التهيئة النفسية لنجاح الطلبة في التعليم العالي
تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT
د. رضية بنت سليمان الحبسية **
تُشكل مُخرجات دبلوم التعليم العام الأساس الذي يستند إليه الطلبة للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي، ومع التغيرات السريعة في العالم اليوم، بما في ذلك التقدم التكنولوجي والتحولات الثقافية، لذا أصبح من الضروري تهيئة الطلبة نفسيًا وأكاديميًا لمُواجهة تحديات الدراسة الجامعية. وتُعد التهيئة النفسية أمرًا بالغ الأهمية في انتقال الطلبة من مرحلة التعليم المدرسي إلى التعليم الجامعي، فالعملية الجامعية تختلف بشكل كبير عن التعليم الثانوي من حيث المتطلبات الأكاديمية، البيئة الاجتماعية، وطرق التعليم.
وتحظى التهيئة النفسية بأهمية كبيرة في تأهيل الطلبة لدخول العالم الجامعي؛ حيث يتعين عليهم مُواجهة مجموعة من التغيرات والتحديات الجديدة. وأولى مكونات التهيئة النفسية تتعلق بفهم التغيرات المصاحبة لهذه المرحلة، لذا يجب على الطلبة أن يدركوا طبيعة الاستقلالية التي تترتب على الدراسة الجامعية؛ حيث يكتسبون مسؤوليات جديدة، مثل إدارة الوقت ومُتابعة الدراسة بفاعلية. كما أن الانتقال إلى بيئة جديدة يتطلب التكيّف مع تفاصيل اجتماعية وثقافية مختلفة، مما يمثل تحديًا يتوجب عليهم مواجهته بنجاح.
إضافةً إلى ذلك، تعد استراتيجيات تعزيز الثقة بالنفس ضروريةً لبناء شخصية الطلبة وتكوين رؤيتهم الذاتية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تنظيم ورش عمل تحفيزية تهدف إلى تعزيز الثقة والاستعداد الذهني. ومن المهم أيضاً تطوير مهارات القيادة؛ حيث يُشجع الطلبة على قيادة مشاريع جماعية والمساهمة في نشاطات تزيد من شعورهم بالقدرة والكفاءة.
ولا يقل أهمية عن ذلك تطوير مهارات التفكير النقدي، لذا ينبغي تشجيع الطلبة على التفكير النقدي والتحليلي، مما يُساعدهم في بناء القدرة على مناقشة الآراء والأفكار بصورة بناءة، فهي تعزز من قدرتهم على التعامل مع المعلومات المتنوعة وتحليلها بموضوعية.
أيضًا، يُعد التواصل الفعَّال أحد العناصر الأساسية في التهيئة النفسية، وعلى الطلبة تعلم كيفية التفاعل مع الأساتذة والزملاء بطريقة فعَّالة، مما يسهل عليهم بناء شبكة دعم قوية، كما ينبغي لهم تعلم كيفية تلقي النقد والتعامل معه بشكل إيجابي، مما يُعزز من نموهم الأكاديمي والشخصي.
أخيرًا.. تكتسب إدارة التوتر والقلق أهمية خاصة في حياة الطلبة، ويمكنهم استخدام تقنيات الاسترخاء، مثل التأمل وتقنيات التنفس، لتخفيف الضغط النفسي. بالإضافة إلى ذلك، يُنصح بتحديد الأهداف الواقعية والقابلة للتحقيق، مما يُساعد الطلبة على تنظيم جهودهم والتركيز على تحقيق النجاحات الصغيرة على الطريق إلى النجاح الأكاديمي.
ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى خطوات التهيئة النفسية للطالب المستجد، لتمكينهم من تحقيق النجاح الأكاديمي والاجتماعي في بيئة التعليم العالي، وإعدادهم لمواجهة تحديات الحياة الجامعية. وأولى هذه الخطوات هي التعرف على الذات؛ حيث يُشجَّع الطلبة على تحديد جوانب قوتهم وتلك التي تحتاج إلى تعزيز وتطوير، ففهم أسلوب التعلم المفضل لديهم يمكن أن يسهم في اختيار التقنيات الأكاديمية التي تناسبهم، مما يساعدهم على تحسين أدائهم الدراسي بشكل ملحوظ. ويأتي التخطيط الأكاديمي كخطوة محورية في هذا الجانب، ومن المهم أن يقوم الطلبة بوضع جدول دراسي متوازن، يتيح لهم تخصيص وقت كافٍ للدراسة، بينما يجد الوقت للمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والترفيهية؛ لتقليل ضغط الدراسة وتعزيز الرفاهية النفسية.
