د. رضية بنت سليمان الحبسية **

تُشكل مُخرجات دبلوم التعليم العام الأساس الذي يستند إليه الطلبة للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي، ومع التغيرات السريعة في العالم اليوم، بما في ذلك التقدم التكنولوجي والتحولات الثقافية، لذا أصبح من الضروري تهيئة الطلبة نفسيًا وأكاديميًا لمُواجهة تحديات الدراسة الجامعية. وتُعد التهيئة النفسية أمرًا بالغ الأهمية في انتقال الطلبة من مرحلة التعليم المدرسي إلى التعليم الجامعي، فالعملية الجامعية تختلف بشكل كبير عن التعليم الثانوي من حيث المتطلبات الأكاديمية، البيئة الاجتماعية، وطرق التعليم.

وتحظى التهيئة النفسية بأهمية كبيرة في تأهيل الطلبة لدخول العالم الجامعي؛ حيث يتعين عليهم مُواجهة مجموعة من التغيرات والتحديات الجديدة. وأولى مكونات التهيئة النفسية تتعلق بفهم التغيرات المصاحبة لهذه المرحلة، لذا يجب على الطلبة أن يدركوا طبيعة الاستقلالية التي تترتب على الدراسة الجامعية؛ حيث يكتسبون مسؤوليات جديدة، مثل إدارة الوقت ومُتابعة الدراسة بفاعلية. كما أن الانتقال إلى بيئة جديدة يتطلب التكيّف مع تفاصيل اجتماعية وثقافية مختلفة، مما يمثل تحديًا يتوجب عليهم مواجهته بنجاح.

إضافةً إلى ذلك، تعد استراتيجيات تعزيز الثقة بالنفس ضروريةً لبناء شخصية الطلبة وتكوين رؤيتهم الذاتية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تنظيم ورش عمل تحفيزية تهدف إلى تعزيز الثقة والاستعداد الذهني. ومن المهم أيضاً تطوير مهارات القيادة؛ حيث يُشجع الطلبة على قيادة مشاريع جماعية والمساهمة في نشاطات تزيد من شعورهم بالقدرة والكفاءة.

 ولا يقل أهمية عن ذلك تطوير مهارات التفكير النقدي، لذا ينبغي تشجيع الطلبة على التفكير النقدي والتحليلي، مما يُساعدهم في بناء القدرة على مناقشة الآراء والأفكار بصورة بناءة،  فهي تعزز من قدرتهم على التعامل مع المعلومات المتنوعة وتحليلها بموضوعية.

أيضًا، يُعد التواصل الفعَّال أحد العناصر الأساسية في التهيئة النفسية، وعلى الطلبة تعلم كيفية التفاعل مع الأساتذة والزملاء بطريقة فعَّالة، مما يسهل عليهم بناء شبكة دعم قوية، كما ينبغي لهم تعلم كيفية تلقي النقد والتعامل معه بشكل إيجابي، مما يُعزز من نموهم الأكاديمي والشخصي.

أخيرًا.. تكتسب إدارة التوتر والقلق أهمية خاصة في حياة الطلبة، ويمكنهم استخدام تقنيات الاسترخاء، مثل التأمل وتقنيات التنفس، لتخفيف الضغط النفسي. بالإضافة إلى ذلك، يُنصح بتحديد الأهداف الواقعية والقابلة للتحقيق، مما يُساعد الطلبة على تنظيم جهودهم والتركيز على تحقيق النجاحات الصغيرة على الطريق إلى النجاح الأكاديمي.

ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى خطوات التهيئة النفسية للطالب المستجد، لتمكينهم من تحقيق النجاح الأكاديمي والاجتماعي في بيئة التعليم العالي، وإعدادهم لمواجهة تحديات الحياة الجامعية. وأولى هذه الخطوات هي التعرف على الذات؛ حيث يُشجَّع الطلبة على تحديد جوانب قوتهم وتلك التي تحتاج إلى تعزيز وتطوير، ففهم أسلوب التعلم المفضل لديهم يمكن أن يسهم في اختيار التقنيات الأكاديمية التي تناسبهم، مما يساعدهم على تحسين أدائهم الدراسي بشكل ملحوظ. ويأتي التخطيط الأكاديمي كخطوة محورية في هذا الجانب، ومن المهم أن يقوم الطلبة بوضع جدول دراسي متوازن، يتيح لهم تخصيص وقت كافٍ للدراسة، بينما يجد الوقت للمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والترفيهية؛ لتقليل ضغط الدراسة وتعزيز الرفاهية النفسية.

