نمير بن سالم آل سعيد
أما عن سؤال الكتابة؛ فهي صعبة جدًا ومُرهقة ذهنيًا على المدى البعيد، لما تتطلبه من ثقافة غزيرة مُستمرة لإنتاج الأفكار، والقدرة على التعبير عنها بطريقة جيِّدة، والتحديات الكثيرة التي تُواجه الكاتب وتصرفه بعيدًا عن الكتابة.
وكثيرٌ من الكتاب بدأوا وما لبثوا أن توقفوا، ولم يستمروا، إلّا قليلًا، فتلاشوا في طي النسيان.
يقول الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: "الرجال صناديق مُغلقة، مفاتيحها الكلام". ويقول الفيلسوف اليوناني سقراط "تحدث كي أراك".
والكلمة قد تُحرِّض ضد سلامة دولة، أو قد تُثير سخط مؤسسة، أو تُغضب قبيلة أو أتباع مذهب، وقد تُؤجج البغضاء وتبُث الشقاق والفتن بين أفراد المُجتمع، وقد تضر بالوضع الاقتصادي أو الأمن أو الاستقرار العام. لذا.. هناك من خسروا حياتهم بسبب الكلمة، وهناك من فقد حريته بسبب الكلمة، وهناك من تعرَّض للتهميش بسبب الكلمة، وهناك من آثروا المنفى وأصبحوا لاجئين في دول أخرى بسبب الكلمة؛ لاعتقادهم أن حقوقهم سُلبت في دولهم، ولا حلَّ إلّا المطالبة من خارج بلدانهم، أو ربما لأسباب أخرى مُعلنة أو خفية.
لكن يبقى من يحسبون للكلمة ألف حساب، إذا كتبوا، فلا يستطيعون الاندفاع والتهور في كتاباتهم، ويبقون مصدر نفع لبلدانهم لا مصدر أذى، ومعول بناء لا معول هدم؛ حفاظًا على المصلحة العامة.
والكلمة مسؤولية كبيرة، لمن يُدرك أهميتها وتأثيراتها، وهي وسيلة من وسائل الاتصال بين الأفراد ومجتمعهم، وكذلك هي أداة مُهمة من أدوات التعلُّم؛ إذ عن طريق الكتابة والقراءة يواصل الإنسان الإبحار والتقدم في العلم والمعرفة. وتبرز أهمية الكتابة أيضًا في تدوين المعرفة لتنتقل من جيل إلى جيل؛ فالنتاج المعرفي وصل عن طريق الكتابة، ونقدمه عن طريق الكتابة، والكتابة مستوى عالٍ من الرقي الثقافي، وكلما وُجدت الكتابة النافعة، دلَّ ذلك على ثقافة الشعب وحضارته وتاريخه المُتجذِّر.
وازدادت أهمية الكتابة إعلاميًا لسهولة إعادة نشرها، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بما فيها المنصة الأشهر "واتساب"؛ فانطلقت الكلمة من محبسها المحدود بضوابط وسائل الإعلام، إلى الفضاء المفتوح عبر منصات إلكترونية عملاقة، مثل منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، كما إنها نجحت في استقطاب عدد هائل من المتابعين ومعرفة ردود أفعالهم المُباشرة. ومن مميزات هذه الوسائل، أنها تتمتع بأعلى سقف للحرية، ولا يستطيع أحد التدخل في المحتوى المنشور عبرها. وتحظى الكتابات في الفضاء الإلكتروني باهتمام أوسع إذا كان الموضوع المطروح ضمن الاهتمام الشعبي، وصاحبها اسم معروف مُتحقَّق؛ لأنَّ اسم الكاتب يحدد أهمية الموضوع، خاصة إذا رسّخ اسمه ثقافيًا وأثبت ذاته في مجال الممارسة الثقافية المستمرة، وهذا ما نراه مُتحققًا من حولنا.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"المانجا بين الكلمة والصورة" ومستقبل القصص المصورة بمعرض جدة للكتاب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في ندوة مميزة بعنوان "المانجا ما بين الكلمة والصورة"، ألقى معرض جدة للكتاب 2024 الضوء على عالم القصص المصورة، مستعرضاً أبرز تقنياتها ومستقبلها، من خلال ضيوفها العباس حميد الدين، ونوف الحسين، وأدارت الحوار تغريد الطاسان، ضمن فعاليات البرنامج الثقافي للمعرض.
تناولت الحسين خلال حديثها أهمية تقديم محتوى ملائم باللغة العربية يلبي تطلعات الجيل الجديد، ووصفت المانجا بأنها وسيلة مبتكرة وجذابة لإثراء المحتوى العربي، مشيرة إلى دورها في تصدير الثقافة العربية إلى العالم. وأضافت: "نستطيع من خلال المانجا تقديم محتوى بصري يخدم الأطفال والشباب، خاصة الفئة العمرية من 9 إلى 15 سنة، شريطة أن يتناول قضاياهم بشكل يناسب قيمنا وأخلاقنا عند الترجمة أو التعديل".
وأكدت الحسين أهمية تمكين الأجيال وتعزيز الخيال، واعتبرت الذكاء الاصطناعي أداة قيمة لتحسين جودة الإنتاج الإبداعي، مما يسهم في تنمية قدرات الأطفال على الابتكار والمنافسة. كما أوضحت أن مجلات المانجا حاضنة للمبدعين السعوديين والعرب، وتسهم في تصدير منتج عربي للعالم عبر عمليات دقيقة تشمل الترجمة والتنقيح والتدقيق، ينفذها سعوديون وسعوديات مؤهلون.
من جانبه، تحدَّث العباس حميد الدين عن دور المانجا في تعزيز ثقافة القراءة لدى الأطفال والشباب، مشيراً إلى حرص الجهات المعنية على توطين صناعة الرسوم المتحركة بسواعد سعودية. وقال: "تصدير الثقافة السعودية عبر المانجا يتطلب إعداد جيل واعٍ قادر على مخاطبة العالم بمهارة، مما يعزز مكانة المانجا بوصفها قوة ناعمة لنشر ثقافتنا".
وشدَّد العباس على أهمية عنصر الإثارة في إنتاج القصص المصورة، معتبراً أنها المفتاح لجذب الجمهور. وأكد: "اغتنام المانجا بوصفها وسيلة لتصدير ثقافتنا يتطلب إبداعاً مستمراً وتطويراً مستداماً، لضمان مستقبل مشرق لهذا الفن الواعد".
بهذا، نجحت الندوة في إلقاء الضوء على الإمكانات الكبيرة للمانجا، باعتبارها أداة ثقافية وإبداعية تعكس رؤية مستقبلية طموحة لتعزيز الهوية العربية وتصديرها للعالم.
يُذكر أن معرض جدة للكتاب 2024 يستقبل الزوار يومياً من الساعة 11 صباحاً حتى 12 منتصف الليل، باستثناء يوم الجمعة حيث تبدأ الزيارة من الساعة 2 ظهراً، ويستمر حتى 21 ديسمبر الجاري.