركاته.. وأتاح له ذلك الاطلاع على العديد من الأوراق السرية التى كان يتم الإعداد والتخطيط من خلالها لإقامة دولة إسرائيل، وقد ضمت هذه الأوراق وثائق فى غاية الأهمية احتفظ بها “تسيون” وحده بعد وفاة جابوتنسكى.. وكانت هذه الوثائق تحمل عبارة تقول: “إلى كل مخلص.. إلى كل وطنى.. إلى كل شريف فى هذا الكون.. إذا ما وقعت هذه الأوراق فى يدك.. عليك أن تكون أمينًا فى تنفيذ ما بها حتى ترضى الله.. فشعب الله المختار الذى شرد ونهبت ثرواته لابد أن يعود.. وعندما يعود لابد أن يكون سيد العالم.. ومع سيادة العالم لابد من إبادة العرب الأقذار”.

هذه الأوراق السرية لم يتح لأحد الإطلاع عليها سوى “تسيلاه سيجل” والدة “بنيامين نتنياهو”.. ثم شاء القدر أن تشكل تلك الأوراق رؤية “بنيامين” فى المستقبل، حتى أنه من كثرة قراءته لهذه الوثائق حفظها وكان دائم الترديد لها.

وقد كان والده حريصًا على ألا ينسى نجله “بنيامين” ما تحمله تلك الوثائق من أفكار ومعتقدات، حتى أنه كان يطلب منه ترديدها فى إطار حلقات استماع كان يعقدها بحضور بقية اخوته، لدرجة أن والدته “تسيلاه” كانت تشفق عليه من والده الذى كان دائم الإصرار على تلقينه كل دروس الصهيونية.

وكانت “تسيلاه” ذاتها صهيونية متطرفة.. فهى من أسرة ثرية تنتمى لرجل أعمال يهودى، لديه العديد من المشروعات المتعددة والمترامية الأطراف، سواء فى الولايات المتحدة أو إسرائيل.. حيث كان يخصص ريعًا سنويًا من هذه المشروعات، بالإضافة إلى مساهمات كبيرة من أجل تنشيط الحركة الصهيونية.

وكان لدى والد “تسيلاه” تطلع دائم بأن يسخر كل القوى الدعائية لصالح إسرائيل والحركة الصهيونية.. ولذا فقد كان يسعى للسيطرة على وسائل الإعلام المختلفة من أجل دعاية مؤيدة للصهيونية.

وحين اشتد عود “تسيلاه” وأصبحت زميلة لـ”تسيون” فى حركة جابوتنسكى، جمعهما كره مشترك لعائلة وايزمان.. ومن هنا تبرز طبيعة العداء الذى حمله “بنيامين” عن والده ووالدته لرئيس إسرائيل الأسبق عيزرا وايزمان.

كانت والدة “بنيامين” تعشق القانون.. ورأت أن دراستها له يمكن أن تفيد الحركة الصهيونية أكثر بكثير من دراستها لأى فرع من فروع العلم الأخرى، حيث رأت أن القانون سيعلمها المنطق وتفنيد الحجج المضادة التى يمكن استخدامها ضد إسرائيل، خاصة من جانب العرب فى حال إقامة دولة إسرائيل.. وكان ولعها بالقانون وسيلة لتحقيق حلم الصهيونية الكبرى وتنفيذ تعليمات “جابوتنسكى” فى أن دراسة القانون مفيدة لأسس الحركة.. وأنها ستعطيها قوة جديدة تضاف إلى قوة المفكرين للحركة.

كانت “تسيلاه” مؤمنة بأن “جابوتنسكى” على حق حين أدرك أن الخطابة وحدها ليست كافية لدعم أسس الحركة.. وأنه لابد من سفراء لهذه الحركة فى مختلف دول العالم وأن سفراء هذه الحركة لابد أن يكونوا على قدر كبير من العلم والفهم الكامل لمتطلبات الحركة فى العقود القادمة.

وكان جابوتنسكى حريصًا على توجيه تلاميذه إلى دراسة فروع العلم المختلفة.

وقد برز تفوق “تسيلاه سيجل” بشكل واضح لدى دراستها للقانون بالجامعة العبرية بالقدس.. وعرف عنها الصراحة والجدية فى عملها ودراستها.. ودفعتها دراستها للقانون إلى السفر إلى لندن، حيث انضمت هناك إلى الحركات الصهيونية الناشئة فى ذلك الوقت، وأبرزت اهتمامًا ملحوظًا بأنشطتها داخل تلك الحركات، حتى أنها أصبحت واحدة من القيادات المعروفة بتخطيطها الجيد من أجل إقامة دولة إسرائيل.. واستطاعت “تسيلاه” الارتباط فى ذلك الوقت بمن يعرفون بزعماء وآباء الحركة الصهيونية فى إنجلترا.. وتمكنت بفضل تلك الروابط الوثيقة من أن تسافر إلى العديد من البلدان الأوروبية.