كذلك بناء شبكات الدعم، وهو عنصر أساسي من خطوات التهيئة النفسية. عليه، يُنصح الطلبة بالانضمام إلى مجموعات دراسية وفرق طلابية لتعزيز الروابط الاجتماعية والدعم المُتبادل. فالعمل ضمن مجموعات يمكن أن يخلق بيئة تعليمية غنية؛ حيث يتبادل الطلبة المعرفة والأفكار، مما يُعزز من الأداء الأكاديمي ويُسهم في بناء علاقات قوية. ويُعتبر الذكاء الاصطناعي أداة فعَّالة يمكن أن تساهم في خلق بيئة تعليمية أكثر شمولًا وفعالية؛ حيث يمكن توفير موارد تعليمية مخصصة، وتسهيل التواصل بين الطلبة والمعلمين، مما يعزز من جودة التعليم ويحسن من استجابة الطلبة لمتطلبات التعليم العالي. كما يجب على الطلبة الاستفادة من الموارد المتاحة في جامعتهم. على أن يتم توعيتهم وتعريفهم بالموارد الأكاديمية والخدمات النفسية التي تقدمها الجامعة، مثل الدعم الأكاديمي والإرشاد النفسي، التي صُممت لمساعدة الطلبة على تجاوز التحديات المختلفة وتوفير الدعم اللازم لهم خلال مسيرتهم التعليمية.

وتُعد الفترة الانتقالية إلى بيئة جديدة من أكبر التحديات التي قد تُواجه الطلبة. ولتحقيق الاندماج السلس، يُنصح الطلبة بالانفتاح على التجارب الجديدة؛ حيث يجب أن يظهروا استعدادهم لتجربة أنشطة اجتماعية وثقافية متنوعة، فهذا الانفتاح لا يوسع من آفاقهم فحسب، بل يسهم أيضًا في تكوين صداقات جديدة.

علاوة على ذلك، يعد التفاعل مع زملاء مختلفين عاملًا مُهمًا في تعزيز تجربة التعلم، فمن خلال التواصل مع أشخاص من خلفيات ثقافية اجتماعية متنوعة، يمكن للطلبة تعلم قيمة التنوع والاستفادة من وجهات نظر جديدة، فمثل هذه التفاعلات تعزز الفهم المتبادل وتساعد في خلق بيئة تعليمية غنية وشاملة.

وإضافة إلى ما سبق، فإنَّ الاستفادة من الدعم الأسري تمثل عاملًا حاسمًا في تجربة الطلبة الجامعية، لذا، يُفَضَّل التفاعل مع الأسرة وطلب الدعم النفسي والمعنوي؛ حيث تسهم شبكة الدعم القوية في تحسين التجربة الأكاديمية وتقليل الشعور بالوحدة. فإذا واجه البعض صعوبات في هذا السياق، فالبحث عن استشارات أو مجموعات دعم داخل الحرم الجامعي، يمكن أن يكون خيارًا مثمرًا لتعزيز الإحساس بالانتماء والتواصل.

الخلاصة.. إنَّ تهيئة الطلبة لمواجهة متطلبات التعليم العالي تحتاج إلى تضافر الجهود بين المؤسسات التعليمية والأسرة والمجتمع، فهي تؤدي دورًا حيويًا في توفير الدعم النفسي والتوجيهي الذي يسهم في تعزيز قدرة الطلبة على التكيف مع التحديات الجديدة، من خلال فهم عميق للاختلافات البيئية والثقافية، يتمكن الطلبة من تعزيز تجربتهم التعليمية وتحقيق نجاح أكاديمي مستدام.

