رحلة طويلة قطعها خالد فهيم، صاحب ومدير أحد مراكز تجميع وتبريد الألبان المطورة، الواقعة بـ«عزبة أسما» بمحافظة القليوبية، منذ أن كان يأتى للعزبة عام 2003 بسيارة نصف نقل، مثل تجار اللبن التقليديين، ليجمع اللبن من الفلاحين ويوزعه على المحال بالقاهرة، حتى أصبح صاحب مركز نموذجى لتجميع وتبريد الألبان، حاصل على شهادة الأيزو 2022، وشهادة دولية أخرى مهمة فى مجال سلامة الغذاء من الاتحاد الأوروبى، تعرف باسم «الهاسب» HACCP‏.

يتحدث «فهيم» عن بدايات هذه الرحلة قائلاً: فى 2003 كنا نجمع اللبن من المزارعين على العربية وننقله للمحلات، لكن وجدنا أن «الهاى جين» (النظافة) الخاصة باللبن ضعيفة، وأن «العد البكتيرى» (أى عدد البكتيريا أو الميكروبات الكلى به)، ودرجة حرارة اللبن زيادة، وكل ذلك يؤثر على جودة اللبن، وبالتالى بدأت أفكر خارج الصندوق، وبدلاً من أن نأتى بعربة نصف نقل وجرادل لجمع اللبن، نقعد وسط الناس هنا، وننشئ هذا المركز.

يشرح صاحب مركز تجميع الألبان المطور فكرة عمله، قائلاً: «هدفنا أن نأخذ جردل اللبن بعد الحليب مباشرة ونعرّضه لتبريد مفاجئ لنحافظ على جودته، لأن اللبن بمجرد نزوله من الضرع، يبدأ العد البكتيرى يزيد فيه، وكلما أخذنا اللبن من ضرع الحيوان بسرعة وأعطيناه تبريداً مفاجئاً، فإننا نحافظ على جودة اللبن، بالإضافة لعمل نظام فلترة متقدم لتنقية الحليب القادم من المزارع من أى شوائب أو تلوثات قد تكون مختلطة به».

هكذا يتم تسلُّم اللبن

داخل المركز، الذى بدا مجهزاً من الداخل ليحتفظ بقدر عالٍ من الاشتراطات الصحية لضمان جودة المنتج وعدم دخول حشرات أو مصادر للتلوث، أخذ «فهيم» يتابع شرح مراحل تسلُّم اللبن من المزارعين، قائلاً: «المزارع بيجيب اللبن بعربيته فى جردل استانلس سبق وأعطيته له للحفاظ على اللبن، ويعطيه لعامل بالخارج لأخذ عينة منه، ليسلمها من خلال شباك صغير جداً لمدير الإنتاج بالداخل لتحليلها فى المعمل، وبيان ما إذا كان يمكن قبول اللبن أم لا».

يشير «فهيم» هنا بشكل خاص إلى تحليلين مهمين؛ أولهما تحليل المضادات الحيوية الذى يهدف للتأكد من خلو اللبن من أى آثار لمضادات حيوية قد يكون تم إعطاؤها للحيوان، ومنع وصولها بالتالى للإنسان، لأن ذلك قد يجعل المضادات الحيوية غير فعالة مع الإنسان لاحقاً إذا ما احتاجها وكتبها له طبيب، ومن ثم فإنه إذا ثبت وجود مضادات حيوية باللبن يتم رفضه. أما التحليل الثانى الذى يتم على أساسه قبول أو رفض اللبن فهو تحليل الحموضة التى إن زادت عن حد معين، يتم رفضه.

وإلى جانب التحليلين السابقين، تأتى تحاليل أخرى لقياس كمية البروتين، والدسم، واللاكتوز، والصلابة، والكثافة فى اللبن، ومعرفة ما إذا كان به مياه أم لا. وإذا ما اجتاز اللبن كل هذه التحاليل، تبدأ بعدها عمليات فلترة اللبن والتى تمر عبر 6 مراحل، تضمن فى النهاية خلو اللبن تماماً من أى رواسب، لتكتمل بذلك كل الاختبارات والاحتياطات التى تضمن أمان اللبن من كل «النقاط الحرجة» التى يمكن أن تُسبب مشاكل به.