كذلك بناء شبكات الدعم، وهو عنصر أساسي من خطوات التهيئة النفسية. عليه، يُنصح الطلبة بالانضمام إلى مجموعات دراسية وفرق طلابية لتعزيز الروابط الاجتماعية والدعم المُتبادل. فالعمل ضمن مجموعات يمكن أن يخلق بيئة تعليمية غنية؛ حيث يتبادل الطلبة المعرفة والأفكار، مما يُعزز من الأداء الأكاديمي ويُسهم في بناء علاقات قوية. ويُعتبر الذكاء الاصطناعي أداة فعَّالة يمكن أن تساهم في خلق بيئة تعليمية أكثر شمولًا وفعالية؛ حيث يمكن توفير موارد تعليمية مخصصة، وتسهيل التواصل بين الطلبة والمعلمين، مما يعزز من جودة التعليم ويحسن من استجابة الطلبة لمتطلبات التعليم العالي. كما يجب على الطلبة الاستفادة من الموارد المتاحة في جامعتهم. على أن يتم توعيتهم وتعريفهم بالموارد الأكاديمية والخدمات النفسية التي تقدمها الجامعة، مثل الدعم الأكاديمي والإرشاد النفسي، التي صُممت لمساعدة الطلبة على تجاوز التحديات المختلفة وتوفير الدعم اللازم لهم خلال مسيرتهم التعليمية.
وتُعد الفترة الانتقالية إلى بيئة جديدة من أكبر التحديات التي قد تُواجه الطلبة. ولتحقيق الاندماج السلس، يُنصح الطلبة بالانفتاح على التجارب الجديدة؛ حيث يجب أن يظهروا استعدادهم لتجربة أنشطة اجتماعية وثقافية متنوعة، فهذا الانفتاح لا يوسع من آفاقهم فحسب، بل يسهم أيضًا في تكوين صداقات جديدة.
علاوة على ذلك، يعد التفاعل مع زملاء مختلفين عاملًا مُهمًا في تعزيز تجربة التعلم، فمن خلال التواصل مع أشخاص من خلفيات ثقافية اجتماعية متنوعة، يمكن للطلبة تعلم قيمة التنوع والاستفادة من وجهات نظر جديدة، فمثل هذه التفاعلات تعزز الفهم المتبادل وتساعد في خلق بيئة تعليمية غنية وشاملة.
وإضافة إلى ما سبق، فإنَّ الاستفادة من الدعم الأسري تمثل عاملًا حاسمًا في تجربة الطلبة الجامعية، لذا، يُفَضَّل التفاعل مع الأسرة وطلب الدعم النفسي والمعنوي؛ حيث تسهم شبكة الدعم القوية في تحسين التجربة الأكاديمية وتقليل الشعور بالوحدة. فإذا واجه البعض صعوبات في هذا السياق، فالبحث عن استشارات أو مجموعات دعم داخل الحرم الجامعي، يمكن أن يكون خيارًا مثمرًا لتعزيز الإحساس بالانتماء والتواصل.
الخلاصة.. إنَّ تهيئة الطلبة لمواجهة متطلبات التعليم العالي تحتاج إلى تضافر الجهود بين المؤسسات التعليمية والأسرة والمجتمع، فهي تؤدي دورًا حيويًا في توفير الدعم النفسي والتوجيهي الذي يسهم في تعزيز قدرة الطلبة على التكيف مع التحديات الجديدة، من خلال فهم عميق للاختلافات البيئية والثقافية، يتمكن الطلبة من تعزيز تجربتهم التعليمية وتحقيق نجاح أكاديمي مستدام.
** أستاذ الإدارة التربوية المساعد بجامعة نزوى
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير التعليم العالي: جامعة سنجور رمز للشراكة الفرانكفونية ومنارة للتنمية الإفريقية
شهد الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، فعاليات حفل تخرج الدفعة (19) من جامعة سنجور بالإسكندرية، وذلك بحضور الدكتور خالد العناني المدير العام المنتخب لمنظمة اليونسكو وراعي الدفعة، ود.هاني هلال رئيس الجامعة، ود.عبدالعزيز قنصوة رئيس جامعة الإسكندرية، ود.عمرو عدلي رئيس الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا، ود.تيري فيردال المدير التنفيذي لجامعة سنجور، ود.ولاء شتا المدير التنفيذي لهيئة تمويل العلوم والتكنولوجيا والابتكار، ود.عمرو علام مساعد الوزير للتطوير المؤسسي والوكيل الدائم للوزارة، والسفير عمرو الشربيني مساعد وزير الخارجية لشؤون الفرانكوفونية، والسيدة نادين مراد الوزيرة المفوضة بالإدارة العامة للفرانكوفونية بوزارة الخارجية، ولفيف من رؤساء الجامعات المصرية والإفريقية، والشخصيات العامة والدبلوماسية من مصر والدول الصديقة والشقيقة، وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية، وأعضاء هيئة التدريس، إلى جانب أولياء أمور الخريجين، وذلك بمقر الجامعة بمدينة برج العرب بالإسكندرية.