** أستاذ الإدارة التربوية المساعد بجامعة نزوى

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

المؤتمر السادس للشبكة العربية لضمان الجودة في التعليم العالي يختتم أعماله

اختُتم في مدينة الرياض، أمس المؤتمر السادس للشبكة العربية لضمان الجودة في التعليم العالي أعماله، الذي استضافته هيئة تقويم التعليم والتدريب بعنوان “نحو ممارسات ضمان جودة عالية الأثر.. مشاركة أصحاب المصلحة وتمكين الطلبة”، بمشاركة أكثر من 1000 مشارك من 30 دولة، وأكثر من 110 مؤسسات تعليمية عربية، وأعلنت التوصيات الرئيسة للمؤتمر.
وحضر حفل افتتاح المؤتمر عدد من أصحاب المعالي ورؤساء الجامعات السعودية وأعضاء من مجلس إدارة الهيئة، وبمشاركة نخبة من الخبراء العرب والدوليين وصُنّاع القرار من أكثر من ثلاثين دولة، واستمر لمدة ثلاثة أيام, حيث مثل منصة لتبادل الخبرات، ونقل المعرفة بين الهيئات العربية من جهة، والأكاديميين والباحثين من جهة أخرى.
وضمن فعاليات المؤتمر استُعرض النموذج السعودي لجودة التعليم والتدريب، الذي يرتكز على القياس والتقويم لتوفير البيانات التشخيصية وتمكين التطوير ورفع الجودة، ويتميز أيضًا بإشراك أصحاب المصلحة والطلبة في أعمال التقويم والاعتماد.
وأكد معالي رئيس مجلس إدارة هيئة تقويم التعليم والتدريب الدكتور خالد بن عبدالله السبتي في افتتاح المؤتمر، اهتمام ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- بالتعليم النوعي، ودعمهما لكل ما ينهض بالتعليم وبناء الأجيال.
وبين أن المملكة من خلال هيئة تقويم التعليم والتدريب، طورت نموذجًا سعوديًا رائدًا عالميًا لضمان وضبط جودة التعليم والتدريب عالي الأثر، قائمًا على التقنية والبيانات ومسارات تطوير طموحة، مشيرًا إلى أن جودة التعليم ورفع تنافسيته ومواءمته لسوق العمل، ترتكز على رؤية المملكة 2030، وعلى مستهدفات برنامج تنمية القدرات البشرية، مع الإشارة إلى تكامل أعمال الهيئة مع وزارة التعليم والجامعات والجهات الوطنية.
وأشار الدكتور السبتي إلى أن النموذج السعودي لجودة التعليم، تضمن مبادرات نوعية، مثل: التصنيف السعودي العالمي لتصنيف مؤسسات التعليم العالي “صقر”، وتطوير مؤشر أداء منظومة التعليم، وبرنامج رفع جاهزية خريجي التعليم العالي لسوق العمل، وكذلك تنفيذ الاستطلاع الوطني للتعليم الجامعي لأكثر من مليون مستفيد من الطلبة وجهات التوظيف وأعضاء هيئة التدريس والخريجين.
ولفت النظر إلى حصول الهيئة على عدد من الاعترافات والعضويات الدولية، منها: اعتراف الاتحاد العالمي للتعليم الطبي (WFME)، وعضوية اتفاقية سيؤول، واتفاقية واشنطن.
وفيما يخص أعمال المؤتمر، فقد ثمّن تركيز المؤتمر على الممارسات عالية الأثر، وعلى التشاركية، مشيرًا إلى أن التوصيات يجب أن تترجم لخطط تطوير مستدامة، تستفيد من التقنيات الحديثة، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي.
من جانبها نوهت رئيسة الشبكة العربية لضمان جودة التعليم العالي الدكتورة نادية بدراوي باسم الشبكة، باستضافة المملكة للمؤتمر السادس للشبكة، مؤكدة أن المؤتمر ليس مجرد مناسبة علمية، بل هو تعبير حي عن الالتزام بمستقبل التعليم في المنطقة، وبجودة هذا المستقبل، فالتعليم لم يعد مجرد نقل للمعرفة، بل أصبح منظومة متكاملة تتطلب التفاعل، والمساءلة، والتمكين، والابتكار.