التبريد المفاجئ للبن

بعد المراحل السابقة، حسبما يضيف «فهيم»: «يدخل اللبن لمرحلة التبريد، وهى مرحلة مهمة جداً، لأنها مسئولة عن وقف «العد البكتيرى» للبن، وفيها يمر اللبن أولاً على ألواح من الألومنيوم درجة حرارتها 3 درجات مئوية، لتنخفض بعدها درجة حرارة اللبن من 28 درجة مئوية، التى نتسلم بها اللبن من المزارع، إلى 15 درجة بمجرد التلامس، لينتقل بعدها إلى أحد التانكات، فتنخفض درجة حرارة اللبن لـ3 درجات مئوية خلال 10 دقايق من تسلُّم اللبن».

هذا الانخفاض السريع فى درجة الحرارة، حسبما يؤكد «فهيم»، يعطى جودة وعمراً للبن، ويوفر الشروط اللازمة لتصنيعه، حيث يصبح بعد دخوله فى تانكات التبريد جاهزاً لبيعه للمحلات أو للذهاب للمصنع لعمل منتجات آمنة خالية من المواد الحافظة الضارة، وهو الأمر المرجو من إنشاء «مراكز تجميع الألبان المطورة».

مُدخلات تؤدى للجودة

يشبّه «فهيم» وضعه قبل ظهور المشروع القومى لمراكز تجميع الألبان المطورة بـ«الابن الضال» الذى لم يكن يعرف ماذا يفعل إلى أن جاءت مبادرة تطوير مراكز تجميع الألبان التى أطلقتها الدولة، ممثلة فى وزارة الزراعة: «أعطتنا دعماً فنياً رفع من كفاءة المزارع حولنا، حيث بدأ الطب البيطرى التابع لها يتابع المزارع والأعلاف، ويقوم بتحصينات، وهذا كله أعطى ثقلاً (جودة) للبن».

يشرح صاحب المركز المطور لتجميع الألبان معنى عبارة «ثقل فى اللبن»، قائلاً: اللبن فى النهاية محصلة لمدخلات معينة، تشمل: «تغذية مناسبة، وطب بيطرى مناسب، واهتمام برؤوس الماشية»، وهذا لم يحدث إلا مع تدخل وزارة الزراعة والطب البيطرى، حسب قوله.

وبالإضافة لذلك، حسبما يضيف «فهيم»: «وضعت الوزارة معامل التحاليل المركزية التابعة لها فى خدمتنا، وهو ما مثل نقلة كبيرة جداً، حيث بدأ الأطباء يأخذون عينات لإجراء التحاليل التى لا نستطيع إجراءها لدينا، بهدف الكشف عن مرَضى «السل» والـ«بورسيلا»، اللذين يمكن أن ينتقلا من الحيوان للإنسان، وقد بدأت هذه المعامل تُبصرنا بما يمكن أن نُجيزه وما لا يمكن إجازته.

زيادة الإنتاجية تُقلل الأسعار

ويؤكد صاحب المركز النموذجى حاجة مراكز تجميع الألبان المطورة لاستمرار دعم الدولة لها، واستمرار «متابعة المزارع، وتوفير خدمات الطب البيطرى، ومتابعة إنتاجية اللبن»، مؤكداً أن «إنتاجية اللبن كلما زادت كلما كان سعر اللبن مناسباً ومتناسباً مع الدخل بالنسبة للمواطنين وبالنسبة لمراكز تجميع الألبان أيضاً».

يشرح «فهيم» هذه المعادلة، قائلاً: «لو فرضنا مثلاً إن إنتاجية اللبن 10 أطنان، يصاحبها تكاليف نقل وتحاليل معينة، يتم تحميلها على سعر الطن، لكن لو ارتفعت الإنتاجية لـ20 طناً مقابل نفس سعر النقل والتحاليل، فإن سعر الطن سيقل، وبالتالى لو توسعنا فى إنتاجية اللبن، مع المحافظة على الجودة، سنهبط بأسعاره، ومعها بالتالى ستهبط أسعار الجُبن والسمن، وكل منتجات الألبان، وستكون متناسبة مع متوسط الدخل فى البلد».