في مستهل كلمته، أعرب الوزير عن سعادته بالمشاركة في حفل تخرج الدفعة (19) من جامعة سنجور، مؤكدًا أن هذه الجامعة العريقة تعد رمزًا مضيئًا لمسيرة التعاون المثمر بين مصر ومنظمة الفرانكفونية، ونموذجًا رائدًا للشراكة الفاعلة من أجل التنمية في القارة الإفريقية.
وأشار د.أيمن عاشور إلى أهمية هذا الحفل، الذي يتزامن مع الاحتفال بمرور 35 عامًا على تأسيس جامعة سنجور، التي انطلقت من مدينة الإسكندرية عام 1990 لتكون منارة للعلم والتعاون الإفريقي المشترك، مؤكدًا أن الجامعة أسهمت على مدار مسيرتها في إعداد الكوادر الإفريقية القادرة على قيادة مسيرة التنمية المستدامة في بلدانها، مؤكدًا أننا اليوم نحتفل بتخرج 158 طالبًا وطالبة، لينضموا إلى 3900 خريج وخريجة من مختلف أنحاء القارة الإفريقية، ممن تخرجوا من مقر الجامعة وفروعها بعدد من الدول الإفريقية، مشيرًا إلى أن هؤلاء الخريجين يمثلون ثمار التعاون الدولي البناء، وصناع المستقبل الذي نطمح جميعًا إليه.
وأكد الوزير إيمان مصر الراسخ، بأهمية الفرانكفونية بوصفها جسرًا للحوار والتبادل الثقافي والمعرفي، يعزز التنوع والانفتاح، ويعمق أواصر التعاون بين الشعوب، لافتًا إلى أن التعاون بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والحكومة الفرنسية أثمر عن تنفيذ عدد من البرامج والمبادرات المشتركة في مجالات تطوير التعليم الجامعي، ودعم البحث العلمي، وبناء القدرات، وتعزيز تعليم اللغة الفرنسية في مؤسسات التعليم العالي المصرية، مشيرًا إلى أن الوزارة تسعى من خلال هذا التعاون إلى توسيع نطاق الشراكات الأكاديمية بين الجامعات المصرية ونظيراتها الفرانكفونية، وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال بين الشباب، وتبادل الباحثين والطلاب، بما يسهم في دعم رؤية مصر للتحول إلى مركز إقليمي للتعليم والبحث العلمي قائم على التنوع الثقافي، والانفتاح الدولي.
وأشار د.أيمن عاشور إلى أنه في إطار الالتزام الراسخ للدولة المصرية وقيادتها السياسية، بتعزيز التعاون الإفريقي وتجسيد بعدها الإقليمي الأصيل، قدمت الحكومة المصرية الحرم الجامعي الجديد لجامعة سنجور، وهو صرح متكامل يعكس مكانة الجامعة ودورها الحيوي في دعم التنمية بالقارة الإفريقية، ويضم الحرم الجديد منشآت أكاديمية وإدارية حديثة، ومرافق إقامة متكاملة للطلاب وأعضاء هيئة التدريس، إلى جانب ملاعب رياضية، وحمام سباحة، ومطعم جامعي، وقاعة مؤتمرات كبرى، بما يوفر بيئة تعليمية عصرية تدعم التفوق الأكاديمي وتعزز التواصل الثقافي بين طلاب القارة، مؤكدًا أن هذا المشروع يجسد رؤية مصر في دعم التعليم العالي والبحث العلمي في إفريقيا وترسيخ مكانتها كدولة محورية حريصة على التنمية والبناء المشترك بالقارة الإفريقية.
