لجريدة عمان:
2025-01-18@12:32:14 GMT

يوميات على هامش الحرب

تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT

الاثنين...

منذ أشهر والكاتب يحاول أن يكتب شيئا تجاه هذه الحرب، تجاه كلّ هذا الموت. لا ينجح أبدا. ربما هو الخوف، الخوف من شهوانية الكلمات التي تتعارض مع اللحظة التي يعيشها. لكنه ينسى أن الخوف هذا، هو أمر شهواني بدوره؛ تماما كما يمكن أن يكون الخوف من الموت مميتا.

ثمة قلق يغزو الآن، الكاتب، الذي يجلس إلى طاولتي، مكاني، ويكتب هذه اليوميات.

الثلاثاء...

يحاول الكاتب أن ينظر إلى وجهه فـي هذه الصبيحة؛ لا يزل قلبه ينبض، عيناه تريان، أطرافه تتحرك، قدماه تمشيان. يأكل ويشرب ويصلي ويتنفس. لكنه يشعر بأن دماءه تجمدت، ويده ذبلت، وقلبه فارغ. لم يعد ذاك الكاتب الذي كان عليه، بل اكتشف أن ما تبقى منه أجزاء متناثرة، أعيد تركيبها بلاصق. ما كان عليه، هو حياة. ما أصبحه الآن، يبدو موتا لا يعرف تحديد كنهه.

الأربعاء...

بدا الكاتب اليوم كما لو كان هناك شيء يبكي فـي داخله، مع أنه لم يكن هو نفسه من يَذرف الدموع. لم ينسب منه أي شيء. ثمة همس رطب نشأ من داخل جسده، كما لو أن نفخة الدم غير المسموعة التي تتدفق عبر الجسد أصبحت محسوسة. هل كان هذا صوت قلبه؟ أكان ذلك ارتعاش جسده الداخلي أم ارتعاش جلده؟

فـي كثير من الأحيان، نحن لا نموت من أحزاننا، أو من كآبتنا، أو فشلنا، أو خجلنا. نحن لا نموت أبدا عندما نريد. نستيقظ مع صراخنا الداخلي، نبدو أكبر سنًا وأثقل قليلا، ونثابر قدر استطاعتنا؛ نستخدم الخداع قدر الإمكان لتقويم قلبنا المنحرف. ونقول لأنفسنا أن الأمر سيكون على ما يرام إذا لم نتمكن من إعلان أنه على ما يرام. نحن نجمع بين الحاضر والمستقبل غير المحدد.

الخميس...

يعلم الكاتب جيدا أنه لا يمكن القضاء على العنف من على وجه الأرض؛ يعلم أنه أينما يعيش الناس جنبًا إلى جنب، سوف ينفصل الإنسان عن الإنسان بسبب صراع تكون فـيه القوة هي القضية. لذا اقتنع أنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا، ولا يمكن له تجنب أي شرّ؛ نحن نستمع إليه فقط عندما يُمجد العالم، ولكن ليس عندما يمثله كما هو. الكذب وحده يجلب المجد لا المعرفة.

الجمعة...

منذ أن أغلق باب هذه الغرفة خلفه، شعر الكاتب بشيء لا يمكن تحديده، شيء يتبعه ويخيفه. كان فـيه شيء لا يستطيع أن يحدده أكثر من أن يرفضه. شيء غائم، مثل الضباب العنيد، لكنه مع ذلك شفاف. وكان هذا الشيء يتبعه، يثقل كل حركاته، وينزلق بين عينيه وكل ما نظر إليه. هكذا يقضي الكاتب عزلته فـي هذه الغرفة، ويشكل صداقات مع الذين غادروا قرب المقابر، يشكل صداقات صامتة مع هذه الشجرة أو تلك، يلتقي بقطة فـي الشارع أو خروف على حافة مرج، ينسج صداقات عابرة مع السحب، وهمسات الينابيع، وروائح الأرض، مع الرياح. أجمل الصداقات التي تزدهر فـي تلك اللحظة.

السبت...

قال الكاتب: من ينجو من الحياة يرتكب دائمًا نوعًا من الخيانة... كان يعني أنه عندما ينجو المرء من كائن كان مرتبطًا به ارتباطًا وثيقًا. لذا أمضى صبيحته، بعيدا عن نشرات الأخبار. كان يستمع إلى الموسيقى بجسده. امتصها وكأنه شخص عطشان. كان يستمع إليها كما يستمع السجين إلى صوت خطى تقترب، ربما تحمل معها خبر الخلاص. لم يعد يسمع أي شيء آخر، اختفى كل شيء، لقد امتصته الموسيقى.

وفـي ذلك كله، أدرك أنه تحت ارتباك العالم الخارجي يسود نظام داخلي عميق، نظام منطقي مبهر مثل نظام التأليف الموسيقي. لقد وصل مصيرنا إلى مرحلة النضج، لقد أزهر، وكشف لنا، مثل الفاكهة السامة، جماله الخانق.

علينا أن نعترف بأن الأشخاص الذين نحبهم لم يتناسبوا مع حبنا بالطريقة التي كنّا نأملها. يجب علينا أن نتحمل الخيانة وعدم الإخلاص. كما يجب علينا أيضًا - وهو أصعب شيء فـي العالم - أن نعرف كيف نعترف بأن الآخرين يتفوقون علينا فـي شخصياتهم وذكائهم.

الأحد...