اللبن الجاموسى كـ«القطن المصرى»

يعتبر «فهيم» أن خامة اللبن، خاصة لبن الجاموس المصرى، فرصة ممتازة للتصنيع والتصدير أيضاً، قائلاً: «الجاموس المصرى من أفضل أنواع الجاموس فى العالم، لكنه يحتاج شوية اهتمام، فى شكل طب بيطرى وإجراء التحاليل اللازمة، ومراعاة التغذية. ولو وقفنا بجانب الحليب الجاموسى، وبدأنا نراعيه، فإنه سيكون مثل القطن المصرى، الذى يمكن عمل منتجات كثيرة منه وتصديرها».

يضيف «فهيم» موضحاً: «اللبن الجاموسى المصرى لا يُعلى عليه، ونسبة الدسم فيه تصل لـ9%، فى حين أن اللبن البقرى نسبة الدسم به 3%، وبالتالى فإن القدرة على توليد وتصنيع منتجات من الـ9% أفضل، كما أن اللبن الجاموسى به أيضاً أعلى نسبة كالسيوم وأعلى نسبة بروتين، كما أنه أبيض اللون، وحلو المذاق (وكأنك أضفت له سكراً من دون إضافته)، وهى الخصائص التى تسمح بتصنيع منتج عالى الجودة منه».

لكن المشكلة هنا، كما يوضح، أن كمية اللبن الطبيعى الجاموسى المصرى قليلة، ونحن فى حاجة لزيادتها فعلاً، وهذه المعادلة تعتبر أكبر تحدٍ يواجه المزارع والحكومة، حسب قوله. ويستطرد مدير المركز النموذجى للألبان: «لو الدولة وقفت بجانب مزارع ومراكز تجميع الألبان، وزودنا إنتاجية الحليب الجاموسى، فإن الإنتاجية ستزيد، وستكون لدينا فرصة عالية جداً للتصدير».

وفى سبيل تحقيق ذلك يؤكد «فهيم» أنه يجب التوصل لحلول لتخفيض سعر الجاموس المصرى؛ لأن سعر الجاموس أصبح مرتفعاً جداً، حسب قوله، وأن تشترى جاموسة بـ120 ألف جنيه، مقابل إنتاج 12 كيلو لبن منها مثلاً فى اليوم، مسألة صعبة، كما أن تغذية الجاموسة فى ظل ارتفاع أسعار الأعلاف حالياً شىء صعب جداً أيضاً، وبالتالى هناك حاجة لتقليل تكلفة العلف، وتوفير الزراعة التى ستخدم ذلك، وساعتها فإن الإنتاج سيزيد.

المصنع بجوار «مركز التجميع»

وإلى جانب زيادة الإنتاجية، يتفق «فهيم» مع أن وجود «مراكز التجميع» بجوار أماكن إنتاج الألبان والمصانع ومنافذ البيع سيكون عاملاً آخر وراء خفض الأسعار، قائلاً: «إذا كانت المزرعة بجوار مركز تجميع الألبان، وبمجرد حلب اللبن من الضرع، يدخل على التبريد المفاجئ، يبقى إحنا حافظنا على جودته وقللنا العد البكتيرى به، وطبعاً لو المصنع أيضاً بجوار مركز التجميع، وبجوارهما أيضاً منفذ التوزيع، سيكون ذلك شيئاً مهماً جداً، لأن كل العمليات ستتم فى وقت قليل جداً، وبجهد ومصاريف أقل، مع الاحتفاظ بجودة اللبن»، لافتاً إلى أن هذا هو النموذج المطبق فى الهند، التى وصلت لمستويات متقدمة فى قطاع الألبان.

ويشير «فهيم» إلى أنه شخصياً يسير فى طريق تطبيق هذه التجربة، ونقل مصنع منتجات الألبان التابع له والقائم الآن فى مدينة 6 أكتوبر، والذى يستغرق نحو ساعة ونصف الساعة لنقل الألبان إليه من القليوبية، عبر الشمس والحرارة المرتفعة والزحام وتكاليف النقل والسولار، والتوسع رأسياً فى مركز التجميع الخاص به فى القليوبية، ونقل التصنيع أيضاً إليه، بحيث يكون تجميع الألبان وتبريدها وتصنيعها فى مكان واحد، وهو ما من شأنه تقليل التكلفة، ومن ثم تقليل سعر المنتج النهائى على المواطن، حسب قوله. لكن فى الوقت الذى تشير فيه مصادر فى اللجنة المسئولة عن مشروع مراكز تجميع الألبان المطورة إلى أن عدد المراكز المطورة يتراوح بين 250 و300 مركز على مستوى الجمهورية، يعتقد «فهيم» أن «عدد هذه المراكز لا يزال قليلاً جداً بالنسبة لمساحة مصر الشاسعة»، مؤكداً على الحاجة للتوسع أكثر فى هذه المراكز التى تعتبر ضمن «البنية الأساسية» لإقامة صناعة ألبان متطورة.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الألبان السلع الاستراتيجية من المزارع اللبن من حسب قوله إلى أن