فى ذلك الوقت.. كان “جابوتنسكى” المرتبط بآباء وزعماء هذه الحركة يعزز من وضعية “تسيلاه” ولأن “تسيون نتنياهو” كان رئيسًا لتحرير صحيفة “هايروين” ويتابع أنشطة “تسيلاه” رأى أنه من المناسب الارتباط بهذه الفتاة التى تشاركه الفكر والحلم فى إقامة دولة إسرائيل.. وخصوصًا أن العديد من الصفات الأخرى ربطت بينهما.. وفى مقدمتها الكره الشديد للعرب وضرورة العمل على إزالتهم من الوجود.

ولذا.. حين التقى “تسيون” و “تسيلاه” كونا ثنائيًا مشتركًا.. وكانا يكرهان أى شخص يحمل جنسية أية دولة- حتى ولو كان يهوديًا- يتحدث عن العرب بلغة لا يرغبانها.

كل هذه المؤثرات النفسية المعقدة لكل من «تسيون وتسيلاه» ورثها عنهما فيما بعد ابنهما «بنيامين» الذى قدر له فيما بعد تولى رئاسة حكومة إسرائيل لأكثر من مرة.

ومع حدوث الزواج بين “تسيون وتسيلاه” استجابت الزوجة لمطالب زوجها وقررت التفرغ لمعاونته.. ومع وفاة “جابوتنسكى” كان همهما الأول هو كيفية العمل على تنفيذ وصاياه التى يحتفظ بها “تسيون” والذى رأى أن تنفيذها يمكن أن يتم من خلال طبع كتيبات ونشرها على جميع يهوديّ العالم حتى يتجمع اليهود حول الفكرة الصهيونية الأساسية وهى “إسرائيل العظمى”.

وبالفعل بدأت سلسلة كتب “تسيون” فى الظهور بفضل معاونة زوجته والتى تلقت بدورها دعمًا من والدها رجل الأعمال المعروف فى الولايات المتحدة، الذى أخذ على عاتقه نشر كتب “تسيون” بين يهود أمريكا.. ثم انتشرت الكتب فى العديد من الدول الأوروبية عبر اليهود الأمريكان.

وبدأ صيت “تسيون” ينتشر بين اليهود فى العالم.. غير أن والد “تسيلاه” لم يرق له ذوبان شخصية ابنته فى شخصية زوجها.

فى العام 1946 قرر “تسيون” أن يكون أبًا من آباء الصهيونية، رافضًا أن يكون مجرد داعٍ لها.. فنصحته “تسيلاه” بأن يحصل على درجة الدكتوراه باعتبار أن ذلك سوف يسهم فى وضعه العلمى بين صفوف اليهود.. وكانت ترى أن هذا الطموح يمكن أن يجعله على رأس دولة إسرائيل.

وبالفعل حقق “تسيون” طموحه، وحصل على درجة الدكتوراه من كلية “درونس” فى فيلادلفيا بالولايات المتحدة غير أن هذه الدرجة العلمية خلقت له العديد من المشاكل مع الزعامات اليهودية الموجودة فى الولايات المتحدة خصوصًا بعد شعورهم بأنه يسعى إلى تخطيهم فى طريقه للصعود إلى قمة سلم الدولة الوليدة.

فى ذلك الوقت ثار الكثير من الجدل بين القيادات اليهودية فى الولايات المتحدة، حيث كان البعض يرى أن التفاوض مع العرب يمكن أن يمثل إحدى وسائل إقامة دولة إسرائيل، إلا أن “تسيون” كان يرى عكس ذلك معتبرًا أن العنف هو الوسيلة الأساسية لإقامة الدولة.

وحين احتدم الخلاف بين الزعامات الصهيونية فى الولايات المتحدة قرر “تسيون نتنياهو” العودة إلى إسرائيل فى العام 1948وذلك بعد وقت قصير من قيامها على أرض فلسطين المحتلة.

ولم يكن “تسيون” على وفاق مع مسئولى الدولة الإسرائيلية الوليدة معتبرًا أنهم تنكروا لنضاله ودوره فى إقامة دولة إسرائيل.. حيث كان يرى أن كتبه وأبحاثه التى انتشرت فى العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة قد أسهمت فى إقامة هذه الدولة.. والحصول على تأييد الأوروبيين والأمريكان.. فى حين كان ساسة إسرائيل ينظرون إليه بازدراء لأنه كان أنانيًا ومحبًا لذاته.