وأكد الوزير أن الخريجين هم سفراء لجامعة سنجور في أوطانهم، وسفراء لمصر وإفريقيا في عالم سريع التحول، داعيًا إياهم إلى التمسك بالقيم التي تعلموها، وأن يكونوا دائمًا في طليعة من يقودون التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم علمًا وأخلاقًا وخدمةً للإنسان، كما أعرب عن تقديره لقيادات وأساتذة الجامعة، وجميع العاملين بها لما بذلوه من جهد مخلص في بناء العقول وتنمية القدرات، مؤكدًا أنهم الركيزة الأساسية لما تحقق من إنجاز وتميز، ووجه التحية إلى منظمة الفرانكفونية، ومدينة الإسكندرية التي احتضنت الجامعة منذ انطلاقتها؛ لتبقى منارة للثقافة والعلم والانفتاح، مختتمًا كلمته بتهنئة الخريجين، متمنيًا لهم مستقبلًا مشرقًا، وأن تظل جامعة سنجور منارةً للعلم والعمل والأمل في قارتنا الحبيبة.
ومن جانبه، وجه د.هاني هلال الشكر للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسي والحكومة المصرية على دعمهم لجامعة سنجور وتخصيص مقر دائم لها، والذي نشهد الاحتفال ببدء الدراسة به اليوم، مؤكدًا أن ذلك يعكس التزام مصر بدعم إفريقيا في مجال التعليم، موضحًا أن الجامعة تهدف إلى إعداد كوادر إفريقية متميزة تسهم في التنمية بالدول الفرنكوفونية، مشيرًا إلى أن الحرم الجامعي الجديد يجسد الشراكة المصرية الفرنكوفونية، ويعد مركزًا متكاملا للتعليم والبحث العلمي، ويتيح بيئة محفزة للتميز والإبداع، ويسهم في مضاعفة الطاقة الاستيعابية للجامعة ودعم التنمية المستدامة بالقارة الإفريقية.
وأضاف د.هاني هلال أن جامعة سنجور تستقبل سنويًّا نحو 200 طالب من أكثر من 25 دولة إفريقية يتم اختيارهم من بين آلاف المتقدمين، وتقدم برامج ماجستير متخصصة في مجالات الثقافة، والبيئة، والإدارة، والصحة، لإعداد كوادر إفريقية مؤهلة تسهم في تنمية بلدانها، مشيرًا إلى أن خريجي الجامعة شغلوا مناصب قيادية في مؤسسات تنموية وحكومية وإقليمية؛ بما يعكس نجاحها في تحقيق رسالتها، وتعزيز التنمية المستدامة، ونشهد اليوم تخرج الدفعة (19) التي ضمت طلابًا من دول إفريقية متعددة؛ تجسيدًا للتنوع الثقافي الذي يثري بيئتها التعليمية، موجهًا الشكر لدكتور خالد العناني لرعايته هذه الدفعة، كما وجه التهنئة للخريجين، مؤكدًا أن تخرجهم يمثل بداية مرحلة جديدة تحمل فرصًا ومسؤوليات كبيرة لخدمة مجتمعاتهم، معربًا عن ثقته في مواصلة خريجي الجامعة مسيرة التميز والعطاء والمساهمة في بناء مستقبل أكثر ازدهارًا للقارة الإفريقية.
ومن جانبهم، قدم الخريجون عروضًا فنية بعدة لغات نالت إعجاب الحضور، كما ألقى الطلاب المتفوقون كلمات عبروا فيها عن امتنانهم لما اكتسبوه من خبرات ومعارف خلال دراستهم بالجامعة، مؤكدين أن ما تلقوه من تعليم وتدريب يؤهلهم بقوة للمنافسة في سوق العمل.
ومن ناحية أخرى، قام الوزير بجولة تفقدية داخل مباني جامعة سنجور، التي تمتد على مساحة 10 أفدنة، وتضم مبنيين أكاديميين، ومبنى إداريًا، ومبنى لقاعات المحاضرات، ومبنى للمطاعم، إلى جانب 4 مبانٍ سكنية للطلاب، ومبنى لسكن المديرين، وآخر لسكن أعضاء هيئة التدريس، فضلًا عن صالة للألعاب الرياضية، وحمام سباحة، وملعب متعدد الأغراض.
جدير بالذكر أن جامعة سنجور هي الجامعة الدولية الفرنسية للتنمية الإفريقية، وتم تأسيسها لخدمة قضايا التنمية الإفريقية، وتقوم بدور مهم ومحوري في تدريب الكوادر الإفريقية المنوط بها النهوض بالقارة، وتستضيف مصر مقرها منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وقد أسست باتفاقية بين الوكالة الفرانكوفونية ومصر في الإسكندرية عام 1989؛ بهدف تأهيل الكوادر الوطنية الإفريقية على مستوى متميز ليكونوا روادًا للتنمية في الدول الإفريقية.