إقرأ أيضاً:

غلق 6 مخابز ومركز تجميع ألبان لوجود خطر على صحة  المواطنين بديرب نجم

شنت إدارة مراقبة الأغذية بمديرية الشئون الصحية بالشرقية، بقيادة الدكتور فادي جلال مدير عام الطب الوقائي، ومشاركة على بسيوني مراقب أول المديرية، وأحمد أمين مراقب أول الأغذية بالمديرية، وبالتنسيق مع مديرة الإدارة الصحية بديرب نجم، ومفتشي مكتب الأغذية بالإدارة، حملة للمرور على المنشآت الغذائية بمركز ومدينة ديرب نجم.

 

أسفرت جهود هذه الحملة عن ضبط ٦ مخابز ومركز تجميع ألبان بهم نقص شديد في الاشتراطات الصحية، ويمثلون خطر داهم على الصحة العامة للمواطنين بمركز ومدينة ديرب نجم، وتم مخاطبة الجهات المختصة غلق المركز والمخابز حفاظاً على صحة وسلامة المواطنين.

 

كما تم ضبط ٥ طن ملح وألبان مجهولة المصدر وغير مستوفية اشتراطات التخزين الصحيحة، وتم سحب عدد ١١ عينات أغذية وإرسالها للمعمل الإقليمي المشترك بالزقازيق لبيان مدى صلاحيتها للإستهلاك الآدمي.

 

ويأتي ذلك في إطار توجيهات الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، والمهندس حازم الأشموني محافظ الشرقية، وتعليمات الدكتور هاني مصطفى جميعة وكيل وزارة الصحة بالشرقية، بتكثيف الرقابة على المنشآت الغذائية، والضرب بيد من حديد علي المخالفين، لضمان وصول غذاء آمن، حفاظاً على الصحة العامة للمواطنين

 

وأوضح الدكتور هاني جميعة بأنه تم إتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة حيال المخالفات المضبوطة، وتحرير ٣٢ محضر جنحة صحية للمخالفات بمركز شرطة ديرب نجم، مؤكدًا إستمرار الحملات المكثفة لمفتشي الأغذية علي مختلف المنشآت الغذائية والأسواق بالمحافظة، حفاظاً علي الصحة العامة للمواطنين.

 

وقدم وكيل الوزارة؛ الشكر لمدير عام الطب الوقائي، ومراقب أول المديرية، ومراقب عام الأغذية، ولجميع مراقبي ومفتشي الأغذية على المجهود المبذول لصالح المواطنين بمحافظة الشرقية.

مقالات مشابهة

  • السوداني يوجه ببناء مدارس جديدة وتوفير مراكز صحية لمنطقة الطّي
  • الغذاء الكامل.. تكنولوجيا الأغذية يكشف مفاجأت حول الألبان
  • "القومي للإعاقة" يفتتح المعرض الأول لمنتجات ذوى الهمم 2025 بالقاهرة
  • "تصنيع منتجات الألبان".. دورة تدريبية لطلاب الجامعات وشباب الخريجين
  • "تصنيع منتجات الألبان" دورة تدريبية لطلاب الجامعات وشباب الخريجين بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية
  • غياب الروح الرياضية كارثة الألعاب القتالية.. حرب شوارع فى بطولات الجمهورية للملاكمة والمصارعة ببورسعيد والمنوفية
  • «جيل جديد».. «مواليد النازحين» تشهد العودة إلى غزة: الفرحة صارت فرحتين
  • صحة الشرقية تضبط مخالفات في 6 مخابز ومركز تجميع ألبان بديرب نجم
  • غلق 6 مخابز ومركز تجميع ألبان لوجود خطر على صحة  المواطنين بديرب نجم
  • أسرار أم كلثوم.. لا يعرفها أحد!