نادرا ما ينظر الكاتب إلى واجهات المباني التي أمام شرفته فـي النهار، إلا أنه فـي المساء، وما إن تضاء النوافذ، حتى ينظر إليها بفضول، بجشع. كل هذه المستطيلات من الضوء التي تنفتح فـي الظلام تجعله فـي حالة اضطراب؛ إنها تثقب الليل وتحفر الحجر والطوب والباطون، وتكشف عن حميمية . إنها لا تكشف شيئا، بل تقترح أمرا بالأحرى، تجعله يحلم، يتخيل. إذ إنها تسمح له بإلقاء نظرة على كائنات أخرى مماثلة وغير معروفة، كائنات ستبقى مجهولة بالنسبة إليه على الرغم من أنها معاصرة له، تشبهه، من مواطني هذه الجمهورية السعيدة. كائنات قريبة جدًا، ومع ذلك لا يمكن الوصول إليه. إنها تشير فقط إلى أن هناك مصائر أخرى محتملة.

الاثنين...

يحاول الكاتب أن يكتب: لم يعرفا ماذا يفعلان، كأنهما استنفدا الحياة المشتركة بشكل آلي، استنفدا كلّ احتياجات التجربة الأساسية التي يتقاسمها رجل وامرأة. قررا أن يقوما بما كان يفعله الناس فـي الزمن الماضي، حين لا يجدان أمامهما أي شيء. قررا أن يشاهدا فـيلما ولكن بما أنه الخروج من المنزل غير مضمون بسبب كل هذا القصف الذي يحيط بهما، أدركا أنهما لن يستطيعا الخروج من المنزل، لن يذهبا إلى صالة سينما مثلا. جلسا أمام شاشة التلفزيون ليبحثا عن فـيلم تعرضه إحدى الفضائيات. ما كادت تمضي دقائق حتى غفا على ركبتيها. تركته ينام على الكنبة، لتشعل جهازها المحمول وتبدأ بمشاهدة مسلسلاتها على «النت فليكس». وربما لتتحدث مع شخص تتخيله بين مشهدين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لا یمکن

إقرأ أيضاً:

الإفراج عن الكاتب الأردني أحمد حسن الزعبي بعد 200 من السجن

أُفرجت السلطات الأردنية مساء أمس عن الصحفي أحمد حسن الزعبي بعد قرابة 200 يوم من السجن، بعد جهود قانونية مكثفة، ومطالبات شعبية واسعة بإطلاق سراحه

وفي تصريح خاص لـ"عربي21" أكدت المحامية هالة عاهد عضو هيئة الدفاع أن معنويات الزعبي مرتفعة على الرغم من فترة الاحتجاز التي امتدت لـ١٩٩ يوما.

‏ووفقا للمحامية فإن الإفراج جاء بعد تقديم العديد من طلبات استبدال الحبس بعقوبة مجتمعية قبل أن تتم الاستجابة أخيراً ويُخلى سبيله

وأضافت عاهد: "الإفراج عن الزعبي خطوة مهمة، ونتطلع أن تكون بداية لمراجعة شاملة لكل الأحكام الصادرة بحق معتقلي الرأي في الأردن، وأن يتم الإفراج عنهم جميعاً".

وشهدت الأسابيع الماضية تصاعد المطالبة بالإفراج عن الزعبي لا سيما في البرلمان الأردني خلال كلمات بعض النواب قبيل التصويت على منح الثقة لحكومة جعفر حسان

ويعد الزعبي من أبرز الصحفيين المعروفين بتناول قضايا الرأي العام وكتاباته وبرامجه الساخرة ، وقد أثارت قضيته تفاعلاً واسعاً على المستويين المحلي والدولي، حيث دعت منظمات حقوقية إلى الإفراج عنه وضمان حرية التعبير في البلاد.



ويأتي هذا الإفراج في ظل دعوات متزايدة لمراجعة قانون الجرائم الإلكترونية والقوانين المتعلقة بحبس الصحفيين ومعتقلي الرأي، وذلك لضمان توافقها مع معايير حقوق الإنسان وحرية التعبير

وتعود قضية الزعبي إلى منشور نشره على مواقع التواصل الاجتماعي تطرق فيه إلى إضراب سائقي الشاحنات في جنوب الأردن.

وجاء في المنشور محل الاتهام: "كم تحتاجون من دماء أبنائنا حتى ترتوون؟ ـ لو بنزل الدم ما بنزل البترول ـ قد نزل الدم يا معالي الوزير، نحن الحطب لمدافئكم" حيث استندت النيابة العامة في اتهامها للزعبي إلى هذا المنشور.

ووجهت له تهمتين هما : "القيام بفعل أدى إلى إثارة النزاع بين عناصر الأمة" و"التحريض على الكراهية".

الحمد لله على نعمة الحرية ،الحمد لله على نعمة الشعب الاردني..والشكر للاردنين الطيبين والامهات الطاهرات و فريق المحاميين والمنظمات الحقوقية والدولية على وقوفهم جانبي طيلة فترة الاعتقال.
أ.ح.ز
احمد_حسن_الزعبي# — احمد حسن الزعبي (@alzoubi_ahmed) January 16, 2025

مقالات مشابهة

  • «الدبيبة» يلتقي قادة المنظمات النفطية على هامش قمة «ليبيا للطاقة والاقتصاد»
  • اتحاد القوة يعلن عن دورة تحكيمية دولية على هامش كأس العالم
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. المطوى
  • الإفراج عن الكاتب الأردني أحمد حسن الزعبي بعد 200 يوم من السجن
  • الإفراج عن الكاتب الأردني أحمد حسن الزعبي بعد 200 من السجن
  • الإفراج عن الكاتب أحمد حسن الزعبي
  • وسام أبو علي يؤدي تدريبًا منفردًا على هامش مران الأهلي
  • الرشق: شروطنا التي طرحناها في بداية الحرب انتزعناها كلها وجثى المحتل على الركب
  • ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع
  • عبد الرحيم علي ينعى شقيقة الكاتب الصحفى نبيل عبد الفتاح