وتضم الشبكة العربية لضمان الجودة في التعليم العالي أعضاء من 19 دولة عربية, وأسهمت منذ إنشائها في عام 2007، في تعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين هيئات الاعتماد ومؤسسات التعليم العالي في العالم العربي، وكان لها دور رئيس في مواءمة معايير وأطر جودة التعليم العالي، ورفع الوعي بها، والتحول من المفاهيم النظرية إلى الممارسات الفاعلة في إحداث الأثر.
وتأتي استضافة هذا المؤتمر تقديرًا للدور الريادي الذي تقوم به المملكة ممثلة بهيئة تقويم التعليم والتدريب في مجال ضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي، وقيادتها رحلة التحول في ضبط جودة التعليم والتدريب وضمانها، وصولًا إلى ممارسات متكاملة وعالية الأثر، تعتمد على التقنية والبيانات، ومن مؤشرات هذا التحول صدور أكثر من 500 قرار اعتماد مؤسسي وبرامجي، بمعدل أكثر من 40 قرار اعتماد شهريًا خلال هذا العام 2025م فقط.
وتعكس هذه الاستضافة دور الهيئة، بوصفها عضوًا مؤسسًا وفاعلًا في الشبكة العربية لضمان الجودة، تشارك بانتظام في فعاليات الشبكة إقليميًا وفي الفعاليات المشابهة دوليًا، مما رسّخ مكانتها كبيتِ خبرةٍ إقليمي وعالمي في هذا المجال.
واشتمل برنامج المؤتمر على عدد من الجلسات الموازية، قدمت فيها أكثر من (50) ورقة علمية محكمة، حضرها أكثر من 1000 مشارك.
واختتم المؤتمر بعدد من التوصيات الرئيسة، تضمنت الإشادة بالنموذج السعودي لضمان وضبط الجودة في التعليم والتدريب، والاستفادة من المبادرات التي قدمتها هيئة تقويم التعليم والتدريب في المملكة العربية السعودية، من خلال عقد لقاء لعرض النموذج على جميع الدول العربية، والمواءمة النوعية بين مخرجات مؤسسات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، وبناء إطار للمواءمة النوعية بين مخرجات مؤسسات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، من خلال تطوير معايير أكاديمية تخصصية، يشارك في بنائها أصحاب المصلحة من القطاعات المهنية والأكاديمية، وتطبيق اختبارات معيارية في ضوئها. واعتبار برنامج (جاهزية) المقدم من هيئة تقويم التعليم والتدريب في المملكة العربية السعودية، نموذجًا رائدًا عربيًا للاحتذاء به، وكذلك إطلاق منصة إقليمية موحدة لرصد أثر الخريجين، وتأسيس “المرصد العربي لمخرجات الخريجين”، يدمج بيانات التوظيف، الرواتب، ومؤشرات قابلية التوظيف على مستوى العالم العربي.

مقالات مشابهة

  • وزير التعليم العالي يبحث سبل تعزيز التعاون مع وفد الجامعة المفتوحة في الصين
  • "التعليم العالي" تستعد لإطلاق حملة خاصة لإسناد طلبة جامعات غزة
  • هذا ما قاله وزير التعليم العالي عن التدريس باللغة الفرنسية في الجامعات
  • زرب اسعيد: 2702 محبوسا مسجل في التعليم العالي
  • زرب أسعيد: 2702 محبوسا مسجل في التعليم العالي
  • وزير التعليم العالي: الجامعات المصرية منصة لصناعة رائدات الأعمال
  • وزير التعليم العالي يلتقي السفير السعودي بالقاهرة لبحث التعاون المشترك
  • وزير التعليم العالي يترأس اجتماعًا تنسيقيًّا لأفرع الجامعات الأجنبية في مصر
  • وزير التعليم العالي يبحث تعزيز التعاون مع السفير السعودي بالقاهرة
  • المؤتمر السادس للشبكة العربية لضمان الجودة في التعليم العالي يختتم أعماله