ورغم رفض ساسة إسرائيل التعاون معه إلا أنه كان يسعى إلى مشاركة القيادات الإسرائيلية فى مناظراتهم وندواتهم حول مستقبل الدولة الإسرائيلية.. وكان يردد دائمًا أنه تلميذ لجابوتنسكى، وأنه من أكثر الذين تحملوا العبء الأكبر من أجل إقامة هذه الدولة.

ووسط هذه الأجواء جاء “بنيامين تسيون نتنياهو” إلى الدنيا فى عام 1949.. حيث شهد هذا العام صراعًا مريرًا ومعقدًا بين تسيون ومناحم بيجين الذى تولى فيما بعد رئاسة الوزارة الإسرائيلية وعقد اتفاقية كامب ديفيد مع الرئيس المصرى الراحل أنور السادات.

كان الصراع فى مجمله يدور حول الحركة التصحيحية التى أرسى قواعدها “جابوتنسكى”.. وكان مناحم بيجين يرى أنه أكثر قدرة من تسيون على السيطرة على مقاليد الأمور داخل الحركة المتطرفة.

هذا الصراع الذى نشأ بين تسيون ومناحم بيجين لم يكن ليختفى أبدًا عن ذاكرة الطفل “بنيامين” الذى شب على كراهية “بيجين” منذ صغره، حيث اعتبره السبب الأساسى وراء القضاء على مستقبل والده السياسى.

ومنذ ذلك الحين تملكت “بنيامين نتنياهو” رغبة جامحة فى كيفية الانتقام لوالده وإعادة الاعتبار إليه.. وكان يرى أن ذلك لن يتحقق إلا بوصوله إلى مقعد رئاسة الوزراء فى إسرائيل.

وبالرغم من انضمام “بنيامين نتنياهو” إلى ذات تكتل الليكود الذى أوصل “مناحم بيجين” إلى رئاسة الوزراء فى إسرائيل إلا أنه كان يعتبر أن ما أقدم عليه “بيجين” من توقيع معاهدة للصلح مع مصر بمثابة خطأ إستراتيجى لا يغتفر.. وكان يرى أن “بيجين” تسرع فى التوقيع على هذه المعاهدة.. بينما كان بإمكانه المماطلة لسنوات طويلة يحصل خلالها على السلام دون التفريط فى شبر واحد من الأرض التى احتلتها إسرائيل فى شبه جزيرة سيناء.

لقد شهد “بنيامين” كيف أن بيجين أزاح والده عن طريقه، وكان بيجين يردد دائمًا أن “تسيون نتنياهو” لم يحارب مع منظمة “أتسل” وهى المنظمة العسكرية الإسرائيلية “الوطنية” وأنه لم يقدم أى تضحيات.. ولذا رفض منحه أى منصب.

من جانبه قرر “تسيون” ألا يستسلم لأفكار “بيجين” والقيادات اليمنية الإسرائيلية وأخذ على عاتقه أن يكون زعيمًا لحركة “حيروت” إلا أن الحركة رفضته.. مما فسره بأن هناك مؤامرة على مستقبله السياسى.

لقد نصحه أحد أصدقائه بالتخفيف من أفكاره المتطرفة للغاية إلا أن زوجته “تسيلاه” رفضت أن يقدم تسيون أية تنازلات فى هذا الصدد.. وطالبته بالتمسك بموقفه.. وأن يترك السياسة ويلتحق بالسلك الأكاديمى فى الجامعة العبرية.

اقرأ أيضاً«نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. كتاب جديد لـ مصطفى بكري يكشف فيه بالوثائق استراتيجية الكيان الصهيوني للهيمنة على المنطقة

نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى (2)

مصطفى بكري عن كتابه «حلم إسرائيل الكبرى»: يكشف سيناريو ما هو متوقع

مقالات مشابهة

  • حماس: نتنياهو يقود انقلابًا على التهدئة ويعرض الأسرى لمصير مجهول
  • هل طلبت واشنطن من لبنان عقد سلام مع إسرائيل؟
  • أولمرت يدعو نتنياهو للحوار مع الشرع والتوصل لمعاهدة سلام
  • كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» بـذور التطـرف ( 2)
  • فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (1) سليل الإرهاب
  • رداً على ترامب..الحرس الثوري الإيراني يهدد بالرد على أي هجوم
  • قائد الحرس الثوري الإيراني: نحذر أعداء إيران من أي تهديد.. وردنا سيكون صارمًا ومدمرًا
  • وزير الخارجية الإيراني يرفض إملاءات ترامب بشأن الحوثيين في اليمن
  • مكتب نتنياهو: إسرائيل ستواصل محادثات وقف إطلاق النار في غزة وفقًا للمقترح الأمريكي
  • قائد الحرس الثوري الإيراني يعلق على قضية المفاوضات مع الولايات المتحدة